الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المكان... من التناهي إلى الصمت..دراسة نقدية في قصائد الحديقة العامة لسعدي يوسف
علاء هاشم مناف
2009 / 6 / 6الادب والفن
نشرت هذه القصائد في الحوار المتمدن
العدد 2529 في 17/1/ 2009 .
وقد كتبت هذه القصائد بين الحادي عشر من أيلول 2007 والرابع والعشرين من حزيران 2008.
في قصائد الحديقة العامة لسعدي يوسف تتشكل فاعلية سيكولوجية للصورة الشعرية ، حيث يبرز النمو الداخلي للصورة باتجاه درجة بالكثافة، والإضاءة للومضة ، وسعدي يوسف في هذه القصائد يتحرك وفق البنية المتشابكة في آثارها الكلية ثم ينفتح على بؤر الذكريات والحدود القصوى للمكان ليضيء أبعادها، وفي الوقت نفسه يقوم برفض حدود السياقات الدلالية داخل بنوية هذه القصائد ويستعير أهميتها من النسق الموصل إلى المعنى والمتواصل مع الصيرورة الشعرية كونها عنصراً دلالياً ويرفض في الوقت نفسه التصور كون الصور الشعرية تقوم بتحقيق فاعليات دلالية على مستوى المعنى، وعنده الصورة الشعرية هي أداة التوصيل للمعنى، والدور النسقي الذي قام به سعدي يوسف في هذه القصائد، هو التوصيل الحكائي المباشر ولكن بضوابط إيمائية غير مباشرة. من هنا كان سعدي في قصائد الحديقة العامة يتفاعل على المستوى الدلالي كون الصورة الشعرية هي التي تقوم بعملية التفعيل في هذه القصائد وفي أداء دورها عن طريق إحداث المعنى ذي البعد الواحد ومهمتها هو كشف الترابط بين المحور السيكولوجي ، والمحور الدلالي ولتصبح الصورة الشعرية، هي الكشف عن الأنساق المتركبّة سيكولوجياً ودلالياً.
مَنْزهُ الأنهار الثلاثةِ
The Three Rivers park
أشرعةً بيضُ
بجعٌ ابيضُ
غيماتُ خريف بيض...
ثمّتَ ما يجعلُ جلدي مرتجفاً
أ هوَ المشهدُ في لون براءتهِ؟
أمْ هوَ ما أستمعُ؟
كان هديرٌ يخترقُ الجِِلْدَ
أ طائرةٌ
أمْ شاحنةُ ؟
أمْ هجّة قتلى يقتتلون؟
إن المسانيد الحقبية سيكولوجياً تتصف بالخاصة عند سعدي يوسف، فهو يُصْهر فرضية الذات التصوّرية أمام تلك الحجج المفترضة، ولشخص الإحالات البصرية بالفعل التعريفي في اكثر تلك التواردات الدلالية ، فاللفظ عنده يعتمد التحديد في إجماله للمعّرف ، لقد شخص سعدي يوسف المعنى اللفظي المتطابق بعمق الفرضية " أشرعةٌ بيضُ، بجعُ أبيض ، غيماتُ خريفٍ بيض...." هناك افتراض اعتباطي للحدس اللفظي بطبيعته الثنائية " كان هديرٌ يخترقُ الجلدََ، أ طائرةٌ ، أمْ شاحنةٌ ؟ أمْ ضجة قتلى يقتتلونََ؟" هناك إستمرار لفظي يجمع المعايير المختلفة
الشمسُ تُسخّنُ في المرْج مراياها مراياها
والاشجار
كانّ ضحى الجنّةِ يفتحُ بوابتهُ.
إن معيار الإضافة يعطينا سمة التفاصيل الكتلية في اللّغة ، رغم الاستعدادات القبلية لذلك المعنى الاعتباطي في الجملة الشعرية " الشمسُ تُسخّنُ في المرْج مراياها والاشجار" فالمنعطف الذي يأتي بالصورة الشعرية عبارة عن تفاصيل للاشياء بما هي أشياء كتلية باللّغة رغم الاسترسال في توصيف المعنى ، وكان المقطع الشعري كائن حي يسيرُ باتجاه قناة شديدة الإحالة ويسعى سعدي يوسف إلى تحديد ذلك التنوع الأطلاقي للصورة الشعرية.
هل أ دخلُ؟
نورسُ بحر من عَدَنٍ
ضلَّ ....
وها هو ذا يهبط مرتبكاً
بين البجع الأبيض
والاشرعةِِ البيض
هناك تفاصيل لأشياء مجردة لها مجس لفظي سيكولوجي ، فالمعنى يتعلق بالأشياء المعرّفة بالمكان ، باعتبارها كلا سيكولوجياً محدداً بإسترجاعات تعريفية مرجعها حدود المعنى المراد توصيله، والصورة الشعرية تشكلت بالإحالة لأداة التعريف التي تحمل معناها المرجعي" هل أدخلُ؟ نورسُ بحر من عَدَنٍ" وهو الشيء المنطلق من المكان والقابل للتشخيص والتأويل لينتج النفي والانتقال إلى الفعل القبلي من الناحية السيكولوجية المباشرة لأنه تقصّى ذلك الفعل للنورس الذي تحددت تنويعاته الإحالية " بين البجع الأبيض والاشرعة البيض" من هنا تأتي وظيفة التوصيل الدلالية للصورة والمستوى الدلالي لبياض الأشرعة والبجع الأبيض وغيمّات الخريف البيض، فالتقابل للّون الأبيض يأتي من الشيء الذي يتمثل اختلافه في التطابق للّون الأبيض
العاشقتانِ تحت المظلّة
ربّما ارتوتا قبل أن تأتيا جنّة النار
تحت المظلّة
أو ربمّا سوف ترتويان
إذا ما تمشّى النبيذُ الفرنسيّ كالبُرْء في الدم
والخدِّ
والراحتين
إن تشكيل هذه الصورة يشير إلى خاصية في التغاير ، وهي تضمينات تتعلق بالمظلّة وبالارتواء الجمالي والحسي، قد يأتي متناسقاً في حالة الارتواء بالنبيذ الفرنسي ، لأن الارتواء يخبر عن شيء حدث بالمعنى الجمالي لهذا المركب وهو يسير "كالبُرْء في الدم " و " الخدَّ، والراحتين ،..." فالصورة في الحالة الأولى، هو وجودهن تحت المظلّة وقد أحستا بالإرتواء، وفي الصورة الثانية بعدما" تمشّى النبيذ" وهو الشعور الذي تضّمن عند الشاعر في مركب اللاوعي ، لأنه أراد أن يقول: أن النبيذ هو السبب في إرتواء العاشقتان ، وهذه الصورة حققت المعنى الوجودي للشاعر وهو المستوى السيكولوجي للصورة
المظلّة
أمْ هي تلك المحطة ذات الوصول؟
سلاماً .....
أقول لعاشقتين تمرَّغتا في هواء المظلّةِ .....
كان الشاعر سعيد يوسف يركز في قصائد الحديقة العامة على الخصائص الحسية للاشياء ويستخرج من تلك الأشياء عوالم من الاسترسال المرجعي داخل عمليات تخضع إلى الجوانب التعريفية ، فالحدود التعريفية تضرب جذورها باللاوعي الإمكاني لتشكل ضرباً من الإسترسال ، حدوده الاحتمالات، لأن العاشقتان قد تمرغتا " في هواء المظلّة ...." وهو يصف هذه النهاية بغيوم خريفية
" كانت غيوم خريفية تعْبرُ الأفقََ"
" والشمسُ دانية"
ويركز الشاعر على الجانب اللّوني في الورق الأحمر " في المماشي" هذا الوصف هو تعبير عن إنعكاسات على ذات الشاعر لإبراز الحس الجمالي ليصبح الشعر خلقاً وإعادة صياغة للوجود الإنساني إضافة إلى الخصائص الواقعية التي لا تنفصل عن الواقع الموضوعي ومكونات الحس السيكولوجي الذي يؤشر نقيضه في البعد الموضوعي ، وسعدي يوسف يعيد الصياغات والبؤر السيكولوجية بطراوة وهشاشة تناقض واقع الغربة، وهي تجربة جديدة تحمل إنعكاساتها في البحث عن الأشياء داخل الأمكنة والأزمنة الأوربية المختلفة ، والاسترسال المكاني في شعر سعدي يوسف يكاد يكون هو الطابع الذي يحدد مفهوم التجربة الشعرية في لندن بشكل خاص وهو مفهوم جامع لتلك التعيينات ، وينتقل هذا الاختلاف تلميحا في قصيدة مقام عراقي وبستة
كان بليلي من شمائل دجلةٍ
، والمياه تدورُ تقلّب حال
وفي دجلةٍ من طبْع ليلى أناقة
ونُضرْةُ وجهٍ مُتْرفِ وسرورُ
والشاعر يضطلع بالاشارة إلى دجلة التي يجمعها الشاعر ليس للذكرى فقط بل بالادراك المستمر فينومينولوجياً ، وبغداد ودجلة عند سعدي يوسف كالوجود لأنه يتستحّضر البعد الفكري ي تشكيل المعنى ، وهي اشارة إلى جوهر المعنى الفلسفي للمكان المقدس بالمعنى الفينومينولوجي ، وكان المساق عند سعدي هو الاكتفاء بالتاسيس الانطولوجي للصورة الشعرية وبالتحليل المتعالي لبنية الوعي الذاتي الممتد موضوعياً في مهمة غير متناهية لأنه ينطلق دائماً من الطابع الاستكشافي للحس وأتخاذه مساراً للبنية الزمكانية التي تتمتع بالتجربة الواعية للمكان لأنه الهم
وََصلنا اليومَ، بعد الهّم ، دجلة
: وقال الربْعُ
: ماءُ الهّم دجلة
سيوف الاجنبْي ، دارت عليّهْ
إن القراءة الفعلية للمكان يعطينا مكمن العبارة الفعلية التي تشكلت بالهاجس الإداركي والتعرف على الإختيارات في تصنيف الأنماط التعريفية للمكان ، فكانت دجلة هي الإكتفاء في الوضوح ولا شيء يمنعه من تمثيل الشيء في معنى النهر الكبير الذي أصبح الرمز للمكان في عراق ما بعد الاحتلال ، فكان الشاعر يترجم هذا الوعي بالعشق إلى البستة العراقية " وشلون عيني وشلونْ، هذا الأمل ينساهُم؟" هذا المسند اللّغوي ينطبق على معادلة إقتضائية وحسية وذهنية في إمكانية بينية تأخذ موقعاً في أستعمال ذلك التقابل المكاني وتحركه بالأسناد التعييني والأنتقال ذهنياً إلى الإسناد الانتقائي الذي معناه ، أن المكان تشكل بالزمان الانتقائي لأنه قابل للوصف وقابل لأستحصال ذلك التنوع المخصوص في القراءة الإقتضائية والعلاقة الإقتضائية لأنها تقتضي تلك الخصائص المركبّة التي يتضّمنها المركّب المتعالي الذي يدل على قوة الفعل داخل الصورة الشعرية ، لأن نهر دجلة شكل المرجعية التكوينية للشاعر. كانت المقاربة السيكولوجية تكشف عن تأسيس للفعل اللغوي في تشكيل الرمز ، بحيث أصبح الرمز عند الشاعر هو حدود المقارنة والدال المزدوج سيكولوجيا ، وأصبح مدلوله منحولاً بسبب ذلك المعنى الذي سبقه الشاعر باللامعنى ، وقد تكاثفت العلامة حتى أصبحت حجة في التعالي الميتافيزيقي ، حيث تكون العلامة السيكولوجية الاستعادة للعلامة وهي جزء من الكشف لذلك الفعل المتعالي.
وقصيدة "ليس من تلاعُبٍ" قد أكتسبت حدة الإنفصال السيكولوجي داخل ملكة الإنفصال نفسها، وعن فعل ذلك التشكيل ، لأن التشكيل المكتوب متزامناً مع ما نقول في تزامنه مع الحاضر المسكون بالخيبة
ليس من تَلاعُبٍ
لمن أكتب الآنََ؟
لا شأنََ لي بالعراق ، ولا بالعواصم
لا شأن لي بالصداقات فاترة
أو بالنساء اللواتي تخلَّيْن عني
ولا شأن لي بالبنادق والطائراتِ المُغيرةِ،
ولا شأنَََ لي بنوادي الرياضة
لأ شأن لي بانتخاب الرئيس
ولا بالمصارفِ،
ولا شأن لي بالعناوين في صُحُفِِ اليوم
لا شأن لي بالطعام الذي أ تناول ُ
أو بالقميص الذي كنتُ التبُسُه أمس
ولا شأنَ لي بالبريد
ولا بالحديد الذي قد يفلَّ الحديدَ
ولا شأن لي بالكتابِ
وأهل الكتاب...
على المستوى السيكولوجي، في هذه القصيدة هناك نمط من الحياة المتفاعلة داخل بنية الصورة، ويظهر ذلك من خلال هذا التفاعل الذي تجلوه حالة سيكولوجية يصعب إظهارها عبر هذا التفاعل المفرط في النفي لتفاصيل المكان ، والعلاقات ، والصداقات، والنساء.
وإن كل هذه الومضات جاءت بسبب الضغوطات الذاتية والموضوعية وهي جزء من لذة في الرفض ولذة في الحرمان الذي ركزه سعدي في هذا التعدد في عملية النفي ، وقد جاء كامناً في عمق الوعي، ولكن فيه نقلة إرتحال إلى مواطن الغربة، والوحشة، والفتنة بالأشياء الغريبة كذلك الغواية بالكلمات ، وسعدي يوسف أنا أحسه إفلاطونياً في هذه القصيدة لأنه صاحب فكر وصاحب موقف، وبأنه يقر أسبقية المعقول بكل استشكالاته المتباينة ووفق الضرورة كان مصراً على الإقرار بهذه الحالة السيكولوجية وبشفافية ذلك الوجود المتلابس وإمكانية ذلك الإدراك الحضوري الذي ينبع من الفعل الخلاق للوجود، وهذا النفي في " اللاشأنَ لي" جاء في إطار القراءة الإقتضائية سيكولوجياً لا إخبارياً عن كنه الاشياء لأن الموضوع يتعلق بالتعبير المركّب لتعيين الإسناد وفق شروع إنتقائية اختارها الشاعر في ذلك التعميم الاقتضائي . إن وجود هذا التعمم وجوداً فعلياً ومقدراً وفق المسند اللّغوي من حيث الإختيار في تشخيصه للحدث" ولا شأن لي بالبنادق والطائرات المُغيرةِ،" إن هذه المساند في الجملة الشعرية تعطينا مزامنات للحاضر الساكن والآسن والذي نطلق عليه بتزامينة اللّغة ومساندها المدموجة في سكونية تلك اللّغة، وهذا ما يجعل من اللّغة ومساندها علامات حيّة بدلاً من الفعل التشكيلي العشوائي الاحتمالي، وسعدي يوسف ينتقل إلى فعل المعنى " ولا بالحديد الذي قد يفلُّ الحديد.." وحالة التجذير داخل مشهد لغة " الزبور" أي أن حتى الإقتراب الهرمينوطيقي للغة في الكتاب "ولا شأن لي بالكتاب وأهل الكتاب" أي حتى الإقتراب من كينونة هذه اللّغة التي إنتشرت بشكل حلزوني على هيولي الوعي، فهو يلخص الشك المتنقّل من الشيء إلى الشيء نفسه أي منذ " الكوجينو الديكارتي" إلى الشك حتى بالوعي النسبي، وهذه هي في تقديري الصلابة الابستميولوجية في بعدها الواقعي الجديد وتمثلاتها النصية وعلاقاتها الحوارية داخل بنية الصورة ، ثم ينهي سعدي يوسف قصيدته " لمن أكتب الآن؟ " ويجيب على هذا السؤال "أكتب كي لا أموت وحيداً!" .
وقد حدد سعدي غاية الإبتداء في مساند اللّغة التجريبية ، في هذه القصيدة ، هناك مقوّم تاريخي لمحايث تطبيقي يشكله سعدي داخل "لوغوس" محسوس وبنبرة متعالية للفهم الفينومينولوجي وهو المفهوم الكلي المقاوم لتلك الإعتلالات في التجربة الحسية وهي الجهة التي ينعقد لها ذلك الإدراك وعند سعدي يوسف هو المفْصل الذي يتدحرج تحت طائلة ذلك الإدراك لأنه استباقاً لمفهوم الوعي التاريخي ، وهي ذاكرة عمّقها سعدي بعد أن ترسبت بقاع الوعي الإنساني. في قصيدة " سماءٌ مُوزية ، إلى جليل حيدر" ينطلق سعدي من وفرة في الجمل الشعرية التي تحمل حركية الحس الاعتقادي بالآخر وهذا يعود إلى حكم الوعي المعرفي بالمعطيات ، ونحن نعرف القراءة التعيينية والتشخيصية في " صنوف الاشجار" و" إنطباق الشفة" و" خطوط القميص " و" سترة باريس تلك التي لا تزال تحنُ إليها" أن حصر النمطية الشخصانية الحاصلة من شدة التعقيد الحياتي عند جليل حيدر لهي قاعدة لم تكترث للوهم بل تجعل من الومضة في تطبيق تلك التصنيفات لهو خير تعبير عن المعنى الشخصي ومحاورة تلك البنية المزاجية التي تتوسط هذه النهايات والمحتوى الواقعي لأداة التعريف الحدسي وتقاطعاته إلى اقصى تقدير داخل شخصية جليل حيدر . هناك تحليل للزمكان وإسترسال يقود إلى نقاط عديدة وعلاقات تسمح بتقريب صنف تلك المواقع والمشاهد والمرجعيات الإستقصائية ، ويركز سعدي يوسف على الشمولية لهذه الومضات ، وهو يفترض إمتداداتها باسترسال من التفصيل والإنتقاء العشوائي لإستقصاء الحدث ونفي الإنتقاء العشوائي " والشرفات التي لا تزال فرنسية بعد حربين ، تلك خطوط الستائر" وسعدي يفصح عن الأشياء باقتراب توزيعي إستقصائي وبعمليات إستعراض مركزة بحيث تستحيل إلى تشخيص إسترجاعي مبني على أشياء تقديرية . في قصيدته " الشمسُ التي لا تأتي" هناك شد غير طبيعي إلى المكان وإلى اللّغة ومعانيها التي تمكنت من القبض على إدراكات سعدي والقبض كذلك على البنية الشعرية والنسق الشعري وكان التوصل إلى تلك الشفافية المؤلمة هو التوصل إلى التأويلية الحاذقة وإلى جميع معاني الغربة داخل المكان إنها " قصائد من فَورتيْسّا " السويد ، إن المعنى العام للّفظ هي كلمة " إشتقت والاشتياق أخذ معناه الحقيقي في الغربة، لأنه تطابق مع حقيقة التعريف ، وقد أصبح إتصالاً وأسانيد يمكن فهمها بشكل ضبابي ولكن سعدي يحدد أسانيده الأسمى في الاشتياق وطبيعته التقديرية التي تنتهي إلى حوار مع النفس " حتى في ظلِّ النخلُ بغير ظلال" هذا الوصف الاسنادي يحتوي على خواص ذاتية قاهرة، هناك الزمن المفترض مسّبقاً ، كان الحرص على الإمتداد ، وتجنب الفضيحة ، والتحرر من الإرتباط والبعد الأتصالي يلّحُ على سعدي لينزع عنه كل الصفات السرية وليستعيد سعدي مقاومته" في هذا الأحدِ المقرور اشتقت إلى بلدي " " وهن العظم ورأسي مشتعلٌ شيباً." من العسير أن نسترجع أزمنة الماضي المركّب ، والمكان يعود إلى ذاكرة سعدي لمسند يضّم هذا المنعرج الزمكاني حتى يتقصّى كل إمكانيات اللاوجود بالنسبة إلى الشاعر لأنه وافق أن يمتد إلى داخل هذا المنعرج ، وقد تقصّى إمكانية اللاوجود واللاجدوى ، لكنه واقع في كل الحلول ، وهكذا كان الزج في منعرج العراق وهو الخطاب الذي يجتهد فيه سعدي ، والعراق عند سعدي يوسف من الألفاظ الدالة في معانيها ، والكلمة تغري بالمنهجية التي استنفرها سعدي في تشكيل منعطف حسي يجمل هذا النص الذي إعتنى بالإشتياق إلى بلده من حيث مرتبة عليا في تقوّيم الوجود من خلال الذات والوعي الروحي ، وقد بلغ سعدي في هذه اللحظة تجربة من التجرد في تشكيل العبارة ، والملامسة القصوى للغربة التي إستحضرها سعدي في هذه القصيدة التي التبست في الميدان داخل تجربة حسية من إنتظامات الوجود " أني، المسكين ، بلا بلد! " في قصيدته " في يوم السبت أكتملتْ في يوم الأحد" كان الاستحضار للأشياء صور وكائنات في المكان، هناك المكان البارز بالقصيدة بشكل مطلق وإرتحال الطير ومجيء الغيم ، وقد إرتدى سعدي قوقعة المكان المطلق ، فكان البيت والمطر، حديقة السنجاب، وأن وجود كل هذه الأشياء لخبرنا سعدي إنه يتنفسها من خلال العراق" بُحيراتٌ ترقرقُ بغتة، وترقَّ . يوقظني بها الأوزُ العراقيّ المهاجر" ومن نسيج هذه الصور يكون سعدي قد وصف قوة الحدث الشعري وليس الصور الكلامية داخل الجملة الشعرية، فكان الحدث يعطينا المرونة المتبادلة بين الشاعر والمكان، وبين الشاعر ووجه التناسق بين الضيفة الآتية من المجهول ، ويكاد سعدي أن يجعل المكان بين الأثنين . والمثير للدهشة أن سعدي يوسف كان قد غمر المكان بالسمك العائد إلى النهر والمكان قد غمره الضوء ، وهنا آثار سعدي موضوع السمك الذي يستدعي التكاثر المستديم لزائر المكان ، لكن العراق بعيد " وكذلك الأنهار" وهكذا ينقلنا سعدي إلى الأحساس المتناهي بالاشياء " ساحة المبنى مغلقةٌ ، هواءٌ ثابتُ . قدماي ثابتتان ، لكني أطيرُ الضوءُ ملتبسٌ" فهو يمتلك المأوى لكنه غائب داخل المكان، وإذا اردنا أن نبحث عن تفاصيل الحدث الشعري نجده داخل دينامينات متنقلة وصور مستمدة من الأشياء ، وحركات الحيوانات.
" " أقول : حديقة السنجاب، والآيل إستحالت منزلاً لي... "
وحركة الحيوانات إستحالت إلى مكان، وهي محفورة سيكولوجياً وإن هذا الإنجاز في المكان عند سعدي في هذه القصيدة يعطينا عمقاً في المأوى وتعزيزاً لصورة المكان في الغربة عن البلاد، لقد أراد سعدي من زائرته أن تضفي دلالة غير اعتيادية على المكان وقد أرادها أن تكون كاملة أولاً لأنها تحب اللّون الأسود وهي علاقة غريزية ، وقد استعار سعدي الفراشة وشبه الزائرة بالفراشة، والفراشة هي احدى العجائب الحياتية الحيوانية وأقول لضيفتي أتكئي عليَّ، أنا الضعيف لتلبس جسد الفراشة ، أيّما إمراةٍ تجيء هنا، تصير فراشة" وسعدي يثير الصور داخل المكان ، فعندما يتلابس الجسدان "في الليل نستهدي بشمع النحل . عند الصبح نستعدي بجذع النخل" وهنا تنتهي المطاردة الجنونية للحدث داخل هذا الحلم، وسعدي كالطفل يحب الأحلام التي تهبط على المناطق العالية، وصورة الحب في الشعر هي تعبير عن الصورة الطفولية ، وصورة الفراشة عندما تهبط على غصن شجرة طري تتلابس به وهي صورة تعبر عن سمات إنسانية كبيرة داخل المكان. وقصيدة " نهارُ أحدٍ ملتبس " بها ينتصف الليل " بين الريح والمطر المُقعقع والسريع وبين دائرةٍ مهفهفةٍ باحلامي وأخرى" فقد أختفت الزائرة المسائية ، لكن اختفاءها الجنسي ربما كان أكثر صلاحية لها، لأن سعدي حدد ظلال ذلك الوجود في الصورة بعد أن أصبح نهار الأحد ملتبساً، لقد رحلت الجارة "وتجنب العصفور نافذتي" وتجنب العصفور المكان إلى أقصى حدوده ، لكن سعدي يوسف بقي ينتظر عودة الزائرة المسائية وظل يعتقد أنه يمتلك " عشبة ايفان جول المعطّرة" لكن المكان أصبح مهجوراً ولكن بقي حياً وهو الذي يقود سعدي إلى فينومينولوجيا المكان الحقيقي لأنه يعيش في المحيط الطبيعي ليصبح هو مركز الكون . وينهي سعدي يوسف مجموعته الشعرية " قصائد الحديقة العامة" وهي الحديقة التي عانت الخيبة والقلق في العثور على المكان الحقيقي بعد رحلة من التجوال وبعد فوات الأوان.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس