الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهند: اقتراع الديموقراطية الأكبر في العالم!

محمد سيد رصاص

2009 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


شكّل فوز (حزب المؤتمر الوطني الهندي) وحلفائه، في انتخابات البرلمان الهندي (مجموع مقاعده 543 مقعداً) التي جرت بين يومي16نيسان- 13 أيار 2009، وقعاً مختلفاً عن عمليات فوزه السابقة، التي كانت إما بحكم فشل أحزاب أخرى (انتخابات 1980 التي عادت فيها إنديرا غاندي للحكم بعد تفكك تجمع جاناتا الفائز في انتخابات77) أوبسبب التعاطف الشعبي معه بعد اغتيال زعيمه قبيل زمن قصير من الانتخابات (1984بعد اغتيال إنديرا،1991التي كانت نتائجها على وقع اغتيال راجيف غاندي أثناء مهرجان انتخابي من قبل انتحارية من منظمة نمور التاميل) فيما كان فوزه مع حلفائه في انتخابات2004 محدوداً ليشكل حكومة أقلية برلمانية مدعومة من تكتل اليسار الشيوعي الذي ساندها برلمانياً من دون الدخول في الحكومة.
أتى هذا الوقع من كون قائمة (المؤتمر) الفائزة هي برئاسة مانموهان سينغ، الذي هو مهندس الاصلاحات الليبرالية بإتجاه التخلي عن السياسات الاقتصادية التقليدية لـ(نهرو- إنديرا) الداعمة لقطاع الدولة في الاقتصاد منذ أن كان وزيراً للمالية في حكومة (المؤتمر) بين عامي1991 و1996، ليتابع نهجه هذا بعد أن أصبح رئيساً للوزراء في أيار2004، في وقت بدأت تعيش السياسات الليبرالية الاقتصادية منذ أزمة أيلول 2008 المالية- الاقتصادية العالمية مآزق وفشلا لا تذكّر سوى بمصير النموذج الاقتصادي- السياسي السوفياتي بين 1989 و1991.
كان عهد السيد سينغ ، خلال السنوات الخمس السابقة، مترافقاً مع فورة اقتصادية هندية أدت لمعدل نمو ببحر سنوات 2006-2009 وصل لنسبة 9% ونمو بنسبة 7%خلال مجمل الأعوام العشرة الأخيرة، ماأدى لخفض نسبة فقراء الهند بـ10% وانضمامهم للفئات الوسطى المدينية والريفية، ولتصبح الهند بعام 2007 أكبر منتج للعلماء والمهندسين في الدول الناطقة بالإنكليزية، فيما تقدر الكثير من التحليلات بأنه إذا استمر معدل النمو الهندي الحالي (والذي لم يتأثر كثيراً بأزمة أيلول 2008 بخلاف الصين) فمن المتوقع أن تضع الهندُ الصين وراءها من حيث القوة الاقتصادية خلال النصف الثاني من العقد القادم، بينماهي وفق قائمة البنك الدولي لعام2007في المرتبة الثانية عشرة فيما الصين هي الرابعة.
بدون الاقتصاد لايمكن تفسير أن(المؤتمر) قد حاز واحدا وخمسين من مقاعده الجديدة، من أصل تلك الواحدة والستين التي أضافهاعام2009على مقاعده المئة والخمسة والثلاثين السابقة، من دائرة دلهي الكبرى ومن ولايات مهاراشترا (عاصمتها مومباي)، كوجيرات، راجستان، البنجاب،كيرالا، وهي الأماكن التي ظهرت فيها الآثار الايجابية للفورة الاقتصادية في قطاعات الصناعة (كوجيرات وراجستان) والهاي تكنيك (مهاراشترا) والزراعة والصناعة (البنجاب، كيرالا)، فيما حافظ على قوته البرلمانية في الولايات المتنامية اقتصادياً (هاريانا، أندرا براديش)، بينما استفاد حلفاؤه، مثل (مؤتمر عموم الهند) المتمركز في ولاية البنغال الغربي،من برامج تطوير المناطق الريفية ليزيدوا حصتهم من مقعدين لتسعة عشر على حساب الحزب الشيوعي "الماركسي" الذي نزلت مقاعده البرلمانية بالبنغال الغربي من ستة وعشرين (من أصل أربعين هي حصة تلك الولاية،البالغ عدد سكانها ثلاثة وثمانين مليوناً،في برلمان نيودلهي) إلى تسعة مقاعد.
يؤكد هذا الاستنتاج أن المناطق المتضررة (أو المهمشة) من الفورة الاقتصادية (80% من الهنود مازالوا يعيشون بدخل يومي تحت الدولارين)، مثل ولايات بيهار وكارناتاكا وأوريسا أوالفئات الاجتماعية غير المستفيدة منها مثل طائفة المنبوذين في ولاية أوتار براديش، قد حافظ فيها (أوعندها) خصوم حزب المؤتمر على قوتهم أو زادوها، سواء كانوا أحزاباً لعموم الهند، مثل (حزب بهاراتيا جاناتا) في كارناتاكا وبيهار، أو أحزاباً محلية مثل (جاناتا دال-المتحد) في بيهار أو(بيجو جاناتا دال) في أوريسا، أوحزب (باهوجان ساماج بارتي) =حزب عامة الناسالذي يعبر عن(المنبوذين)في أوتار براديش.
هنا، لم يكن الاقتصاد (وإن ظل الرئيسي) وحيداً كعامل في نزول الأحزاب أو صعودها، حيث يبدو أن مساندة تكتل اليسار الشيوعي (= الحزب الشيوعي "الماركسي": 44 مقعداً، الحزب الشيوعي:10، الحزب الاشتراكي الثوري: 3، كتلة إلى الأمام: 3) في البرلمان لحكومة تتجه لتحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة بالترافق مع توجهها الليبرالي الاقتصادي قد أدى ،بالتضافر مع النمو العددي للفئات الوسطى المدينية والريفية الذي يتناسب عكساً وفقاً للتجربة التاريخية مع قوة الشيوعيين هو ونجاح السياسات الليبرالية، إلى انفضاض غالبية القاعدة الاجتماعية للشيوعيين الهنود (رغم سحبهم للدعم البرلماني بتموز2008عن حكومة السيد سينغ بسبب الاتفاقية النووية الأميركية - الهندية) وخاصة قاعدة الحزب الشيوعي "الماركسي" ،المنشق عن الحزب الموالي للسوفيات عام1964بحكم تأييده لأطروحات ماوتسي تونغ أثناء خلافه مع موسكو،الذي ضمّ عضوية عام2007 قاربت المليون عضواً وحافظ على حكم ولاية البنغال الغربي منذ 1977 وشكل أكبر ممثل برلماني لها في نيودلهي منذ ذلك العام (هي وولاية كيرالا، في الساحل الجنوبي الغربي، بسكانها البالغين عشرين مليوناً)، إلى أن أتت انتخابات 2009 لتظهر فقدان الشيوعيين لقلعتيهما في البنغال الغربي وكيرالا عبر خسارة ستة وثلاثين مقعداً من مقاعدهم الستين في برلمان2004.
ربما،تكون عملية اضمحلال قوة الحزبين الشيوعيين الهنديين هي ظاهرة أساسية في اللوحة السياسية المنبثقة عن انتخابات 2009، فهما لم يسبق أن نزلا إلى مستوى العشرين مقعداً الحالية منذ انتخابات 1967 التي كان لهما اثنان وأربعون مقعداً في برلمانها،حيث كان أدنى حد لهما هو(29) بعام1977، فيما كان لهما (54) في برلمان2004. بالمقابل، فإنه مع ضعف الشيوعيين الهنود المستجد والذين هم ممتدون لعموم الهند ونسيجها الديني، لم يبق غير حزبَي (المؤتمر) و(بهاراتيا جاناتا) يملكان امتداداً لكامل الجغرافية الهندية ولوأن الأخير يبقى ضمن الهندوس، فيما أن باقي الأحزاب إما ذات طابع وطني عام ولكنها انحصرت وانسجنت عبر التطور السياسي في تربة محلية محددة مثل(حزب المؤتمر القومي) الذي حوى منشقي عام 1999عن(المؤتمر) الرافضين لترؤس سونياغاندي الإيطالية الأصل للحزب والذين أتت كل مقاعدهم ببرلمانيي2004و2009من ولاية مهاراشترا،أوأحزاب ذات امتدادات محلية محصورة في ولايات معينة مثل (جاناتا دال- المتحد) في بيهار أو(جاناتا دال- العلماني) في كارناتاكا، والحزبان الأخيران هما من الشظايا السياسية لتفكك جسم (حزب جاناتا دال)، الحاكم بائتلاف مع (بهاراتيا جاناتا) بين عامي1989و1991، وهما أيضاً حصيلة تفكك (تجمع جاناتا) عام 1980الذي كان يرأسه موراجي ديساي.
من الممكن أن يعبر الشيء الأخير عن توتر مناطقي كبير،ناتج عن التطور الاقتصادي في العقدين الأخيرين بكل ما حواه من تفاوت في النمو بين الولايات الهندية، وربما أيضاً أن هذا هو الذي دفع (المؤتمر) إلى أن يكون جسمه التحالفي لبرلمان2009،في إطار(التحالف التقدمي المتحد)، يضم بالأساس أحزاباً محلية الامتداد في ولايات تاميل نادو والبنغال الغربي وكشمير أو وطنية ولكن محصورة الانتشار مثل (حزب المؤتمر القومي). أيضاً، يبرز في هذا الإطار بروز ظاهرة مستجدة، هي وصول أحزاب خاصة بالمسلمين (13%) للبرلمان الهندي، مثل (الرابطة الاسلامية) الفائزة بمقعدين في كيرالا أو(اتحاد مجالس مسلمي عموم الهند) الفائز بمقعد في ولاية أندرا براديش(عاصمتها: حيدر آباد) التي تشهد توتراً بين الهندوس والأقلية الاسلامية الكبيرة العدد، والتي هي أحزاب تعرِف نفسها عبر الاسلام، فيماهناك أحزاب ذات قاعدة اجتماعية أساساً بين المسلمين، مثل (مؤتمر جامو وكشمير الوطني)، إلا أنه يعرِف نفسه من خلال (كشمير).
السؤال الرئيسي الآن: ماهو تأثير اللوحة السياسية الجديدة على مسار العملاق الهندي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهند: اقتراع الديموقراطية الأكبر في العالم!
فؤاد محمد ( 2009 / 5 / 29 - 03:24 )
ما زالت للاسف سلبيات التجربة السوفيتية الاستالينية واوالها
فقدان الديمقرطية والتعدديةوسيطرة البيروقاطيةتعصف بوحدة
الحركة الشيوعية
تحياتي للاستاذ رصاص

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر