الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التهرّب من مسؤولية النقد الذاتي

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 4 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


النقد هو شرط النهوض الحضاري ، وهو الآلة الفاعلة لتنقية الطريق أمام حركة المجتمعات والشعوب ، ولإزالة العقبات أمام المسار الإصلاحي ، ويبدو هذا الكلام تحصيل حاصل ، فلا أحد يختلف على أهمية النقد أو ضرورته ، والكل يتفق و يطالب به ويرغب في ممارسته ، فلماذا نكرر القول ؟ لأن هذه الرغبة النقدية تظل وقفية لكل جهة ضد الأخرى ، ولتمييز عيوب الآخر دون النظر إلى عيوب الذات .

السلطة تنظر لذاتها بنرجسية عالية فهي المالكة للحقيقة المطلقة ، وهي صاحبة الحق في كل الأمور أما المعارضة فهي مليئة بالأخطاء ومشكوك في ولائها للأرض ومطعون في مصداقيتها ، ولا مانع في النهاية من الإلتفاف عليها وتهميشها . والمعارضة بدورها تنظر لنفسها بذات النرجسية ، وتعتقد أنها الممثلة لرأي كل الناس بصفتها السياسية أو الدينية ، وتعتبر كل خارج عن إطارها مجروح الذمة والوطنية .

هذا على المستوى السياسي ، أما على المستوى الثقافي فيمكن الإشارة إلى كم هائل من المقولات التي يعتنقها كل فريق ويرى صحتها ويرفض أي مساس بها ، بينما يسمح لنفسه أن ينتقد مقولات الآخرين ويستبيح مسلماتهم دون تحفظ أو مراجعة تذكر ، كما تتم عملية تأويل أحداث التاريخ بطريقة إنتقائية وعلى خلفيات صراعية ، مما يضفى على الرؤية التاريخية للمذاهب استاتيكيّة صارمة .

على المستوى الإجتماعي تتراكم الأمثلة اليومية لتنقل لنا عشرات الأمثلة عن ممارساتنا النقدية للآخرين ، لأقوالهم وأعمالهم ، حتى بتنا من المجتمعات ( المخابراتية ) التي تتدخل في كل خصوصيات الأفراد ومشاكلهم اليومية ، لنراقب حركاتهم وسكناتهم ونضعها تحت مجهر النقد والتجريح دون شعور بالإثم ، ودون إستذكار عشرات من الروايات الناهية عن هذا الفعل ، بينما لا يلتفت المراقب إلى الأخطاء التي يرتكبها هو أو جماعته القريبة .

بين كل هذه الصور ، تتولد بعض الشخصيات الفاعلة وهي تمتلك قدرة على ممارسة النقد الذاتي ، وتمحيص الآراء بغض النظر عن مصدرها ، والتعامل مع ( التراث ) بحيادية حتى يستقيم أمر النتائج بعيدا عن المؤثرات الجانبية ، وهذه الفئة تتعرض للكثير من النقد وأحيانا إلى الطرد من الإجتماع القائم لا سيما إذا إرتفعت نبرة النقد وبدأت تهدد بعض مواقع الآخرين السياسية أو الإجتماعية أو الدينية .

ويتعقد أمر النقد الذاتي إذا تناول الناقد مسألة يقف خلفها أو إلى جانبها شخصيات من الوزن الثقيل ، من الذين تسبق أسمائهم سلسلة من الألقاب تجعل من ممارس النقد يفكر مليا قبل أن يتفوه بكلمة قد تعود عليه بالشر المستطير ، خاصة أن جميع الشؤون أصبحت من إختصاص نخب سياسية أو إجتماعية أو دينية محددة ولا يحق لغيرهم أن يبدي رأيا مخالفا ، فإما أن يكون تابعا أو ينزوي جانبا .

وتمثل فكرة النخبة ( السياسية أو الدينية ) عائقا امام تفعيل المسألة النقدية ، وهي من الأفكار التي تتطلب مراجعة دقيقة لتوسعة مفهوم النخبة .

إذ لا يزال ينحصر الحق في تقرير المصير بمجموعة صغيرة تقرر هي وحدها مسار المجتمع ، وتفرض عليه أولوياته وحربه وسلمه وعلاقاته وإتجاهات تفكيره وحركته ، رغم أن فكرة النخبة التي في مقابلها الرعية أو العامة تغيرت معالمها تماما ، بعد أن توسعت القاعدة المتعلمة ، وتقلصت مساحة الأمية ، وتغيرت منظومة العلاقات السياسية والإجتماعية ، وإختفى مفهوم الرعية في الأمة ، وحل محله مفهوم ( المواطن ) في الدولة ، والذي يشارك في إتخاذ القرار إلى جانب أقرانه ، وبالتالي لم يعد هناك مسوغ لإحتكار القرار .

المشكلة بنظري أننا حتى الآن ننظر إلى النقد الذاتي كأحد علامات الضعف والوهن ، رغم أنها تعد من أهم الأداوت الفعالة في تحصين أي إجتماع قائم من الأخطاء والأخطار المحدقة ، كما أنه الأداة الماضية في تعزيز نقاط القوة في الثقافة ، وتنقيتها من نقاط الضعف .

ومن المعلوم أن كل ثقافة تحتوي على موارد قوة وموارد ضعف ، والمجتمع هو الذي يحدد رجاحة أي من الكفتين ، كما أن أي إجتماع قائم تتخلله نقاط ضعف كثيرة ، بعض المجتمعات تميل إلى التستر على الأخطاء لتنتهي إلى تراكمات تثقل كاهل الجميع ، وتتحول نقاط الضعف إلى مسلمات لا يستطيع الفكاك منها ، ولو تخلص المجتمع منها بصورة فورية وعاجلة لما تورط بها لاحقا .

إلا أن هذا المنحى المتحفظ من ممارسة النقد الذاتي يظل هو السائد والمسيطر ، فأغلب الجماعات والتوجهات تنفق مئات أو ألوف الدنانير والكثير من الطاقات لدعم أعمال إعلامية تدعم شخصياتها ورموزها ( أحياء وأموات ) ، أو في معالجة قضايا تم التطرق لها مرارا وتم إستعراضها في كتب كثيرة ولم يعد فيها جديد ، مع ملاحظة أن كل طرف وجماعة تعتبر رمزها الديني أو السياسي رائد التجديد وعنوان الإثراء الفكري وتبرر لنفسها حق عرضه على الناس والإطناب بذكر فضائله وإن تم ذلك بصورة رتيبة ومملة .

بينما لا نجد بين هذا الدعم أي تخصيص لمجلات تعني بالنقد الذاتي أو تنقيح ذاكرة الجماعة ، بل يصح القول أن ما يحدث هو العكس تماما فبمجرد نمو تيار نقدي تتم محاولة إحتواءه أو ضربه وعزله عن الإجتماع القائم ، حتى أصبح دعاة التصحيح يمارسون دورهم بالكثير من التخوف والرهبة ، وهو ما حرم ويحرم مجتمعاتنا من فرصة نادرة من فرص التطور والتجدد الحضاري .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟