الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب اوباما في جامعة القاهرة.. -الموضوع الرابع-

موفق الرفاعي
كاتب وصحفي

(Mowaaffaq Alrefaei)

2009 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الوقوف خلف ظهر الغازي المنتصر وترديد ما كان يريد ترويجه عن شعاراته التي كان يخفي وراءها اهدافه غير المعلنة، ظلت طيلة تسعة عشر عاما بدءا من حرب الخليج الثانية وحتى قبل خطاب اوباما في جامعة القاهرة مؤخرا، سمة رثة للعديد من المفكرين والمثقفين والمحللين السياسيين، وللكثير من انصافهم واثلاثهم وارباعهم في العراق ممن وجدوا الفرصة مواتية في الغزو الامريكي لبلادهم وانفتاح افق الخيبة (الرحب) لاظهار نقمتهم ليس فقط على انتمائهم الثقافي والحضاري بل وحتى انتمائهم لامهاتهم اللائي ولدنهن.

مناسبة هذا الاستذكار السريع وما روج له البعض عن (التحرير) و(استجلاب) الديموقراطية - نمطيَ الحكم والسلوك الامريكيين- هو خطاب اوباما في جامعة القاهرة قبل يومين وحديثه عن كل ما كان يُرَوج عن (الحتمية الامريكية) التي صدعوا رؤوسنا بها وتمخضت عن هذا الخراب الهائل.

ان الصورة الوردية التي رسمها بوش قبل غزوه العراق والتي انبهر ببريقها العوام والسذج ففرحوا بها، ووافقت ما في نوايا البعض من (المثقفين) فبشروا بها وزيفوا حتى ما استقر من دلالات الالفاظ لتتوافق وتلك الصورة، وتلقفها اصحاب الاغراض الدنيئة من سراق ونهازي فرص فاثروا ووصلوا الى مواقع السلطة. تلك الصورة (البوشية) شطبها اوباما مرة واحدة وبـ(جرة) خطاب في جامعة القاهرة.

لقد تركتهم امريكا اذن يلعقون خيباتهم كما فعلت قبل ذلك بآخرين قبلهم وعلى مر تاريخها القصير.

العبارة (الاوبامية) التالية توجز الحقيقة التي كان البعض ممن ذكرنا يحاول طمسها:

"... وأعلم أن جدلا حول تعزيز الديمقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب في العراق. إسمحوا لي أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلي: لا يمكن لأية دولة ولا ينبغي على أية دولة أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى.".

حتما لم تكن لحظة مواجهة مع النفس املتها صحوة ضمير امريكية لكنها متطلبات الواقع العسكري والاقتصادي والسياسي، فضمير الرئيس الامريكي عادة في اجازة حتى تنتهي فترة ولايته.

ان الطريق المسدود الذي وصلت اليه خطط (الحرب على الارهاب)، والمنعطف الكبير والحاد الذي انحرف بالعملية السياسية المرتجاة عن الطريق الليبرالوي في العراق نحو السير باتجاه نظام حكم يتحكم في مساراته الاسلامويون كونهم يشكلون القاعدة الاوسع بين تشكيلاته، بسب اصرار ادارة بوش في الاولى على انتهاج طريق القوة العارية، وفي الثانية تنفيذها الغزو دونما قراءة موضوعية لخارطة القوى السياسية العراقية الفاعلة والدول الاقليمية وتاثيراتها في الساحة العراقية وفي المنطقة، كان هذان الاخفاقان اضافة الى مقاومة الشعب العراق لكل خطط المحتل في جعله يستسلم لارادته ولما يريد تطبيقه، هو ما دعا اوباما الى قيادة هذا الانقلاب في الذهنية السياسية الامريكية. فقد كانت النتائج كارثية ليس فقط على الاقتصاد الامريكي بل وطال ذلك حتى سُمعتها بين الشعوب كراعية للحرية ومصداقيتها مع الدول والتي سعت الى ترميمهما الادارت السابقة بعد حرب فيتنام.

وبعبارة اكثر دقة: ان اوباما نسف الاساس (الشرعي والقانوني) الذي قامت عليه مسوغات غزو العراق، وكنس معها كل المقولات التي روجت لها الادارة الامريكية السابقة عن الشرق الاوسط الجديد وورطت بها اولئك السذج من (الكتبة) المحليين حين روجوا لتلك البضاعة الرديئة.

لكن ذلك يجب ان يستتبعه خطوات جريئة على المستوى العملي كي لا تلتف عليها من تلتف من قوى الضغط -اللوبي- في امريكا فتجعل منها مجرد كلمات دبلوماسية أمْلتها اللياقة.

ومن هذا الفهم فعلى القوى المؤهلة لان تكون البديل الوطني الحقيقي للتكتلات التي افرزها الاحتلال واقتسمت السلطة حصصا بينها، السعي الجاد من اجل مراجعة شاملة لجميع خططها التي بنيت على اساس الذهنية الامريكية السابقة، واجراء تغييرات بنيوية وتنظيمية استعدادا للمتغيرات في الخطط الامريكية الجديدة في العراق وفي المنطقة والتي ربما ستكون مفاجئة وسريعة.

ان تلك المراجعة يجب ان تطال تفاصيل كثيرة منها: تغيير اساليب النضال والمقاومة.. واعادة النظر في خارطة التحالفات المحلية والاقليمية.. وعدم التردد في قبول انضمام قوى كانت في السابق محسوبة على التكتلات المحاصصية منساقة وراء غرائزها الطائفية قومية كانت او مذهبية وشكلت نتائج ذلك الانسياق صدمة لها او قادها الى صحوة ضمير وطنية.. وكذلك الاسراع في تشكيل مجلس سياسي يستثمر نتائج العمل النضالي على الارض وتحويله الى اوراق تفاوضية من اجل انجاز الاهداف، كما ان التعهد الى الشعب ان لا عودة الى الديكتاتورية والسير في طريق بناء الدولة المدنية وتقديم ما يمكن من ضمانات في هذا الاتجاه سيكون عامل اطمئنان ان تلتحم الجماهير مع قواها الوطنية وتحميها وتوفر لها الغطاء والدعم والتأييد اللازم.

في الايام المقبلة ليست الادارة الامريكية وحدها من ستتحرك على دوي الايقاع الصاخب الذي خلفه حديث اوباما في المواضيع الستة التي تحدث عنها في جامعة القاهرة.. بل العالم كله.

العالم الذي كان قبل يومين يقف على اطراف اصابعه وهو يستمع الى الخطاب..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و