الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة
احمد الحاج علي
2004 / 4 / 25الادب والفن
لا يحكى أنّ . بل هذه الواقعة وقعت في أواخر الستينيات من القرن الماضي ، وهناك من حضرها وشاهدها بأم عينه ، ومازال حياً حتى الآن . والبعض منهم ، مازال يستعيدها وكأنها حدثت للتو، والبعض منهم مازال يرويها، بكل تفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة.
وملخص الحكاية ، أن قراداُ ( والقراد صاحب القرد) كان يزور بلدتنا ربيع كل عام ، مصطحباً معه قرد صغير وطبلة كبير ة...
ما أن يصل إلى ساحة السوق حتى يدق على الطبلة ، دقاً متواصلاً فيجتمع الأطفال والرجال والنساء فيعرف القراد أن العدد صار مستأهلاً للقيام بعرض حركات القرد ، عندها يطلب القراد من القرد طلبات ينفذها بكل خفة دم ، يقول له : كيف تعجن الصبية ..؟ يقوم القرد بتقليد الصبية وهي تعجن بهمة ونشاط . كيف تعجن العجوز ..؟ يقلد القرد العجوز وهي تعجن بتكاسل وبرود . أين تضع الكريم الذي يجود بماله ..؟ يشير القرد بيده إلى رأسه أي أنه يضع الكريم على رأسه . وأين تضع البخيل ..؟ فيشير القرد بأصبعه الوسطى الى قفاه .
أما ربيع تلك السنة , من أواخر ستينات القرن الماضي فقد زار بلدتنا صاحب القرد بدون قرد . كان مصطحباً معه هذه المرة دباً كبيراً , بحجم عجل . وعلى فمه لجام مربوط بسلسلة من الحديد يمسك بنهايتها القراد . كان القراد مستبشراً بعرض رابح ، يؤمن له بضعة فرنكات وكدسة من خبز التنور ، لذلك ما أن وصل مشارف البلدة حتى صار يدق على الطبلة ، فأجتمع خلفه عدد كبير من الصبيان والبنات والنساء والرجال ، يتفرجون على دب حي من شحم ولحم، ما رأوا مثله إلا في الصور، وهم متجهون إلى ساحة السوق .
وفي ساحة السوق . صار صاحب الدب يصيح : هل من مصارع لهذا الدب..؟هل من منازل..؟هل من مباطح ..؟ الجميع صمت صمتاً ممزوجاً بالخوف لبضع ثوان ، همسوا مع بعضهم همساً ، ومن يبطح هذا الدب ، إنه بحجم ثور، مجنون من يصارع دب ، وحده أبو فهد صاح من وسط السكون والصمت .. أنا . كان أبو فهد في الثلاثين من عمره طوله متران وله عضلا ت مفتوله فتلتها صنعة قطع الصخر في مقالع أُم عانون* وله قبضبين حديديتين خشّنتهُما ضربات المهدة على الصخر ويقال أنه فك بهما في احدى المرات براغي دولاب سيارة مبعوج ، تقدم أبو فهد بإتجاه الدب , رافعاً قبضتيه في الهواء . أما الدب فصار يشخر وينخر ، ووقف على قائمتيه الخلفيتين متقدماُ نحو أبو فهد . و الصمت والسكون خيم على الناس سوى كلمات أبو فهد للدب : لا تشخر ولا تنخر ولا تبين نابك مابهابك . ولك بعدين الشغلة لا بالشخير ولا بالنخير ، تفضل يا دب .
تماسك أبو فهد مع الدب لبضع دقائق ، كاد يسقط فيها على الأ رض هذا الأبو فهد ، إلا أن تشجيع المشجعين وتصفيقهم وزغردة النسوة أعطى لأبو فهد جرعة من الشجاعة والقوة فحضن أبو فهد الدب بين يديه ورفعه عن الأرض مقدار شبر , وبضربة من رجلِ
ابو فهد اليمنى على رجل الدب اليسرى مما سبب في إختلال توازنه ، فسقط على الأرض كعدل حنطة ...بج .
التهبت الأيدي بالتصفيق ، وتعالت مرة أخرة زغردة النسوة ، وأبو مسطو الملقب ابو حلب أمتشق بطحة الكازوز من عبه وصار يرقص كما يرقص السكارى ، وهو الذي لم يسكر من عشر سنوات , عندما إندحر العدوان الثلاثي على مصر .
وأبو عيوش رفع العقال والحطة عن رأسه وصار يقذفهما في الهواء فرحاً ونشوةً بإنتصار أبو فهد .
أما الدب فقد علا مرة أخرة شخيره ونخيره وهو يرى أبو فهد رافعاً قبضتيه في الهواء ، يضحك للجمهور ، فصار يحاول الأفلات من صاحبه ، للهجوم على خصمه . أدرك ذلك صاحبه ، فقد احمرت عينا الدب وهذا يعني أن الدب , وصل إلى ذروة غضبه ، ولا بد أن ينتقم من أبو فهد على هذه الفضيحة ، فلأول مرة منذ أن اشتراه صاحبه من فرقة سيرك ، يُهزم وُيبطح من قبل رجل ، وأمام كل هذا الجمع من الناس .
أعاد الدب محاولات الفكاك من صاحبه بشكل أعنف ، وبدا أنه سوف يجر صاحبه ، وينقض على أبو فهد ، وربما يتسبب هجومه في مقتل الرجل وعندئذ ستكون ورطة لصاحبه .
وأمام أصرار الدب على محو الإهانة التي لحقته ، طلب صاحبه من أبو فهد ، وهو يغمز بعينه قائلاً : الدب سوف يموت قهراً إذا لم يغلبك يا أبو فهد ، وسيفلت مني لا محالة ,أنا لا أستطيع تأمين سلامتك .
سمع الجمهور ما يدور من حوار بين صاحب الدب وأبو فهد وأدرك أن هناك جولة ثانية بينهما ، إطفاءً لغضب الدب .
وفعلاً أعلن صاحب الدب عن جولة جديدة .
إبتدأت الجولة الجديدة دون تصفيق ، ودون تشجيع من الجمهور . ولم تستمر الجولة سوى بضع ثوان .رمى الدب أبو فهد على الأرض ، وصار ينط كتيس مزهواً بإنتصاره على خصمه .
جدتي التي حضرت لعبة المباطحة ، وحدها ، طقّ عقلها .صارت تضرب كفاً بكف وتقول : العمى . العمى ، لك دب ما قبل الغلب ،
يا جماعة . يا ناس . يا عالم . يا خلق الله . لك الدب إحمرت عيونه من القهر وما تحمل الغلب ، وفي ناس بهالبلاد مدندشين مطنطشين مشرشبين وما بعرف إيش . بس مابيخجلو من الغلب .العمى . العمى . لك حيوان ما رضي بالغلب , كيف بيقبلوه ، شاطرين بس بالعراضات . شاطرين بس ياخذو أبو نعوس وأبو طنوس على الحبوس . ولك اليهود بطحونا مرة ومرتين وثلاث وما ذقنا وما حمرت عيونا ، بس شاطرين على بعضنا ، مسكينه جدتي طق عقلها ، وبقيت إلى يوم موتها ، تمشي في شوارع بلدتنا المتربة ، وهيا تضرب كفاً بكف وتقول : العمى . العمى .! الدب ماقبل الغلب ، الدب ماقبل الغلب .
* ام عانون : منطقة صخرية شرق مدينة إدلب كانت تكثر فيها المقالع الحجرية .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم
.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر
.. مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
.. لحظة وصول الفنانة بدرية طلبة إلى عزاء زوجها بدار مناسبات الم
.. كيف عبر الفنانون السوريون عن مواقفهم بعد رحيل الأسد؟