الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين عصا بوش وجزرة أوباما - د . محمد أيوب

محمد أيوب

2009 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


من الواضح أن انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة لم يأت من فراغ، وإنما جاء انعكاسا لسياسة تحمل تغييرا شكليا مع بقاء أهداف الولايات المتحدة في السيطرة على العالم دون تغيير، ولعل من الخطأ الاعتقاد بأن الرئيس الأمريكي هو الذي يقرر السياسة الأمريكية الراهنة أو المستقبلية، لأن دور الرئيس وإدارته ينحصر في تنفيذ الرؤيا الأمريكية وتحقيق أهداف أمريكا، والذي يتغير هو الشكل والأسلوب، فبدلا من اللجوء إلى العنف والإكراه كما فعل بوش الأب والابن بلا سند من الروح القدس، قررت الإدارة الأمريكية اللجوء إلى الدبلوماسية الهادئة لتحقيق أهدافها المقررة سلفا، وقد جاء انتخاب أوباما لتحقيق هدف نفي التمييز العنصري عن أمريكا ومن أجل اختراق العالم الإسلامي بأكثر من حصان طروادة واحد، وذلك من خلال الادعاء بأن أوباما ينحدر من عائلة مسلمة، وقد وصل الأمر بإحدى القبائل في النقب إلى حد الادعاء بأن أوباما من نسلها، وقد نفى أوباما في خطابه كونه مسلما؛ إذ قال بوضوح إنه مسيحي ينحدر من عائلة ذات أصول مسلمة وأنه أقام في بعض البلدان الإسلامية وتعرف إلى عادات المسلمين وتسامحهم، وهذا هو بيت القصيد في خطابه وسياسته، التسامح بمعنى التنازل عن الحقوق كلها أو جلها وأن يتعايش المسلمون مع من ظلموهم دون أن يحصلوا على أكثر من الحق في الحياة دون تحديد لماهية هذه الحق.
وقد تحدث أوباما في بداية خطابه عن العنف وحدد أسبابه في الاستعمار الذي حرم مسلمين كثيرين من الحقوق والفرص، والحرب الباردة التي جعلت دولا إسلامية كثيرة دولا تابعة لهذا الطرف أو ذاك دون مراعاة تطلعاتها، كما كانت الحداثة والعولمة وراء اعتبار الغرب معاديا للإسلام والمسلمين، وبالمقابل كانت أحداث 11 سبتمبر سببا دفع الأمريكيين نحو اعتبار الإسلام معاديا لأمريكا والغرب وحقوق الإنسان، وقد تناسى أوباما أن أكثر من أربعة آلاف موظف يهودي لم يتوجهوا إلى عملهم في يوم 11 سبتمبر وما لذلك من مغزى خطير ولافت للنظر.
وبدلا من صراع الحضارات الذي آمن به المحافظون الجدد في أمريكا دعا أوباما إلى تصالح الحضارات بعد أن فشلت الحضارة الأمريكية المحدثة والطارئة في فرض نفسها بالقوة والعنف على حضارات راسخة في التاريخ والجغرافيا، وهو يأمل أن يدفع المتطرفين إلى التعاون مع أمريكا دون أن يتحدث عن إزالة أسباب التطرف مكتفيا بالحديث عن عدم وجود تعارض بين أمريكا والإسلام وكأن شيئا لم يحدث في العقدين الأخيرين.
وفي حديثه عن مسلمي أمريكا قال إنهم قاتلوا في حروب أمريكا، كما حاول شطب ما تفوه به بوش عن حرب صليبية جديدة ضد المسلمين، وقد حاول الحكام العرب وقتها تخفيف وقع هذا التصريح واعتبروه زلة لسان، وقد تناسى أن الإسلام هو أول دين دعا إلى المساواة بين البشر معتبرا أن أمريكا أسست على قاعدة أن جميع البشر سواسية دون رد هذا القول إلى صاحبه الأول محمد عليه السلام حين قال: "الناس سواسية كأسنان المشط"، " ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" و " كلكم لآدم وآدم من تراب" هذه هي مبادئ الإسلام التي نسبها أوباما ظلما إلى أمريكا، وفي حديثه عن إقامة الشعائر الدينية تحدث عن وجود 1200 مسجد في أمريكا بمعدل مسجد واحد لكل ستمائة ألف مسلم تقريبا على اعتبار أن عدد المسلمين هناك هو سبعة ملايين مسلم!!! ليؤكد بعد ذلك أن الإسلام جزء لا يتجزأ من أمريكا.
وفي تأكيده على وحدة مصير العالم مر مرور الكرام على الأزمة المالية العالمية وإنفلونزا الخنازير، وامتلاك الأسلحة النووية وممارسة العنف في منطقة جبلية واحدة، وعن ذبح الأبرياء في البوسنة ودارفور، وكأنه لم يسمع بما جرى في غزة لأنه تولى مهام منصبه بعد توقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وكأنه أيضا لم يسمع بحصار غزة وتحويلها إلى غوانتانامو بديل عن ذلك المنوي إغلاقه في كوبا.
وقد حدد أوباما عدة قضايا تحتاج إلى جهد مشترك لمواجهتها " لنلاحظ أنه دعا إلى المواجهة بدلا من المعالجة"، ومن هذه القضايا:
أولا: قضية التطرف العنيف:
أكد أوباما أن أمريكا لن تتوانى في التصدي لمتطرفي العنف بدلا من معالجة مشكلة العنف بشكل جذري، إن التصدي للعنف بالعنف والقوة يمكن أن يوقف العنف مؤقتا ليطل علينا هذا العنف من جديد ما دامت أسبابه كامنة وموجودة ومنها غياب العدالة وتكافؤ الفرص وهيمنة عملاء أمريكا في الدول المختلفة على مقدرات شعوبهم، وما دام النهب الأمريكي لثروات الشعوب مستمرا دون أدنى اعتبار لحق البشر في الحياة، وفي سبيل مواجهة العنف دعا إلى الشراكة مع المسلمين المعتدلين بحيث تتحول المواجهة بين المسلمين بعضهم مع بعض، ولا مانع من أن تقوم أمريكا بمد الطرفين بالسلاح لكي يستمر القتال أطول مدة ممكنة.
ثانيا : قضية فلسطين:
أكد أوباما على قوة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل وأنه سيزور معسكر بوخنفالد في ألمانيا، وأشار بعد ذلك إلى معاناة الفلسطينيين في سعيهم لإقامة وطن لهم وكأنهم كانوا بلا وطن ليحتاجوا إلى وعد من أوباما بإقامة هذا الوطن على طريقة وعد بلفور أو طريقة سلفه بوش الذي وعد بحل الدولتين دون أن يجرؤ على تنفيذ وعده، وقد حصر تطلعات الفلسطينيين في الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم، ولكنه أكد على أنه يجب على الفلسطينيين نبذ العنف لأن المقاومة عن طريق العنف هي أسلوب خاطئ من وجهة نظره، وقد ضرب مثلا بالأمريكيين السود ومقاومتهم السلمية للحصول على حقوقهم متناسيا الحرب الأهلية الأمريكية التي انتهت بتحرير العبيد واعتراف إبراهام لنكولن بحق العبيد في المساواة، كما تناسى ما تعرض له القس مارتن لوثر كنج عندما دافع عن حقوق السود وأن بعض المطاعم في أمريكا كانت تمنع دخول السود والكلاب، كما تناسى المقاومة السلمية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل لنيل حقوقهم وتحقيق المساواة بينهم وبين اليهود الذي يتمتعون بامتيازات حرم منها كل المواطنين العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية.
وقد طالب السلطة الفلسطينية بتنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تلبي احتياجات الشعب، كما طالب حركة حماس أن تضع حدا للعنف وأن تعترف بالاتفاقيات السابقة وأن تعترف بشرعية وجود إسرائيل وحقها في البقاء، وهذا يعني ان يقدم الفلسطينيون كافة التنازلات المطلوبة منهم قبل ان يحصلوا على أي سيء على أرض الواقع، وأكد أن على إسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في البقاء وأن أمريكا لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات دون أن يحدد ماهية هذا الاستمرار وهل يقصد به استمرار توسعها أم استمرار وجودها على أراضي الضفة الغربية.
ثالثا : قضية الأسلحة النووية:
تحدث أوباما مستخدما ضمير المتكلمين وكأنه يتحدث باسم أكثر من طرف عندما قال: " إننا قد وصلنا إلى نقطة تتطلب الحسم، وهي لا تتعلق بمصالح أمريكا، ولكنها ترتبط بمنع سباق التسلح النووي..."، مما يعني اقتراب العدوان على إيران.
رابعا : قضية الديمقراطية:
أكد أوباما أن أمريكا لا تفترض أن تكون نتائج الانتخابات ملبية للرغبة الأمريكية أو محققة للنتائج التي تختارها ومع ذلك تصر أمريكا والغرب على رفض نتائج الانتخابات التي جرت عام 2006م وفرض حصار على قطاع غزة أدى إلى إرهاق السكان وهدر كرامتهم، وقد أكد على ضرورة احترام حقوق الأقليات، ودعا الحكام إلى إعطاء الأولوية لمصالح الشعب والأشغال المشروعة للعملية السياسية.
خامسا: الحرية الدينية:
بحيث يشمل ذلك الموارنة في لبنان والأقباط في مصر، ترى هل يريد أوباما فتنة طائفية في هذين البلدين؟! وقد دعا إلى إصلاح خطوط الانفصال بين المسلمين، ورحب بجهود الملك عبد الله في حوار الأديان دون أن يتطرق إلى ما يتعرض له الإسلام من تشويه متعمد في وسائل الإعلام الغربية بذريعة الديمقراطية وحرية التعبير، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد إذا تحدث أي إنسان عن الهلوكوست بطريقة تخالف ما يردده اليهود.
سادسا: حقوق المرأة:
أوضح أوباما أن أمريكا ستعمل من خلال الشراكة على توسيع برامج محو الأمية للفتيات وتوفير التمويل للمشاريع الصغيرة التي توفر العمل للمرأة.
وقد أكد أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاح الثروة في القرن الحادي والعشرين، وأن أمريكا ستتوسع في برامج التبادل وفي رفع عدد المنح الدراسية وكذلك تشجيع الأمريكيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية، وركز على التوسع في مجال التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في العالم من خلال الفضاء الإلكتروني.
المسكوت عنه في خطاب أوباما:
1 - تجاهل أوباما حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وكأن ما أشيع عن أنه سيطلب من العرب شطب موضوع حق العودة أمر في الحسبان، ولكنه فضل تجاهل هذا الحق وكأنه غير موجود أصلا.
2 – تجاهل العرب بشكل تام ولم يذكره إلا في حديثه عن مبادرة السلام العربية وعن دورهم في مساعدة الفلسطينيين على الاعتراف بشرعية إسرائيل، وكرس خطابه عن المسلمين وكأنه لا توجد خصوصية عربية ولا توجد مشاكل بين العرب وأمريكا وكأن العرب أصبحوا في السلة الأمريكية لا قيمة لهم ولا أثر، وأنهم يعيشون على هامش التاريخ.
3 - يتضح من الخطاب ومن تصريح هيلاري كلينتون عن إيران أن أمريكا ربما أعطت نتنياهو الضوء الأخضر لضرب إيران، وأن الخطاب هو نوع من المخدر لتهدئة العرب بوعود خادعة كما حدث قبل حرب الخليج الأولى حين وعد بوش الأب العرب بحل القضية الفلسطينية، وقد تمخض جبل الوعود الأمريكية وقتها فولد فأر غزة أريحا أولا.
4 – الخطاب يحمل تهديدا ضمنيا لأكثر من دولة عربية منها السودان فيما يتعلق بفصل الجنوب الغني بالنفط ودارفور الغنية باليورانيوم، ومصر من خلال إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، واستغلال الموارنة في لبنان بحيث تصبح فرنسا شريكا فعليا لأمريكا في إدارة شئون لبنان.
5 - تقوم أمريكا بإعداد أحصنة طروادة لاخترق البلدان الإسلامية عن طريق التعليم والمؤسسات غير الحكومية Ngo,s، والمرأة المسلمة التي يركز عليها الغرب في هذه الأيام بشكل لافت للنظر، والجماعات الإسلامية التي توصف بأنها معتدلة حتى يكسر الفخار الإسلامي بعضه بعضا من خلال حروب محلية يكون وقودها أبناء الشعوب الإسلامية والثروات التي تستنزف في شراء الأسلحة بدلا من استغلالها في تطوير المجتمعات الإسلامية.، وكذلك استغلال المسلمين لمواجهة المد التحرري في أمريكا اللاتينية والرافض للهيمنة الأمريكية على مقدرات شعوب أمريكا الجنوبية.
6 – سرقة العقول العربية والإسلامية من خلال المنح الأمريكية واستبقاء أصحاب العقول النابغة في أمريكا، والتجسس على العالم العربي من خلال دراسة الطلاب الأمريكيين في الدول الإسلامية حتى يتشربوا لغة هذه الشعوب بلهجاتها المحلية ويتقنوا عاداتها وتقاليدها ويعرفوا تاريخاه ومشاكلها.
وفي الختام أقول للمتفائلين بخطاب أوباما مثلنا الفلسطيني القائل: " لا تفرحوا بالصيد يا صايدين.. تروا في الصيد أمور عجايب"، لأنني أعتقد أنه ما لم تترجم الأقوال إلى أفعال ومخططات واقعية بجدول زمني محدد وملزم لتنفيذها، فإن الخطاب يبقى مجرد فرقعة إعلامية للضحك على ذقون العرب والفلسطينيين بل وجميع المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات