الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة- الحلقة -2-

عدنان عاكف

2009 / 6 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



تنويه :
بعد نشر المقالة الأولى عن كتاب الناقد رضا الظاهر بعث صديق عزيز، من النوع الذي " لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب " برسالة مقتضبة جداً أشار فيها الى أن ما قدمته من عرض للكتاب، يبين أن الناقد رضا الظاهر قد أخفق في اختيار عنوان كتابه " موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة "، وكان عليه ان يقصر العنوان على " موضوعات نقدية في الماركسية " ويحذف كلمة " الثقافة " لأنه لا وجود للثقافة أصلاً في كتابه.
موقف صديقي هذا، من حيث المبدأ، لا يختلف عن الغالبية من المثقفين العرب الذين انبروا لنقد كتاب " آيات شيطانية "، قبل أن يقرأوه . ولكونه صديقي فقد استنتج أن العيب حتماً في المؤلف وأفتى بأنه أخفق في اختيار العنوان لكتابه، متناسياً أن المذنب في عدم التوافق بين عنوان الكتاب ومحتواه قد تكون طريقة عرض الكتاب. لقد كان علي أن أشير، في مطلع المقالة، الى محتويات الكتاب، لكنني ترددت في القيام بذلك تفادياً للإطالة في الكتابة.
يتألف الكتاب من الفصول التالية:
• الماركسية والثقافة .. لماذا ؟
• ما هي الثقافة ؟ من هو المثقف ؟
• المثقف والسلطة
• قضايا الصراع بين الثقافي والسياسي
• الثقافة والديمقراطية
• السياسية والثقافة
من الواضح أن الثقافة أخذت حصة الأسد، في حين أنني تناولت جزءاً مما ورد في الفصل الأول. وسوف أتناول في هذه المقالة الجزء الثاني من الفصل الأول أيضاً. وقد جاء التركيز من قبلي على هذا الفصل نظراً لأهميته بالنسبة للكثير من القراء، خاصة في داخل الوطن، الذين عانوا من الحصار الذي فرض عليهم طيلة ثلاثة عقود من الزمن. وهذا بالذات ما دفع بالكاتب أن يستهل كتابه بالتساؤل المهم:
" لماذا هذا الموضوع، الماركسية والثقافة ؟ لأنه، بإيجاز إشكالي، وقائم في الواقع. نحن بحاجة الى إضاءة موقع وموقف المثقفين وإسهامهم ودورهم في التطورات بالغة التعقيد في بلادنا، حيث انهارت الدكتاتورية، وتركت لنا إرث استبدادها المقيت في مختلف ميادين الحياة، وخصوصا الميدان الثقافي ".
ولا يمكن للمثقف الماركسي أن يخطو خطوة واحدة سليمة في الميدان الثقافي ما لم يتلمس موضع قدميه في الميدان السياسي والفكري، وخاصة ما يتعلق بالتطورات العاصفة التي عرفتها الحركة الشيوعية العالمية، والأسباب التي أدت الى فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، والتي امتد عمرها الى أكثر من سبعة عقود. ويخطئ من يظن أن تلك الأحداث العاصفة قد أصبحت من مخلفات القرن العشرين. وكتاب الظاهر يسعى، من بين ما يسعى، الى التحذير والتراخي والارتكان الى أن الزمن لوحده كفيل بمعالجة الاشكالات التي خلفتها التجربة الفاشلة.
نواصل قراءتنا في كتاب الظاهر ونبدأ هذه الحلقة بالسؤال الذي يطرحه:
التطبيق الخاطئ أم غياب مفاهيم وتقادم أخرى ؟
" لماذا نطرح أسئلتنا ؟ لأنها ذات علاقة بسؤال العلاقة بين الثقافة والسياسة الذي نسعى الى إضاءته عبر منهجنا الماركسي، دون خشية من الاعتراف بالهزيمة، فماركس نفسه يتحدث عن البروليتاريا التي ستهزم مئات المرات قبل أن تنتصر ".
لا بد للماركسي أن يتمتع بقدر كبير من الشجاعة التي تسمح له بالحديث بهذه البساطة عن الهزيمة التي لحقت بالماركسية. أما تأكيده على أن تلك التجربة قد " عدلت أفكارنا، نحن الماركسيين،ولا يهم كم من القسوة وكم من التضحيات تطلبت هذه التعديلات "، فهو يحتاج الى شيء آخر إضافة الى الشجاعة. إنه بحاجة الى روح مفعمة بالأمل وإيمان بحتمية انتصار المثل والمبادئ التي يناضل من أجلها، بالرغم من تلك الهزيمة المريرة. لا أقول هذا من باب الثناء على خصال الكاتب النضالية، فهو ليس بحاجة الى شهادتي في هذا المجال. أقول ذلك من أجل أن نفهم ونستوعب بشكل أفضل وأعمق: كيف حصل أن أحزاباً ثورية وقادة شيوعيين بارزين ومناضلين معروفين في مختلف البلدان انقلبوا بسرعة البرق ليتحولوا في الاتجاه النقيض؟ ليس هناك سوى التفسير الذي قدمه الظاهر، وهو أن هذه التجربة القاسية قد عدلت أفكار الجميع وبدون استثناء، ولكن باتجاهات مختلفة. هؤلاء الذين هرولوا مسرعين الى شواطئ السلامة التي تنعم بالليبرالية الحديثة والانفتاح الاقتصادي عجزت التجربة عن أن تعدل أفكارهم بالاتجاه الذي يدعو اليه الكاتب، وهو مراجعة النفس، لسبب بسيط وهو أنهم ومنذ البداية كانوا يفتقرون الى الأمل والإيمان بما كانوا يناضلون من أجله. ولو تابعنا مسيرة البعض من هؤلاء المناضلين على الساحة العربية – وحتى العالمية - وخاصة في الوسط الثقافي، سنجد أن لم يتوقف عن التراجع نحو الأمام ليتخلى عن كل ما كان يؤمن به، ليس في المجال الفكري والإيديولوجي، بل وفي المجال السياسي والوطني أيضا. فبعد أن اكتشف أن المبادئ الاشتراكية كانت مجرد وهم انتقل للترويج الى شعارات الليبرالية، والحديث عن حرية السوق والخصخصة والانفتاح الاقتصادي والمنافسة الحرة. حتى شعارات العدالة الاجتماعية التي تهدف الى تقليل الفجوة ولو بنسبة ضئيلة بين الأغنياء والفقراء أصبحت من وجهة نظره شعارات متطرفة، وينبغي احالتها كغيرها من الشعارات " الثورية " القديمة الى المتاحف. وبما أن اللون الأحمر الفاقع الذي انطلى به وجهه طيلة عقود لا يمكن ازالته بمواقف كهذه فلا بد من مواصلة التقدم، فتراه يتراجع حتى عن المواقف الوطنية التي كانت تمثل القواسم المشتركة للغالبية العظمى من الوطنيين العراقيين والعرب.
نعم إنها هزيمة لا مفر من الاعتراف بها ومعرفة أبعادها الحقيقية كي نستطيع أن ننهض من جديد ونبدأ من مراجعة النفس، والتفكير بكل ما جرى، و" نعيد ربط الصلة بين من يعانون الاضطهاد والماركسية المتجددة، حيث نعالج أزمة الماركسية بالاستناد الى الماركسية نفسها "..
ليس أمام الماركسي الحقيقي الذي يرغب في تجاوز ما حدث إلا الإقرار بأن الماركسيين ولفترة غير قصيرة تخلوا عن الماركسية الحقيقية التي تقر بتجدد الحياة وتحول الواقع، والابتعاد عن التبريرات السطحية التي تريح بعض الماركسيين التبريرين، والتي تحاول حصر أسباب ما حدث في " التطبيق الخاطئ "، وهي تبريرات يمكن أن تريح أولئك " المتكئون على أرائك الجمود والتخلف واليقين ويستوردون التبرير السلفي الذي يبريء النص ويجرّم البشر ". ولأن الكاتب لم يكن يوما من المتكئين على أرائك الجمود وليس من هواة جمع الإجابات السهلة والمريحة على الأسئلة المعقدة، نراه يتمسك بضرورة مواصلة دعوة كل من يسعى من أجل أن يكون من بين الماركسيين الحقيقيين، طرح المزيد من تلك الأسئلة التي " تعرض كل شيء للشك ". واذا ربطنا بين هذه الدعوة وحديثه السابق عن الذين غيرت التجربة تفكيرهم في الاتجاه الخطأ، نجد أن دعوته موجه لكل الماركسيين وقوى اليسار التي تهمها عملية التجديد في الفكر وفي المجتمع.
والسؤال الكبير الهام الذي ما يزال يثير الكثير من الجدل، حسب رأي الكاتب هو : " الماركسية تراجعت، لا ريب في ذلك. فهل يتوقف هذا التراجع عند حدود التطبيق الخاطئ، أم يرتبط بغياب مفاهيم وتقادم أخرى " ؟
تساؤل مهم آخر يثيره وقد غاب عن أعين الكثير منا ، نحن الذين كنا متكئين لفترة طويلة على أرائك اليقين : " اذا كنا نعترف بأن فكراً سبق الماركسية قد أسهم في صياغتها، فلماذا لا نعترف بان فكراً لاحقاً يمكن أن يساهم في إغناء وتجديد النصوص التي صاغت المشروع الماركسي حتى تبقى الماركسية مرتبطة بالأفق والأمل .."
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا اذا تمتعنا بقدر كبير من الصراحة والشجاعة. سأحاول أن أجيب على تساؤل الظاهر من خلال تجربتي الذاتية. من بين المسائل المهمة التي تعلمتها من الفكر الماركسي هو أن العلم ذو طبيعة تراكمية، وكذلك المعرفة. وأن تطور العلم لا يحتاج بالضرورة الى نظريات ثورية تحدث تغييراً جذرياً في الأفكار والمفاهيم، بل يمكن أن يحدث ذلك نتيجة إحلال تدريجي للأفكار الجديدة محل الأفكار القديمة. لكني ما أن كنت أقترب من النظرية " الماركسية " كنت أنسى كل هذا. كنا نكيل بمكيالين، كما يقال. كنا وما نزال نرفض المواقف المتعصبة والمعادية لبعض القوى القومية والدينية من الثقافة الأخرى، لكونها ثقافة " مستوردة " ، ونستند في رفضنا لهذا الموقف من حقيقة أن حضارتنا في العصر الوسيط قامت في بدايتها على " استيراد " علوم وثقافة الغير. ونرفض اليوم بقوة الدعوات التي تروج لفكرة نهاية تطور المجتمع الإنساني. ونستند في رفضنا لهذه الفكرة أيضاً انطلاقاً من نظرتنا الى الحياة كونها لا تتوقف عن التطور والتجديد.
لهذا كله يؤكد الكاتب بأنه ليس هناك وسيلة لمعرفة أسباب ما حصل إلا بمراجعة الذات والمواجهة الصريحة والجريئة مع النفس. ولذلك قبل البدء في حركة سجال مع الآخرين : " علينا أن ندخل في جدل مع أنفسنا أيضاً، مع مفاهيمنا و " قناعاتنا "، مفترضين أنها لا يمكن أن تكون ثابتة، وإنما متجددة على الدوام، وإلا تحولت الى يقين، وبالتالي تعارضت مع منهجنا الماركسي، الذي يضع فكرنا موضع التساؤل، في عملية تكونه وتجديده..".
تغيير الواقع بين السياسة والأسس المادية الاجتماعية
من النقاط المهمة الأخرى التي يطرحها الكاتب أمام الماركسيين ، الذين يسعون حقيقة الى السير بعملية النقد الذاتي الى نهايتها، وترسيخ ممارسة التجديد في الفكر، هي ضرورة أن يواجهوا بكل شجاعة التناقض الذي كان قائما بين الماركسية و" الماركسيين " أنفسهم. وتجلى هذا التناقض في أوضح صوره في المبالغة في تقدير دور العامل الذاتي وتغليبه على العوامل الموضوعية في إحداث التغييرات الجذرية في العلاقات الاجتماعية الاقتصادية. ويقول في هذا الصدد: " فالحركات السياسية الماركسية ( خلافا لتراث ماركس النظري الخالص ) انطلقت دوماً من تفاؤل معرفي وتاريخي، مفترضة أن الأشياء كفيلة بأن تتغير نحو الأفضل بعد فترة وجيزة، وذلك بفضل النشاط السياسي الذكي والبارع لكن اتضح أن السياسة ليست هي الأساس في إحداث التغيير في حياة البشر ".
هناك فرق كبير بين الاعتراف بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الناس لتحسين ظروف حياتهم وأهدافهم في حياة أفضل، وبين أن نمنح هذا العامل الدور الحاسم في إحداث عملية التغيير، ونبدأ بالحديث عن عمليات تغيير وهمية لا تجد أثرها في الواقع، كما حصل خلال فترة طويلة. وبسبب تغليب العامل السياسي على الأسس المادية الاجتماعية، لتغيير الواقع، فقد وُضِع ماركس على رأسه لفترة طويلة، كما يقول الظاهر. لذلك " إذا أردنا لماركس أن يبقى حياً، أي أن نعيده من الصقيع الجامد الى دفء الحياة، فعلينا أن نفعل، كما فعل هو مع ديالكتيك هيغل، أي أن نوقف ماركس على قدميه بعد أن أوقفناه طويلا على رأسه ". ولأننا كنا نقرأ ماركس وهو يقف على رأسه كنا نرى الواقع ذاته مقلوباً أيضاً. وبرغبة إرادوية بحتة، لمجموعة من القادة السياسيين الذين جرت العادة تسميتهم " أعضاء المكتب السياسي"، لا علاقة لها بالواقع، صدر القرار بالإعلان عن إنهاء الطور الأول من مرحلة بناء الاشتراكية، وتم الانتقال الى الاشتراكية المتطورة. وبنفس الإرادة الحزبية العليا تم الانتقال بعد سنوات من هذا الطور المتطور للبدء ببناء الشيوعية. ومن أجل ان تكتسب مثل هذه القرارات مشروعيتها النظرية - وفق التعاليم الماركسية، كما كان يقال – كانت تصدر الأوامر الى المنظرين وأساتذة علم الاقتصاد السياسي والفلسفة ليؤلفوا المقالات النظرية التي تبارك تلك القرارات السياسية ويلبسوها حلة الماركسية - اللينينية. في حين أنه لو كان ماركس يقف على قدميه لرفع الإشارة الحمراء أمام موكب المكتب السياسي ليمنعه من المرور الى الطور الجديد في تطور المجتمع، قبل حصوله على موافقة المفكرين والعلماء، لكونهم أصحاب القرار.
ويبدو لي أننا في العراق أوقفنا النظرية على رأسها في منتصف السبعينات فرحنا نتخيل السراب بكونه أفق الاشتراكية الذي كنا نسير صوبه مع الحليف في الجبهة الوطنية، بناء على رغبة " البعض " في أن يرى صحة الخيار الجبهوي الذي أقدم عليه، بمعزل عن الواقع السياسي والاقتصادي الذي كانت تتخبط فيه البلاد.
يتوقف الكاتب عند انهيار الكتلة السوفيتية في أواخر الثمانينات، بسبب مشكلاتها الداخلية وسباق التسلح وتفوق الغرب الاقتصادي، " وبدت الماركسية بالنسبة لكثيرين منتهية، حيث أطاحت بها المطالب " الشعبية " في الشرق وأبعدتها عن المسرح السياسات اليمينية والتحولات الاجتماعية في الغرب ".
لكنه يؤكد أن الذي انهار هي الماركسية التقليدية الجامدة، في حين أن الأفكار الماركسية ظلت حية، متجاوزة الممارسة السياسية " الماركسية ".( كنت أتمنى لو أن الكاتب خلال حديثه عن " الماركسية " الجامدة أو التقليدية التي سقطت، والماركسية الحية الأصيلة أن يستعين بتوصيفات ثابتة، حتى لو اضطر الى اللجوء الى ابتكار مصطلح جديد يمكن من خلاله التمييز بين النوعين من " الماركسية "، لتحاشي الالتباس لدى القارئ، لأن ما هو واضح ولا لبس فيه في ذهن الكاتب لا يكون بالضرورة كذلك في ذهن الكثير من القراء ). ويستوقفنا الكاتب مع خطل محاولات البعض نفي أهمية أفكار لوكاش وغرامشي وبريخت لمجرد انهيار التجربة الاشتراكية السابقة، ويرى أن مثل هذه المحاولات تعكس " ذلك النمط من النظرة الميكانيكية للعلاقة بين الثقافة والسياسة التي كانت الماركسية " المبتذلة " نفسها متهمة بها في الغالب ". بالفعل، فلو ألقينا نظرة حولنا سنجد أن هذا البعض لا يكتفي بنفي أهمية أفكار هؤلاء المفكرين الماركسيين في مجال الثقافة وعلم الجمال، بل ونفي الماركسية برمتها. ويحاجج بعض اليساريين، الذين كانوا الى يوم قريب في مقدمة " المناضلين " من أجل الاشتراكية: اذا كنا نعترف اليوم بإيجابيات الديمقراطية البرجوازية ونقر بأن الاشتراكية نظام صعب التحقيق وبعيد الأفق ( إن لم يكن مستحيلاً )، أو أنه مجرد وهم أو حلم طوباوي، فلماذا لا نركز الاهتمام على تحسين النظام القائم وتطويره، وننسى ذلك الحلم الذي فقد مصداقيته بأعين الناس الذين كانوا يحلمون به بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ؟
يجب الاعتراف بأن هذه الأفكار وجدت صداها لدى الكثيرين في صفوف قوى اليسار، ووجدت الدعم والترويج الواسع من قبل دعاة سياسة الانفتاح والليبرالية في العالم. ولو نظرنا حولنا سنجد أن التأثير السلبي لهذه القوى في المجتمع أخطر من تأثير منظري الرأسمالية.
لقد أعار مؤلف كتاب " الاشتراكية لعصر شكاك " هذه الموضوعة اهتمامه، وأشار الى الكثير من الأسباب التي تدفع بالماركسيين الى رفض هذه الأفكار، انطلاقاً من الإصرار على مبدأ رفض الرأسمالية كنظام اجتماعي اقتصادي، بالرغم من الفشل الذي آلت اليه التجربة الاشتراكية. وأول وأهم هذه الأسباب هو أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تدين الرأسمالية ونظامها الاجتماعي تشكل جزءاً جوهرياً من نظامها، ولا يمكن لأي تحسينات مهما بلغت أهميتها من إزالة هذه العيوب. والسبب المهم الثاني أن تمسك الماركسيين بضرورة إحداث التغيير الجذري في المجتمع يشكل عامل ضغط قوي على الحكومات الرأسمالية لإجبارها على تقديم التنازلات للطبقة العاملة والفئات المتوسطة في المجتمع. وتاريخ تطور المجتمعات الغربية يؤكد بوضوح أن المكتسبات التي حصلت عليها الطبقة العاملة جاءت نتيجة النضال البطولي الذي خاضته القوى اليسارية والنقابات العمالية.
كل هذا لا يعني ، بأي شكل من الأشكال دعوة الى رفض الانخراط في النضال المباشر من أجل تطوير النظام القائم لتحقيق المزيد من المكاسب للكادحين. ولكن ينبغي أن تندرج تلك الجهود والمساعي في إطار مشروع أبعد هو مشروع التغيير الجذري للنظام الرأسمالي.
في الحلقة القادمة سنتاول موضوع الماكسية والثقافة من وجهة نظر الكاتب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماركسيين هم أشد اعداء ماركس
أنور ( 2009 / 6 / 5 - 08:11 )
((ان البروليتاريا لا يمكن ان توجد الا على صعيد التأريخ العالمي، تماما كما ان الشيوعية، التي هي نشاطها، لا يمكن ان تصادف على الاطلاق الا من حيث هي وجود تاريخي عالمي، الوجود التأريخي العالمي للافراد، و بكلام آخر وجود الافراد المرتبط مباشرة بالتأريخ العالمي – كارل ماركس)).

و هكذا: ((لا تكون الشيوعية ممكنة تجريبيا الا على اعتبارها فعلا تقوم به الامم السائدة، دفعة واحدة، و بصورة متواقتة، الامر الذي يفترض بصورة مسبقة التطور العمومي للقوى الانتاجية و التعامل العالمي الوثيق الصلة بالشيوعية – كارل ماركس)).

ولكن لماذا؟

لان ((التجارة التي ليست في آخر الامر شيئا اكثر من مبادلة المنتجات افراد مختلفة و بلدان مختلفة، تتحكم في العالم باسره من خلال علاقة العرض و الطلب – و هي علاقة تحوم فوق العالم، و توزع بيد خفية السعادة و التعاسة على البشر، و تنشئ الامبراطوريات و تدمر الامبراطوريات، و تسبب قيام الامم و زوالها – كارل ماركس)).

هذا هو مفتاح الموضوع، ايها الماركسيين. (ولا يمكن للمثقف الماركسي أن يخطو خطوة واحدة سليمة في الميدان الثقافي ما لم يتلمس) بانه لا يجد مبرر انتصار الاشتراكية في بلد واحد الا في مخيلته الذاتية، و المنهج البرجوازي الذي يتمسك به لينين.

بالطبع ( يتح


2 - مع ذلك
مختار ( 2009 / 6 / 5 - 11:18 )
تقول: (لهذا كله يؤكد الكاتب بأنه ليس هناك وسيلة لمعرفة أسباب ما حصل إلا بمراجعة الذات والمواجهة الصريحة والجريئة مع النفس. ولذلك قبل البدء في حركة سجال مع الآخرين : - علينا أن ندخل في جدل مع أنفسنا أيضاً، مع مفاهيمنا و- قناعاتنا -، مفترضين أنها لا يمكن أن تكون ثابتة، وإنما متجددة على الدوام، وإلا تحولت الى يقين، وبالتالي تعارضت مع منهجنا الماركسي، الذي يضع فكرنا موضع التساؤل، في عملية تكونه وتجديده..).
كلام جميل، وهو ما يجعل هذا الكتاب جدير بالقراءة رغم أن مؤلفه (يؤكد أن الذي انهار هي الماركسية التقليدية الجامدة، في حين أن الأفكار الماركسية ظلت حية) وهو خطأ فادح، لكن مناقشته لا يتسع لها المكان هنا..
مع ذلك تبقى أسئلة ملحة لم ألتمسها في هذد الدراسة للكتاب من قبيل:
هل يمكن أن يتم هذا داخل الأحزاب الماركسية المنغلقة أيديولوجيا؟
أو لماذا لم يتم هذا أصلا بين الماركسيين قبل فوات الآوان، خاصة في البلدان التي حكموا فيها؟ (عدا إلقاء اللوم على المعسكر المعادي وهو عذر أقبح من ذنب) وهل كان ذلك ممكنا في ظل ما أصابهام من جمود فكري وقناعات بل وإيمان ديني بعلمية ما عندهم حتى غيب عقولهم وجعلهم لا ينتبهون إلى الزلازل القادمة حتى النهاية؟
قناعتي أن الماركسيين الذين مازالوا لم يفهموا الإم

اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل