الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : حلم كاتب في منتصف كوابيسه !!

مهدي قاسم

2004 / 4 / 24
الادب والفن


كان كاتبنا الكبير أبو مهلوس الحواجب – بالطبع هذا أسمه الفني – متحصنا ، و متدرعا بسياج عال من نقمة ، و سخط ، و غضب ، ضد العالم ، و البشرية في آن واحد ! .. حيث كان يفور ، و يدوًم ، في قلبه ذلك الحقد المزمن ، المرضي ، الذي نتلمسه ، عند أولئك المرضى نفسيا ، الذين كانت طفولتهم منتهكة ، و مثلومة بالبؤس ، و الذل ، و الإذلال ، و مخالب الفقر المدقع ، و حيث كانت ديدان المستنقعات تقضم كعب أقدامهم ، و استحالت أفواههم ، و حدقة عيونهم إلى أعشاش للذباب ، و الديدان الصغيرة !!! ..
و مع إن الفقر ليس عيبا ، كما يُقال ، إذنه من الممكن أن يطرق أي باب كان ، إلا إن لعنته ، تكمن في كونه ، قد يشوه النفوس ، و الأرواح ، و الأخلاق : فمثلا ، إن الفقر ، قد يجعل بعضا من الذين أغدق عليهم ب( نعمته ) ، من ذوي أخلاق الخدم !! .. و لكن ما هي أخلاق الخدم هذه ؟! .. أنها صفات راسخة ، و سلوك متجَذر عند بعض من خدم ، - و ليس عند كلهم ، بالطبع - ، و الذين يصبحون - في ظروف معينة – ذليلين جدا، خانعين جدا، عديم الكرامة ، و الشرف ، تارة ، وفي ظروف أخرى ، وقحين ، و صلفين ،و وضيعين لحد اللعنة ، تارة آخرى!!! ..
كان كاتبنا أبو مهلوس الحواجب ، واقفا عند نافذته المطلة علىحقول ، و بحيرات ، و كثبان عالية .. كان واقفا يسب ، و يشتم البشرية ، :كان فمه المعوًج من شدة الشتائم ،و الألفاظ البذيئة ، من تلك الألفاظ التي اعتادت الداعرات ، و القوادون ، رشقها في وجوه المارة ، على قارعة الطريق ! .. لقد عوضه قدره عن طفولته المنتهكة ، و المثلومة ، بأن منحه ( موهبة ) فن الشتائم ، و السباب الاستثنائي : أقول كان فمه ، يرتجف ، و يرغو ، و يزَبد ، ليقذف قبضات من ضفادع ، و جرذان ، و زواحف أخرى كانت تخرج من حلقه ، و معدته برعيق ، و صفير فظيعين:
فكان كاتبنا زعلانا ، دوما ، و في حالات انفعالية ، دائمة ، تجعل أعصابه متوترة ، كسلك كهربائي، متوترة ، ليلا ، و نهارا .. و كم من مرة استفاق على أصوات قهقهته : إذ أنه كان يحلم بإطلاق الرصاص على البشرية ، و كلما قتل مزيدا منها بنشوة سادية ، ارتفعت ضحكاته عالية ، متلعلعة ، كلعلعلة ، و أزيز ، تلك الرصاصات ، التي كان يطلقها على الآخرين ! ..
و الآن يتوقف فمه المعوج عن الإرتجاف ، و الترغي ، و التزبد الفقاعي ، و يهدأ مرتخيا ،كفم ضبع ، و شيئا فشيئا يأخذه النعاس ، ليتهالك على كرسي ( إلهامه ) مستغرقا في نوم مضطرب ، و متقطع كشأن المصابين بمرض العصاب ، و الانفصام ، و نباح الذاكرة ،المضطربة …
و ها هو يجد نفسه في قاعة ملكية فخمة ، لتوزيع الجوائز .. حيث كان يجلس بين دستيوفسكي ، و كافكا ، و روائيين عالميين آخرين ! .. إلا أنهم لم يكونوا يعيرون له أهمية ُتذكر ، كما لو كان كرسيه فارغا !! .. و فجأة تنحنح بصوت عال ، و قال مع نفسه : ماذا يفكرون عن أنفسهم هؤلاء الكتبة ؟؟ ، ما هم ، إلا كتبة تافهين !!! .. التفت إليه دسنيوفسكي ، و سأله بلطف : عفا ، هل قلت شيئا ما ؟!! .. إلا أنه بدلا من يجيب ، مال نحو حقيبته ، و أخرج ، منها بضعة كتيبات ، و دسها بين يدي دستيوفسكي قائلا : أقرأ أيها الكويتب ، اقرأ ، لترى ، و تتعلم ، كيف يمكن كتابة روايات بلغة جميلة ، و ليس بأسلوب ، سردي جاف ، و ممل !!! .. أبتسم دستيوفسكي بسماحة ، و من ثم أخذ يتصفح ، و يقرأ الكُتيبات بتأن و صبر .. بعد ذلك التفت كاتبنا أبو مهلوس الحواجب ، إلى فرانتس كافكا ، و سأله بوقاحة أولئك الخُدم الذين تحدثنا عنهم قبل قليل : و أنت لماذا ترفع خشمك عاليا ، أيها الكويتب التافه ؟؟! .. و أنت الذي لم تكمل رواية واحدة من روايتك العديدة ؟؟! .. دُهش كافكا من سوقية ، و إبتذال ، و عدائية السؤال ،فهو الذي لم يتعود على كلام المواخير ، من هذا القبيل, فرًد كافكا ، بلهجة ، جافة ، و باردة : يبدو لي يا سيدي ، أنك قد نسيت ، بأنني أوصيت أحد أصدقائي ، بحرق جميع رواياتي، لأنني لم اعتبر نفسي كاتبا مهما ، كلما في الأمر ،كنت اقتل الوقت ، متسليا ، بالكتابة ،! .. لقد فعلتَ حسنا ! – رد أبو مهلوس الحواجب و أضاف بفمه المعوج ، الذي أخذ يرتجف مزبدا من جديد – :- لأن كويتبا رديئا مثلك ، يجب أن تحرق كل أعماله الروائية التافهة ، حفاظا ، على جمالية الذوق البشري ، أيها اليهودي ، المتصهين !! ..نظر كافكا إليه بذهول ، و عدم فهم لهذه العدائية ، غير المبررة ، و من ثم أخذ ينظر إلى جهة أخرى ، مفكرا ، في الوقت نفسه بأنه قد حصل على مادة ، جديدة ، وجيدة لكتابة قصة قصيرة ..
في هذه الاثناء كان دستيوفسكي ، يرجع الكتيبات ، إلى أبو مهلوس الحواجب ، قائلا له بابتسامة جافة :
- حسنا ياصاحبي ! . . من المؤسف جدا أن أقول لك ، بأن الإنشاء (الجميل ) وحده ، لا يكفي لكتابة رواية ، و لا بالشتائم البذيئة !! .. كتابة رواية جيدة بالمعنى الحقيقي للكلمة ، تحتاج إلى قدرات فنية خاصة ، ليس بالضرورة ، يتمتع بها كل من هب ، و دب!! ..
- كرد فعل عنيف ، و عدواني ، سحب أبو مهلوس الحواجب كُتيباته من يد دستيوفسكي ، بغلاظة ، و عنجهية ، و فظاظة ، قائلا له بفمه المعوج ، الذي بدأ يرتجف مجددا راشا حواليه برذاذ البصاق و الرغوة :
- من أنت حتى تُقييم أعمالي الروائية ؟؟؟! .. أنذاك قل لي هذا الكلام عندما تكون بمستوى الناقد بيلنيسكي !!! ..
- ضحك دستيويفسكي عاليا ، من صميم قلبه ، وهو يهز رأسه بلطف و تسامح ، قائلا :
- حسنا ، حسنا أيها الأخ ! .. لا داع للزعل ، و لا للغضب ، فنحن نتحدث فحسب !!! .. ( قال دستيويفسكي ذلك ، و قد خطر عليه باله ، بطل روايته : مذكرات من القبو ! .. و انتابه شيء من الذهول ،قائلا مع نفسه : غير معقول ، أن يلاحقني ، هذا البطل الدنيء ، حتى إلى هنا !!! ) ..
- و في هذه الأثناء كان كاتبنا ، أبو مهلوس الحواجب ، قد استيقظ ، مغرقا بقطرات عرقه الساخنة ، و فمه المعوج ،و مازال يرتجف ، قاذفا مجموعات جديدة من ضفادع ، و جرذان ، و زواحف أخرى ! .. و كم كان يلهث من الغضب ، و السخط ، ومن رغبة جامحة في التدمير !! .. وما منه إلا ، أن نطَ من كرسيه الهزاز ، و هرع إلى جهازه ، و أخذ يكتب الرسالة التالية :
- بطرسبورغ – روسيا ! ..
- إلى الكويتب الفاشل ، و الرديء ، و التافه ، دستيويفسكي غير المحترم :
- أنا الكاتب ، و الروائي المبدع ، بشكل استثنائي ، حتى بإعتراف الناقد العالمي أبو الحسنة اليخني ، اعتبرك - أنت الذي استسلمت للبوليس القيصري ، و خنت أفكارك الثورية ، و خنت شعبك الروسي ، خيانة عظمى ، و تملقت ، بشكل مخزيُ للقيصر الظالم ؟؟ _ ، أنني اعتبرك كويتبا من فصيلة كتاب رسائل غرا م، و عرائض ، و أحجية ، و منشورات سياسية من نوع زبالة ، و نفايات ، و ليس هذا فقط ، و أنما ، أنك حسب رأيي ( و هنا يبدأ كاتبنا بتوجيه سيلا من الشتائم البذيئة ، و التي لا تستطيع حتى الورقة البيضاء هضمها ، و تحملها !!! .. ) و يضيف : أما بصدد أعمالك الروائية التافهة ، ففي رأيي أن تستخدمها ورقة للتواليت ، بدلا من تبذير أوراق تواليت حقيقية و ذلك رحمة بللأقتصاد الروسي!!! ..
- الكاتب ، و الروائي المبدع أبو مهلوس الحواجب ! ..
- و بعد ذلك يكشر كاتبنا عن ابتسامة خبث و لؤم ، و تبدو عليه علامات ارتياح نفسي ، و سكون عجيب ، كمن انتهى من مضاجعة جنسية ممتعة ،! .. إذ أنه قد افرغ من حلقه كل تلك الزاحف ، متخلصا من وجبة شتائمه لهذا اليوم ، حيث ( أنقَض ) ، على ضحيته الجديدة ؟؟ .. فها هو يرى العالم : جميلا ، وديا ، و متأخيا ! .. بل فهو ينخرط يدندن بأغنية محببة إلى نفسه !! ..
-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا