الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور الإلحاد(7) خصائص للفكر الغيبى

سامح سلامة

2009 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



*** البرهان القاطع على تهافت البراهين العقلية التى يرددها المؤمنون بالغيبيات لإثبات معتقداتهم ، هو قانون حفظ وبقاء المادة الذى ينص على أن الكتلة و الطاقة، وهما الشكلان اللذان تتواجد عليهما المادة، لا تستحدثان ولا تفنيان و لا تخلقان من عدم، ولكن كل منهما يمكن أن يتغير من حالة إلى أخرى ، فتتحول الكتلة إلى طاقة، والطاقة إلى كتلة، أى أنهما خاصيتان متبادلتان. والسؤال كم من البشر وصل لعلمهم هذه الحقيقة المؤكدة، ومازالوا يؤمنون بالغيبيات مبررين ذلك بلزومية خلق المادة من عدم، و ضرورة السبب الأول لوجودها ، و بديهية المحرك الأول لها ؟ والإجابة هى ملايين البشر من شتى المستويات التعليمية، مما يشى بأن الإيمان بالغيبيات ، لن تحسمه المجادلات البيزنطية، فإرادة الاعتقاد قادرة على تطويع العقل البشرى للإيمان بالأعاجيب، والدفاع عن إيمانها وتبريره بشتى الطرق.
*** الغيبيات والروحانيات هى مكونات عالم مفترض ومتخيل صنعه البشر، وهو خلل عقلى ونفسى، وليد عاملين أولهما كامن فى بنية المخ البشرى نفسه، مثل مستوى النشاط الكهروكيميائى فى المنطقة الصدغية فى المخ التى تسمى منطقة الإيمان، والذى ربما يكون هو المسئول عن ذلك، وثانيهما وهو الأهم الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تدفع بالناس للتكيف مع واقعها باستخدام الغيبيات، والغيبيات لا يمكن إدراكها بالحواس البشرية، وامتدادات هذه الحواس من الأجهزة العلمية المختلفة، و هى كائنات خارجة عن قدرتنا على الإدراك أو الفحص لأسباب مبدئية، وليس لأسباب عملية، وذلك بحكم التعريف. فعدم توصلنا لمعرفة كائن مادى ما أو عدم قدرة أعيننا على رؤية الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء هو قصور عملى، أي أنه يمكن تجاوزه من حيث المبدأ بامتلاك القدرات الكافية لتعويض هذا النقص. فأى ما كانت أسباب القصور العملي ، فبالإمكان نظرياً التغلب عليها. أما فيما يخص الغيبيات، فالقصور المعرفي في هذا المجال هو أمر مبدئي، أي أنه مهما ازدادت المعرفة والقدرات والإمكانيات البشرية، فإنه لا يمكن إدراك الغيبيات والروحانيات، لأنها غير خاضعة للإدراك البشري.
*** ينفى المؤمنون بالغيبيات إمكانية تفسير العالم عن طريق المنهج العلمي أو بالوسائل التي تعتمد الحواس المباشرة أو امتدادتها غير المباشرة من أجهزة وحسابات رياضية، وهذا النفى يؤدى بهم دائما لافتراضات تعسفية غير مبرهن عليها حسيا أو رياضيا، يضعونها بديلا عن التفسير المادى أو الطبيعى الذى يأخذ به العلم ، وهذه الافتراضات لا أساس لها من الصحة فى العالم الذى نعيشه، وهو عالم المادة أو الطبيعة ، الذى نستقى معرفتنا عنه بالمنهج العلمى، فكل ظاهرة فى الطبيعة، لا نعرف سببها أو تفسيرها هي ظاهرة لا يتم تفسيرها مسبقا بسبب غيبى، وإنما يتوقف اليقين بأى تفسير لها إلى أن يتم التوصل إليه،.. وعلى عكس هذا المنهج العلمى ، يأتى التفكير الغيبى، فيزعم إمكانية تفسير الظواهر الغامضة بإرجاعها لأسباب غيبية، إنطلاقا من الجهل، واستسهالا للحلول، وتعطيلا للعقول،.فطالما لم يتم اكتشاف أو تفنيد كل التفسيرات المادية المعقولة لظاهرة ما فإنه لا صحة لقولنا أن السبب هو بالضرورة غيبي.
*** يحول المؤمنون بالغيبيات العالم المادى الذي ندركه عن طريق الحواس إلى موضوع جزئى وناقص ونسبى، نظرا لأن مكوناته المختلفة تتصف بذلك، فى حين يمنحون الغيبيات صفات الكلية والكمال والإطلاق، ويتمادون فى ذلك ، فيعتبرون أن وجودنا المادى التافه ذلك، ما هو إلا صورة باهتة ، للأصل الذى هو عالم الغيب الحقيقى، وما الوجود الطبيعى الدنس هذا ، إلا نتيجة الوجود الغيبى المقدس. فى حين أن العالم المادى الذي ندركه عن طريق الحواس هو كل الوجود الذي نتفاعل معه، والذى يؤثر فينا ونؤثر فيه بالفعل دون وجود فاعل ومؤثر لهذا الوجود الغيبيى المفترض وغير المثبت تجريبيا بأى وسيلة الا الوهم وعبادة وعشق الوهم.
*** الحقيقة أن عالمنا المادى هذا هو الوجود الكلى والمطلق والكامل فعليا، ولا يمكن مقارنته بأى عالم آخر لنثبت عكس ذلك، لأننا ببساطة لم نر ولم نفحص أي عالم آخر لنتمكن من إطلاق الأحكام على عالمنا هذا بالمقارنة بأى عالم آخر، ولذلك لا يمكن إطلاق أي خصائص نسبية عليه كأن نقول أنه عالم كبير أو صغير الحجم، منتظم أو غير منتظم، مصمم بذكاء أو غير مصمم، لأن توصلنا لهذه النتيجة لا بد أن يأتى من مقارنته بعوالم أخرى، من حيث الحجم والانتظام والتصميم، و هذا ما لا يمكن أن نتأكد منه لأنه لا عينات لدينا من تلك العوالم لمقارنتها بعالمنا المادى. وبالتالي لا يمكن تطبيق التفسير الغيبى، الذي يؤكد على أن عالمنا المادى وطبيعته ونشأته أتت بسبب قوة كلية ومطلقة وكاملة إلا أنها من طبيعة لا مادية عاقلة ، فى حين أن خبرتنا الوحيدة الملموسة عن العقل والذكاء، أنه وليد بنية مادية غاية فى التعقد هى المخ البشرى، فكيف يمكن لكائنات لا مادية مثل الله أن تنتج ذكاء وتصميم أعلى بما لا يقاس من ذلك المخ المكون من مئة مليار خلية ، وتحكمه تماما تفاعلات كهركيميائية بين مركبات كيميائية.
*** تقف التفسيرات الغيبية فى تعارض مع مبدأ البساطة الذى تتبناه التفسيرات المادية. فالغيبيون يناقضون مبدأ مقص أوكام المعروف الذي يقول أن جوهر الشيء يجب ألا يتجاوز المطلوب، أو بكلمات أخرى أنه حين تكون هناك عدة تفسيرات ممكنة، وكافية لظاهرة ما، فإن أبسط تلك التفسيرات هو الأكثر معقولية، وبالتالي من الواجب عقلانياً التسليم به، أو على الأقل ترجيحه، وذلك لأنه كلما ازدادت النظرية تعقيداً كلما ازدادت إمكانية نقدها، لأنه عندها ستتضمن فرضيات أكثر كل منها سوف تكون معرضة للنقد، وبالتالي فإن إمكانية الخطأ في النظرية ككل تزداد. فعندما نمرض نتناول الدواء لنشفى، فالدواء أدى للشفاء ، هذا تفسير بسيط وكافى جدا، أما أن نضيف أى كائن غيبى ما للتفسير ، وهو كائن لا بد من إثبات إن كان موجودا أولا أم لا ، قد سبب أن يكون لهذا الدواء قدرة شافية للمرض، فإن علينا أن نثبت أن هذا الكائن الغيبي المشكوك فى وجوده أصلا هو السبب فعلا فى جعل الدواء سببا للشفاء، و أن نثبت إرادته فى شفاء هذا المريض تحديدا وعدم شفاء مريض آخر، وكيف أنه و بإرادته أيضا كان يمكنه أن لا يشفى هذا المريض عندما تناول هذا الدواء، والغريب أن المؤمنين الذين يأخذون بهذا التفسير، يأخذون الأدوية التى يقترحها عليهم الأطباء عندما يمرضون، بالرغم أنه من الواضح أن تفسيرهم الأخير الذى يضيف الغيب كزوائد لا ضرورة لها، هو الأقل معقولية والأكثر عرضة للنقد حيث أنه يحوي مكونات إضافية نحتاج للتأكد من كل منها أو فحص صمودها أمام محاولات تفنيدها في حين أن البديل الأول يوفر تفسيراً كافياً ومعقولاً بحد ذاته.
*** بناء على أن العقل البشرى محدود، وحواس البشر قاصرة ، يدعى الغيبيون أن هناك حقائق غيبية لا يمكن للعقل البشرى أن يدركها و لا الحواس أن ترصدها، لأنهما محصوران بالعالم المادي، وأما العالم الآخر اللامادى فلا يمكن إدراكه إلا بطرق غير عقلية و لاحسية، أي أن معرفته تقع خارج إطار العقل والحواس.. و هذا الإدعاء بحد ذاته لا يستقيم بدون سند عقلي، فكيف نحكم بمدى صحة إدعاء كهذا إذا لم تكن لدينا مبادئ عامة واضحة ومستقلة نلجأ إليها؟ إضافة لذلك فإن سبل المعرفة العقلية هي الوحيدة التي تمتلك مبادئ معروفة مثل مبدأ عدم التناقض، وأسس الإستدلال المنطقي، والتي بدونها لا يمكننا حتى نظرياً الوصول إلى أي معرفة، وأما السبل غير العقلية فلا تحكمها أي مبادئ، لأنه باللحظة التي يتم توضيح أسسها ومبادئها، فإنه يصبح بالإمكان الحكم عليها ونقدها موضوعياً بهدف الوصول إلى قرار حول مدى شرعيتها كسبل للمعرفة... فلا توجد معايير ترسم حدود المعرفة العقلية وحدود المعرفة غير العقلية، وتحدد مناهج الإستدلال في المجال غير العقلي؟ فهناك أسئلة لا إجابات واضحة ومحايدة لها في الفكر الغيبي. لذلك نجد أن الأسس التي يلجأ إليها الداعون لهذه السبل غير العقلية دائماً تكون مبهمة ومراوغة لأنه باللحظة التي يتم توضيحها وتحييدها فإنها ستصبح معرضة للنقد وهذا ما سيكشف عدم صلاحيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى السيد سامح
علي ( 2009 / 5 / 29 - 00:48 )
بعد التحية الطيبة والشكر لك على هذا الجهد العقلي أود بل أني أرجوك أن تجيبتي على تساؤلاتي هذه ألا تشعر بالقلق والخوف وأنت تعتقد بعدم وجود الله فأنا تجول بذهني هذه الفكرة أي عدم وجود الله فأنظر في نفسي وماحولي وأشعر بالقلق والخوف وأشعر أحيانا وكأني بلا سند أو شعور كهذا فهل من سبيل للإطمئنان مع فكرة عدم وجود الله


2 - الخوف
سامح سلامة ( 2009 / 5 / 29 - 06:01 )
السيد على
ربما فى بدايات الاقتناع بعدم وجوده تشعر بالخوف ، لأنك ترى القطيع من حولك يخافه، ولأنك ربيت منذ طفولتك أن تخافه بشده، وهذه جريمة يرتكبها بحقنا أهلنا ومربونا،لأنهم عاجزون أن يغرسوا فينا حسن الأخلاق والسلوك بدون استخدامه كفزاعة
وبالطبع فهذا ليس بذنبهم فهكذا تمت تربيتهم
والغريب أن هذه الطريقة فى التربية هى من أسباب بقاء الإيمان بالغيبيات، برغم كل هذا التقدم العلمى الذى يفندها
الخوف أساسا هو أحد عوامل نشوء الاعتقاد الغيبيى ، والتغلب عليه يكون بالمعرفة التى سوف تؤدى بك للتخلص من وهم آخر مسيطر على البشر بسبب غرورهم ونرجسيتهم العميقة، والذين يظنون أن لهم أى مكانة هامة ومركزية فى الوجود،
ومن ثم فإن ذواتهم الشخصية خالدة، وأن من خلق الكون يمكن أن يهتم بعبادتهم واقتناعهم بوجوده، فى حين أن تلك الذات المرتبطة بالجسد، سوف تفنى بفناءه عند الموت
ومن هنا أنا لا أخاف إلا مما يستحق الخوف بالفعل، هذا الشر الموجود فى الطبيعة والبيئة من حولى، والشر النابع من البشر من حولك ، وكليهما يمكن أن تتلافهما بقدر الإمكان بالحرص وليس الجبن بالطبع ، والمساهمة فى أن تكون البيئة والمجتمع البشرى أكثر آمانا للبشر وأقل مخاطر.
سامح
سامح


3 - منطقة الإيمان؟
مختار ( 2009 / 5 / 29 - 17:32 )
شكرا سيد سامح سلامة على هذا الموضوع الشيق.
فقط اسمح لي أن أنقل عنك ما يلي:
(الغيبيات والروحانيات هى مكونات عالم مفترض ومتخيل صنعه البشر، وهو خلل عقلى ونفسى، وليد عاملين أولهما كامن فى بنية المخ البشرى نفسه، مثل مستوى النشاط الكهروكيميائى فى المنطقة الصدغية فى المخ التى تسمى منطقة الإيمان).
لم أسمع من قبل أن هناك منطقة للإيمان في المخ. هلا نورت عقولنا عنها في حدود إمكانياتك.
تحياتي


4 - منطقة الإيمان
سامح سلامة ( 2009 / 5 / 29 - 18:40 )
السيد مختار
منطقة الإيمان تعبير مجازى أو بلاغى عن منطقة فى المخ هى
المنطقة الصدغية التى أشارت أبحاث مؤخرا أنه بزيادة النشاط الكهربائى بها تنتاب الشخص رؤى غيبية، ووجد أنه يزداد فيها النشاط الكهربائى فى أحوال الانغماس فى الأنشطة الدينية
وهذا فى حدود علمى
سامح

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة