الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف الاستذكار, سوريا كمثال - الجزء الأول : روح الأمة

حسام مطلق

2009 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


سلسلة في سبعة حلقات أناقش فيها أسباب التدني القيمي في الواقع العربي.
الجزء الأول – روح الأمة
لهيجل رأي يفسر به ارتداد الأمم, أو الروح, كما يقول, إلى تاريخها, بقانون أسماه " الاستذكار–Retrospection " . هو يقول إن الأمة بعودتها واستعادتها لحوادث الماضي, أي بتراجعها إلى الوراء, هي تمارس أسلوب دفع الحركة إلى الأمام. أي تستخرج الغائي من الكامن بتوغلها داخل ذاتها, مما يدفعها إلى درجة أعلى من النضج. الاستذكار الهيجلي, اخشى, انه في الحالة العربية صار استقرارا. فمن أزمنة قديمة ونحن في رجوع وغوص واستذكار, بيد أننا, وللأسف, لم ننجر أي فعل تقدمي.من هنا اعتقد أننا مدعون إلى البحث في الخلل الذي عطل تحقق القانون الهيجلي لاستعادة الأمة لـ " روح " المبادرة . حين تعود الروح إلى ماضيها فإنها تستجمع صورا مبعثرة في الذاكرة الجمعية, تستحضرها بصيغتها المكثفة وتستخدمها كأداة تحريض للدفع الأمامي, وبرأي إن تلك " الصور " هي الأزمة في الحال العربية.لنعتبر أن الرجوع هو قفز في حفرة يأمل القافز منها الحصول على كنز ينقذ به مستقبل أيامه, هو خلال الوجود في الحفرة, مع ما فيه من عزلة وانقطاع, يقوم بعملية غوص ذاتي, يستحضر بالكمون عزما يمكنه من حمل ما وجد في القاع كي يندفع في أيامه أكثر قوة وثقة. القافز ما لم يكن قد اعد قبل قفزه مخطط الخروج, إما عبر حساب للنتوء, تقاربها و تعددها, أو بحبل أثبت نهايته إلى صخر مكين خارج الحفرة, فيما عدا ذلك فالقفز يصبح سقوطا بالإرادة. لقد قفز العربي إلى الحفرة فارا من نفسه لا باحثا عن كنز الماضي. التفسير السيكولوجي هنا هو العصاب.
العصابي رجل كأي شخص عادي, يعيش نزعاته ويجسدها في بحثه عن الحل, ولكنه يتميز بشكل واضح عن جميع الناس عبر دينامية التراجع. التراجع لدى العصابي تكتيك نكوصي يدفعه إلى العودة والانسحاب نحو رغباته الكامنة. ليست الرغبات الكامنة بذاتها هدفه, ولكنه يستخدمها كعذر يبرر بها تراجعه المستمر. المتأمل غير المختص يعتقد أن العصابي يمارس قصاصا ذاتيا. إلا أن القصاص الذاتي ليس محرك القرار لدى العصابي بل عاطفة التعزي التي يستمدها من التراجع الذي يقيه من مواجهة نفسه. انه رجل مزهو بنفسه, وهو, قبل غيره, وعبر منطقة اللاوعي, عارف لمدى لا موضوعية هذا الزهو. إحساسه بـ " الأنا " يغلب عليه النقص, هو فاقد لكل معطيات الحضور الاجتماعي الذي يفترض أن يواكب إحساسه الداخلي الواعي بالزهو, والمتناقض مع اليقين اللاشعور بالتقزم, لذا يستخدم أحداث الصدمة للدفاع عن الهيئة المهددة. شعاره في ذلك " نعم ولكن " . نعم تعطيه غطاء الموضوعية التي يتطلبها الوعي, ولكن بها يغطي رغبات اللاوعي الكامنة, فالـ " لكن " هي مخرجه من مواجهة الحقيقة. في الحالة الجمعية العربية, العربي يستخدم " الاستذكار ", لا للنهوض, بل للاختباء. أنها الـ " لكن " بطريقة أخرى. هذا الجزء النفسي, الهزيمة الداخلية, مفتاح الحل لمجمل المشكلة العربية. العربي المختبئ في الحفرة ينظر إلى النتوءات, التي تشغله ظاهريا فقط, وتؤمن له الإحساس أن هناك مخرج, ولكنها, بذاتها, وبافتقارها للعدد والتتابع الضروري الذي يسهل الخروج, تكمل له مقولة النعم بتحقيقها لـ " لكن " التفافية.
في توصيفه لمراحل الإبداع الفني قسم هيجل " التاريخ الفني " إلى ثلاث أنماط حضارية : الأول أسماه الفن الرمزي, وهو عنده الفن الشرقي الذي تضائل فيه المضمون لحساب الجمال الخارجي, ويمكننا أن نتلمس ذلك في العمران الإسلامي حيث الاهتمام الكبير بالنقوش والزخارف التي لا تحمل أي فكرة, هي جميلة بذاتها ولذاتها. الثاني هو الفن الكلاسيكي, ومثاله الفن الإغريقي, وفيه توازن بين المضمون والجمال, ونلاحظ تجلي ذلك بالتماثيل العارية التي يمثل احتكاكها أسطورة وقصة. الثالث هو الفن الرومانسي, ونموذجه لوحة الجوكندا لدافنتشي حيث العقل البشري إلى اليوم مشغول في تفكيك رمزيتها دون أن تؤدي هذه الغلبة للرمزية إلى التقليل من الجمال الإبداعي ودون أن ننسى أن تلك اللوحة كانت اساس مدرسة " الظلال – Sfumat ". أي أن تلك اللوحة, كرمز من رموز الفن الرومانسي, حملت ثلاث دلالات : الجمال – المضمون – العلم. وهذه العناصر هي حقيقة عناصر قوة الحضارة الأوربية, أي الغربية اليوم. فحتى أفلام هوليود تحمل : الإتقان الفني – قوة الموضوع المعالج – البعد العلمي للمادة, إن عبر التحليل الاجتماعي أو الخيال العلمي أو الحادث السيكولوجي. عمق الفن, ورقيه, دائما يعبران عن قوة الحضارة, ليس في وقتها وحسب, بل منهما نقرأ دورها في مستقبل الحضارة الإنسانية. لست بهذا أقول أن التراث العربي الحضاري خال من أبعاد تؤهله كي يستخدم كصور مكثفة لدفع عملية الفعل التقدمي لروح الأمة, ولكنني حتما لا أقول بغناه أيضا, فكي نكون صريحين مع أنفسنا علينا أن نعترف أن عدد الفلاسفة والعلماء اللذين كانوا يجتمعون في أحد المدرجات الإغرييقية كي يستمعوا لـ " لمحاضرة " ربما كان أكثر من عدد من أنجبتهم الحضارة الإسلامية طيلة ألف سنة, وعدد من يعملون اليوم في أحد مختبرات شركات الأدوية الكبرى في الولايات المتحدة بالضرورة أكبر من عدد من اجتمعوا لدى الحضارة الإسلامية في جيل واحد. اللهم إلا إن أردنا أن نقحم رجال الدين في صفة " علماء " فحينها يكون من أنجبتهم إحدى حواري بغداد في العهد العباسي يفوق من أنجبتهم الحضارة الاغريقية من فلاسفة. المؤسف أنه على الرغم من هذا الفقر, فإن العربي, يستحضر منه نتوئين فقط : " الفتوحات " و العاطفة الدينية. لذا سوف أناقش فيما يلي فاعلية هذين " النتوئين " المعول عليهما من أجل الخروج من حفرة الاستذكار, ثم سوف أتطرق إلى البدائل المغيبة و أسباب تغيبها المتعمد, وفاعليتها في قوة الاستذكار.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع رائع
وائل الياس ( 2009 / 6 / 6 - 19:38 )
بانتظار مقالتك القادمة بفارغ الصبر

تحياتي لشخصكم الكريم

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو