الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متاهة الوطن البديل

جهاد الرنتيسي

2009 / 6 / 9
القضية الفلسطينية


فرصة اخرى لاعادة النظر في تجليات تكوين الخطاب السياسي المحلي توفرها اجتهادات مواجهة الدعوات الاسرائيلية المتجددة لخيار الوطن البديل .

فالتباينات التي تكشف عن تعددية الرؤى ووجهات النظر لم تخل من لقاء بعض الوان الطيف السياسي الاردني عند نقاط معينة تعبر في مجملها عن نمطية التفكير الدائري الذي يدفع باتجاه تفجير ازمات موازية للازمة القائمة بدلا من توفير حلول لها .

القاسم المشترك الابرز بين الوان طيف الخطاب الذي تستخدمه بعض الاوساط السياسية المؤثرة يتمثل في النزوع المستتر لاعادة انتاج شعارات ووصفات لم تعد صالحة للاستهلاك .

ولا يخلو امر بعض النخب من رغبة في الاستمرار بخطاب يغازل شارع سياسي لم يخرج بعد من دائرة التفكير بردات الفعل .

كما وجد اخرون فرصتهم لتنفيس احتقاناتهم بتحميل المسؤولية لاطراف لا علاقة لها من قريب او بعيد بفكرة الوطن البديل التي تقف وراءها حكومة اليمين الاسرائيلي .

واظهر البعض غيابا لافتا للنظر عن قراءة مشهد دولي محكوم بحركة دائمة لا تعرف التوقف .

الا ان حالة اللاتوازن وسقوط الاقنعة الايديولوجية كانت الافراز الاخطر للجدل الدائر حول فكرة الوطن البديل .

استحضار معاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية التي اشبعت شتما منذ توقيعها يكشف عن خلل في بعض مرتكزات خطاب مواجهة مشروع النائب الليكودي ارييه الداد المتدحرج ككرة الثلج .

فقد جرت العادة على التعامل مع معاهدة السلام باعتبارها مكسبا اسرائيليا خالصا لم يستفد منه الاردن .

وللتدليل على هذه الفكرة جرت العادة الى الاشارة لبعض الظواهر ، مثل عدم الحصول على الحصة الاردنية من المياه ، وغزو البضائع الاسرائيلية للاردن ، وجدوى المناطق الصناعية المؤهلة ، وغموض مصير اللاجئين الفلسطينيين .

كما بقي ارث العداء الشعبي الاردني لاسرائيل حاضرا على الدوام في الخطاب السياسي المناهض لمعاهدة السلام .

وفي هذه الحجج ما يظهر حيوية المجتمع الاردني ، وقلقه المبني على وعيه بمراحل تطور المشروع الصهيوني في فلسطين التاريخية ، ونظرة نقدية للتطورات السياسية .

الا ان الدعوة الى الغاء المعاهدة بعد التصويت على مشروع الوطن البديل في الكنيست تحتاج الى بعض التريث .

ففي معاهدة السلام عناصر قوة يحتاجها الاردن في مواجهته المقبلة مع حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف .

احدى هذه العناصر ، التي يجري تجاهلها عن عمد ، الاعتراف الاسرائيلي الموثق بحدود الاردن وكينونته السياسية .

وكان بامكان القوى السياسية التي تدعي تمثيل الشارع والتعبير عن الاغلبية الصامتة ادراك هذه المسألة لو ابتعدت عن منطق المزايدة الذي لا تترتب عليه اية مسؤولية .

في موازاة الخطاب الصدامي مع مشروع الداد ـ ومن ضمنه الدعوات لالغاء المعاهدة ـ ظهر خطاب ينسجم الى حد كبير مع الحيل الحمائية التي تستخدمها النعامة عندما تدفن رأسها في الرمال .

اصحاب هذا الخطاب عملوا على التقليل من اهمية طرح مشروع الوطن البديل والتصويت عليه في الكنيست .

وشارك مسؤولون حكوميون واحزاب وصحف في هذه الحملة التي ضلت طريقها بتعاملها مع تصويت الكنيست باعتباره هلوسات يمينية رغم وقوف قيادات من خارج اليمين التقليدي الاسرائيلي الى جانب المشروع .

وكان بامكان الذين وصلوا الى هذه النتيجة تجاوز المطب الذي وقعوا فيه لو قراوا تفاعلات المشهد السياسي الاسرائيلي بشئ من العناية .

فاليمين الاسرائيلي الذي اوصله شارعه الى الكنيست بقوة اهلته لتشكيل الحكومة يبني سياساته على الغاء خيار الدولتين الامر الذي لاتخفيه الاقطاب الحكومية الاسرائيلية ويتجسد على ارض الواقع في مصادرة اراضي الضفة الغربية وتوسيع المستعمرات .

كما يتفق اليمين واليسار في اسرائيل على رفض قيام دولة ثنائية القومية تتيح للفلسطينيين حقوقهم كمواطنين فوق ارضهم .

واستنادا الى طرح يهودية الدولة تعمل الحكومة الاسرائيلية على التخلص من فلسطينيي الـ 48 الذين حافظوا على بقائهم فوق ارضهم رغم صعوبة ظروفهم الحياتية .

مثل هذه المقدمات السياسية تقود الى نتيجة واحدة وهي بحث الجانب الاسرائيلي عن مخرج سياسي يتيح الافلات من اي ضغط اميركي حقيقي لتحريك عملية السلام في المنطقة .

وبالتالي ياخذ مشروع الداد المتجذر في التفكير السياسي الاسرائيلي طابع عملية الاستكشاف التي تسبق الهجوم .

بعض الاصوات التي حددت خياراتها سلفا وجدت في مشروع الداد فرصتها لتجديد دعوات الخروج من محور الاعتدال الى محور الممانعة التي اطلقتها في وقت سابق واظهرت التجربة استحالة تحقيقها .

وتأخذ استحالة تحول هذه الرغبة الى واقع عدة اشكال تتعلق بتركيبة النظام السياسي ، ورؤيته ، وطريقة تفكيره ، وادارته للازمات ، وتحالفاته التاريخية ، وطبيعة الخارطة الاقليمية ، والتوازنات الكونية .

فقد اختار النظام السياسي الاردني منذ بدايات تكوينه علاقة تصالحية مع مختلف فئات وقوى الشعب ، ولم تتغير هذه العلاقة على امتداد العقود الماضية ، وان شابها بعض التوتر ، وخروج عن القاعدة بين الحين والاخر بفعل تقلبات المناخات الاقليمية .

هذه الطبيعة التصالحية يصعب تعايشها مع منظومة تحالفات يغلب عليها الطابع الامني كما هو حال علاقات محور الممانعة .

و يعني الانضمام الى مثل هذا المحور ـ من بين ما يعنيه ـ التحول الى رقم جديد بين انظمة وقوى المنطقة الدائرة في الفلك الايراني .

فالمعروف عن ايران الغاءها اية خصوصية للدائرين في فلكها وهناك امثلة كثيرة على ذلك بدءا من سوريا وانتهاء بحماس وحزب الله .

كما اعتادت دمشق على التعامل مع مكونات شركاء الهوية الشامية ـ الاردن وفلسطين ولبنان ـ باعتبارهم اوراق يمكن الاستقواء بها .

وبالتالي لن يكون الاردن في حال دخوله في مثل هذا المحور اكثر استقلالية من حزب الله اللبناني في المنظور الايراني وورقة يساوم بها النظام السوري في مفاوضاته المقبلة مع اسرائيل .

من جانب اخر سيجد الاردن نفسه في حال الانضمام الى مثل هذا المحور خاضعا لمعادلة العلاقة بين ما يسمى بدول الممانعة والمجتمع الدولي وهي معادلة معقدة يصعب التعاطي معها .

بعض خطاب الازمة اخذ منحى توزيع الاتهامات المجانية في جميع الاتجاهات ودون اية اسس منطقية او روادع اخلاقية .

ونتيجة لحسابات المتساقطين من تيارات يسارية وقومية ودينية ، والتئامهم في تحالفات غير متجانسة ، لا توجد لها ارضية مشتركة ، سوى الشعور بفقدان الدور ، والبحث عن موقع في خارطة الجدل الدائر حول الازمة ، لم تسلم مؤسسة الحكم الاردنية ، ورئاسة السلطة الفلسطينية من هذه الاتهامات ، رغم انهما المعني الاول بمواجهة المشروع المتصادم مع مشروعيهما .

السقوط المدوي لاصحاب هذا الخطاب البائس والمنطق المثير للريبة لم يقف عند هذا الحد.

فالعلم والمنطق يتفقان على استحالة انتهاء فعل السقوط عند النقطة التي بدأ منها مهما اختلفت المسافات بين البدايات والنهايات .

ومن مظاهر السقوط الذي يغلفه صخب الشعارات اندفاع المبتلين به لافقاد الشعب الاردني تماسكه عبر دعوات لعمليات فرز جديدة تقلل من مناعة المجتمع وقدرته على مواجهة مشاريع اليمين الاسرائيلي وتدخله الى اجواء من التناحر توفر غطاء نموذجيا لتنفيذ طرح الداد الذي حظي بتأييد اغلبية اصوات اعضاء الكنيست .

في ظل محدودية الخيارات الناجمة عن اختلال الموازين الاقليمية والدولية يسجل للموقف الرسمي الاردني تقدمه على رؤى النخب الغارقة في ازماتها والعاجزة عن تحديد اولوياتها واتجاهات بوصلتها وقراءة المعادلات الكونية وعناصر القوة والضعف .

ويتمثل هذا الموقف ـ كما هو واضح من خلال التعامل الرسمي مع الازمة والتسريبات المصاحبة له ـ في التعاطي مع معاهدة السلام باعتبارها منجزا اردنيا ينطوي على اعتراف اسرائيلي بالكيانية الاردنية والبناء عليها لحشر اليمين الاسرائيلي في الزاوية واظهاره بصورة الحالة المارقة والمتمردة على المعاهدات والالتزامات الدولية .

فالتخلي عن المعاهدة يعني من بين ما يعنيه اظهار الاردن بصورة الدولة المتنصلة من المعاهدات والمتنكرة للسلام وبالتالي اهداء اليمين الاسرائيلي سلاحا جديدا يواجهنا به .

والازمات لا تواجه بهوج تعبر عنه التصريحات العنترية والشعارات الفارغة و اتهامات لا اساس لها وخلق البلبلة في الشارع ، ومواجهة طرح اليمين الاسرائيلي بحاجة الى تماسك مجتمعي وتصليب الجبهة الداخلية بدلا من توتيرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنظر تعليقي السابق
إبراهيم الشاهد ( 2009 / 6 / 9 - 12:33 )
أتظر تعليقي على مقال خالد الكساسبة /قضية الوطن البديل تتفاعل لتتلمس المشاعر الحقيقية والطموحات الوطنية /النفسية غير المزيفة لأبناء الأرض المحتلة وأريحونا من ترف السجالات غير المجدية!! أنصح بالكتابة عن الدولة االفلسطينية المأمولة وشروط استمرارها و طبيعة علاقتها بجيرانها وما هي سماتها وكيف سيكون نظامها البرلماني والديمقراطي وهل ستبنى مؤسساتها على أسس ديمقراطيةا أم أنها ستجنح الى القبلية والعشائرية والتطرف من جديد...االخ

اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة