الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - التباس مفاهيم .. تباين امتيازات

رضا الظاهر

2009 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


أثار تصريح رئيس الوزراء، مؤخراً، حول نموذج الديمقراطية ونظام الحكم الملائم للعراق، الجدل، إذ أبدى رئيس الجمهورية رأيه المختلف، كما عبرت سائر القوى السياسية عن موقفها حيال هذه القضية. وإسهاماً في هذا الجدل من الهام أن نشير، ابتداءً، الى ظاهرة غياب الوضوح والتحديد في المفاهيم. فهناك من يستخدم تعبير "المحاصصة التوافقية"، وكأن الديمقراطية التوافقية هي سبب المأزق السياسي، ولابد، بالتالي، من التحول الى نظام رئاسي. وهناك من يخلط بين التوافق والمحاصصة الطائفية وكأنهما شيء واحد، فيهاجم مبدأ التوافق. وهناك من يرد عليه مدافعاً عن المباديء العامة في التوافق، لكنه يتجاهل العواقب الوخيمة للمحاصصة. ولا يفوتنا، في هذا السياق، أن نذكّر بأن الدستور نفسه خلط بين أكثر من نموذج لنظام الحكم.
ومن المعروف أن "السياسيين" سرعان ما لجأوا الى نموذج "الديمقراطية التوافقية" الذي رشحه "المحررون" اعتماداً على مفهوم يختزل الشعب العراقي الى مكونات الشيعة والسنة والأكراد، ويكرس نهج المحاصصات الطائفية والاثنية.
أما انتخابات 2005 فلم تكن، في الواقع، انتصاراً للديمقراطية، التي لا يمكن، بالطبع، اختزالها الى مجرد انتخابات و"آليات حكم"، بدلاً من كونها ثقافة ومؤسسات ومنهجاً وآليات، ذلك أن التصويت كان، في الغالب، على أساس الطائفة أو الاثنية، فانتصرت الديمقراطية التوافقية على الديمقراطية الانتخابية، وتراجع مشروع الدولة لصالح مشروع السلطة الذي ارتبط بترسيخ "التسييس"، وتعمق المأزق الاجتماعي والسياسي، وشيوع الفساد المالي والاداري، وتفاقم معاناة الملايين على مختلف الصعد.
وعلى أية حال فليس مجانبة للحقيقة القول إن وراء المنطلقات المتباينة عند الأطراف المختلفة في هذا الجدل دوافع سياسية معروفة، على الرغم من محاولة تغليفها بطابع وطني. والمسألة، في جوهرها، مرتبطة بامتيازات القوى السياسية ذات المصالح المتباينة، وبالصراع الاجتماعي على طبيعة الدولة ووجهة التطور.
والحق إن هناك حاجة لتوافق وطني بين القوى السياسية يُرسى على أساس مشروع وطني وديمقراطي في الجوهر، يأخذ بالحسبان الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، وليس تحويل التوافق الى محاصصة تلغي المواطنة، وهي أساس بناء الدولة المدنية الحديثة.
والتوافق الوطني الذي نعنيه، وهو حاجة آنية فعلية لها بديلها بعد ترسخ التقاليد الديمقراطية، يجد تعبيره، سياسياً، بين كتل وأحزاب واتجاهات فكرية وبرامج مختلفة، وهي مسألة مشروعة تماماً، وتتجلى في تشكيل ائتلافات سياسية سواء في الحكم أو المعارضة. وهذا التوافق الوطني، الذي لا يمنع استمرار التناقضات والصراع والتباين في الرؤى، مختلف، جوهرياً، عن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي سعت النخب السياسية المتنفذة الى تكريسه تحت غطاء "التوافق" أو "الديمقراطية التوافقية" لحماية مكاسبها وامتيازاتها منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الآن.
ومن المثير للأسى أننا نشهد تسييساً للقضية مما يعني، عملياً، الدفع باتجاه الالتفاف على المسألة الأساسية المتمثلة في التخلص، مرة والى الأبد، من نظام المحاصصة، والتوجه لارساء دعائم الدولة المدنية الحديثة، التي يتغنى الجميع بفضائلها.
ولا ريب أن القضية ليست في فتح نقاش عقيم حول أفضليات أي من النظامين: الرئاسي أم البرلماني هو الملائم لبلادنا في المرحلة الراهنة. القضية الأساسية تتمثل في أنه اذا ما كان هناك إجماع أو "توافق" على أن العلة تكمن في نظام المحاصصة، فيجب الشروع باتخاذ إجراءات وخطوات فعلية تمهد للتخلص من هذا النظام دون الحاجة الى انتظار انتخابات كانون الثاني المقبل.
أما ما يصدر من تصريحات غريبة، وآخرها تصريح خطيب جمعة النجف صدر الدين القبانجي، الداعي الى تكريس الطائفية السياسية مجدداً تحت غطاء حكم الأكثرية "المذهبية"، فنصيبه ما تجلى من استهجان واسع لهذا الخطاب من جانب الرأي العام، ونفور وسخط على ما جلبته سياسات المحاصصات الطائفية من ويلات للشعب والبلاد. ومما له دلالة بهذا الشأن الموقف المتسم بالواقعية الذي أعلنته مرجعية السيد السيستاني، وتأكيدها على ضرورة التمسك بمبدأ الأغلبية السياسية ونبذ الدعوات الى أغلبية طائفية.
* * *
من دون التخلي عن المحاصصة يبدو أن الجدل بشأن "التوافق" و"الديمقراطية" سيكون محاولة مفتعلة من طرفي الجدل لصرف الأنظار عن الأزمات القائمة التي تعاني منها البلاد. والحق إنه اذا ما كانت هناك رغبة صادقة في التخلص من سموم الطائفية لابد، أولاً، من الاستفادة من فرصة تعديل الدستور ومراجعته بتخليصه من كل جوانب الالتباس والغموض التي يمكن أن تسمح باستمرار نظام المحاصصة. ويجب، ثانياً، أن تتوصل النخب ذات النفوذ في السلطتين التشريعية والتنفيذية (بشقيها: هيئة الرئاسة ومجلس الوزراء) الى إجماع على هذه الوجهة تعلنه وتلتزم به أمام الشعب.
ويتعين، في هذا السياق، التذكير بأن هذا الجدل يكشف، من ناحية أخرى، عن مأزق النخب الحاكمة وأحزابها في مواجهة تحدي إعادة بناء الدولة العراقية على أسس ديمقراطية حديثة، وهو مأزق لا يمكن حله إلا عبر مفاهيم ومنطلقات واقعية بشأن موضوعة الدولة ومشروعية الحكم.
أما بالنسبة للقوى الديمقراطية فهذه فرصة لتقديمها مشروعها البديل في مواجهة رؤى ومشاريع ما كادت ترى النور حتى بدأت تتهاوى أمام حقائق الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: -عرقلة- تزكيات عشرة مرشحين للرئاسيات؟ • فرانس 24


.. الجزائر: العثور على شخص محتجز لدى جاره بعد 26 سنة من اختفائه




.. تونس: أنصار الرئيس قيس سعيّد يقررون التظاهر الأحد رفضا للتدخ


.. تونس: القضاء يأمر بإيداع معلق سياسي ومقدم تلفزيوني السجن




.. تونس: انتقادات أمريكية لموجة التوقيفات الأخيرة