الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاشتراكية وقضية الصحراء المغربية

بلكميمي محمد

2009 / 5 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان الصراع الدائر حول الصحراء يبلغ عمره انذاك اكثر من عشر سنوات عندما كتب الفقيد عبد السلام المؤذن هذا المقال ، بين المناصرين لحق المغرب في استرجاعه لصحرائه ، والمعارضين لذلك الحق ، وخلال تلك الفترة التاريخية الطويلة ، تراكمت عدة احداث ، ووقعت عدة تطورات سياسية وعسكرية وديبلوماسية ، كما ان العديد من المعطيات الموضوعية الضرورية لاي تحليل علمي ، كانت ، في اللحظة الاولى من انفجار الصراع ، اما منعدمة كليا واما غير واضحة بما فيه الكفاية .
ان تجربة العشر السنوات انذاك أي منذ بدء الصراع ، بين الموقعين المتناقضين ، قد كشف كل الاوراق ، وازاحت اللثام ، عن اطراف الصراع الحقيقيين ، وعن خلفياتهم ومراميهم ، اننا يقول عبد السلام المؤذن انذاك نوجد في وضع افضل من الوضع الذي كان فيه الصراع في بدايته ، مما يسمح لنا بالقيام بتقييم نقدي اكثر موضوعية وشمولية للموقفين المتصارعين حول قصية الصحراء .
والسؤال الذي طرحه الفقيد عبد السلام المؤذن انذاك هو كالتالي :
هل تجربة العشر سنوات انذاك التي استغرفها الصراع الغنية بوقائعها ، قد اعطت الحق للموقف المساند للمغرب ، ام للموقف المعارض ؟ ، من هو الموقف الخاطئ ؟ ومن هو الموقف الصائب على ضوء تلك التجربة الماضية ؟ .
ان المقالة التالية ، بعيدا عن ساحة المعارك العسكرية انذاك الحارة ، وعن ساحة المعارك الديبلوماسية الساخنة ، تريد الاجابة عن ذلك السؤال من خلال نقاش نظري بارد .
1+ - الصحراء المغربية بين الموقف الديمقراطي الحقيقي والموقف الديمقراطي المزيف :
ان أي مناضل اشتراكي يريد ان يتامل بجدية في مسالة الصحراء ، قبل حسم رايه السياسي في هذا الاتجاه او ذاك ، لابد من ان يبدا بطرح هذا السؤال على نفسه : هل الحدود الترابية والجغرافية التي ورثها المغرب المستقل سنة 1956 عن المرحلة الكولونيالية ، هي حدود ديمقراطية ؟ . هل تلك الحدود هي الحدود الطبيعية والتاريخية للدولة المغربية ؟ .
ان اية اجابة عن هذا السؤال تريد الالتزام بالموضوعية لابد ان تنتهي الى جواب النفي . فلقد عانى المغرب في تاريخه الطويل من نوعين من الكولونيالية : كولونيالية كلاسيكية تمثلت ولازالت في احتلال مدن وجزر مغربية من القرن الخامس عشر ، وكولونيالية امبريالية مختلفة عن سابقتها . فالطابع الذي ميز تاريخيا الاولى هو انها كانت تعكس المرحلة الاولى من نشوء الراسمالية الاوربية ، وبالتالي فان الحاجة الى المستعمرات الكولونيالية كانت تقتضيها اساسا اعتبارات تجارية ، أي ان العلاقة بالمستعمرات ظلت في حدود دمجها في عملية تبادل البضائع . ان هذا النوع الاول من الكولونيالية قد قاومه الشعب المغربي ببسالة وتمكن صده ، ويتجلى هذا في تحرير معظم الثغور الساحلية المغربية من قبضة الاسبان والبرتغاليين ، وفي معركة وادي المخازن الوطنية المظفرة .
اما الطابع الذي ميز الكولونيالية الامبريالية ، فهو انها قد عكست تاريخيا المرحلة النوعية العليا من تطور الراسمالية: انها مرحلة تحول الراسمالية التنافسية الى راسمالية احتكارية . فتمركز الانتاج والابناك في مؤسسات محدودة العدد ، قد ادى الى ظهور ظاهرة الاحتكار لدى هؤلاء ( ان التفاهم والتنسيق يصبح ممكنا بين مؤسسات كبرى تتقاسم فيما بينها السوق المحلية ، وهذا ما لم يكن ممكنا في المرحلة التنافسية حيث كانت السوق مجال صراع بين عدد هائل من الراسماليين الصغار والمتوسطين ) . وظاهرة الاحتكار قد ادت بدورها الى الاندماج بين الانتاج الصناعي والابناك ، وبالتالي ظهور الراسمال المالي الذي اصبح القوة المسيطرة على معظم الاقتصاد المحلي في البلدان الراسمالية المتطورة .
ان الظاهرة الاحتكارية الجديدة التي افرزها تطور الراسمالية الكلاسيكية ( القائمة على المنافسة الحرة ) في نهاية القرن 19 ، قد سمحت اذن بتمركز هائل للراسمال المالي في البلدان الراسمالية . ولان المنطق الراسمالي اساسه هو الربح ، وبالتالي فان الراسمال الاحتكاري لم يهتم بتنمية المرافق الاقتنصادية المتخلفة ( الزراعة في ذلك الوقت ) ، او تحسين الاوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة والجماهير الشعبية بل لقد قاده منطقه الى تصدير فائض الراسمال ، المالي لتوظيفه خارج حدود دولته القومية . وبما ان هذا التوظيف هو في اساسه عبارة عن استثمار راسمالي في قطاعات الانتاج والقطاعات المرتبطة بها ( مناجم ، سكك حديدية ، طرق ، موانئ ، كهرباء ، زراعة ، صناعة ...) ، فبالتالي لم يكن ذلك ممكنا في البلدان المتخلفة الماقبل راسمالية ، بدون اخضاعها سياسيا . والشكل الوحيد لذلك الاخضاع في تلك المرحلة ، كان هو الاستعمار الكولونيالي الامبريالي . فالكولونيالية اذن في المرحلة الامبريالية ، لها مضمون مختلف نوعيا عن الكولونيالية في المرحلة الراسمالية الكلاسيكية ، في الثانية كان الاساس تجاريا ، هو تصدير البضائع المصنعة ، بينما اصبح الاساس في الاولى راسماليا يتمثل في تصدير الراسمال المالي وغرس الانتاج الراسمالي في في البلدان الكولونيالية ( أي التصدير التجاري هو نفسه اصبح مؤطرا بالانتاج الراسمالي المستحدث في تلك البلدان ) .
ان الامبريالية اذن من حيث الجوهر الاقتصادي ، لاتعني شيئا اخر سوى الراسمالية الاحتكارية . وبما ان الظاهرة الامبريالية لم تكن مقتصرة على دولة اوربية واحدة وانما شملت مجموع الدول الراسمالية المتطورة ، لذلك كان لابد من ان ينشب تنافس وصراع بين الامبرياليات حول المغرب.
وهذا الصراع كان بين : فرنسا وبريطانيا والمانيا واسبانيا ( بحكم موقعها الجيو- سياسي ) . ولقد انتهى ذلك الصراع الى اتفاق سلمي بشان المغرب .( لنلاحظ ان الامبرياليات المتصارعة حول اقتسام مناطق اخرى من العالم ، قد عجزت عن التوصل الى اتفاق سلمي ، اذ بعد سنتين فقط من الاتفاق بشان المغرب اتخذ الصراع طابع انفجار حرب عالمية شاملة ) .
ان الحل الامبريالي لما سمي بالمسالة المغربية ، قد ادى الى تمزيق وحدة التراب الوطني المغربي ، ونزع السيادة عن الدولة المغربية الوطنية . اذ قبل هذه الواقعة ، كانت الطبقة الاجتماعية الحاكمة التي تمثل الدولة الوطنية المغربية هي الطبقة الاقطاعية .
ولقد تشكلت تاريخيا الدولة الوطنية الاقطاعية ، على انقاض الدولة الامبراطورية التجارية التي سبقت هذه المرحلة من تاريخ المغرب . ذلك ان الانتقال من عصر الامبراطوريات المغربية الكبرى الى عصر الممالك الاقطاعية ، هو الذي خلق الشروط الموضوعية لرسم وتعيين الحدود الترابية التاريخية والطبيعية للدولة المغربية الوطنية .
ان الاساس الاقتصادي لهذه الدولة الوطنية ، هو استغلال فائض انتاج الفلاحين المغاربة من قبل الطبقة الاقطاعية المغربية ، بجناحيها معا : الاقطاع المركزي الذي يمثله الحكم المخزني ، والاقطاع المحلي الذي تمثله الزوايا ( خصوصا في فترات ضعف الحكم المركزي ) . وهذا الاساس الاقتصادي هو النقيض للاساس الذي قامت عليه دولة الامبراطوريات السابقة ، والذي كان يتجلى في الفائض التجاري الناجم عن تجارة الذهب التي كان يقوم بها المغرب بين افريقيا السوداء وبين اوربا والشرق .
ان الطبقة الاقطاعية المغربية اذن ، هي صانعة الدولة الوطنية المغربية بحدودها الترابية التاريخية – الطبيعية . ومنذ تاسيس هذه الدولة في المرحلة الثانية من العصر المريني في القرن الخامس عشر ، قد شكلت ميدانا للصراع الوطني ( من جهة ضد الاجنبي الاسباني والبرتغالي المسيحي ، ومن جهة اخرى ضد الاجنبي العثماني المسلم الذي كان يحتل التراب الجزائري التونسي ) ، وفي نفس الوقت ميدانا للصراع الطبقي بين الاقطاع والفلاحين من جهة ، وبين الاقطاع المركزي والاقطاع المحلي من جهة ثانية ( ان هذا الصراع الطبقي داخل الطبقة الاقطاعية الواحدة ، الذي كان يحركه تفاوت التطور بين الاقطاع المركزي المخزني والاقطاع المحلي – الاقليمي للزوايا ، هو الذي يفسر ظاهرة تعاقب سلالات مختلفة على راس الدولة المغربية : السلالة المرينية فالوطاسية فالسعدية فالعلوية ) . ان الحدود الترابية الطبيعية للدولة المغربية ، قد ترسخت تاريخيا عبر ذلك الصراع الوطني والطبقي نفسه .
هذه اذن هي الدولة الوطنية المغربية في حدودها الترابية الطبيعية ، التي ستكون مثار صراع ومنافسة بين الامبرياليات الاوربية في نهاية القرن 19 . وان هذا الصراع بين الامبرياليات الاربع ، الذي انتهى الى اتفاق سلمي قد جسدته الصيغة التوفيقية التالية : تنازل فرنسا لبريطانيا والمانيا عن مطالبها في مصر والطوغو ، مقابل تنازلهما لفرنسا واسبانيا عن مطالبهما في المغرب .
هكذا ستم تمزيق المغرب الى ثلاث مناطق نفوذ امبريالي مستقلة عن بعضها البعض ، المنطقة الفرنسية والمنطقة الاسبانية والمنطقة الدولية ( مدينة طنجة ) .
وفي سنة 1956 بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي ، لم تكن حدود دولة الاستقلال هي الحدود الطبيعية الديمقراطية للدولة المغربية التاريخية . فلقد تم بتر بشكل تعسفي اطراف هامة من ترابها . اذن ان طرفاية وافني والصحراء الغربية ظلت خاضعة للاستعمار الاسباني ، بينما الامبريالية الفرنسية اقتطعت منطقة شنقيط لتؤسس فيها دولة موريطانيا مصطنعة ، كما انها ضمت ، عسفا ، منطقة تندوف الى التراب الجزائري ( هذا فضلا عن استمرار احتلال مدينتي سبة ومليلية والجزر ) .
ومنذ ذلك التاريخ والشعب المغربي يناضل من اجل الحدود الديمقراطية لدولته الوطنية . وما قضية الصحراء الغربية سوى حلقة ضمن ذلك النضال الوطني العام ، فماهو اذن الموقف السياسي السليم الذي ينبغي على كل مناضل اشتراكي حقيقي ان يلتزم به تجاه هذه القضية ؟ .
ان قضية الصحراء ليست قضية وطنية فحسب ، بل هي ايضا قضية ديمقراطية لان الحدود التي ورثها المغرب عن المرحلة الكولونيالية الامبريالية ، ليست حدودا ديمقراطية ، هناك اذن تناقض : بين الامبريالية التي رسمت بشكل تعسفي اضطهادي ، حدودا مصطنعة للدولة المغربية ، وبين حق الشعب المغربي في رفع الاضطهاد والتعسف من اجل اقرار الحدود الطبيعية لدولته التاريخية .
ولان الاشتراكيين هم اكثر الديمقراطيين ديمقراطية ، بسبب عدائهم التام لكل اشكال الاضطهاد والتعسف ، فبتالي لايمكن لاي مناصل اشتراكي منسجم مع نفسه ، الا ان يناهض الاضطهاد الامبريالي الموجه ضد الحدود الطبيعية للدولة المغربية .
غير ان بعض مناضلينا الاشتراكيين يقول الفقيد عبد السلام المؤذن في مقالته هذه ، يفهمون الديمقراطية بشكل مقلوب تماما ، فهم مع الديمقراطية ، لكن ليست تلك التي تقر الحقوق الوطنية المشروعة للشعب المغربي ، وانما التي تساند " حق " جماعة من المغاربة الصحروايين في الانفصال عن بلدهم وشعبهم .
ان هذا الموقف السياسي خاطئ جذريا يقول الفقيد عبد السلام ، لانه يستند الى اسس نظرية مهزوزة ومنخورة ، ويمكن حصر اسس ذلك الموقف في اطروحتين رئيسيتين :
الاولى : هناك شعب صحراوي ، وهذا الشعب يطالب بحقه في الانفصال عن المغرب وتاسيس دولته المستقلة . لذلك ، ومن وجهة نظر ديمقراطية ، يجب دعم هذا المطلب الديمقراطي .
والثانية : ان النظام المغربي نظام تبعي للامبريالية ، لذلك فان الصحراء في حالة ضمها الى المغرب ، ستخضع بدورها للاستغلال الامبريالي .
ان هذا الراي الذي يعتبر نفسه ديقراطيا وثوريا – وهو كذلك في المظهر – ليس في جوهره سوى رايا سطحيا حسب وجهة نظر كاتب المقال وذاتيا وزائفا . فلو كانت الظواهر تتطابق مع الجواهر ، لما كانت هناك حاجة للعلم ( كما يقول ماركس ) . فلنناقش اذن اسسه النظرية بتفصيل في الاطروحة الثانية ، بعنوان الخلط بين مفهوم الدولة الوطنية والتحرر الاقتصادي في الحلقة المقبلة من هذا العدد على الحوار المتمدن دائما في اطار تراث الفقيد عبد السلام المؤذن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة