الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياريتنا كنا خنافس .. ياريتنا كنا فرافير

إلهامي الميرغني

2004 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كان الخنافس موضة في الستينات نقلناها عن الغرب فأطلنا شعورنا ولبسنا ملابس الخنافس ، أما الفرافير فنسبة إلى رائعة الراحل يوسف إدريس التي تحمل نفس الاسم ، وعادة تستخدم هاتين التسميتين لوصف شخص بأنه غير جاد أو تافه وأحيانا يقصد بها الشواذ جنسياً.
ولدى البعض تصور أن الشباب الأوروبي والأمريكي معظمهم من الخنافس أو الفرافير الذين يطيلون شعورهم ويلبسون الجينز ويضعون حلى مثل النساء وهو تعميم خاطئ يرتبط بالرؤية التي أسقطتها علينا الأنظمة الشمولية فلا يوجد شعب كله كويس أو شعب كله سئ فالشعوب تجمع داخلها هذا وذاك .كان ذلك التصور يلح على وأنا أشاهد المظاهرات التي اجتاحت أوروبا وأمريكا أولا للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية ثم لمنع الحرب في العراق وأخيرا لمطالبة أمريكا بسحب قواتها من العراق.
كنت أتأمل منظر النخبة المثقفة وهى تطلق بيانات الشجب والتنديد وترفع الشعارات النارية ثم يذهب كل منا إلى منزله لينام في أحضان زوجته ، بينما رأينا جوزيف بوفيه زعيم حركة الفلاحين الفرنسيين في مقر المقاطعة في رام الله أيام حصار الرئيس عرفات يقدم نفسه درع بشرى للدفاع عن عرفات الذي يتكلم لغة مختلفة والذي يرفض الاتحاد الأوروبي حمايته ، ورأينا راشيل كوري الناشطة الأمريكية وهى تموت أمام الجرافة الإسرائيلية في محاولة لمنع بناء الجدار العازل ، هي الفتاة الأجنبية طلعت اجدع من ميت راجل بشنبات من الذين يملئون منتدياتنا الثقافية والسياسية ،ودفعت حياتها ثمناً لقضية تؤمن بعدالتها .

تذكرت هذا وأنا أشاهد عدة أخبار على التلفاز أمس السبت هي:
1 ـ مظاهرات تعم الولايات المتحدة من نشطاء يرفضون توصيات صندوق النقد الدولي المجحفة بحق شعوب الدول النامية ( اللي هو إحنا ) وتؤدى إلى المزيد من إفقارهم بينما اكتفيت أنا وامثالى بكتابة المقالات وبيانات الشجب والتنديد ولم يزيد لدينا الفعل عن ذلك .تأملت وجوه السائرين في المسيرة وجدتهم من فئات عمرية مختلفة ولكن يجمعهم إيمان بمبدأ فقد تربوا على الفعل الايجابي ، بينما سنوات القهر ، وخمسين سنة طوارئ جعلتنا نكتفي بالدعاء على الأمريكان مثل الأرامل على حد تعبير احد الأصدقاء.
2 ـ مظاهرة أمام شركة كتربللر المنتجة للتراكتورات والجرافات تطالبها بعدم بيع جرافات لإسرائيل لتستخدمها فى بناء الجدار العازل ، بينما نحن نتعايش مع المنتجات الإسرائيلية فى الأسواق ومع الشركات المتعاملة مع إسرائيل فى مجال السياحة والزراعة ولم تتجاوز حركتنا الدعاء على يوسف والى أو كتابة مقالات ترفض التطبيع . إن ثقافتنا مختلفة عن ثقافة هؤلاء الخنافس أو الفرافير.
3 ـ الأمير الهولندي يوهان فريسوا يتنازل عن حقه فى العرش ليرتبط بناشطة فى مجال حقوق الإنسان رفضت الحكومة زواجه منها ، فالحب أهم وأقوى عنده من عرش هولندا رغم أن منظره خنفس عادى وفرفور زى أي فرفور بس الثقافة مختلفة .ده أتربى علشان ياخد موقف بينما نحن نكتفي بالدعاء على اليهود ومن شايعهم !!! لقد باع عرش هولندا ليرتبط بمن أحبها وهذا هو الفرق بيننا وبينهم !

هل هؤلاء هم خنافس وفرافير وإحنا اللي دهنا الهوا دوكو ورسمنا عليه وكل واحد فينا ميت عتريس فى بعض ، هل أمثال جوزيف بوفيه وراشيل كورى أكثر قدرة على الفعل من كل شعوبنا العربية وطلائعنا السياسية ، هل نحن " رجالة بشنبات " وهؤلاء كفرة شعرهم طويل ومش مسلمين ولابسين كجوال ، هل من الممكن إن الناس دي تروح النار وجيوش الخصيان العرب تروح الجنة ؟! هل سيكون ذلك من العدل الذي هو صفة من صفات الله عز وجل؟!

متى نتحول من الكلام والدعاء على اليهود ومن شايعهم إلى الفعل حتى ولو كان فعل بسيط ، المهم أن نفعل وأن نتوقف عن الكلام أن نخطو خطوة حقيقية بدون حسابات ومعادلات وموزاين القوة وموازين الضعف . لقد فعلتها راشيل ولم تحسبها لتعطينا المثل ولتصفعنا على وجوهنا جميعاً.

إننا بحاجة إلى إعادة تربية أنفسنا وإعادة صياغة لثقافتنا وهنا أضم صوتي للدعوة التي أطلقها المفكر الدكتور محمد السيد سعيد لتحويل مصر إلي ورشة كبيرة للإصلاح ، إلى إعادة تربية أنفسنا والتحول من الكلام إلى الفعل الايجابي مهما كان صغيراً ، المهم أن نخطو فى كل يوم خطوة ، والتغييرات الكبرى تبدأ بالأفعال الصغيرة .كيف نبدأ تنفيذ الإصلاح الآن ولا ننتظر أن يأتينا منحة من الحاكم ؟!!!كيف نبدأ الإصلاح من أسفل ولا ننتظره يهبط علينا من السماء؟!!

لقد قلدنا الغرب لبسنا الكاجول وأكلنا الهامبورجر وسمعنا مادونا والراى وشاكيرا ولكن التربية مختلفة والثقافة مختلفة والقدرة على الفعل مختلفة ،ألم يأمرنا القرآن الكريم " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " فهل نتحرك لنبدأ بتغيير ما بأنفسنا .

تأملت هذه الصورة وتأملت الشباب الأمريكي فى المظاهرات الرافضة لصندوق النقد الدولي وسياساته وهتفت من أعماق نفسي يارتنا كنا خنافس .. يارتنا كنا فرافير.
إلهامي الميرغني
25/4/2004
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: بدأ التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية


.. إنكلترا وهولندا تلحقان فرنسا وإسبانيا إلى نصف نهائي كأس أمم




.. ثلاث دول أفريقية تعلن توحدها ضمن -كونفدرالية دول الساحل-


.. فتح صناديق الاقتراع في جولة ثانية حاسمة للانتخابات التشريعية




.. فرانشيسكا ألبانيزي للجزيرة: هل هناك من سيتحرك لإيقاف المذبحة