الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفصحي، أنت أيتها الجمجمة !

أدونيس

2009 / 5 / 29
الادب والفن



شَحْمُ هذي السّماءِ كثيفٌ، وأزرارُها
تتفكّكُ في غابةٍ مِن شظايا.
أذرعٌ يتخاصمُ فُولاذُها وَإسمنتُها،
والعناصِرُ مخبولة تتخبّطُ ـ ما هَذهِ اللغةُ المُبهمهْ!
أفصحي أنتِ، يا هذهِ الجُمجمهْ.

شاشة لقياس التوحش عندَ الملائكِ، بَعدَ
السقوطِ إلي عالَم يدبُ علي بطنِهِ.
لازوردُ السماءِ وطينُ البَشرْ
مَسرَحٌ لهباءِ الصورْ .
للغُبارِ الذي سنسميهِ ضوءا وللصورةِ الآدميّهْ
لَبستْ أنجمُ اللهِ في ليلها البَدويّ
سَراويلَ أعراسِها :
عَضَلُ الأرضِ مُستنفرٌ
والغرائزُ في نشوَةٍ كوكبية.

** ** **
نصفُ ثَورٍ ونصفُ حِصانٍ
يَرضعانِ معًا ثَدي تُفاحةٍ
ـ (ربما ذكّرت بعضَهم
بغواية حوّاء) ـ حواءُ مُذاكَ في رِحْلةٍ
لم تعدْ بعد منها. سياجٌ

قَفزَ العَصْرُ مِن فوقهِ. يتحدّثُ مع نفسهِ
مع قبائِلَ ـ كُل تُسمي
نفَسها بَيضَة. وكلّ
تَنْتَمي، كلّ يومٍ، إلي حُفرةٍ، ـ
حُفْرَة تَتَنَزّلُ فيها
جُثَثُ المارقينْ،
حُفْرةُ السّائلينْ ـ
يُخْنَقون بِصمْتٍ.
حُفْرةُ الفقراء يَسُوسُونَ أرضَ الطّغاةِ بأشْلائِهمْ.
حُفْرةُ العائِدينْ
مِن لقاءٍ يُصالِحُ بين الجِراح وسِكينها،
ويقولُ لهذي القبائلِ قسمْتُ جسمي كما شِئْتِ،
مِثْلَ الحقيقةِ في هذه الأرْضِ نِصفين:
صَوْتاً
وسَوْطاً ـ
جَسداً واحداً.

** ** **

غَسَقُ الكَوْنِ، ـ أوّلُ ما تقرأ الشمسُ منه ـ انتشرْ حول أهدابهِ
مِثلَ كُحْلٍ، وكُنْ عِطْرَ أحزانهِ.
أوّل الليلِ جُرح. ما تبقي بذارٌ
لعِبٌ جامحٌ لطفولةِ هذا الفضاءْ.

هل تريدُ الحياة انسياقا كمثل الحكايةِ؟
خذها بذرة ً واحتضِنْها
طِفلة تكتبُ الشّعر. خُذها
مِثْلَ فَجْرٍ ـ لِقاحاً
لحقولِ الهواءْ.

خاتَمُ الموت يَمْهرُ أجسادَنا
فَاقتَلعْنا
مِن أروماتِنا.
وَمُرْ الريحَ أن تتعهّد أشلاءَنا. وهذي
أرضُنا تتعفّنُ، يا سيّد الحَرْبِ: هَا لَحْمُ أجدادِنا
وآبائِنا، وأبنائِنا
يتَفَسّخُ في مَطبخ الكونِ، والنّاسُ في شُغلٍ فاكهونُ .
قُلْ لهم: هكذا
يرفع القاتلونْ
راية القَتْلِ تَيّاههْ عاليهْ.

** ** **
مُدُنٌ، أمْ مَسارحُ للهَوْلِ والموتِ؟ ماذا؟
رأسُ جرّافَةٍ؟
صبغَت وَجْهها
صَبغت كتفيْها
صَبغت صدرَها
بِدَمٍ أحمرٍ ـ أسْودٍ. أهذي
مُدنٌ أمْ مَسارِحٌ للهَولِ والموتِ؟

زَهَرٌ يابِسٌ يقاسِمُ غاباتِنا حُزْنها،
والطرائدُ مِن كلّ نَوْعٍ
تتزاحَمُ فيها، تُرتل أوجاعَها.
هَلْ تقولُ لِفَجرِ أغانيكَ، يا شِعْرُ،
أن يَنْشُرَ الآنَ مِنْديلَهُ؟
أتُراهُ يُغطي
مَا تآكَلَ مِن جَسَدِ الأرضِ، أو ما يُمزّقُ مِنهُ؟
وبِماذا. وكيف سَيَرتقُ أعضاءَ هذا الزّمانِ،
وأيّ المياهِ ستغسلُ أدرانَهُ؟

** ** **

كلّ شيءٍ يقولُ: ودَاعاً
لِمدائنِ أيّامِنا
لدفاترِ أطفالها
لمحابرِ أقلامِهمْ
لأقلامهم
لِلأسرّةِ مَفروشة ً بأحلامهم.

مَا لِوَجْهِ الحَجرْ
بين زيتونِنا وشُطآنهِ،
يَتَغضّنُ؟ ماذا؟
كَبدُ الأبْجديةِ َمقروحَة؟
أمْ أزاميلُها
تَتَكسّرُ مَنبوذَة؟
صَوْتُ ناي بَعيدٍ
يَتَصاعَدُ مِن جُرحِنا
عَبَقا ضائِعاً في ثيابِ الشّجَرْ.

** ** **

شَهَواتي تُجَنّ،
وَمِن أين يأتي لِروحي هذا الشّقاءْ؟
وأنا مِنكُما،
أيّها العالَمانِ، وألبُس ما تَلبسانِ ـ

مَا الذي يُولمُ العقْلَ للقتْلِ في شَرْقهِ المتوسّطِ،
في القُدسِ، بين جنائن بغدادَ،
أو في دِمشقٍ وبيروتَ والقاهِرهْ؟
ما الذي يتبقى، مَا الذي يتلاشى، ما الذي
يتقطر من هذه الذاكرهْ؟
مَنْ سَيَجرُؤ في هذه اللحظةِ الغَسقيةِ،
في هذه اللحظةِ ـ المُفترَقْ،
أنْ يُجاهِرَ: كلا،
لم يكن ضَوْؤنا
غيرَ وَهْمٍ، ولسنا سِوي بَشَرٍ مِنْ وَرَقْ.

أدونيس برلين 2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايها الأدونيس
جهاد علاونه ( 2009 / 5 / 28 - 21:25 )
أيها الأدوناي , يا دموزاي ..يا أنا إفرودياتك , وعشتارنك وأنانتك الوجودية التي تطل من جمجمتك.
أنا مثل اللاشيء وجدتك في شيء , أنا هو أنت وجمجمتك الرابعة , أنا يا أدوناي إشتقت إلى كتاباتك الكبيرة .
القارىء الجيد لكم : جهاد علاونه


2 - يرتعد السؤال ويهرب الجواب
غيورغي فاسيلييف ( 2009 / 5 / 28 - 22:38 )
بين المدى والصدى
يرتعد السؤال ويهرب الجواب
يرتعد الغد الآتي
ولا يأتي
ومن منتصف الطريق
يعلن رحلة الذهاب إياب



3 - تحية شعرية ...
عبد العاطي جميل ( 2009 / 5 / 28 - 23:16 )
... تحية المحبة والشعر للشاعر علي أحمد سعيد إسبر
القصيدة من روائعك الشعرية الحارقة كقصيدة الوقت ..قرأناها جماعة يوم نشرت في جريدة أخبار الأدب .. ممتعة ..ومقروحة ككبد الأبجدية التي كتبت بها ..
محبتي الشعرية ...

moswaddate.jeeran.com


4 - أدونيس يا رفيقي القديم
غـسـان صـابـور ( 2009 / 5 / 29 - 08:04 )
أنت ختام قصتنا, وآخر كلماتها المخنوقة. لأنك ولدت مع الحقيقة التي ماتت من زمان في وقفة عـز.. وأنت آخر من يروي لنا بصوت خافت بعض ذكرياتها وآخر ألوان جمالها. طالما أنت تروي نبقى نحن الأحياء الأموات, نتذكر وقفة عزها وخلودها الذي لا وجود له اليوم في واقعنا الميت المعتم. يا أدونيس, يا رفيقي القديم, إبق حيا.
لأنك آخر صوت يذكرنا بصدق الكلمة, والموت والحياة والحقيقة!!!...
غسان صابور ليون فرنسا


5 - جبل الشعر المضيء
سالم ( 2009 / 5 / 29 - 09:26 )
أدونيس وما أدراك ما أدونيس
ما أدراك ما جبل الشعر المضيء أدونيس


6 - هالجمجمة...............
ما بقدر اعطيكن اسمي ( 2009 / 5 / 29 - 11:34 )

بما أنوالشباب حكيو كل الكلام الحلو، وما بقي عندي شي قولوا.

وبما أنو مو حابي حدا ينكد عليّ رح قلك أنو هالجمجمة عجيبة




7 - قمر
سالم الياس مدالو ( 2009 / 5 / 29 - 13:39 )
مبدع كبير
قمر مضئ
زهرة غيمة ومطر


8 - POEME
Sassi Dehmani ( 2009 / 5 / 29 - 16:24 )
A Adonis

Dans nos grands temps
Voici
Nos bouches cousues
Nos poitrines vertes
Et nos stations.

Le poème était divisé en deux bols
Et deux têtes
De la même argile.

Amazighi d exil


9 - جميل
رشدي علي ( 2009 / 5 / 29 - 19:17 )
كم هي جميلة لغة ادونيس, نثرا وشعرا..وهذا قد يكون السبب في ان افكاره جميلة ايضا.

اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي