الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة بناء مشروع نقابي ديمقراطي وكفاحي خطوة نحو بناء حركة عمالية وشعبية مستقلة

التضامن من اجل بديل اشتراكي

2009 / 5 / 26
الحركة العمالية والنقابية


خاض مناضلو التضامن تجربة مريرة داخل النقابات، بدأت بالانخراط في البنيات النقابية وتنشيطها والمساهمة في تنظيم نضالات الشغيلة، وانتهت إلى فكرة تنظيم الملتقيات النقابية الديمقراطية من اجل تشكيل معارضة نقابية جذرية وإعادة بناء مشروع بديل نقابي. ولابد من الإقرار باختلاف مجموعة التضامن مع عدد من التصورات السائدة داخل اليسار النقابي، كما لا يجب إخفاء حذر عدد كبير من النقابيين اليساريين إزاء مشروع التضامن النقابي.
ونعتقد أن جزءا من هذا الحذر يرجع إلى:
1- حصيلة الدعوات السابقة إلى إعادة بناء مشروع نقابي وانكشاف زيف عدة مشاريع دعت إلى مشروع نقابي بديل بينما لم تعمل سوى على إعادة استنساخ نفس المشروع النقابي المأزوم.
2- عدم قدرة أعضاء التضامن النقابي على اختراق الجدار السميك الذي تضربه البيروقراطية النقابية حول النقابات بالنظر إلى ضعف القوى وغياب أدوات تعبير جماهيري
3- ضعف وثيرة التجدد داخل الحركة النقابية نفسها......
للتعريف بهذا المشروع النقابي ارتأينا التذكير بالعناصر الرئيسية التي يرتكز عليها هذا المشروع.

أزمة الحركة النقابية أزمة مشروع نقابي
كثير من النقابيين النقديين يختزلون أزمة الحركة النقابية التقليدية في بعض المظاهر التي رافقت هذه الحركة منذ تشكلها (تبعيتها السياسية، البيروقراطية، بنية تنظيمية واجتماعية هرمية، الانقسامات والفئوية...) فيختزلون بذلك مهام تجاوز هذه المظاهر في تصحيح هذه الاختلالات دون النظر بعمق إلى الأسباب العميقة لازمة الحركة النقابية.
فإذا كانت هذه المظاهر تعكس طبيعة الحركة النقابية المغربية (منقسمة وتابعة سياسيا ومشوهة بيروقراطيا) فإن هذه المظاهر لم تشكل في الماضي عائقا أمام تجدد وتطور هذه الحركة وتوسعها. ويجب التذكير هنا بان تفاقم مظاهر التبقرط والتبعية السياسية داخل الاتحاد المغربي للشغل مع بداية عقد السبعينات من القرن الماضي لم يترتب عنها عجز بنيوي أو استحالة إعادة إنتاج نفس المشروع النقابي، بل تمخض عنها تشكل اتحاد نقابي جديد، مع حفاظ الاتحاد الأم على وزنه وقاعدته الاجتماعية.
على العكس من ذلك، فان الأزمة الحالية التي تعيشها الحركة النقابية تطال كل المرتكزات التي تاسست على قاعدتها هذه الحركة. وهذا ما يجعلنا نتحدث عن أزمة مشروع نقابي استنفذ كل إمكانيات إعادة إنتاجه.
ولفهم طبيعة الأزمة الراهنة وتحديد عمقها يجب تسليط الضوء، ليس على جسم الحركة النقابية وتناقضاتها الداخلية، بل على التحولات البنيوية التي عرفتها الرأسمالية وانعكاس هذه التحولات على بنية الطبقة العاملة وعلى دور ووظيفة الحركة النقابية.
لا يتسع المجال هنا للتفصيل في النتائج التي خلفها مسلسل إعادة هيكلة الرأسمالية على النسيج الاجتماعي للشغيلة وأثار إعادة هيكلة علاقات الشغل على الحركة النقابية التقليدية، وسنكتفي بالوقوف وبشكل سريع على بعض الخلاصات والاستنتاجات التي يمكن الوصول إليها من خلال تحليل مفصل وشامل لهذه النتائج.
إن أهم خلاصة يجب استخلاصها، على ضوء حصيلة تجربة الحركة النقابية خلال مرحلة تطبيق مخططات التقويم الهيكلي وتطبيق الإصلاحات الليبرالية هي:
التغير الجذري لشروط النضال النقابي مقابل عجز الحركة النقابية التقليدية التام عن مواكبة هذه التغيرات وفشل قياداتها البيروقراطية في الجواب، ولو من منطلق مصلحتها، عن التحديات السياسية والإستراتيجية المرافقة لهذه التحولات الموضوعية. نحن اذن امام أزمة مشروع نقابي، وتتجلى هذه الأزمة، ليس في اختلالات جزئية أو ظرفية، بل تمس وجود هذا المشروع وعلى كل المستويات:
1- أزمة خط سياسي.
2- أزمة استراتيجة نقابية.
3- أزمة قاعدة اجتماعية.
4- أزمة أفق اجتماعي وسياسي.
نحن نعتقد أن "تجربة نقابية" بكاملها قد انتهت واستنفدت دورها. تجربة بدأت بتشكل الحركة النقابية كرافد من روافد الحركة الوطنية وتطورت وتجذرت في التربة الاجتماعية من خلال انتزاع عدة مكاسب اجتماعية وحقوق نقابية (قانون الشغل – حق التنظيم والإضراب...) واكتسبت قياداتها شرعية تاريخية من خلال معارضة المشروع السياسي والاجتماعي للطبقات السائدة وربط النضال النقابي بأفق النضال الوطني والنضال السياسي من اجل إصلاح ديمقراطي على مستوى الاقتصاد والمجتمع والدولة...
لقد انتهت هذه التجربة، سياسيا وليس تنظيميا، باكتمال اندماج قياداتها النقابية والسياسية في المشروع الاجتماعي والسياسي للطبقات السائدة، دون بروز أي جناح معارض من داخل هذه القيادة، حاملا لمشروع بديل، وهو دليل على أن الأزمة أعمق بكثير من أزمة ظرفية أو جزئية يمكن تجاوزها من خلال إصلاح وترميم نفس المشروع النقابي.
الطور الحالي طور التفكك
دخلت الحركة النقابية المغربية مع مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي منعطفا جديدا، ستتبلور معالمه بشكل جلي من خلال محطة الإضراب العام (14 دجنبر 1990) والإضرابات القطاعية التي تلته (1993) وستكتمل المنعطف بشكل سريع مع الإضراب العام لسنة 1996.
على عكس إضرابات 65 و79 و81 لم تنته هذه الإضرابات بتعزيز قوة الحركة النقابية وتجذير خطها النقابي وتوسيع قاعدتها الاجتماعية، بل ستعرف الحركة النقابية سيرورة إضعاف وتفكك لم يسبق لهما مثيل في تاريخيها. فقد عرفت الحركة النقابية بعد سنة 1996 تحولا نوعيا على مستوى خطها النقابي سيتم التعبير عنه نقابيا بانخراط القيادات البيروقراطية في الحرب الهجومية على المكتسبات الاجتماعية والحقوق النقابية للشغيلة (من خلال التوقيع على"اتفاق اجتماعي" كما سيتم التعبير عنه سياسيا بتحالف البيروقراطية النقابية مع النظام مقابل إدماجها في مؤسساته النيابية والاستشارية (من خلال آلية الحوار الاجتماعي).
إن الأمر يتعلق بمنعطف سياسي نوعي هو، في نهاية التحليل، تعبير عن تحولات نوعية وعميقة عرفتها الحركة النقابية نتيجة تداخل عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية.
لهذا نحن نتحدث عن أزمة تاريخية وليس أزمة ظرفية. ويشكل الطور الحالي من هذه الأزمة طور التفكك التدريجي. وهنا يطرح السؤال هل يتمثل واجب الثوريين والنقابيين النقديين في تسريع سيرورة التفكك وتحفيز مخاض ولادة مشروع نقابي جديد، أم يتمثل في تدبير أزمة المشروع النقابي القديم؟.
الجواب واضح، على الأقل من منظورنا: الإعداد على كل المستويات لتسريع مخاض ولادة مشروع نقابي جديد.
إعادة بناء مشروع نقابي بديل
تعترض مهمة إعادة بناء الحركة النقابية على قاعدة مشروع نقابي ديمقراطي كفاحي ومعادي للرأسمالية، عدة عوائق موضوعية وذاتية أهمها:
1- عنف الهجوم الرأسمالي وتعميق هذا الهجوم في مرحلة الأزمة مادام الحل بالنسبة للطبقة السائدة هو تحميل الشغيلة والطبقات الشعبية ثمن الأزمة الاقتصادية.
2- إفلاس القيادات النقابية المسيطرة على المنظمات النقابية. واستعدادها للتضحية بكل شيء مقابل الحفاظ على وظيفتها كوسيط في مرحلة تتميز بانكماش القاعدة المادية للتعاون الطبقي.
3- ضعف مسلسل تجدد الطلائع النقابية وتعثر التيارات النقابية الديمقراطية المناضلة.
لكن مقابل هذه العوائق، هناك شروط موضوعية جديدة تسمح بالتقدم ولو بشكل جزئي نحو تجسيد تدريجي لبديل نقابي نقابي ديمقراطي وكفاحي.
فالمشروع النقابي البيروقراطي فقد هويته الطبقية والسياسية ولم يعد يستند إلى أي أفق استراتيجي.
ومن جهة أخرى يدفع الهجوم الطبقي واحتداد التناقضات الاجتماعية موضوعيا نحو بحث الشغيلة عن تنظيم وتوحيد مطالبها ونضالاتها. فبقدر تشكيك جماهير الشغيلة في فعالية المنظمات النقابية ومصداقية قياداتها، بقدر حاجتها إلى تنظيم صفوفها وتوحيد قواها.
في ظل هذه الشروط لم يعد مقنعا ولا مجديا تقييد النضال والممارسة النقابية ضمن الحدود الضيقة للمشروع النقابي البيروقراطي، أو الأسوأ من ذلك، الاصطفاف خلف هذه القيادة البيروقراطية أو تلك حربها من اجل الوجود.
إن الحاجة الماسة إلى خطوات جريئة من قبل اليسار النقابي قبل فوات الأوان.
لذا نحن نوجه نداء إلى كل نقابي جدير بهذا الاسم أن ينخرط من موقعه في بناء بديل نقابي يلعب دورا مركزيا في دمقرطة الحياة السياسية والاقتصادية ويضمن الرقابة العمالية على التحركات والقرارات ويربط النضالات اليومية مع حملات أكثر اتساعا، على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بديل نقابي يجعل مبدأ التضامن الطبقي واقعا ملموسا وسلاحا ضد العدو الطبقي.
ويجب أن نعي جميعا أهمية تجميع كل النقابيين المعارضين، سواء كانوا نشيطين في النقابات القائمة أو مجمدين (بفتح الميم آو كسرها) أو منسحبين... أو منتمين لهذا التيار أو ذلك، بدون شروط مسبقة.
بناء معارضة نقابية جذرية
ينقسم اليسار النقابي الجذري حول خيارين:
1- النضال من داخل نفس المشروع النقابي، لكن دون أفق أو رؤية إستراتيجية. وقد اتبتت التجربة الملموسة أن هذا الخيار مفتوح على تدبير أزمة المشروع النقابي البيروقراطي وتغذيته بالقوى والأطر النقابية ومنحه مضلة ديمقراطية، على حساب إعادة بناء مشروع نقابي بديل.
2- الانسحاب أو العزوف أو التجميد أو تغيير الإطار النقابي لكن دون رؤية حول البديل لنقابي المنشود.
يعكس هذان الخياران، في نهاية التحليل، أزمة اليسار النقابي وغياب مشروع نقابي بديل.
فإذا كان الخيار الثاني، أي الانسحاب من النقابات بمبرر إنشاء نقابة جديدة أو الالتحاق بأخرى، أو العزوف كلية عن النضال النقابي بدعاوي مختلفة هو عنصر إضعاف لنشاط المنظمات النقابية من جهة وحرمان الشغيلة من طلائعها النقابية، فان الخيار الأول، رغم تأكيده على ضرورة النضال الحازم والدفاع عن مصالح الشغيلة ووحدتها فهو خيار سجين المشروع النقابي البيروقراطي ومحكوم عليه بمسايرة البيروقراطية وفي النهاية التكيف مع سياسة التعاون الطبقي على حساب الدفاع عن المصالح الحقيقية.
وهنا لا بد من توضيح أمر في غاية الأهمية، لطالما شكل عنصر غموض ولبس في فهم المشروع النقابي الذي يدعو إليه تيار التضامن:
هل نعمل داخل النقابات التقليدية أم باستقلال عنها؟ نحن نعتبر طرح المسالة بهذا الشكل مغلوط من أساسه، ويدفع بالنقاش نحو متاهات لا جدوى منها.
إن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو: ما العمل في هذه النقابة أو تلك؟ أية سياسة نقابية سنقوم بتصريفها والدفاع عنها؟ أية تدابير وإجراءات سنعارض بها التدابير والإجراءات الحكومية؟ أي مشروع نقابي سندافع عنه ؟ وارتباطا بأي بديل سياسي؟
فقط حين الاتفاق حول الأجوبة (المضمون) يمكن آنذاك طرح السؤال حول الأدوات والمسائل العملية والتكتيكية: ما العمل داخل المنظمات النقابية القائمة وما العمل من خارجها؟
نحن لا ننظر إلى بناء معارضة نقابية فقط كتجميع للقوى النقابية اليسارية داخل النقابات، على أهمية ذلك، بل إن منظورنا يتجاوز حدود بناء تيار نقابي ديمقراطي داخل المنظمات النقابية. كما أننا لا نختزل مهام المعارضة النقابية في منافسة التيار البيروقراطي على تسيير أجهزة نفس المشروع النقابي.
وهذا ما يجعلنا على خلاف مع عدة تصورات نقابية مطروحة في صفوف اليسار من قبيل:
1- اعتبار التموقع الجيد في أجهزة المشروع النقابي البيروقراطي يسمح بالحد من الآثار السلبية للبيروقراطية ويعزز ارتباط التيارات المناضلة بالشغيلة وانغراسها وسط الطبقة العاملة.
2- حصر الممارسة النقابية في الدفاع عن المطالب المهنية والقطاعية على حساب المطالب الاجتماعية الجماعية (الطبقية) للشغيلة.
3- تكريس حالة الانقسام النقابي كأمر واقع لا يمكن تغييره ...
4- إضفاء الشرعية على أشكال وبنيات تنظيمية وعلاقات تقف عائقا أمام تطور وتوسع الأشكال الجنينية للديمقراطية العمالية....
5- التكيف مع أشكال نضالية أثبتت التجربة الملموسة عقمها، علاوة على كونها لا تسمح بتطوير الوعي ومراكمة التجربة وتطوير كفاحية وقدرات الشغيلة على المواجهة المباشرة مع تسلط الباطرونا وقع الدولة.
نحن نرى أن ممارسة نقابية محصورة ضمن أفق تكتيكي، قطاعي أو محلي قد أثبتت التجربة الملموسة محدوديتها ومأزقها على أكثر من مستوى.
فإذا ما أخذنا على سبيل المثال الإضراب العام والإضرابات في قطاع الوظيفة العمومية والمسيرة العمالية المزعومة، سيتبين لنا بوضوح مأزق هذه الممارسة النقابية:
1- انقسام القوى النقابية المناضلة وتعارضها بحسب انتمائها النقابي والقطاعي....
2- الفشل في الدفاع عن رؤية وخط نضاليين باستقلال عن البيروقراطية النقابية وأحزابها الحكومية والبرلمانية.
وفي نهاية التحليل ممارسة نقابية لا تساهم لا في تحقيق مطالب الشغيلة ولا في تطوير التجربة النضالية والوعي الطبقي.
إن بناء معارضة نقابية ديمقراطية وكفاحية لا يمكن أن يكون من منظورنا على قاعدة أهداف تكتيكية، قطاعية أو فئوية، بل على قاعدة مشروع نقابي استراتجي.
وعلى قاعدة هذا المشروع يمكن العمل على تجميع كل القوى العمالية والشعبية (عمال وعاطلين، أجراء وعمال بدون اجر...) المستعدة للنضال في جبهة موحدة ضد السياسات الحكومية، في احترام تام لأشكال التنظيمية التي تأخذها هذه القوى.
على قاعدة هذا المشروع الاستراتيجي يمكن العمل بشكل مشترك وجماعي على بناء تيار نقابي ديمقراطي وكفاحي يخترق كل المنظمات النقابية ويحترم استقلاليتها، كرافد من روافد هذه المعارضة النقابية.
تجديد الممارسة النقابية
إن النضال النقابي بالنسبة للثوريين والمناهضين للرأسمالية لا ينحصر في الدفاع عن المصالح الفئوية المباشرة، بل يتمثل دور الثوريين في ربط الدفاع عن المطالب المباشرة بالنضال من اجل فرض تدابير وإجراءات سياسية واجتماعية تتعارض مع منطق الرأسمالية ومصالح الطبقات السائدة، بهدف بناء الاستقلال السياسي للشغيلة ومراكمتها للتجربة الكفاحية والوعي الطبقيين.
برنامج نضالي اجتماعي وديمقراطي
من بين نتائج المخططات الإصلاحية المضادة وإعادة هيكلة البنيات الاقتصادية، تعميق التمايزات والانقسامات في جسم الطبقة العاملة. فبالإضافة إلى التقسيمات المهنية السابقة (عمال يدويين وعمال ذهنيين...) انضافت أوضاع مهنية جديدة، أهمها التقسيم بين القطاع العام والقطاع الخاص، العرضيين، المؤقتين العملين بالعقدة والعاملين من الباطن...
على قاعدة هذا النسيج الاجتماعي المفكك للطبقة العاملة، لم تعد الشغيلة موحدة على مستوى مطالبها المهنية المباشرة، وأمام فشل النقابات المركزية والقطاعية في مواكبة هذه التغيرات، ستنخرط كل فئة اجتماعية في البحث عن سبل الدفاع عن مطالبها المهنية المباشرة والبحث عن أدوات تنظيمية خاصة (لجان، نقابات فئوية، جمعيات) لتنظيم صفوفها والتفاوض مباشرة حول مطالبها، كجواب عن تخلي النقابات المركزية عنها وإبرامها لاتفاقات لا تأخذ بعين الاعتبار مطالبها المباشرة.
نحن إذن إزاء وضع وشروط جديدة لا يمكن القفز عليها من اجل إعادة بناء مشروع نقابي يوحد الشغيلة بمختلف فئاتها.
ما هي الأدوات و"الخطة النقابية الملموسة" لتوحيد نضالات الشغيلة بمختلف فئاتها من اجل انتزاع مطالبها المهنية المباشرة؟ هل يمكن تحقيق ذلك من داخل المركزيات ونقاباتها القطاعية؟ هل يمكن أن تشكل هذه النقابة أو تلك نواة قطبا لإعادة تنظيم وتوحيد نضالات الشغيلة بمختلف فئاتها وقطاعاتها؟
نحن إزاء أسئلة لا تشكل الأجوبة عنها أكثر من فرضيات قابلة للنقاش على أكثر من مستوى.
المطالب الاجتماعية:
يرتبط الوضع الاجتماعي للشغيلة بالسياسة الاجتماعية للحكومة. وهي سياسة تسير في اتجاه تعميق التردي الاجتماعي بشكل عام (وليس فقط تردي شروط العمل). فتفكيك نظم الحماية الاجتماعية وخوصصة الخدمات العمومية وتحرير الأسعار وارتفاعها، يجعل تحسين الوضع الاجتماعي للشغيلة يتجاوز حدود تحسين شروط العمل. وهذا ما يجعل النضال من اجل تحسين الوضع الاجتماعي للشغيلة يتجاوز حدود النضال النقابي التقليدي الصرف.
نحن اذن أمام تحديات جديدة تستلزم إعادة تركيب العلاقة بين النضال النقابي والنضال الاجتماعي.
هل يمكن من داخل المشروع النقابي البيروقراطي الدمج بين الدفاع عن المطالب المهنية للشغيلة والنضال من اجل تلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية (السكن، التطبيب، التغذية، التعليم، النقل، الماء والكهرباء.....)؟
هل يسمح هذا المشروع ببناء علاقات نضالية وديمقراطية (دون هرمية أو وصاية) بين الشغيلة وباقي الشرائح الاجتماعية وتنظيماتها المستقلة لبناء ميزان قوى يسمح بالتصدي للهجوم وتلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية؟
نحن على يقين أن الجميع يدرك جيدا أن النضال من اجل تلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية، يستدعي إعادة نظر جذرية في السياسة الاجتماعية للحكومة وان فرض سياسة اجتماعية بديلة مشروط ببناء ميزان قوى على مستوى المجتمع ككل.
لكن ما لا يدركه الجميع هو أن الحركة النقابية (حتى مع تصحيح اختلالات سيرها الداخلي) لا يمكنها لوحدها وبقواها الذاتية تعديل ميزان القوى لفرض سياسة اجتماعية بديلة.
ويكفي تقييم دور النقابات، المركزية والقطاعية، في حركة النضال ضد غلاء المعيشة (مسالة اجتماعية بامتياز) ومدى مساهمتها في تشكيل وتطوير تنسيقيات هذه الحركة (أدوات للنضال من اجل مطالب اجتماعية) ليتبين لنا مرة أخرى الطريق المسدود الذي تقود إليه أزمة المشروع النقابي البيروقراطي.
هل ندعو الشغيلة والنقابيين إلى"الاستمرار والصمود" في خط نقابي مفلس، مهنيا واجتماعيا وسياسيا، أم ندعوهم إلى ضرورة خط وممارسة نقابية بديلة؟
هل ندعو مجموعات اليسار الجذري إلى التفكير والعمل من اجل إعادة بناء حركة عمالية واجتماعية بديلة أم ندعوها إلى الدوران في حلقة مفرغة تبتدئ من مراكمة القوى وتنتهي بتبديدها في معركة إصلاح مشروع نقابي غير قابل للإصلاح؟
تجديد الإستراتيجية النضالية
الجميع، عمالا ونقابيين، يشككون في فعالية الإستراتيجية البيروقراطية لحماية مصالح الشغيلة ضد الهجوم الطبقي.
لكن القليل فقط من النقابيين والعمال يطرح السؤال حول الخط النقابي والإستراتيجية النضالية الكفيلة والقادرة على صد الهجوم وتحقيق انتصارات ولو جزئية على العدو.
ما هي أشكال النضال والتعبئة التي تسمح ببناء جبهة نضالية عمالية وشعبية ؟
إن طريقة ممارسة البيروقراطية للإضراب وتسييرها للنضالات يفرغ الإضراب من محتواه.
كما أن أشكال التعبئة والتنظيم التقليدية قد أبانت عن محدوديتها وعدم ملائمتها للشروط الراهنة، علاوة تحكم أن النظام التحكم في هذه الأشكال وقدرته على احتوائها أو قمعها....
وهي عموما أشكال لا تتجاوز دائرتها حدود القوى المنظمة ولا تسمح بتعبئة جماهيرية واسعة.
فالإضرابات المتقطعة والقطاعية لم تعد تسمح بخلق دينامية نضالية في صفوف الشغيلة ناهيك عن بناء ميزان قوى جديد لصالح الشغيلة...
ما هي الأشكال النضالية التي يجب العمل على تطويرها وتربية الشغيلة على امتلاكها وممارستها؟
ما هي الأشكال النضالية التي تسمح بتحقيق شروط نضال فعلي:
- مشاركة جماهيرية.
- مطالب وتطلعات وحدوية.
- روح كفاحية ومواجهة قتالية مع العدو.
- قدرة وفعالية تسمح بشل الأهداف الاقتصادية والسياسية المستهدفة.
- نقل المواجهة إلى الشارع بدل توجيهها نحو مؤسسات الاحتواء أو إخمادها بالعنف.
- التضامن الشعبي والدفاع الذاتي ضد القمع.
- التضامن الأممي.
تجديد الأشكال التنظيمية
إن معركة بناء مشروع نقابي بديل تستدعي من القوى المنظمة (سياسية ونقابية) القطع مع:
1- التصورات النخبوية للعمل الجماهيري والسياسي.
2- أشكال التنظيم الممركزة بشكل فوقي والتي تعدم وتخنق المبادرة في القاعدة.
3- الخلط بين بناء حركة جماهيرية وتعبئة شعبية وبين بناء منظمة سياسية أو جمعية اجتماعية. فبناء حركة جماهيرية وتنظيم حملات تعبئة شعبية يستندان ويرتكزان على آليات التنظيم والتسيير الذاتيين ولا يمكن إخضاعهما للبنيات التنظيمية للحزب أو النقابة أو الجمعية.
4- الاعتقاد بان توحيد القوى العمالية والشعبية وتنسيق جبهات النضال السياسي والاجتماعي سيكون ثمرة جهد تيار سياسي أو نقابي بعينه مهما تعززت قوى هذا التيار. لان هذا الالتقاء سيكون ثمرة التقاء سياسي بين القوى المنظمة والتنظيمات الذاتية الديمقراطية للجماهير من جهة أخرى. وهو التقاء سياسي وليس سيطرة بيروقراطية أو هيمنة تنظيمية. هذا هو الطريق الوحيد للانغراس والارتباط العضوي بالحركة الجماهيرية.
كما تفترض هذه المعركة الوعي بان تطور حركة جماهيرية، عمالية أو شعبية يشترط توفر:
1- مشروع بديل اجتماعي شامل، بديل قادر على لف مختلف القطاعات والشرائح العمالية والشعبية وتوحيد إرادتها في النضال وتعزيز ثقتها في إمكانية الانتصار.
ولا داعي لإعادة التأكيد على أن بديلا اجتماعيا حقيقيا لا يمكن اختزاله في الرؤى والتصورات والبرامج الخاصة بهذا التيار أو ذاك، بغض النظر عن صوابه أو خطئه، هذا ناهيك عن فرضه من فوق وبشكل بيروقراطي.
2- إستراتيجية سياسية عامة تدمج بين مختلف التكتيكات، ومن بينها التكتيك النقابي. فمن البلاهة والسذاجة الاعتقاد بإمكانية الانتصار على العدو من خلال التكتيك النقابي أو التكتيك البرلماني، أو تكتيك النضال الجماهيري فحسب، بل من خلال إستراتيجية تدمج بين مختلف التكتيكات وبين مختلف واجهات النضال، وتضع في كل مرحلة أهدافا واضحة للجماهير من اجل إعدادها لمواجهة المرحلة اللاحقة.
إن غياب إستراتيجية نضالية مندمجة، تفقد كل التكتيكات فعاليتها وانسجامها وقوتها، ولا تؤدي بالنهاية إلا إلى إعادة إنتاج الانقسام والانفصال وعدم الفعالية وغياب أفق سياسي للنضال الجماهيري.
3- برنامج مطالب يدمج المطالب الفئوية والقطاعية ويوحدها من خلال مطالب اجتماعية وديمقراطية ذات دينامية نضالية جماعية ووحدوية.
4- بناء خط نضالي يسمح بتشكيل وعي طبقي يتجسد من خلال:
- مطالب وحدوية.
- وحدة نضالية.
- رقابة شعبية.
- تعبئة جماهيرية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محامون ينفذون إضرابا عاما أمام المحكمة الابتدائية في تونس ال


.. إضراب عام للمحامين بجميع المحاكم التونسية




.. توغل صيني في سوق العمل الجزائري


.. واشنطن بوست.. اتحاد طلبة جامعة كاليفورنيا يأذن بالإضراب في أ




.. تونس.. نقابة الصحفيين تتضامن مع الزغيدي وبسيس