الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس السادس في التربية الشيوعية

حسب الله يحيى

2009 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


ممكن.. كل شيء ممكن،لاشيء يستحيل على الانسان ان هو صمم على إنجاز شيء مايريد إنجازه..وقد يتأخر الانجاز..لكن الاصرار من شأنه تحقيق هذا الانجاز.
هكذا كان يخاطبني معلمي وأخي الشهيد وعد الله يحيى النجار،وهو يعلق على خوفي وحذري وأنا اعتذر عن تلبة طلبه في إيصال البيانات الحزبية بين السجن وخارجه.
- كيف..هل تريدهم ان يسجنوني ويدمروا حياتي ومستقبلي.؟
إبتسم أخي وقال:
- بالتأكيد لايمكن أن اريد هذا لك يا أخي وياصديقي العزيز..إنما اريد ان اعلمك على مسألة مهمة وهي أنه لاشيء عصي على من يملك العزيمة والارادة والتصميم.
- ولكن هذا القاء النفس في التهلكة..
- لا..لا..اريد ان تتعلم على حقيقة أساسية وهي أننا نعمل في أصعب الظروف ونواجه اعدائنا في صلب عملهم وحياتهم وظروفهم السعيدة..وظروفنا الصعبة.
إنهم يخشون وجودنا وهم في قمة مجدهم..ونحن نعمل في جميع الظروف ولن يثنينا طاريء.
- وهل تعتقد بأن البيانات الحزبية تستحق كل هذه التضحية.
- بالتأكيد تستحق،فنحن لانؤمن باستخدام السلاح في مواجهة من نختلف معهم فكرياً.
- ولكنهم يستخدمون السلاح في مواجهتكم.
- هذا شأنهم..اما نحن فنحاربهم ونواجههم بأفكارنا..الفكر هو سلاحنا الوحيد والذي يخشى إستخدامه اولئك الذين لايفكرون بعقولهم وإنما تملي عليهم عواطفهم كل تصرفاتهم.
ويظل يحاورني في هذا الشأن،وأنا حذر من حراس السجن الذين يحيطون بنا..فقد تكون كلماتنا قد وصلت الى آذانهم وبالتالي ستكون النتائج بالغة الخطورة.
أدق فوانيس الخطر أمام أخي..ويعالج جرحي بالسؤال:
- هل أنت خائف الى هذا الحد؟
- كيف لاأخاف وهم يفتشوننا عند دخول السجن والخروج منه.
يضحك ويقول:
- هذا سهل..سهل جداً،سوف نبتكر سبلاً أخر نتواصل فيها مع رفاقنا..
- ماذا ستفعلون؟
- نضع البيانات داخل الطعام،وفي (الزنابيل) وفي أفواهنا..يمكن ان تكون داخل هذا اللبن أو الكبة.
تأملت وجه اخي،وجدته جاداً،واثقاً من كلامه،حذر من حرس السجن المحيطين بنا..مضى يقول:
- بين تلافيف هذا (الزنبيل) تجد عدة رسائل أرجو إيصالها الى رفاقنا.
دهشت..حاولت الاعتذار ولكن نظرته الواثقة؛جعلتني اوافق واستجيب وأحمل تلك الرسائل وأوزعها على أصحابها.
تكرر الموقف أكثر من مرة..وفوجئت ذات مرة أنهم يفتشون الطعام والزنابيل....
وإكتشفني أحد المفتشين مرة ولكنه همس في إذني بعد أن وجد مظروفاً داخل علبة اللبن..
- إذهب – قالها بصوت عال – في وقت همس في أذني : لاتفعلها مرة اخرى فقد تقع الرسالة بيد مفتش غيري.
وحتى اكون حذراً في المواجهة الثانية حملت بياناً حزبياً بعد ان ضغطته بدقة وجعلت اتناوله كعلكة في فمي،وعندما قال لي مفتش السجن:
- إرم هذه العلكة من فمك..الرجال لايتناولون العلكة.
لئلا يكتشف أمري إبتلعت البيان/العلكة.
وتأملني الحارس..دون ان يعلق ..واحسست انه أدرك ان شيئاً غير العلكة كان يدور في فمي..وهو لايملك دليلاً يجعله يكشف أمري ويجلبني للتحقيق..لكنني قررت أن لا أكرر التجربة مرة أخرى..
الا أن عينا أخي وعد الله ظلت تلاحقني وتراقب أمري وانا احمل بين ساقي رسالة سميكة وقد تحركت من مكانها وكادت تسقط فيما كنت أسحب دراجتي الهوائية وانا اخرج والانظار متوجهة نحوي..واحترت بدراجتي وبنفسي وبالرسالة السميكة التي كنت أحملها واريد الخروج بها من السجن بسلام..
جعلت أعرج وامضي في سبيلي جاراً قدماي بصعوبة،ولا أكاد اصدق انني واصل الى مكان أمن خارج السجن..وكلما تذكرت هذا الموقف الصعب اشعر بالفخر والاعتزاز ذلك ان اخي علمني ان لا أضعف أمام الملمات وأنا أنطلق من ثقتي بنفسي وبقدرتي على تجاوز المحنة باصرار وانتباه وشجاعة..
وتعلمت درساً جديداً في التربية الشيوعبة التي كان يمارسها أخي في مسار حياتي..تعلمت أن لاشيء يستحيل على إنسان يملك الاصرار والثقة العالية بنفسه..لذلك رحت انقل البيانات وجريدة الحزب والرسائل من الخارج الى السجن..ومن السجن الى فضاء المدينة من دون ان أفكر يوماً في فتحها ومعرفة ماهو مدون فيها..الى أن طلبت ذات يوم من اخي السماح لي بقراءتها.
- ألم تقرأها مرة.؟
- لا .. إنها امانة أوصلها.
إبتسم اخي..شكرني على امانتي..قال:
- مادمت امينا الى هذا الحد،فانني ازيد في هذه الامانة واترك لك حرية قراءتها..شرط أن تكون حذراً..وأن تكون أميناً على ماورد فيها من معلومات..
الامانة..أن تحفظ مايعهد اليك،والامانة أن تصون كل ماينبغي لك ان تصونه..
وبهذا تعلمت الدرس بتفاصيله الكاملة..











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا