الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون سوري جديد للأحوال الشخصية يثير استنكارات

سعيد لحدو

2009 / 6 / 10
دراسات وابحاث قانونية


بعد سنتين من الدراسات والإعداد بصمت، وبعيداً عن أعين الإعلام، أكملت اللجنة الحكومية التي كان قد كلفها رئيس الوزراء السوري دراساتها وأعلنت مؤخراً مسودة القانون الجديد للأحوال الشخصية الذي كلفت بإعداده. وقد أثار هذا القانون الجديد فور الإعلان عنه موجة عارمة من السخط والاستنكار، وبخاصة في الأوساط المسيحية وبعض نشطاء حقوق الإنسان والمرأة.
واعتُبرَ مشروع القانون الجديد انتكاسة عما كان معمولاً به من قوانين في سورية منذ الخمسينات. تلك القوانين التي أتاحت مجالاً معقولاً من الحرية للطوائف المسيحية في تقرير أحكام الأحوال الشخصية لرعاياها بما لا يتناقض مع معتقدات الكنيسة في مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وما شابه. والأكثر مفاجأة وغرابة أنه أتاح للمسيحي الزواج بإمرأة ثانية (المادة 639). في الوقت الذي نزع يد الكنيسة قانونياً في إقرار أية واقعة من هذا النوع، وأعطى هذا الحق لموظف يعينه وزير العدل.
تناقض مع أحكام الدستور
من جهة أخرى فإن الدستور السوري ينص في المادة 25 في الفقرة 3 منه على أن جميع المواطنين السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. وفي المادة 35 منه يؤكد على أن حرية الاعتقاد مصونة للجميع وتكفلها الدولة بما ينسجم مع العهود والمواثيق الدولية. لكن القانون الجديد تضمن بعض النصوص التي تتناقض مع نصوص الدستور السوري تلك.
وفوق ذلك تعتبر تراجعاً عما تضمنه القانون المعمول به حالياً والذي يعود إلى العام 1953. هذا التناقض يتجلى بصورة أساسية في مجالات التمييز بين المواطنين من حيث الدين والجنس. إذ أشير إلى المسيحي في بعض نصوصه بكلمة (ذمي) كما في المادة 38 منه في حين أن استعمال هذه الكلمة يعود إلى العصور الوسطى ولم يرد لها أي ذكر في أي نص قانوني سوري سابق. إضافة إلى أنها امتهان وتمييز للمواطنة على أساس ديني، وانتقاص في الحقوق كما في مسألة الشهادة. مما يتناقض تناقضاً صارخاً مع نصوص دستورية واضحة.
والمرأة لها أيضاً نصيب
ولقد كان للمرأة نصيبها المؤلم في بعض مواد مسودة هذا القانون الجديد التي انتقصت من حقوقها كمواطنة أولاً وكإمرأة ثانياً. فقد ميز القانون الجديد بين حقوق المرأة المسلمة وغير المسلمة في مسألة إثبات الزواج والطلاق والعدة التي فرضها على المرأة المسيحية بمدة سنة في حين بقيت للمرأة المسلمة أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام. وكأن فترة الحمل للمرأة المسيحية أطول بثلاثة أضعاف المدة مما هي لدى أختها المسلمة !!! من جهة أخرى أتاح هذا القانون في المادة 44 منه تزويج الفتاة القاصر في عمر الثالثة عشرة والفتى في الخامسة عشرة من قبل القاضي. وهذا يتنافى في الوقت ذاته مع مضمون المادة 82 اللاحقة التي تمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة، ويتم الفتى السابعة عشرة من العمر في وقت التوثيق!!!
إضافة إلى كل هذا، فقد نص القانون على حالات تمييز مخجلة أخرى على أساس ديني حين عالج قضية التحول إلى الإسلام من الأديان الأخرى في المادة 325 بترجيح حقوق المسلم في مسألة حضانة الأولاد واختيارهم لدينهم وتثبيت الزواج قانوناً، وغيرها من الأمور. في الوقت ذاته لم تشر أية مادة إلى الحالة الأخرى المعاكسة. مما يعني ضمناً رفض تحول أي مسلم أو مسلمة إلى أي دين آخر والذي يعتبر في هذه الحالة ارتداداً عن الإسلام. وهذا أمر لا يعترف به القانون السوري رسمياً.
ارتداد أم عصرنة؟
من الملفت للنظر أن مشروع القانون هذا يأتي في وقت تسعى فيه معظم دول العالم إلى تحديث قوانينها بما ينسجم مع روح العصر وقيم الحضارة الإنسانية التي تعتمد مبادئ الحرية والمساواة والعدالة ورفض التمييز بكل أشكاله ومبرراته، وبناء دول متحضرة تقوم على المواطنة واحترام حقوق الإنسان في المقام الأول. ولقد كان لسورية في أواسط الخمسينات من القرن الماضي نهجاً متميزاً ومدعاة للفخر في هذا المجال. وكان الأمل دائماً أن يتم تطوير وتحديث ذلك النهج وتلك القوانين وفق ماتتطلبه شروط بناء الدولة الحديثة المتمدنة، ووفق ما شرعته المواثيق الدولية في مجالات حقوق الإنسان والمواطن والمرأة والطفل. في هذا الوقت تأتي مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد في سورية وكأنها كتبت في ظل عقلية القرون الوسطى، أو بتأثير موجة قوى التطرف الإسلامي التي عادت بالمجتمعات الإسلامية عقوداً إلى الوراء.
إن منح الطوائف والأديان الأخرى الحرية في تقرير مايتعلق ببعض الأمور الشخصية لأتباعها هو أمر جيد. وقد يكون مفهوماً في ظروف مجتمعات مازالت على طريق التمدن والتطور. ولكن الأجود والأصلح لهذه المجتمعات هو اعتماد قانون علماني عصري واحد يطبق على جميع المواطنين وعلى قدم المساواة، دون أي تمييز أو تفضيل. أما الأمور العقائدية الأخرى فيمكن أن تترك لتعالج في إطار الحرية العامة والحرية الشخصية التي يجب أن يكفلهما ذلك القانون، ومرة أخرى دون أي تمييز أو تفضيل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الوراء سر
محمد دامس كيلاني ( 2009 / 6 / 10 - 16:47 )
هكذا هي الحال وستبقى على ماهي عليه هي كلمات اعتدنا سماعها وعلى المتضرر اللجوء الى نطح راسه بالجيط ولكن أن نسير الى الوراء قأين التحولات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟0
من أين ياتي المشرع بهذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟0
متى يكون المشرع مدركا تمام الادراك لما يطلب من المواطنين الالتزام به فيخرج من قصره العاجي ليغلم آهات و أمنيات المواطنين0

اخر الافلام

.. كلمة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في الجمعية ا


.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان




.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و


.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان




.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن