الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد ام نهب ؟

سمير نوري
كاتب

(Samir Noory)

2009 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تتحدث الصحافة واجهزة الاعلام على وجود فساد واسع النطاق في العراق. وقد تتالت الفضائح الواحدة تلو الاخرى. وقد سمع العالم عن الفساد في وزارة التجارة وما تلاه من اعتقال الوزير السابق واخيه وعن غش في مواد الحصة التموينية ومن ظمنها الشاي والدهن وغيرها من المواد.

ان وزير التجارة السابق فلاح السوداني ليس اول من يقوم بنهب ثروات الدولة. فقد مضى على العراق وقت طويل منذ اصبح فيه محلا للنهب والسلب بشكل فظيع وامام مرآى العالم وفي وضح النهار. ليست هذه الحكومة فحسب، بل الحكومات السابقة ايضا بمافيها حكومة الجعفري وعلاوي ومجلس الحكم الانتقالي السابق وحتى حاكم العراق المدني بول بريمر. بل حتى قبل بريمر وسقوط الحكومة البعثية، فقد سمع العالم باتهام ابن كوفي انان سكرتير الامم المتحدة السابق وكيف انه تلاعب واثرى من اختلاس المواد من برنامج النفط مقابل الغذاء.

الموضوع لا يمكن ادخاله او النظر اليه من زاوية الفساد الاداري. فالفساد الاداري موجود في طول العالم وعرضه، وطالما بقي النظام الرأسمالي موجودا فان هناك مدراء وموظفين ووزراء ودواوين ومكاتب وميزانيات ورشوات وغش ومحسوبية وفساد. ذلك موجود في كل البلدان والدول. ولكن ما يجري في العراق ليس فسادا اداريا برأيي. ان ما يجري هو نهب ؛ انه نهب لثروات الدولة. لقد بدأ الامر خاصة في سنة 1991 في كردستان العراق. ولو سألنا المواطنين في كردستان في ذلك العام فانهم سيقولون بان القوميين الكرد لم يتركوا شيئا دون ان يحاولوا الحصول منه على الارباح؛ حتى الشفلات والحفارات ومواد البناء هربوها الى ايران وباعوها وقبضوا اثمانها في جيوبهم.

وبعد الحرب اشترك حتى الضباط الامريكان في عمليات النهب. لقد تم اتهام العديد منهم باعمال نهب الثروات وبقبض العمولات وهناك ارقام فلكية تتحدث عن اعمال نهب واسعة. حتى السستاني ورجال الدين والميليشيات الاسلامية كميليشيا جيش المهدي ومنظمة بدر قد قاموا ببيع النفط العراقي لحسابهم من الفاو. ان القوميين الكرد هم الاخرين متهمين ببيع النفط لدول الجوار والعوائد لا تذهب الى اي مكان غير ارصدتهم وحساباتهم الشخصية. هناك عمل منهجي من قبل من وصل الى السلطة بعد الحرب الامريكية لنهب ثروات الدولة عن طريق استحواذهم على القوة وعن طريق الميليشيات.

ان من الغريب ان لجنة النزاهة (لا ندري ماهو معيار النزاهة لدى هذه اللجنة!) قد اعلنت ان هناك 1000 موظف كبير في العراق متهمين بالفساد. ان 1000 موظف يعني غلب جهاز الدولة فاسد !!. فساد مستشر والامر ليس متعلقا بشخص واحد محدد او بمجموعة. ان التعفن يبدأ من الرأس.

ان سبب هذه الظاهرة هو سبب سياسي فكل من في السلطة الان لديه قناعة راسخة بان هذه ليست سلطة حقاً وانهم مؤقتين. كل من يأتي للسلطة ويحتل منصبا فان اول ما يفكر فيه هو كيف يحصل على اكبر قدر من المال وينهب وكم سيضع في جيبه. اي انهم لا يفكرون كناس سياسيين مطلوب منهم ادارة البلد والدولة. من وجهة نظر هؤلاء الاشخاص فان اهدافهم محصورة فقط في رغبتهم في مراكمة الاموال ومن ثم الرحيل او الهروب. برأي الجميع ان الدولة غير موجودة: هناك ميليشيات تصل الى اعلى المناصب في الدولة وتبدا بعملية الاستحواذ على الاموال وتهريبها الى الخارج او وضعها في البنوك العالمية. لقد اعلن الامريكيون انه حتى في حال تحسن الوضع الامني فان الفساد هو ظاهرة وعائق خطير سيظل موجودا وقائما.

ان اساس المسألة هو ان جميع من يشارك في السلطة يشعرون ان السلطة مؤقتة وغير ثابتة او انها غير موجودة لذا فان هدفهم ليس في بناء دولة او اقامة حكومة بل في كم يمكن نهبه . ان من الغريب ان بلد كالعراق ميزانيته السنوية تصل الى 60 او 70 مليار دولار لا نجد فيه مدينة كبغداد اي اثر لاي اعمار؛ شوارع مكسرة غير مبلطة، بنايات متهالكة ومحطمة، مياه شرب ملوثة ، كهرباء مقطوعة، عمال عاطلين على الارصفة، خدمات معدومة وفقر. اذا لم يوجد نهب وسلب لهذه الثروات، فاين تذهب الاموال اذن؟ . جميع المواطنين يقولون بلا تردد ان الدولة غير موجودة وعدا الشرطة والجيش فليس ثمة اثر او مظهر لوجود الدولة كخدمات ومواطنين ازاء المجتمع.

المواد الغذائية في العراق تسلم الى المواطنين في اكياس ولكن الناس يرمون المواد كالشاي مثلا في الازبال لانه غير صالح للشرب. لقد حدث في كردستان فضيحة في التسعينات حين كشف ان القوميين الكرد جلبوا شاي من روسيا ومن منطقة تشيرنوبل الملوثة بالاشعاع النووي. تم استيراد الشاي من تلك المنطقة الملوثة باليورانيوم وتم اكتشاف الشحنة على الحدود التركية بعد فحصها وتم قياس نسبة الاشعاع بها وتبين انها ملوثة نوويا. هكذا يفعلون اي شئ في سبيل مراكمة الارباح في جيوبهم. الجميع يمارس الغش، كانتهاء مدة صلاحية المنتج او بقاءه في المخازن فترة طويلة ما يتسبب في تفشي الامراض ومنها امراض الضغط والقلب واسبابه مثلا تشبع الدهون المستورة بالدهون الخطرة وغير الصالحة للاستهلاك وتسبب امراض القلب والشرايين وارتفاع الكولسترول.

ان من يظن ان تغيير الوجوه سيحل مشكلة هذه الدولة وانهاء اعمال النهب والسرقة يكون مخطئا. فان هذه المجاميع لن تقدر على معالجة الامر ولو بتغيير الوزراء مرات ومرات ان البرجوازية عاجزة عن حل اوضاع المجتمع. فقط بامكان الطبقة العاملة و الأشتراكيين حل الأوضاع عن طريق بديلهم الأشتراكي اليوم، ان تغير الاوضاع لصالح رفاه الجماهير وتوفر لهم الحياة الكريمة والحرة والمتساوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟