الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله يوناني

رياض الحبيّب

2009 / 6 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أثارتْ مداخلة السيد علاء الحدّاد- من المعلّقين الكرام على مقالاتي في الحوار المتمدّن- شؤوناً عدّة
وفي وقتٍ حاولتُ الإجابة على مداخلته في هامش موضوع سأكتب رابطه أدنى،
تجمّعت في ذهني ذكريات أخرى من دفتر الذكريات الذي أحرقتُ في قبرص، التي عملتُ فيها مدّة عامَين كاملين، ممّا أحرقت
حتى أصبحت محاولة الإجابة بذرة لمقالة آثرت كتابتها لسبب ارتباطها بالتطورات الحديثة التي اختزلت الكون إلى قرية صغيرة واضحة المعالم ومعروفة الأبعاد
وإن شكّلت اللغة أحياناً حاجزاً صعباً عند العامّة ولكنّ الصعوبة تبقى مسألة نسبيّة.

هذا نصّ المداخلة المذكورة:
(هناك خصوصية لنا كقرّاء مصريين لا نعلم الكثير عن غيرنا من الكتاب العرب فى كافة المجالات سواء أدب او فكر او حتى انتاج علمي ولم تصلنا أصلاً اعمالهم.
كان الادب المصري من الانتشار والغزارة بحيث لم نهتم بما حولنا،
عندما قرأت يوميات العقاد وجدت الكثير من القضايا الادبية والثقافية محل خلاف بين ادباء ومثقفين عرب ترسل له للبت فيها.
وعندما قرأت للشاعر العراقي معروف الرصافي بصراحة فوجئت بتلك الموهبة والعقلية الابداعية الأسطورية.
الان اخشى ان يكون كلامي مسبباً بعض الضيق منا ولكن هذه هى الحقيقة يدركها أيّ قارئ مصري) انتهتْ
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=173738

في المداخلة المذكورة محاور عدّة للتناول ومنها:
خصوصيّات بعض الشعوب من جهة الحضارة والإرث الثقافي والنظرة إلى شعوب أخرى والقابلية على الإنفتاح وتقبّل الرأي الآخر،
لكنّ السياسة الداخليّة منها والخارجيّة والعوامل الإقتصاديّة وضعف وسائل النقل والإتصال وبطء الإنتشار من عوامل الحصار الثقافي المفروض على بعض شعوب العالم الثالث خصوصاً.

لتوضيح وجهة نظري فيما تقدّم، سأضرب مثالاً واحداً من الداخل، عن العراق (بلدي الأصلي) ما يتعلّق بمنع نظامه السابق- أي ما قبل سنة 2003- انتشار الفضائيّات والإنترنت ومنع السّفر إلى الخارج بدون موافقة الجهات الرسميّة، بحجّة الحروب- المفتعلة، ما يعني انّ العراقيّين عاشوا في سجن كبير اسمه العراق في تلك الحقبة، أمّا اليوم فعاشوا الإغتراب وهُمْ في وطنهم أو في الخارج، علماً أنّ وسائل الإعلام لا تزال تبث كلّ يوم معاناة من طراز آخر ومنها الفتن الداخليّة دينيّاً وسياسيّاً وتدخلات الدول الشقيقة والصديقة في شؤون العراق الداخليّة. فأتمنّى على العراقيّين الإستفادة- في الأقلّ- من الأنموذج اللبناني الذي يعيش داخل مساحة صغيرة نسبيّاً (المعروفة ب 10,452 كم مربع) ويشتمل على سبع عشرة طائفة وتتجمّع فيه أحزاب مختلفة.

أمّا المثال الذي من الخارج فهو عن اليونان التي قمت بزيارتها ثلاث مرّات كانت أولاها عام 1996
حيث التقيت مصادفة برجل كهل في قلب العاصمة (أثينا) يُدعى گريگوري- رحمة الله عليه-
فسألني: من أين أنت؟ قلت: من العراق. كان يظنّ أنّ العراق هي إيراكليون-
وهو إسم جزيرة كريت جنوبيّ اليونان وتنطق "كريتي" وهي كبرى جزر اليونان والخامسة بالمساحة بين جزر المتوسط.
وكان ربّ عمل لمخبز يبعد بضعة كيلومترات عن مركز المدينة- في منطقة تدعى كوكاكي
كان يأبى تشغيل أزيد من عامل واحد في مخبزه- الذي عُدّ مصدر رزقه الوحيد- ليساعده في انتاج الخبز وسائر المعجّنات.

إن كانت مصر القديمة أمّ الدنيا فاليونان عند گريگوري هي الدنيا!
لا يعرف گريگوري من الدنيا سوى اليونان لأنه لم يسافر يوماً إلى خارج اليونان ولا يتابع أخبار العالم
وكان يعتبر دول العالم كلها تابعة لليونان أو امتداداً لها أو متفرّعة منها.

قال لي أيضاً وهو مستمرّ في عمل أطباق المعجنات- بدون أن يوجّه نظره صوبي:
هل تعلم بأنّ الله يوناني؟! قلت: كيف
قال: إنّ كتاب الله مكتوب باليونانيّة
[وهو يقصد العهد الجديد- الإنجيل]

كيف عرف اليونانيّون الإله الحقيقي في زمن كانت اليونان موطناً للآلهة؟
حينما وصل القدّيس بولس* رسول الأمم- والأمم في الكتاب المقدّس هم الوثنيّون- إلى اليونان برِحلتيه التبشيريّتين الثانية والثالثة،
تعرّفَ إلى مدرستين للفلسفة: الإبيقوريّة والرواقيّة
يتلخص مبدأ الأبيقوريّين*- نسبة إلى الفيلسوف الإغريقي أبيقور الذي عاش حوالي ثلاثة قرون قبل المسيحية- بالعبارة التالية:
"عِشْ بدون إله واٌنغمسْ في الملذات كصلاحٍ عظيمٍ لك"

أمّا الرواقيّون*- نسبة إلى رواق في مدينة أثينا، حيث أسس الفيلسوف الإغريقي زينون* مدرسته فيه
فقد أطلقوا العنان للكبرياء- إذ أطلق الأبيقوريّون العنان لشهوات الجسد والحواس- ورأوا الإنسان الفاضل ليس بأقل من الله ولا أسمى منه.

وقد كتب لوقا الإنجيلي- وهو تلميذ بولس- إنجيله إلى الوثنيّين، إذ أنّهم يعرفون الله وآدم ولكنّهم لا يعرفون الإله الحقيقي
ولقد كسبَ الرسولُ بولس في أثينا، إذ كان مُلاحَقاً خصوصاً من اليهود الذين في تسالونيكي وأثينا ومضطهَداً أيضاً-
الفيلسوفَ ديوناسيوس الأريوباغي إلى جانبه واٌمرأة ذات شأن فلسفي وتعليمي تدعى دامرس (يُظَنّ أنها امرأة ديوناسيوس) وآخرين معهما،
إذ كان لديونسيوس شهرة واسعة بوظيفته سناتوراً وقاضيًا- والمزيد المفيد مدوّن في تفسير الأصحاح 17 من سِفْر أعمال الرسل في الإنجيل-
داخل الرابط التالي:
http://www.arabchurch.com/newtestament_tafser/rosol17.htm

حتى أصبح معظم أهل اليونان اليوم يؤمنون بالله وبنسبة 81% وفق الإحصائيّات عام 2005
وهي الأعلى بين دول الإتحاد الأوروبي ما بعد مالطا وقبرص- نقلاً عن ويكيبيديا:
http://en.wikipedia.org/wiki/Greece

أعود إلى گريگوري الذي أسمعته نشيداً كنسيّاً باللغة اليونانية القديمة-
من طقس الصلاة البيزنطي الذي في كنائس الرّوم الأرثوذوكس والكاثوليك- والشهير بصوت السيّدة فيروز
Χριστός Ανέστη εκ νεκρων, θανάτο θάνατον πατήσας καί τοις εν τοις μνήμασι ζωήν χαρισάμενος
الذي يُلفظ بالإنگليزية
khristos anesti ek nekron thanato thanaton patissas ke ti sen dizmni masi zoiin kharisa menos
والمترجم إلى العربية بالتالي:
المسيح قام من بين الأموات ووطِىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين فيه القبور

فرفع گريگوري عينيه فجأة عن عمل كان بيده- محدّقاً في وجهي ومُصاباً بدهشة، يريد التحقق من مصدر الصوت- يكاد لا يصدّق.
قال لي الشاب الذي يعمل في المحل:
عبثاً حاولنا أن نستفز هذا الرجل اللاأبالي بشيء، إذ لا شيء استحقّ أن يكون عاملاً مؤثراً ليهزّه من قبل ولا شيء أثار انتباهه حتى هذه اللحظة إلّا نشيدك!
لم يقتنع گريگوري بأني من بلاد اسمها العراق، إنّما مات وهو يظنّ بأني من إيراكليون- بسبب معرفتي المتواضعة باللغة اليونانيّة
علماً أنّ اليونانيّة خير لغات العالم إملاءاً ونحواً وصرفاً، لا لبس فيها ولا اختلاف على معاني مفرداتها كما في العربية وغيرها.

كان النظام في المثال الأوّل سبب عزلة العرقيّين بشكل عام، أمّا عزلة گريگوري- في المثال الثاني- فكانت بسبب قناعته بأنّ اليونان دنيا الله.



* سيرة القدّيس بولس:
http://en.wikipedia.org/wiki/Paul_of_Tarsus

* أبيقور Epicurus
http://en.wikipedia.org/wiki/Epicurus
* الأبيقوريّون Epicureans:
http://en.wikipedia.org/wiki/Epicureans

* Zeno زينون:
http://en.wikipedia.org/wiki/Zeno_of_Citium
* الرواقيّون Stoics:
http://en.wikipedia.org/wiki/Stoics








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نرجو المزيد
كامل النجار ( 2009 / 6 / 6 - 22:43 )
موضوع شيق، ومختصر ومفيد. ليتك تجود بمثله


2 - موضوع رائع حقا
زهير الصغير ( 2009 / 6 / 7 - 08:37 )
يا حبذا يقرا كل العراقيون هذا المقال فقد يستيقضو
من التخلف الطائفي والديني بشكل عام وينتبهو لمصلحة البلد


3 - د. كامل النجار: شرف كبير
رياض الحبيّب ( 2009 / 6 / 7 - 10:06 )
لي الشرف بمروركم ودعمكم بعد الشرف الذي حظيت به من مرور د. وفاء سلطان على إحدى مقالاتي. فقلماكما اللذان أشيد بهما في معرض تعليقاتي على بعض المقالات هما عندي أنموذجان حيّان لدائرتين متلاقيتين في نقطتين أساسيّتين: تحرّر الفكر والمنطق وموضوعيّة الطرح ومصداقيّته- بشكل مميّز- وهذا لا ينفي وجود أقلام متمدّنة أخرى مميّزة أيضاً قد أشرت إليها في مناسبات مختلفة. مع جزيل الشكر وفائق التقدير


4 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 6 / 7 - 17:08 )
عند زيارتك القادمة الى اليونان ،أدعوك لزيارة مطعم صغير يقع بالقرب من سونيون مكان الآلهه ومقر زيوس على باب المطعم القديم كتبت العبارة التالية من لا يشرب الخمر لا يدخل الجنة وهناك عزف حي على آلة البوزيكي بيد أن الجنة هنا لاتعني سوى عشق الحياة وكما تقول الفلسفة اليونانية للحياة بابين تدخل من الاول وتخرج من الثاني والزمن أو المسافة الفاصلة هي الحياة .مع التقدير.


5 - الله يوناني
عراقيّة ( 2009 / 6 / 7 - 18:18 )
تحية عراقية طيبة .. يا لفخرنا واعتزازنا بك وبمقالاتك الشيقة المفيدة والصادقة..ادامك الله وسدد خطاك لمصلحة العلم والمعرفة والادب والضمير الحي.. فكلما قراْت لك او لاْمثالك من الطيبين والاصيلين ازداد فخرا بعراقيتي ولكن اقولها بغصة كبيرة افخر بعراق الامس وليس بعراق اليوم الذي يذبحوّن فيه المسيحييين ويضطهدونهم بكل قسوة ووحشية ولكن سيكون الرب له المجد دائما معهم ويحميهم وينجيهم ..باركك الرب وحماك.


6 - الله يوناني
عراقيّة ( 2009 / 6 / 7 - 18:18 )
تحية عراقية طيبة .. يا لفخرنا واعتزازنا بك وبمقالاتك الشيقة المفيدة والصادقة..ادامك الله وسدد خطاك لمصلحة العلم والمعرفة والادب والضمير الحي.. فكلما قراْت لك او لاْمثالك من الطيبين والاصيلين ازداد فخرا بعراقيتي ولكن اقولها بغصة كبيرة افخر بعراق الامس وليس بعراق اليوم الذي يذبحوّن فيه المسيحييين ويضطهدونهم بكل قسوة ووحشية ولكن سيكون الرب له المجد دائما معهم ويحميهم وينجيهم ..باركك الرب وحماك.


7 - ردود بعد الشكر والتقدير
رياض الحبيّب ( 2009 / 6 / 7 - 18:52 )
الأخ زهير: لو فكر أهالي البلد قليلاً من أجل مصلحة البلد لعلموا أن التعددية نعمة كما في البلدان الأخرى وليست نقمة!

الأخ سيمون خوري: لقد شاقني من دعوتك الكريمة الأوزو وشمس سانتوريني مع القيثارة اليونانية وجولة مسائية بين الآلهة لعلّي أحصل على وظيفة نبي ولو في بلاد أخرى.

الأخت العراقيّة: ما علينا سوى الصلاة من أجل مضطهدينا وجميع المُسيئين إلينا لعلّهم يعرفون الإله الحقيقي إله الخير وينبذون الإله المزيّف (إبليس) إله الشرّ.

اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة