الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلمان ناطور وأدب الذاكرة الفلسطينية

محمد عليان

2009 / 6 / 5
الادب والفن



هو ليس رواية بالمفهوم التقليدي ، هو ليس مجموعة قصصية ، كما أنه بالتأكيد ليس مجموعة شعرية أو خواطر ونصوص أدبية ، ليس تأريخا لإحداث جرت وما زالت تجري ، ليس تكهنا لمستقبل لم يأت بعد ، وربما لن يأتي أبدا ، هو كل هذا وذاك ، صنفه كما شئت ، ضعه في الخانة التي تريد ، اقرأه بالطريقة التي تريد ، قيمه من أية زاوية تشاء ، فلا بد أن تتوصل إلى نتيجة حتمية وهي انك أمام عمل عظيم وغير مسبوق . "ستون عاما – رحلة الصحراء"
قرأت ما سنحت لي الفرصة أن أقرأ للكاتب سلمان ناطور ، وحتى قبل أن يصلني هذا الكتاب الذي يجمع ثلاثية : " ذاكرة ، سفر على سفر ، انتظار " . كنت أدرك أن الكاتب مشدود للذاكرة الفلسطينية، وقد رهن قلمه لأحياء الذاكرة التي يصر أن تبقى حية، ولا تموت بل تنمو في داخلنا في كل يوم وتأبى النسيان.
الذاكرة ليست تأريخا لأحداث جرت، ولو كانت كذلك لما تميزت، لان المكتبة الفلسطينية تعج بكتب التاريخ القديم والحديث، وما أكثر المؤرخين الفلسطينيين والعرب، الذين امتهنوا الكتابة عن القضية الفلسطينية .
" الذاكرة " هي تسجيل، كما لو كان حيا، لأحداث حصلت في حقب مختلفة ، بدءا من النكبة وحتى اليوم. وهذا التسجيل لم يكن على لسان الكاتب أو نقلا عن كتابات تاريخية ، بل جاء على لسان رواة عايشوها أو عايشوا من عايشوها. وقد جاء هذا التسجيل الصادق والأمين على شكل حكايات سردت بلغة الرواة أنفسهم دون تدخل من الكاتب ، مما أضفى عليها جمالا خاصا ومتميزا وغير مسبوق في الأدب التسجيلي الفلسطيني.
الذاكرة عند سلمان ناطور لا تتلاشى ولا تموت ، بل تبقى حية تحضرنا في كل لحظات حياتنا ، وإذا كان الشيخ متشقق الوجه يستعيدها بألم وحسرة فهذا الألم هو الم الحياة وليس الموت ، فنحن لا نستعيد ذاكرتنا كي نموت بل كي نحيي حاضرنا ونرسم لمستقبل أجيالنا . فالذاكرة عند سلمان ناطور إذا ليست بكاءا على الأطلال ولطما على الوجوه ونياح نساء بل هي محطة لا بد منها للانطلاق نحو المستقبل الذي لا بد آت .
وفي " الذاكرة " كما في " سفر على سفر " ومثل " الانتظار " أيضا لا يوجد شخصية محورية او ما يقال عند بعض النقاد " بطل روائي " ، فالشخصية المركزية أن جاز لنا التعبير ، هو الفلسطيني المعذب ، المقهور ، المشرد في عام التشريد وما بعد عام التشريد ، انه العامل الفقير الكادح ، الفلاح الذي سلبت أرضه وهدم بيته ، اللاجئ الذي جال العالم بحثا عن مأوى ولم يجد بديلا عن الوطن السليب ، انه الفلسطيني
" الذي ولد بعد حرب 1948 ،
ودخل المدرسة في حرب حزيران ،
وتزوج في حرب أكتوبر ،
وأنجب الولد الأول في حرب لبنان ، ومات أبوه في حرب الخليج ،
وحفيدته سلمى ولدت في الحرب التي ما زالت مشتعلة ."
وهذا الفلسطيني قطعا ليس سلمان ناطور وان بدا لكم ذلك ، فالكاتب لا يكتب السيرة الذاتية ولا يبكي ماضيه هو بل يحيي ذاكرة شعب كامل تشرد في بقاع الدنيا وما زال ينتظر .
لا تحتاج إلى خبرة في النقد والتحليل الأدبي كي تكتشف عمق الانتماء الوطني عند هذا الكاتب القدير ، أن الهم الاول ، أن لم يكن الوحيد ، الذي يؤرق بال الكاتب هو الهم الوطني العام ، وإذا كان قد تناول في بعض الأحيان قضايا أخرى فانه يتناولها فقط من الجانب الوطني ويبرز انعكاسها على القضية أو انعكاس القضية عليها ، ولكن بعمق وإثارة وتميز . فقضية العامل هي قضية وطنية وان كان لها أبعاد طبقية وكذا المرأة والفلاح والسياسة والتعليم وكل القضايا الملحة التي تستوجب الاهتمام في حاضرنا هذا.
سلمان ناطور لا يكتب الرواية أو القصة أو النص الأدبي بلغة الأدب الفصحى ، بل يدمج على نحو مبدع اللغة الأدبية والصحفية والعامية ، وهو لا يضلل القارئ بهذا الشأن ولا يقول انه يكتب الرواية أو الأدب في هذا العمل ، انه يسجل أحداث كان لها اثر حاسم على حياتنا وإذا كانت الرسالة من وراء هذه الحكايات قد وصلتنا ، فأي أهمية تبقى لموضوع اللغة ؟ . أنا هنا لا اقلل من شان اللغة ولكنني هنا ، وفقط هنا ، أعلي من شأن الرسالة التي تسمو على كل شيء .
ولم تكن اللغة خليطا من الأدب والصحافة والعامية وحسب ، بل كانت ساخرة أيضا في الأحداث التي تستوجب السخرية ، سخرية من القدر ، سخرية من منطق الأحداث ، سخرية من الألم ، من الموت ، من الفقر ، من الجوع ، من العري ، من الحرب ، من التشرد ، من السفر ، من فلسفة الانتظار ، من الماضي ، من الحاضر ، من المستقبل ، من اللا يقين ، من الغربة ، من الاغتراب ، وأخيرا سخرية من السخرية واللا مبالاة ، ومن اجل الحياة مع الذاكرة التي بفقدانها يغيب ماضينا ويتشوه حاضرنا ونفقد مستقبلنا . الكاتب يسخر إذن من العالم ويقول ذاكرة هذا الشعب ستبقى حية ومسيرته لا بد أن تنتهي وانتظاره حتما لن يطول.
في الختام التمس عذرا على هذا الإيجاز فعندما تكون في حضرة سلمان الناطور لا تطيل في التعليق او التعقيب بل تمتع بهذه اللحظات النادرة في أيامنا هذه وأبحر معه في محيط الذاكرة الفلسطينية ، وسرعان ما تجد أن الأمل يتجدد وانك غير مقبل على الانتحار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة