الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع السعودي.. والخوف من الحرية

أحمد عائل فقيهي

2009 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك اليوم مايجعلنا كمجتمع نتراجع عن تحقيق هذا الاستحقاق الحضاري الذي نعيشه وفق المتغير العلمي، وما أحدثته ثورة المعرفة من تحول جذري وعميق في النظر للعالم والحياة، وليس هناك مايجعلنا نقف مبهورين ومتلقين فقط، ويتحول دورنا إلى دور المتفرج أمام ماينجزه الآخرون على المستوى العلمي والثقافي والإبداعي، ذلك أن المجتمع السعودي في مكوناته الاجتماعية، ومن خلال التعددية المناطقية والعشائرية والمذهبية مايجعله مجتمعاً خلاقاً وفاعلاً وغير مستسلم لما يجعله يتراجع عن تحقيق الكثير من الطموحات التي ينبغي إنجازها، والذهاب بعيداً في جعلها جزءا من المنظومة الذهنية للمجتمع السعودي في ظل إرادة قوية تعمل وتنتج وتبدع يقودها رجل تاريخي واستثنائي هو الملك عبد الله بن عبدالعزيز، وفي سياق لحظة كونية تفرض إرادتها وسيطرتها في ضرورة التغيير والتطوير، ولأن المجتمع السعودي يعيش في فضاء الانفتاح، على المستوى الإعلامي والثقافي، وخروج المرأة، وهو مايجعلها تطالب بحقوقها والبحث عن مواقع متقدمة في المجتمع وفي مراكز القيادة.
وأيضاً تعتبر عنصراً فاعلا وأساسياً في حقول العلم والمعرفة العامة، وأصبحت تحتل واجهة المشهد الثقافي والعلمي، بوصفها كاتبة ومبدعة وروائية وشاعرة وطبيبة وأستاذة جامعية، ولأن المجتمع السعودي مل من سيطرة وهيمنة الفكر الواحد والخطاب الواحد وفرض ثقافة وأدبيات الرؤية الدينية الواحدة، كان لزاماً على هذا المجتمع أن يتحرك، ويفك العقدة التاريخية التي جعلته أسير وسجين الفكر الواحد، بفعل طائفة أو شريحة اجتماعية تمتلك وتملك مفاتيح كل شيء في المجتمع وتضع يدها على مفاصل المؤسسة التربوية والتعليمية، في حين أن الدين لله والوطن للجميع، وليس صحيحاً أن يظل كل شيء على ماهو عليه، وبما أن الدين يمثل مرجعية للجميع، ينبغي بالمقابل أن يكون الوطن هو ملاذ وملجأ الجميع، تحت مظلة الدولة الواحدة والمواطنة الواحدة والوحيدة، ومادون ذلك، فليس هناك مظلة يمكنها أن تقي المواطن من حر وهجير الانتماء المناطقي والعشائري، ذلك أن قيمة الإنسان اليوم لا تتحقق إلا بكونه إنساناً مدنيا ينتمي إلى ثقافة وفكر وذهنية المدنية بكل تجلياتها واختلافاتها، لا أن يكون قروي التفكير، وصحراوي النزعة والاتجاه، وتقوم أفكاره على تغليب ماهو «خاص» على ماهو «عام» وتقديم ماهو «مناطقي» على ماهو «وطني»، ولكن كيف يمكن أن تكون مدنياً ووطنياً وحضارياً في نفس اللحظة؟
يمكن أن يكون ذلك وأن يتحقق بوجود الحرية التي تكفل للمواطن والمثقف الجهر بأفكاره وآرائه وبهمومه وهواجسه، وتلك هي الحرية المسؤولة وليست الحرية المنفلتة، الحرية الفكرية الاجتماعية التي تقول كل شيء دون أن تتعدى وتتجاوز، فتصبح اعتداء على الآخرين وقفزاً فوق كل شيء، تلك الحرية التي هي من أبجديات الإسلام فكراً وسلوكاً، والتي هي واحدة من أهم قيم الدولة الحديثة، لأن الحرية هي المقدمة الأولى لبناء المجتمع، والتي ترتبط ارتباطاً جذرياً بتأهيل الفكر السياسي، وتحويله إلى رأي سياسي وفكري وممارسة فكرية.
إننا نتحدث عن الحرية المسؤولة وليست المقيدة، الحرية التي يخافها الجميع ويخشاها المجتمع، وكأنها «بعبع» ورمز للرذيلة والابتذال والعري، والدعوة إلى التفسخ، والاتجاه إلى جعل الجسد الهاجس والهم، وليست الحرية بمفهومها العميق السياسي والفكري والاجتماعي والحقوقي والإنساني، والتي يتم اختصارها واختزالها عند شرائح اجتماعية كبيرة وعريضة، في كونها ترمز إلى ناد ليلي وبار ومرقص، إنها أكبر من ذلك أيها السادة المسكونون بهاجس المؤامرة، الذين ترون في أن الغرب يستهدفنا،
ويريد إلغاء الهوية الإسلامية والحضارية للأمة والمجتمع، وأننا نمثل هاجسا للغرب.
إن الغرب هو الذي أهدانا فكر التنوير والنهضة، وهو الذي منحنا كل قيم وأدبيات الحياة العصرية، وأعطانا كل شيء! من القلم الذي أكتب به حتى المصباح الكهربائي الذي يضيء لي عتمة المكان وظلمة الأفكار التي تلفني وتحيط بي، وظلمة الأفكار المناهضة لحركة التقدم التي تقف أمام ما نحلم به جميعا، وما نطمح لتحقيقه، والنضال من أجله، لتصبح الحرية ضمن مكونات المجتمع الذي يستحق أن يكون في المقدمة ويحجز له موقعاً متقدماً بين مجتمعات العالم، ذلك لأننا لسنا ظاهرة نفطية و «وهابية»، وعلينا أن نكسر هذه الصورة النمطية، ولن يتأتى ذلك إلا بكسر عقدة الخوف من الحرية، وجعل هذه الحرية ضمن المنظومة الحضارية والثقافية التي تتجه إليها الدولة، وينبغي أن يتوجه إليها المجتمع، بدءاً من الحوار الوطني، إلى حوار الأديان، إلى الحوار في المسكوت عنه على كافة المستويات والمجالات.
إن الجهر بالأفكار يحرر المجتمع من التكلس والجمود، ويحرر الفرد من مواجهة القادم والطارئ، ويجعله أكثر تصالحاً مع نفسه ومع المجتمع.
فيا أيها المتكلسون... لا تخافوا من الحرية، إن الحرية حركة، هي الهواء النقي الذي علينا أن نستنشقه جميعاً..
إن حرية الإنسان هي الفريضة الغائبة التي آن الأوان أن نمارسها ونعيشها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زيادة
سلمان النقاش ( 2009 / 5 / 31 - 08:20 )
كلمات ضرورية واعتقد ان كاتبها منفعل بالاتجاه المنتج والمسؤول والحريص وليسمح لي الاستاذ احمد ان ازيد على ما ذكره من نتاجات الغرب واقول بان المنجز الحضاري هو نتاج انساني على الدوام منذ ان تشكل الوعي في دماغ الانسان وبدأ يدرك ان العالم الذي حوله مفهوم وله قدرة في اكتشاف قوانينه ومحاكاتها وصنع عالم يبعده بهذا القدر او ذاك عن قلقه من الوجود فيه كما اني ارى ان المنجزات الحضارية التي تبدو اليوم وكانها صنع غربي ما هي الا نتيجة الفعل المعرفي المتراكم منذ ان تعلم الانسان اللغة ونشطت منظومته الاتصالية وتعلمه قوانين العمل فاذا اعتلا في انسان المجتمع السعودي هاجس الفخر لبعض المفاهيم التحضرية فان هذا حقيقي لان مركز الحضارة كان هنا في زمن ما وهو مشارك فعلي في كل انجاز حضاري سواء اكان ثقافيا او علميا او فنيا او اقتصاديا والاهم فكريا لكن المركز لا يثبت في مكان فانه نتيجة ميله الى تجميع تراكمات المعرفة فانه ينحدر كالانهار نحو هذه المراكز وبتمعن بسيط نجد ان هذه المراكز تنتقل عبر الزمن والتاريخ من مكان جغرافي الى اخر فكانت الصين واليونان والرومان والدولة الاسلامية ومن ثم النهضة الكبرى التي حدثت في اوربا والتسارع الكبير في نتائجها بفعل التطور العلمي والتكنلوجي الذي اصبح الاداة الاكثر ثورية في تغيير مفاهي

اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد