الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية إلى بغداد....

جاسم ألياس

2009 / 6 / 2
الادب والفن


بغداد عُذريَ إنْ شكوتُ زمـاني
إنـي أراكِ كثيرةَ الأحــزانِ

شاخ الدجى في ساعديكَ وَقد أماطَ
بـراقعاً عن وجـههِ الظمـآنِ

وغداً يُكنِـّفُ معصميك بِحسرَةٍ
خـرساءَ تحـبو دونما هـذيانِ

وغدا يُرتـّلُ ما يَـجودُ بـهِ من
الأوزارِ والأشـواكِ والحَـدَثانِ

ما هكذا بغداد تلتحفينَ موتا ًراعِفا ً
فِي طَـيّـهِ كَفّـاكِ تختلجتـانِ

موت طـويل ٌ، عارمٌ ، متلـبِّد ٌ
ينسابُ تيها ًمـن يـدِ السُلطانِ

ينسابُ وفـقَ فصـولهِ وطقُوسهِ
ينسابُ غَرّاً من فـمٍ رعــنانِ

ينسابُ هذا المـوتُ دون تواقل ٍ
حتى ارعوى متـكاملَ الخفقـانِ

أعـيا الأُساة َزفـيرُه لكأنـّهُ
شبحٌ يـراودُ مُـقلـةَ الوسنانِ

لكأنـّهُ سقطَ الدّهورِ أتـاكِ يا
بـغدادُ يثأرُ من صَبا الأزمـانِ

ماذا جنيت ِخدينة َالشطّينِ كي
يـعتامَ ليلـكِ موكبُ الغِربانِ

إني عهدتـُكِ نعمَ خِلٍّ إذ أتيتُكِ
والأمــاني تستميلُ عِـنانـي

لم تسألي عن لونِ وَجهِي أو أرومةِ
عُـرَّتـي أو عَن حُدودِ مَكانِي

ألقيتِ بينَ جَوانِحي ظِلا ً يَضوعُ ا
لمِسكُ منه وبـارقُ الــريحانِ

بغدادُ بئسَ الناظـرينَ عـوالم َ
الأحـياءِ وفق العـرقِ والأديانِ

لا خيرَ فِي شَعبٍ إذا لمَ تَـرتمي
أنفاسُـه ُفي دورةِ الأكــوانِ

إنَّ الحَـياةَ تَـنَّوعُ وتـفاعل ٌ
ما أبـهجَ الجلبابُ ذو الألـوانِ

ليت الذين يرونَ أنَّ المَجدَ أنْ
تـُمْلى لـروما أو لرهـطِ يَمانِ

يتفحَّصونَ طروسَ أمسٍ كَي يَرَوا
أَنَّ الحـضارةَ حاصـلُ الإنسانِ

إنَّ الشعُوبَ فِـخارُها أن تنتمي
لقَبيلةِ الأخـلاقِ والعـمــرانِ

بـغدادُ يا لألاءَ فانوس ٍ وَيا
دَقّـاتِ حـُلم ٍزاهِر ٍ مِرنـانِ

يا مَجدَ أُغنيةٍ تناشَزَ لَـحنُها
وَتغَرَّبـتْ مِن شَهقَةِ الثـعبانِ

يا وَقفَةَ الـنَّخلِ الكَريمِ مُذلّلاً
هُـوَجَ الرّياح ِبدالياتِ جُـمانِ

يا طَيفَ فِردَوسٍ تَرفُّ بَروده ُ
بين الخيـالِ زَكـّيةَ الأردانِ

يا قَبرَ مَنْ سادُوا وأنتِ صَبورة ٌ
صَبر الضياءِ عَلى الدُّجى الشَنآنِ

ظننتُ أنَّ الـبُعدَ عَنكِ تسلِّيٌ
لكنْ وِصالُكِ عِـلَّـةُ الظعنانِ

من ذاقَ نبعَكِ والوفاءُ نَديمـُه ُ
أَبدَ الحياةِ يصيحُ يا بـغدانِ

أبدَ الحياةِ يهزُّ ذكرُكِ قَـلبَـهُ
هَـزَّ البِحارِ جَوارحَ الشُطآنِ

بـغدادُ عشراً كنتُ خَيرَ مـُدلَّهٍ
يجتاحُني غمرٌ مِن الألــحانِ

وتـهزُّ أَوصالِي لحاظُ مَليحَةٍ
دعجاءَ ذي خَفَرٍ وطيبِ مَغانِ

كانت تلملم ُعن قِفايَ سَحابةً
مِن غـابـرِ الآهاتِ والحِرمانِ

وَتَحيكُ لي غِبَّ اللقاءِ خَميلةً
مِن شَوقِها وترنُّــم الأجفانِ

تَشدُو بأنَّ العمرَ قُربـي ضاحِك ٌ
فَتَمورُ فيّ مَـراتِعِ الغِــزلانِ

وأُقَـبِّلُ الجِيدَ الهتونَ لِينجَلي
شوق ٌصَبوحٌ مِن رُحى الكتمانِ

وتـُغَرِّدُ الأطيارُ نخبَ ودادِنا
وَيَـرومُ بعضَ وصالِنا غصنانِ

بـغدادُ أيـهٍ كانَ ذاكَ لمامَة ً
مِن جودِك المحمودِ ذي السّلوانِ

مهدَ الحضارَةِ كنتِ ، يزحفُ نحوَكِ
الأعلامُ ، مِن ثينا ومِن أَسوانِ

كانَ الزهاويًّ الجحاجِحُ يـصقُلُ
الأفكارَ، لا يخشى ظلامةَ جانِي

وَيَروحُ مَعروفٌ يُثقِّفُ شَعبكِ
حُبَّ العـُلومِ وَمقتةَ الطُّغيانِ

بغدادُ كُنتِ ذرى الشكوكِ فكيف
صرتِ مغارة ً لعبادةِ الأوثـانِ

بَغداد ُحـقـاً والجراحُ كَبيرة ٌ
لا أرتضيكِ مَـفازةَ الـنيرانِ

المـجدُ لَيس بِناءَ صاروخٍ كما
يـبغي طِلابُ المَينِ والبـُهتانِ

المـجُد أنْ تَربُو عَلى أوجارِكِ
خـُضْـر المروجِ وهاطِل الأفنانِ

وَحَلاوةُ الإيـلافِ بين ربُوعِنا
بين النخيلِ وبَينَ كُــردستانِ

أنْ يَرتَقي عَطفيكِ قيثارُ الشّبابِ
وَقَد أزاحَ ثَـراكِ عَن عُقيانِ

بَغدادُ لَيسَ المجدُ أنْ يَرثوكِ لأواءَ
الحـروبِ سَليبةَ الــوِلدانِ

حَربانِ لمَ نَعرفْ لهَا شَأواً سِوى
أَن الظَّليمَ أرادَ كَسبَ رهانِ

أيهٍ وَوَدَّعـنا أكارِمَ نسلِنا
كَي يَشمَخَ الأسيادُ بالعُدوانِ

كَي يهتِفَ الجُّهالُ بَينَ دِيارِنا
"تَحيا العُروبَةُ، لَم تَزَل ذا شانِ

تَحيا العُروبَةُ، قاتِلوا إن الطَريقَ
إلى الخَـليل يَمُر مِن نَـجرانِ

تَحيا العُروبةُ، قاتِلوا إن الخَلاصَ
مِنَ الشَّقاءِ يَــمرّ مِن طَهرانِ

تحَيا العروبَةُ لا يُهمُ إذا هَمَتْ
أرضَ العراقِ جَحافِل الرومانِ

يا مَن ضحِكتُم قارعِينَ طبولَكم
لِكَريهةٍ مَعروفــــةِ العُنوانِ

أيانَ كُنتُم والعِـراقُ مُكبـّل ٌ
لِمَ لَمْ تَـرِودوا سَاحة َ الميدانِ

وتـُقـاتِلوا بهذارِكُم وَضَجيجِكـُمْ
فَنَقولُ إنّكُم صادِقوا الإيمــانِ

بـغدادُ لم يـأتوا وأنتِ جَـريحة ٌ
فَـعلامَ يقتَرحُون خوضَ طِعانِ

وبأيّ حـقٍ يَسألُـونَكِ مَـنفَذاً
يَـجتاز ُمِن بَـوابةِ الجِيرانِ

وَبأيّ حَقٍ يهتِفونَ لِشامِتٍ
جَعَلَ البِلادَ مَـنارةَ الأكفانِ

وهُموا ضحايا آخر ٍمـُُتجَبرٍ
لا فَرقَ جاءَ الظلم ُمِن شَيبانِ

أو مِن لصُوصِ الغَرْبِ أو مِن غاصِبٍ
آثارهُ فِي القُـدسِ والجُولانِ

أهيَ العروبَة ُ أنْ تَسوسَ عواطِفٌ
ويلجُّ داعي العقلِ في النسيانِ

بغدادُ أيهٍ والبـعادُ مـجلْجلٌ
ما زِلتِ لَو تَدرينَ عَقدَ كيانِي

إنَّ العِـراقَ سَخيـّة ٌ ألوانـُه ُ
لكنْ يَـرومُ بَـراعَةَ الفـنّانِ

إنَّ العـِراقَ إذا خَـلَتْ آفاقُـهُ
مِن كالحاتِ الدّودِ والـعُقبانِ

يَغدو نشيداً طافِحاً، ألـحانهُ
دَوحُ أثيـلُ مثـقَل ُالأغصانِ

بغدادُ عـُذري إنْ شَكوت ُزمانـي
إِنَّ الشِكـاءَ وليمـةُ الحِرمانِ

* القيت هذه القصيدة في المهرجان الشعري السنوي لإتحاد الأدباء العرب في أميركا الشمالية والذي أقيم في لوس أنجلس ، 1993 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-