الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب اوباما في موازنة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني !

احمد سعد

2009 / 6 / 9
القضية الفلسطينية


لم يساورنا شك ان الرئيس الامريكي باراك حسين اوباما في خطابه الذي قدمه في جامعة القاهرة المصرية يوم الخميس الرابع من شهر حزيران الحالي، سيكرس حيزا هاما منه لقضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني - العربي وفي اطار مركزية هذه القضية في "خدمة" المصالحة الامريكية مع العالمين الاسلامي والعربي وفق الرؤية الاستراتيجية للادارة الامريكية الجديدة. هذا من ناحية، ومن الناحية الاخرى لم يساورنا الشك ايضا ان الرئيس اوباما لا يحمل معه في اطار اجندة خطاب المصالحة برنامج حل لقضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني محدد بتفاصيل الموقف من القضايا الجوهرية للخروج من دوامة هذا الصراع ولا محدد بجدولة زمنية لانهاء هذا الصراع والتوصل الى تسوية سياسية توقف نزيف دم الصراع وتبني قواعد السلام والتعايش والامن والاستقرار في المنطقة. وقد اكد هذه الحقيقة اوباما نفسه في لقاء مع مجموعة من الصحفيين مباشرة بعد انهاء خطابه في جامعة القاهرة. ففي رد على سؤال وجهه مراسل وكالة "وفا" الفلسطينية (انظر يديعوت احرونوت 5/6/2009) حول متى يكون حل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني اجاب اوباما "ان ذلك يحتاج الى وقت، فنتنياهو يزاول مسؤوليته منذ شهرين فقط. قبل ايام قليلة التقيت مع الرئيس عباس، ولكنني لم التق بعد بجميع زعماء المنطقة. انا ادرك ان الموضوع صعب للجميع، صعب ايضا من ناحية سياسية، ولكنني وعدت في الحملة الانتخابية ان ابدأ بمعالجة هذا الموضوع حالا، وهذا ما عملت به، ولكننا لا نستطيع املاء حل، ربما اننا بتدخلنا الاقل من ناحية الحساسية نستطيع الاقناع لماذا الحل مهم. لن اتطرق الى جدول زمني، للمفاوضات في الشرق الاوسط لها وتيرة خاصة بها، وعندما يحدث شيء ما فالجميع يعلم، ما اريده هو ان يكون شعور بالتقدم"!! وقد انعكس هذا الموقف عندما تناول في خطابه قضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. فبرأينا ان خطاب اوباما في القاهرة جرت صياغته وبلورته بصورة حكيمة توحي للمستمع ان هنالك تغييرا في توجه الادارة الامريكية لمعالجة القضايا والمشاكل المتوترة والحارقة ان كان في الشرق الاوسط او في غيره من المناطق الجغراسياسية. تغيير في التوجه والاداء التكتيكي ولكن بهدف خدمة المصالح الاستراتيجية للامبريالية الامريكية سياسيا واقتصاديا، كونيا وفي الشرق الاوسط فتحت مظلة التغيير برزت لهجة ونغمة جديدة في الخطاب تختلف عن لهجة ونغمة المواقف الممارسة لادارة بوش السابقة، عن لهجة الاملاء والغطرسة والتهديد بقوة العضلات العسكرية للامبريالية الامريكية وبالبلطجة العربيدة لحل القضايا على الساحة الدولية. الاستعاضة عن هذه اللهجة بنغمات اقرب ما تكون الى الوعظات الدينية، الى الايحاء باحترام حقوق ومواقف جميع الاطراف المتنازعة في بذل المساعي لحل القضايا بالتفاوض والحوار سياسيا وبالاقناع وليس بقوة المدافع والدبابات والطائرات، نهج لا يخرج عن اطار خدمة استراتيجية المصالح الامريكية بالهيمنة كونيا، والعمل لتحقيق الاهداف الاستراتيجية التي فشلت ادارة بوش في انجازها بقوة الحروب والاحتلالات العدوانية و"الحرب الكونية ضد الارهاب". وهذا ما يبرز من موقف اوباما عن الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني.



* هل موقف اوباما في الخطاب متوازن؟من تابع خطاب اوباما عبر شاشات التلفزيون او قرأ نص خطابه المنشور في الصحف المقروءة يلاحظ انه في قضية التوجه وتحديد الموقف من قضايا الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني الحساسة حاول وعمل الطاقم الذي شارك اوباما في صياغته ان يكون الخطاب متوازنا في الموقف من الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وليس منحازا بشكل صارخ كما كان ايام حكم بوش، ان يعكس الخطاب بعض ما يرضي وتحب ان تسمعه الاذن الفلسطينية والاذن الاسرائيلية، ولكن مع بقاء الباب مفتوحا بالنسبة لهوية الحل الدائم في آخر النفق المظلم المخضب بدماء الضحايا الفلسطينيين، فمن الناحية الحسابية الميكانيكية كان اوباما منصفا في الموازنة، فعدد الفقرات التي تطرق اليها لارضاء الاذن العربية والفلسطينية والاسلامية كان مساويا لعدد الفقرات التي ترضي الطرف الاسرائيلي، كما ان الاستشهاد بمدلولات عدد من الآيات القرآنية الكريمة كان يتبعها ترجمات لمقولات وردت في "التلمود" والتوراة. ولكن شتان ما بين المقياس الميكانيكي وبين المقياس النوعي الذي يجسد حقيقة وجوهر الموقف الايديولوجي والسياسي والطبقي، فعلى ماذا ركز اوباما في هذا السياق؟
ففي الموقف من القضية الوطنية الفلسطينية لا يمكن رؤية التغيير الطفيف ولكن الهام في الموقف الامريكي، ولكن دون المبالغة باعطاء هذا التغيير قيمة اكبر من وزنه، ففي الخطاب اكد اوباما "لا يمكن التنكر لحقيقة ان ابناء الشعب العربي الفلسطيني يعانون في تطلعاتهم الى الوطن. امريكا لن تدير ظهرها لهذه التطلعات للاحترام وللمساواة ولدولة لهم، الحل الوحيد هو حل الدولتين، حيث يعيش الاسرائيليون والفلسطينيون فيهما بسلام وامن". موقف هام ولكنه غير كاف لانه لا يعكس حقيقة الموقف الامريكي من مختلف ثوابت الحقوق الشرعية الوطنية الفلسطينية مثل الحدود الجغرافية وحدود الصلاحيات السياسية للدولة الفلسطينية المرتقبة ولا الموقف من السيادة السياسية على القدس الشرقية المحتلة ولا الموقف من حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وفي الموقف من الاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي في المناطق المحتلة اكد اوباما "ان الولايات المتحدة الامريكية لا تعترف بشرعية المستوطنات الاسرائيلية. هذا البناء يخرق الاتفاقات السابقة ويعرقل الجهود المبذولة لانجاز السلام، حان الوقت لوقف الاستيطان، على اسرائيل تنفيذ التزاماتها". هذا الموقف هام اذ انه يؤكد عدم شرعية الاستيطان والمستوطنات ويطالب بوقف جميع اشكال الاستيطان، كما انه من ناحية ثانية يؤكد ان الاستيطان الاحتلالي وليس "الارهاب الفلسطيني" هو من يعرقل التقدم في العملية السياسية، وما ينقص هذا الموقف انه على الادارة الامريكية الجديدة التي تدير ظهرها لتفاهمات وتعهدات بوش لشارون بضم كتل الاستيطان لاسرائيل، على هذه الادارة ان ترفق اعترافها بعدم شرعية المستوطنات بأهمية اخلاء هذه المستوطنات وكنس الاراضي المحتلة من دنس المحتلين.
ومن المواقف الايجابية في خطاب اوباما انه اعترف بشرعية حركة حماس كأحد الفصائل الفلسطينية ولكنه اشترط لمشاركة حماس في العملية السياسية ان تتخلى عن نهج العنف وتعترف بشروط الرباعية الثلاثة – وقف العنف واحترام الاتفاقات السابقة والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود. وهذا الموقف بحاجة الى تقويم لأنه يتجاهل حقيقة ان المجرم الاساسي والارهابي الاساسي هو الاحتلال وممارسته، وان مقاومة الاحتلال حق شرعي لكل شعب ضد عملية، ولكن المقاومة ليست مغامرة، والعنوان للتفاوض هو م.ت.ف، التي على مختلف الفصائل والقيادات الفلسطينية الاحترام بمواقف وباتفاقات الممثل الشرعي والوحيد م.ت.ف والمشكلة الاساسية ان من لا يعترف بحقوق الغير الشرعية والوطنية هي اسرائيل التي تتنكر لحق اقامة الدولة الفلسطينية وللقدس الشرقية عاصمتها ولحق العودة حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار 194.
مهم تأكيد اوباما في خطابه على ان تكون القدس مفتوحة لحرية العبادة لجميع الاديان، ولكن قضية القدس الشرقية قضية سياسية تستدعي حلا سياسيا بانهاء الاحتلال الاسرائيلي لها لتكون العاصمة السياسية والاقليمية للدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة.
ان اوباما بخطابه المذكور لم يخف حقيقة العلاقة الاستراتيجية الحميمة والمميزة التي تربط بين الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وحرص ادارته على صيانة هذه العلاقة، فقد اكد في خطابه "ان العلاقة الوثيقة لامريكا مع اسرائيل معروفة، وهي مبنية على علاقات ثقافية وتاريخية وعلى الاعتراف بالتطلع لوطن يهودي مبني على تاريخ مأساوي لا يمكن انكاره"! ان المشكلة يا اوباما ان من يهدد بوجود الآخر ليس العرب او الفلسطينيين بل هي اسرائيل التي تحتل المناطق الفلسطينية والسورية وتتنكر لحق اقامة دولة فلسطينية، ومصر والاردن تقيمان علاقات دبلوماسية واقتصادية مع اسرائيل. واوباما اكد في خطابه على حل الدولتين، وعلى ان من الاهمية بمكان وقف جميع اشكال الاستيطان والتخفيف عن معاناة الفلسطينيين في الضفة والقطاع بازالة الحصار الاسرائيلي والحواجز، والمقارنة بين معاناة السود من زنوج امريكا ضد جرائسم التفرقة العنصرية وبين معاناة الشعب الفلسطيني، وغير ذلك. فجميع هذه المواقف تندرج في اطار خدمة الهدف الاستراتيجي المركزي الذي تتوخاه ادارة اوباما من وراء هذا الخطاب ومن المصالحة الامريكية مع الانظمة والبلدان العربية والاسلامية، هدف اقامة وبلورة تحالف واسع على قاعدة تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية بين الانظمة العربية والاسلامية "المعتدلة" واسرائيل في اطار "سلام امريكي" تقوده واشنطن لمواجهة وكبح جماح النفوذ الايراني ومواجهة اية هزات او زلازل تهدد انظمة الدواجن الامريكية وتخطط لانطلاقه في خدمة المصالح الحقيقية لشعوبها وبلدانها.



* هل يستخلص شعبنا وقادته العبرة الصحيحة؟ان تأكيد اوباما في خطابه على حق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ووقف الاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي لم يأت من فراغ. وقد جاء على خلفية الصمود الاسطوري للشعب العربي الفلسطيني الذي قدم اغلى التضحيات التي تفوق طاقات البشر في مواجهة مجازر وجرائم العدوانية الاسرائيلية والاحتلال الاسرائيلي، واثبت للعالم اجمع ان شعبنا يناضل من اجل تحرره القومي الوطني ومستعد للتضحية والمقاومة لا يهزم حتى لو استخدم المجرم كل الترسانة العسكرية العالمية الفتاكة. اثبت للعالم اجمع ان الحسم العسكري الذي لجأ اليه المحتل الاسرائيلي باستخدام احدث منجزات الصناعة العسكرية الامريكية عن اسلحة القتل الجماعي والتدميري للبشر ومواطن سكناهم قد فشل في كسر شوكة الشعب العربي الفلسطيني او ثنيه عن طريقه الكفاحي من اجل التحرر والاستقلال الوطني، فبطولة هذا الشعب دفاعا عن حقوقه الوطنية الشرعية وانفضاح الوجه الاجرامي للوحش العدواني الاسرائيلي قد اوجد مناخا دوليا وظروفا دولية مهيأة لنصرة الحق الفلسطيني الوطني الشرعي، وانه لا مفر من اقامة دولة فلسطينية مستقلة لاخماد انفاس بؤرة الصراع الاساسية في المنطقة. ولكن وللاسف الشديد، فان الوضع المأساوي القائم على الساحة الفلسطينية، الانقسام الكارثي الوطني والاقليمي بين الفصائل وخاصة بين فتح وحماس، بين الضفة والقطاع، وفي وقت تتطلب فيه المصلحة الوطنية واكثر من أي وقت مضى رص الوحدة الوطنية الكفاحية، في هذا الوقت وللاسف لا ترتفع المسؤولية الوطنية الى مستوى مواجهة المتطلبات الضرورية للتحديات السياسية المطروحة المتعلقة بمصير الشعب الفلسطيني، خاصة بعد خطاب اوباما.
ونحن الجزء الباقي والاصيل من شعبنا العربي الفلسطيني في ارض الوطن يقلقنا ما يجري على الساحة الفلسطينية من صراعات لا يستفيد من ورائها سوى المحتل الاسرائيلي واعداء الحقوق الوطنية الفلسطينية. ونحن انصار الحق الشرعي لشعبنا بالتحرر والدولة والقدس والعودة، انصار ومتحزبون لوحدة الصف الكفاحية لشعبنا المتمسكة بثوابت الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف، ولقيادة هذا الشعب م.ت.ف الممثل الوحيد والشرعي لشعبنا. احداث قلقيلية الدموية وسقوط الضحايا على ساحة الصراع الفلسطيني – الفلسطيني لا تخدم المصلحة الوطنية لشعبنا، خاصة وان المحتل الاسرائيلي يراهن على الانقسام الحاصل لتبرير تنكره ومعارضته لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. فالوضع الراهن، ولخدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية في التحرر والاستقلال الوطني، يستدعي انجاح الحوار الفلسطيني – الفلسطيني لتجاوز الانقسام واعادة اللحمة الوطنية والاقليمية الى الشعب الفلسطيني وقيادته والى الوطن المحتل في الضفة والقطاع، حوار يقود الى اقامة حكومة وفاق وطني والى تعزيز دور ومكانة م.ت.ف. فحذار يا كل اهلنا وتياراته السياسية من تحول الانفجار في قلقيلية الى لهيب نار كارثية لحرب اهلية مدمرة لن تكون ضحيتها سوى اغتيال ودفن الحق الفلسطيني بالدولة السيادية بأيد فلسطينية وبتهليل افراح الاعداء من مدرج المشاهدين في الملعب الجنائزي للاحتلال الاسرائيلي. على حماس ان تتراجع عن نهجها بممارسة دور البديل للسلطة الفلسطينية والمشاركة بشكل جدي لانجاح حوار اعادة لحمة الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية لانه لا بديل لهذه الوحدة في المعركة التحررية لانجاز الحق المشروع بالدولة والقدس والعودة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟