الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسداد التفاوضي ومفاعيل فشل أو إفشال -الحوار- الفلسطيني

ماجد الشيخ

2009 / 5 / 31
القضية الفلسطينية


يشكل الإخفاق المدوي في الوصول إلى صيغة تنهي الانقسام والتقاسم الفئوي الفصائلي، وتعيد صياغة منظمة التحرير، مصحوبا بإخفاق حركة فتح في تجاوز إشكالات انعقاد مؤتمرها السادس من جهة، والإشكالات المضاعفة الناشئة من قرار انعقاده داخل الوطن من جهة أخرى, في ظل جولات الحوار التفاوضي الثنائية في ما أسمي "حوار القاهرة" الذي "أنجز" حتى الآن توصله إلى تحديد السابع من تموز (يوليو) القادم موعدا أخيرا للوصول إلى صيغة "مصالحة توافقية". كل هذا لا يشير إلى إمكانية استعادة الوضع الفلسطيني وحدته الوطنية الجامعة، بغض النظر عن "الوحدة الفصائلية" الموسمية، أو "وحدة الشراكة" ومفاهيمها التي خرجت من زمن عن سكة الوحدة، وابتعدت عن فضاء أو قطار الشراكة، بفعل المصالح الفصائلية التي طالما تغلبت أو كانت تتغلب على المصالح والتطلعات الوطنية لمجموع الشعب الفلسطيني.

وبغض النظر عن الموقف القانوني والتجاوزات القانونية التي بات الوضع الوطني الفلسطيني يتردى في ظلها، فإن لجوء الرئيس محمود عباس إلى تشكيل حكومة جديدة - هي مثار خلاف واختلاف حتى داخل حركة فتح - في أعقاب فشل كل جولات "الحوار الوطني" التفاوضي في الوصول إلى صيغة وحدوية توفيقية بين طرفي الانقسام والتقاسم، مؤشر واضح إلى الانسداد الكامل في أفق أو آفاق ما ليس منه بد، للوصول إلى استعادة الوحدة الوطنية، لا الوحدة أو الوحدات الفصائلية الفئوية، تلك التي تنشقّ على ذاتها اليوم بفعل المصالح الذاتية التي تكوّنت بفعل حال الانقسام والتقاسم، كما بفعل التدخلات والضغوط الإقليمية والدولية التي ما تني تمارس فعلها على جانبي الوضع الفلسطيني.

واليوم وفي ظل وحدة وشراكة السياسة الائتلافية الإجماعية لحكومة اليمين الليكودي المتطرفة، كم تغدو الحاجة أكثر إلحاحا لتغيير لغة التخاطب الفلسطينية أولا، لتقديمها نموذجا للغة تخاطب عربية ومن ثم إقليمية ودولية، وإلاّ فإن الوضع الوطني الفلسطيني وفي مراوحته الراهنة، لن يستطيع أن ينجو من عواقب السياسات اليمينية المتطرفة، لحكومة لا تخفي طبيعة أهدافها النهائية، فضلا عن أهدافها الآنية التي بدأتها باشتراطات الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة (الإسرائيلية)، وهي الاشتراطات الموجهة للعالم أجمع، وليس للفلسطينيين وحدهم، ما يعني أن حكومة نتانياهو الأكثر يمينية وتطرفا من سابقتها، إنما تحاول أن تضع العالم كله عند حدود التماثل معها ومع أهدافها، وإلاّ فهي ستمتنع عن التجاوب أو التعاطي حتى مع الولايات المتحدة، في حال إصرارها على إنفاذ رؤية خاصة بها إزاء تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو ما بدا واضحا في ضوء زيارة نتانياهو التي انتهت إلى التأكيد على ذات المواقف الإسرائيلية المتعارضة ومواقف البيت الأبيض.

هذا "الرسوخ" في الموقف الأيديولوجي لليمين الإسرائيلي المتطرف، لا يضع الطرف الفلسطيني في وضع يحسد عليه، من حيث رهانه على معجزة ما، في زمن يفتقد لمقومات أي نوع من أنواع المعجزات، أو لارتهانه للغة خطابية قديمة لم تعد تلبي احتياجات المرحلة، في ظل غياب أو تغييب نزوع التحرر الوطني والتناقض مع مستلزماته، في ظل استمرار الانقسام والتقاسم الجغرافي والسياسي للحركة الوطنية الفلسطينية، العاجزة بدورها عن مغادرة مواضعها المتكلسة، التي وضعتها فيها فصائلها، التي تكلست هي الأخرى بفعل التقادم، واجترار السياسات التي لم تعد تلبي طموحات الشعب الفلسطيني، وسط متغيرات دراماتيكية حاشدة إسرائيليا وإقليميا ودوليا.

لقد أدى التكلّس الفصائلي سياسيا وتنظيميا، كما الانقسام الجغرافي الوليد منذ العام 2007، إلى إفقار في وعي الأغلبية، فضلا عن افتقار وعي الأقلية الفصائلية لإدراك أهمية مهام تقود إلى تكريس الوعي بالمسؤولية الوطنية، على حساب موضوعات الخلاف التي أضحت أكثر امتهانا للقوى السياسية على اختلاف مشاربها وأطيافها – أساسية وغير أساسية – خصوصا تلك السلطوية وعلى جانبي الخلاف والاختلاف المدمّر. فاستمرار الخلاف الفصائلي وتطوره لاحقا إلى خلاف وطني واجتماعي وطبقي، يضع الشعب الفلسطيني وقواه المقاتلة والمفاوضة على حد سواء، في مواجهة عدو موحد يعرف تماما ماذا يريد، حتى وإن ناور وداور، فهو بالتالي قد أخضع سلفا كامل تكتيكاته لإستراتيجيته التي تشهد إجماعا قل نظيره في تجمعات أو مجتمعات أخرى، فما الذي يقف عائقا أمام الوصول إلى إجماع فلسطيني مماثل، أو متقارب بالأقل، على هدف سياسي قابل للتحقق الآن أو في المستقبل؟.

إن إدراك حجم التدخلات والاملاءات الخارجية، لا ينبغي أن يغيّب حجم التدهور الداخلي وتحولاته وتمحوراته السلطوية من جهة، والمصلحية المنفعية من جهة أخرى، تلك التي تأخذ بالاتساع بفعل التباعد البرنامجي – السياسي – بين طرفي أو أطراف الوضع الوطني الفلسطيني، وما أشكال التفاوض (الحواري) الثنائية، إلاّ الدليل الساطع على التفرّد وإقصاء وتهميش الأطراف الأخرى وإبعادها أو استبعادها من "جنة" التفاوض، للإبقاء على المحاصصة الثنائية الفصائلية سيدة الموقف بامتياز.

ومهما يكن من طبيعة الوثيقة التي تعمل حكومة نتانياهو على إعدادها وبلورتها منذ ما قبل وبعد زيارة هذا الأخير لواشنطن، والتي تميل إلى تنظيم الأمن والاستيطان، فإن إيضاح أو وضوح شرط الاعتراف بيهودية الدولة (الإسرائيلية) كونه شرطا للتسوية النهائية، وليس للبدء بعملية التفاوض، يضع الوضع الوطني الفلسطيني أمام مهمة راهنة دائما، تستدعي العمل على تحديد موقف فلسطيني موحّد، لا يجابه فيه أهداف حكومة نتانياهو، بل ويلتقي فيه إقليميا ودوليا على قاعدة التسليم بأهداف الشعب الفلسطيني الوطنية، وأبرزها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، هذا الحق الذي لطالما سعت وتسعى الحكومات الإسرائيلية على مختلف أطيافها إلى نفيه واستبعاده بالمطلق، عبر هدف الاعتراف بـ "إسرائيل دولة يهودية" أو الدولة اليهودية.

أيضا.. ومهما يكن من طبيعة ما تعدّه وتؤسّس له الإدارة الأميركية على صعيد إنفاذ رؤية الدولتين، الآن وفي ضوء لقاء أوباما – نتانياهو ولقاء أوباما بالرئيسين الفلسطيني والمصري بعد أيام، فإن لقاء الرئيس الأميركي بالملك الأردني عبد الله بن الحسين في البيت الأبيض قبل ذلك، شكل باكورة لقاءات الإدارة الأميركية بزعامات النظام الإقليمي العربي، ما يؤشر إلى اتجاه الريح الأميركية نحو تبني صيغة الدولتين وفق مقررات أنابوليس والمبادرة العربية ورؤية الرباعية الدولية، وذلك على النقيض من رؤية نتانياهو الغائمة للتسوية والتي يمكن تلخيصها برؤية ما يسمى "السلام الاقتصادي" أو العودة إلى رؤية "الحكم الذاتي"، وهنا تحديدا لا فرق بين رؤية الاحتلال لذاته كونه الحاكم بأمره في الحالتين.

وفي كل الأحوال، ما يهمنا هنا، هو أن الوضع الوطني الفلسطيني في جموده ومراوحته، ورهاناته الخاسرة، وإيمانه الغيبي بالمعجزات، وبوضعيته الانقسامية، في ضوء الانسداد التفاوضي، ودوغمائية الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، عاجز عن التفاعل في دفع جهود تحريك مسار التسوية وقطارها، فضلا عن أنه الأعجز بقواه الذاتية عن دخول نفق الوحدة الوطنية مجددا، وسط تقلبات المحاور وتمحوراتها. وطالما أن إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة هي اليوم أكثر إدراكا أن وضعا فلسطينيا منقسما هو أجدى لها وأربح، وهي لذلك ستبقى تناور على محور الانقسام لضمان ديمومته، والإبقاء عليه سيفا مشهرا في وجه محاولات استعادة وحدة القرار السياسي الفلسطيني الموحد. فيما لا تشي معطيات الواقع الفلسطيني بأن شيئا ما يمكن أن يتغير، بفعل جولة أخرى من جولات "التجريب التفاوضي" على طاولة "الحوار"حتى ولو سميت نهائية، رغم كل هذا "الكم النوعي" من المتغيرات في الوضع الإقليمي والدولي الناشئ، وكأن للفلسطينيين كوكبهم الخاص، ولكن الأصح أن القيادات الفصائلية هي التي تعيش متكوكبة في قواقعها الخاصة للأسف.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي
سيمون خوري ( 2009 / 5 / 31 - 03:19 )
نتفق مع المقدمة لكن نختلف حول بعض النتائج. مفاوضات الحوار تحولت الى مادية دعائية تبرر الانقسام ودعوات الوحدة الصادرة من البعض عمليا لاتخدم مصالحهم ومصالح شركائهم الاقليميين. رغم جمودية الوضع الفلسطيني لكن المفاوض الفلسطيني ولاسباب كثيرة لا يسعها هذا التعليق يتحكم بالعملية السلمية في المنطقة وحتى الحكومة الاسرائيلية تدرك ذلك ربما سقف مطالبها المرتفع يكشف عن شكل التسوية القادمة .وأعتقد أن المصلحة الوطنية الفلسطينية بحاجة ماسة لتجاوزأجواء ردود الفعل على الحكومة الجديدة لصالح آجواء تحضر لجولة مفاوضات جديدة برعاية رباعية وغيرها. ومن يملك حلولا عملية غير طريق المفاوضات فالطريق الى فلسطين مفتوح أمامه حتى ولو كانت طيور الآبابيل.

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ