الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص اللاجئ ( ذاكرة الأنسان بين طيات هذا الزمن ) للروائي محمد الأسعد

توفيق الشيخ حسين

2009 / 6 / 10
الادب والفن


ان كل انسان تجري في دروب وجدانه ايقاعات الكون وتسبح في مسارب ضميره مظاهر الحياة واحداثها ، وتتلقى مشاعره واحاسيسه نغمات الطبيعة بحسب استعداده للتلقي ودرجة رهافته الطبيعية ، فكل ما يجري ويسبح في مسارب الضمير البشري وكل ما تتلقاه المشاعر والأحاسيس فهو – لا بد – مطبوع بنبض ذلك الضمير ، ومطبوع بلمسات تلك الأحاسيس ..

في لقاء مع القاص العراقي – عبدالرحمن مجيد الربيعي – لجريدة العلم المغربية قال الربيعي ..

( بامكان الروائي العربي الطموح ان يكتب رواية عظيمة ، لأن موروثنا في هذا المجال قليل ومحدود الأهمية قياسا الى ما انجزه روائيو العالم ) . .

لو كنا نقاد ادب لكانت أولى الخواص الأدبية التي تثير انتباهنا هي الجمال الفني .. وهذا يبدو جليا وواضحا من خلال الأسلوب وروعتها ونقاء النبرة الصوتية للكلمات .. ان من واجب الأدب العظيم ان يكون ممتعا وذا قيمة .. والأدب الذي لا يعطينا المتعة هو ادب ميت وسرعان ما يدفن بالأدب الأفضل .. يقول تشيخوف ( أفضل الكتاب هو الكاتب الواقعي الذي يكتب عن الحياة كما هي ، ولكن لأن الأحساس بالهدف يسري كالعصارة الخفيفة في كل سطر في ما يكتب ، فانك لا تشعر بالحياة كما هي فحسب , بل كذلك كما ينبغي أن تكون .. فيسحرك ذلك ) ..

ان ابرز صفات الأنسان القدرة على التعبير عن خلجات نفسه ، واّماله , ومخاوفه ، فأن كل فرد لديه الأستعداد ايضا لنقل تعبيرات الأخرين ، هذا التجاوب يعتبر دعامة أساسية في تكوين المجتمعات الأنسانية ، ونتيجة حتمية لهذه الصفات والغرائز والقدرات والأنفعالات والأحاسيس التي يتميز بها الأنسان ..

بين طيات هذا الزمن وذاك، معاناة لا تصفها الألسنة او الأقلام ، وألم لا تعرف مداه الا اذا نظرت الى وجوه اصحابها .. وقليل من الذكريات ان مرت على ذاكرة الأنسان فهي قاسية تعتصر لها القلوب ألما .. هكذا تبدأ الحكاية .. حكاية الموتى الذين ابتسموا عندما رحلوا هناك .. حكاية الزمن الذي تبعثر على جراحات الثكالى ، بعد ان جفت الدموع واصبح الوطن شظية ، يمكن ان تقتل كل العابرين في المكان الخطأ ، في الزمن الخطأ .. حكاية الغربة اللئيمة التي يمكن ان تشكل في داخلك ذاك الحنين المفقود .. فالوطن في غربة .. والغربة في الوطن .. لا سبيل الى ادراك الموت الا اذا جلست وحيدا تفكرفي تلك الخطى المسرعة بأتجاه الموت بلا ثمن ...

" نص اللاجئ " ( ذكريات القبيلة الضائعة ) للروائي الفلسطيني – محمد الأسعد –عمل يجسد فيه اللاجئ تشرده في المنافي وذكريات تحمل الأحداث والتأملات السوداء عن وطن يحمل صورة متكاملة عن الغربةوالنفي .. اننا امام عالم روائي يكشف لنا صورة الزيف العربي لما يعانيه اللاجئ الفلسطيني ..

الوطن نافذة حب ، وحكاية خبز أمي الساخن ، ووجه أبي الصبوح ، وحقولنا وكرومنا وبحارنا الصاخبة وجبالنا الشامخة .. لماذا اراد – الأسعد – ان يعيد كتابة تأريخ الوطن بهذا الشكل .. أهي مجرد ارضاء نزوة ، ام ليحّمل القارئ المتعة غير المتعبة .. الرواية تعطي للتأريخ من دروس وبصورة مباشرة رغم ما فيها من موضوعية علمية .. انه ينظم الأكتشافات الفكرية الكبيرة عبر المراحل الزمنية ..

" انهم قبيلة ضائعة بكل معنى الكلمة سقطت من السجلات الرسمية والذاكرة معا ، وتعرضت كما سنرى للمحو لسانيا وثقافيا وككائنات انسانية ، ومع ان مجموع الشعب الفلسطيني في اماكن اللجوء الاخرى سقط كتجربة انسانية ويتساقط من ذاكرة الثقافة الفلسطينية نفسها في تناسب عكسي مع ارتفاع او انخفاض مناورات القيادة السياسية " ..

قضية اللاجئين الفلسطينيين هي ليست قضية ارض بقدر ما هي قضية انسان .. الأنسان ذاكرة .. والذاكرة مجمل تأريخه .. أن تأريخ – الأسعد – يشير الى جديته ورغبته في دفع فن الرواية العربية الى اعلى مستوىممكن ومساو لمن مهدوا الطريق في انحاء العالم .. ما اصعب ان يقول الأنسان ما يفكر فيه في كل العصور .

لم يعد الكشف عن العالم الذي نعيشه كافيا .. ولم تعد كافية تعريته وفضحه والتعبير عن أزمته .. انه لا يقدم صورة الموجود وانما صورة الممكن , وما دام ممكنا رؤية الوجود على نحو مختلف فأن باب الأبداع يظل مفتوحا امام اعين المتلقين على احتمالات لا نهاية لها مما يثير فيهم الرغبة في اقتحامه بروح جديدة ..

يقول – هلدرن – " ان اللغة اشد المقنيات خطرا " فهي احدى الخصائص الكبرى للترابط الأنساني ولها القدرة على جعل الأنسان يقف موقف العلانية تجاه – الهم – بالمفهوم الهيدجري .. فالأنسان لا يعرف ما في اعماقه ولا تدرك افكاره الا في اللغة التي يستعملها .. فهذه اللغة وهذا الأنفتاح وهذه العلانية استطاع الأنسان ان يحدد وجوده في العالم .. فباتت جزءا من كينونته ولهذا تصبح عبارة هيدجر – انا ما اقول – لأن خطورة اللغة تكمن بهذا الأنفتاح وهذه العلانية ..

وثيقة السفر الفلسطينية هي لعنة يحملها اللاجئ الفلسطيني وتجلب له معها سوء المعاملة والأهانة والأحتقار وغير معترف بها .. انها وثيقة مشكوك في هوية حاملها في اي مكان يحل فيه ، انت شخص بلا جنسية .. - اي بلا وطن – هذه هي المعضلة التي يعانيها اللاجئ الفلسطيني .. العالم العربي يسمونك " وطنا " ولكني اسميك " منفى " فكل شئ في حياتنا اليومية يحدث كقدر ، كجبر ، يفرض علينا التسكع في الشوارع كمن حلت بهم اللعنة .. العالم العربي يقايض وجودنا باستغلالنا ، يبتزنا نفسيا .. يجعلنا نتذوق الموت ونرتشف كوؤس مترعة بالعدم . العالم العربي بكل اصواته ومناظره وروائحه متهم بالأعتداء على كل حواسنا .. في العالم

العربي قتلى .. موجودون في كل مكان وليس في اي مكان ... علينا ان ندرك ان الطريقة التي فكر بها الكاتب هو ما جعله يتحمل عبء الحياة الشاقة التي واجهته فقدم لنا نموذجا حقيقيا للمثال الأخلاقي في الفكر والفن ، حيث لا يمكن الفصل لحظة واحدة بين حياة المفكر والفنان وفكره او فنه .. لقد اغتيلت البسمة على شفاهنا، وفرحتنا مصلوبة بكل الشوارع على جدران الحقد .. من كان بعيدا عن الوطن يعيش على امل العودة .. الغربة وطن اّخر مع فارق الحنين .. فالأنسان المحكوم عليه بالموت قدريا لا يستطيع ان يتجدد من البداية

مرة اخرى ولكن في هذا العالم العدائي المشحون بفكرة الموت ، لا يفقد اصالته عبر غربته .. انه مثل النهر يستمد من غربته ، من مجراه قوة الطوفان .. انه يقهر الحياة ذات الأمتداد الزمني ، يا لها من رحلة شاقة مضنية , انطلق منها – الأسعد – في منعطفاتها وامضى عمرا طويلا في مشواره المجهول وتناول مرارةالغربة والنفي .. وأين نحن في تزاحم هذا الكون الجنوني ...

اخيرا .. كانت القضية حقا تثير عمق الأسى فقد قدم البعض باخلاص كلماتهم والبعض دمائهم وهكذا تتطور الحياة في وطننا وفي العالم أجمع .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب