الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعدادية الكاظمية

عدنان شيرخان

2009 / 5 / 27
سيرة ذاتية


كنت اعني عندما تحدثت عن ظاهرة العنف في المدارس حالات تحدث هنا وهناك، شخصت كما اشر غيري الى ان الجو العام السائد في البعض من المدارس لا يتماشى مع التغيير المنشود في العلاقة بين المدرس وطلابه، ونحن نستخدم مفردات وعبارات لم تكن متداولة قبل تغيير العام 2003. نريد ونسعى ونحلم بأن يتحول المجتمع العراقي الى "مجتمع مدني" تجد مفردات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والشفافية من يدافع عنها ويؤسس قاعدة عريضة لتسود فينا.
كتبت عن احوال التعليم هذه الايام، وانا اتذكر بحسرة ايام خلت عندما كانت المدارس غير تلك التي نراها اليوم، والمدرسون الذين كانوا اخوة كبار واصدقاء للطلاب.
كانت اعدادية الكاظمية واحدة من اكبر واعرق خمس اعداديات في بغداد، تجتذب الطلاب من مناطق مختلفة، فيها من الصفوف ما يقارب احرف اللغة العربية، فيها مدرسون عمالقة، اعلام شامخة في العلم والتربية والاخلاق. لم اشهد او اسمع ان المدير اومعاونيه او احد المدرسين رفع يده على احد الطلاب، كان مثل هذا الفعل بعيدا للغاية عن الجو والسياق السائد في المدرسة، كان المدرسون قدوة لنا في كل شيء، فهل من الممكن ان يكون المدرس الذي يصفعك ويشتمك ويهينك ان يكون قدوة لك.
كانوا يعاملوننا ويتحدثون الينا وكأننا نظرائهم، كنا نتبادل معهم الكتب، وليس من الصعوبة ايامها الاستدلال الى سيادة موجة قوية للقراءة والاطلاع ومعرفة المزيد والتعمق، واعتقد ان الطبقة الوسطى التي كانت في اوج قوتها وشموخها هي السبب.
قضيت في اعداية الكاظمية مرحلة الاعدادية، طبق علينا ولاول مرة نظام الرابع العام الذي عارضناه بشدة وخرجنا متظاهرين نشتم وزير التربية لانه آخر وصولنا للجامعة سنة كاملة، كان ذلك في العام الدراسي 1968/1967، كان البلد يغلي كقدر وضع على نار هائجة، وقع هزيمة حرب حزيران 1967 المريرة مع اسرائيل هزالجميع بعنف، كان المدرسون يواسوننا ويواسون انفسهم مرة، ويلهبون عواطفنا ومشاعرنا بشرح واقع الدول العربية البائس، يقرؤون علينا رائعة نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة)، التي اصابت ايامها شهرة واسعة. كانت المشاعر الوطنية صادقة وجياشة، واذكر يوم القى الشيخ محمد حسين الصغير قصيدة في جامع براثا بمناسبة دينية اظنها المولد النبوي، انتقد الشيخ الصغير حكومة طاهر يحيى الذي امر بايداعه السجن، بعد ان سمعه يقول امامه (لاتربط الجرباء قرب صحيحة)، في اليوم التالي خرج طلاب مدينة الكاظمية والاحياء المحيطة بمظاهرات عارمة، كنا نخشى من المدير والمدرسين ان لا يسمحوا لنا بالتظاهر، ولكنهم بقوا في الغرفة الخاصة بهم في استراحة الدرس الاول ولم يخرجوا للدرس التالي، ما يعني لنا انهم يدفعونا من طرف خفي للتظاهر، كانت الحناجر تهتف بحماس لم اشهد له مثيلا (محمد حسين الصغير كل الشعب وياك)، ولم يكن العديد من الطلاب يعرفون الشيخ ولا حادثة الامس في براثا، كان الامر يعني للكثير نصرة شاعر شجاع وقف امام رئيس الوزراء، ولكني كنت اعرف الشيخ وعائلته الكريمة، هو ابن الشيخ الجليل العلامة علي الصغير رحمه الله امام وخطيب جامع براثا، وشقيق النائب الشيخ جلال الدين الصغير، لم يكن عنف الشرطة يومها كعنف ايام صدام السوداء، تفرقت التظاهرة بسلام عند جسر الصرافية بعد ان سرت معلومات بأن الرئيس عبدالرحمن عارف رحمه الله امر باطلاق سراح الشيخ محمد حسين الصغير.
في اليوم التالي رجعنا الى صفوفنا، تملؤنا مشاعر الفخر والزهو، وكأننا حققنا للعراق شيئا مهما، وامتدح البعض من المدرسين تظاهرنا تأييدا للشيخ الصغير، وقولهم مثل هذه التظاهرات تنم عن مشاعر وطنية ستكبر وتنمو مع الايام، ولكنها لم تنم ولم يكتب لها ان تكبر، فبعد شهور قصيرة وفي صيف العام 68 ازيح الرئيس الزاهد عبدالرحمن عارف عن الحكم بانقلاب عسكري، جاء بنفس العصبة التي سامت العراقيين سوء العذاب العام 63، وسموا انقلابهم بالابيض، وبانهم تخطوا اخطاء الماضي، ولكن احداث 35 عاما وهي عمر النظام لم تكن بأحسن حال من الشهور التي حكموها خلال العام 1963، كانت سنوات الاعدامات والحروب والدمار والمقابر الجماعية.
نكبت مدرستي العزيزة اعدادية الكاظمية، ودخلت سجلات منظمة العفو الدولية، بعد ان اعدمت اجهزة امن نظام صدام جميع طلبة الصف الرابع العام شعبة (د)، بعد ان وجد الطلاب صباح احد الايام عبارة " يسقط صدام حسين" مكتوبة على السبورة، هرع احدهم ليخبر المدير الذي اتصل بسلطات الامن، التي اعتقلت جميع طلاب تلك الشعبة، ونقلتهم الى اقبية الامن، وبعد تحقيق طويل وتعذيب رهيب لم يتم التعرف على الفاعل، فتقرر غلق القضية واعدامهم جميعا، كان عمر اكبرهم لا يتجاوز 17 سنة، حدث ذلك العام 1983، واعدموا حسب وثائق مديرية الامن في شهري حزيران وتموز من ذلك العام، ولم تظهر هذه الجريمة النكراء الى العلن الا بعد سقوط النظام الدموي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فن تدمير الذات البشريه
عامر الخلف ( 2009 / 5 / 27 - 10:02 )
لقد نجح النضام العبثي في العراق نجاحا منقطع النضير في تهئيه جيل من الشباب الذى كانو استعدادهم للسقوط في وحل الرذيله العبثيه وهذا الاستعداد لم يأتي من فراغ ونما هو عمليه مبرمجه فرضتها ضروف هذا البلد السياسيه والاقتصاديه والتاريخيه على مر السنين
الهبت الشعارات القويه مشاعر الكثير من قطاعات الشعب وضنو ان الفرج قادم من الثوره البيضاء وانهم سبنتشلون من مستنقع الفشل في كل شيئ واذا بهم ينزلقون................. واصعود مره ثانيه الى بر الامان ليس بسهوله الانزلاق في مستنقع بيع الذات

اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد