الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينوغرافيا والإشارات الأولى المســرح الإغريقــي

مشعل الموسى

2004 / 4 / 27
الادب والفن


أساس مفردة السينوغـرافيا Scenographie هي ( سكينوغـرافيـن Skenegraphein ) ، وتعني باليونانية تصميم الديكـور أو تزييـن واجهة المسرح بالألواح الخشبية المطلية بالرّسـوم ، وهـذه الألـواح المرسومة ، كانت في القـرن الخامس قبـل الميلاد ، تمثـل المكان الذي كانت الأحداث تجري فيـه.

عَـرفت حضارات قديمة كالبابلية والفرعونية المسرح ومارسته* ، لكننا غير قادرين على تحديد الخصوصيات لتلك النواحي الجمالية أو رسم المعالم لمسرحها وكيفية العمل التمثيلي والإخراجي ، بحكم عدم التوصل أو وجود أدلة قطعية ، كل ما نعلمه ومن خلال الإشارات الأولى عن هـذه المسارح حتى الآن أن ميادينها الأساسية ومحيطها وبيئتها هي المعابد ، وتظـل تلك المسرحيات وهي بالأساس عملية طقوسية في مجملها وظلـت مُُُـراوحة في نهجها ( أي بدايـة ونهاية دينية ) .

العملية الإخراجية عالم مستقل بذاته يعمل بم يملكه ( المؤلف المخرج اليوناني ) من تصورات ومفاهيم عن المسرح من جهة ، وعن تلك الأدوات التي ينتقل بها النص الدرامي إلى الخشبة من جهة أخرى ، وغياب تناول الإخراج المسرحي من طرف التنظيـرات للمسـرح جعـل الكلام عن التجربة الإخراجية في القديم ( لا سيّما لدى اليونـان ) مرتبـًا ارتباطـًا وثيقــًا بأعلام هذا المسرح وبالشعراء الذين يكتبون النص التراجيدي ( أو حتى الكوميدي ) ويمارسون الإخراج دون أن تكون شخصية المخرج محددة أو موصوفة أو حتى أن تكون مضبوطة بقوانين فنية وجمالية معينة ، بالرّغم من ذلك الغياب ، فإن توّحد ( النـص والعـرض ) في شخصية الشاعر المسرحي يعطينا بعض المعلومات حول المكان والدراما في تجربة المسرح اليوناني ، وتظهر أمامنا الآليـة الإخراجية في الشعريـة الكلاسيكيـة المستنـدة على مبـدأ المحاكـاة ؛ وتقديـم العرض المسـرحي في المكان الدرامي الذي يجمع بيـن وظيفـة المسرح من جهة ووظيفة العـرض من جهة ثانيـة ، فكلا الوظيفتين منهمرتيـن في ذهنية الفـرد اليونانـي .

كما لا توجد مصادر يُعتمـد عليها فيما يتعلق بنوع المسرح الذي قـدّم عليه - ثيسبس- أعماله ، وذلك عندما فاز بأول مسابقة للدراما الإغريقيـة في سنة 535 ما قبل الميلاد ، ويذكر - هـوراس- هنـا شيئـًا عـن - العربـة- ، ومنها يمكـن الاستنتـاج بأن - ثيسبـس- كان يقـف على عربـة فـي وسـط

الكـورس ، وأنه كان يمثـل لجمهور يحيط به من كل ناحية ، وهناك بعض المصادر الأخرى التي تميل للاعتقاد بأنه كان يقف فوق مائدة خشبية ، ورغم أنه لا يمكن الأخذ بإحدى النظريتين فإن الحقيقة تظل باقية ، وهي أن - ثيسبـس- لا بد أن يكون ذكيـًا وفطريـًا كي يقف فوق شيء ما ، وبهذا الإجراء يجعله مميزًا وفي مستوى أعلى من مستـوى الكورس ، ويمكن للجميع رؤيته وسماع قوله ، إن تلك العملية التي تمنح الممثـل فـرصة أكبر للظهور بحيث يراه الجميع ويسمعوه ، هي من الضروريات لأغلب الأعمال المسرحية ، أي سلامـة وجودة الرؤية والاستماع .

- معماريـة المسـرح الإغريقــي :
كانوا ولا زال غالبيـة مهندسي المسارح المعماريين ، يهتمّـون بأن تحقق دور المسارح وظيفة الاستماع والرؤية ، على سبيـل المثـل نجد أن أهم عنصر معماري في المسرح اليوناني القديم كان ذو طابع ديني ، وكان هذا متمثلا ً في مذبح للإله – ديونيزيـوس- ، هذا المذبح تحوطه دائرة واسعة تسمى - الأوركسترا*- ، حيث يؤدي الممثـلون أدوارهم داخله ، ولا يمنع أن نقول بأن جمهور المسرح اليوناني القديـم يهتـم بوسائـل الراحـة ( الراحة البصـرية والجسديـة وسلامة الاستمـاع ) .

توجد لدينا صورة حسنة عن تلك الملامح المعمارية الرئيسية للمسرح الإغريقي التقليدي ، حيث توجد حتى الآن عدد لآثار لبعض تلك المسارح التي بنيت بالأحجار خلال العصر الهلليني والجريكو الرّومان ، وهـذه الفترة التي أعقبت الحقبة اليونانية العظيمة ، وقـد يكون أفضل تلك النماذج لهذه الآثار نجدها في مسـرح - يوربيـدس- الذي تم بناءه خلال القرن الرابع قبـل الميـلاد ، لا يوجد الكثير مما يمكن أن يترك مجالا ً للحـدس والتخميـن من ملامح المدرجات أو الأوركسترا ، فهـذه ما زالـت محتفظة بشكلها وتوزيعها وملامحها البنائية ، ويرجع تاريخ أقدم نموذج سينوغرافي مسرحي معماري مكتمل ، إلى القرن الخامس قبل الميلاد ، هذا النموذج هو المسرح الإغريقي - إبيدور / إبيـدوروسEpidauro - الأثري بأثينا ، قـام بتصميمه - بوليسليتوس Polycleitos- عام 350 ق.م" وكانت الأوركستـرا فيه عبارة عـن دائـرة كاملة 20.4 متـر ( 67 قـدم ) ، القطـر الإجمالـي للمسـرح118 مترًا ( 387 قـدم ) ، ويتسع لـ 18.000 متفـرِّج " .

تضافـرت العناصـر المعمارية المبنية ومع درامية وأحـداث النـص ، وهـذه الآلية تجمـع بيـن المنظور الصامت ( المعمار ) والمحسوس المتكلم ( النص ) ، ويترجم هذا التضافر الممثـل الإغريقي وهو الوسيط الفعلي المنظور والمسموع بين عناصر الإسكينا والأجنحة ومن جانب وأحداث المسرحية من جانب آخـر ، كي تتجسد لنا درامية المسرحية أمام أذهان المتفـرّج الإغريقـي .

فإذا كان المكان الدرامي هـذا ، أن يكون هندسيـًا للميل الذي يحمل جمهورًا ما على تفضيـل مسرحيـة ما في ظروف معينـة وفي مكان معيـن ، فإن المسرح الإغريقي القديـم كان يلائـم تمامـًا هذا الغـرض ؛ كانت المسرحية تمثــَّـل بين أحضان الطبيعة ( يخضع لجغرافية المكان ) على منحدرات التلال ، وكانت الشمس هي العنصر الأساسي التي تشكل أداة للإضاءة ، والجمهور وبشكل نصف دائرة يحيط بساحة التمثيل ، ومذبح ديونيزوس يؤلف المركزية الرّوحانية والبصرية والهندسية بنفـس الوقت ، إضافة للتشكيلات التي يخضع لها الكورس في مكان العـرض ؛ كما كان المنظر - الإسكينا*- يواجه الجمهور بشموخه وحضوره الواضح للجمهور اليوناني ، حيث كان عنصر الديكور عبارة عن عملية تجسيدية مقتصرة على ضروريات العمل الدرامي ( أو لعل العمل الدرامي يجب أن يخضع لتلـك التشكيلات من التوزيعات الفضائيـة الهندسية ) ، فهذا المفهوم للديكـور يسمح للجمهور أن يرى بنظرة واحدة جميع أمكنة العمل الدرامي قبـل بدايتـه ، مما يجعـل المتـلقي متحضـرًا ذهنيـًا لتـلقي محتويات العـرض المسـرحي ، الذي سيعـرض وفـق هـذا التشكيـل المنظـور .

بهـذا التشكيل الجغـرافي وبهـذا التقسيم السينوغـرافي للفضاء المسرحي الإغريقي أن أمكن لنا التعبير ، كان الشاعر الإغريقي ( المخرج ) يصيغ مجريات الأحداث التخـيلية وفقـًا للمعمارية المكانية ويحيكها ، وكان يستلف من مكان وفضاء العـرض معطياته كي يبني عليه نصّه ، وكان يقـرِّب بين نص الحوار وبين المرئي ( التشكيلات السينوغرافية ) ، ويذكر - حنـا سكولنيكوف- : " وأي كاتب مسرحي يكتب داخل هذا التراث سوف يشكل فضائه المسرحي الخارجي ( أحداث غير مرئية ) طبقــًا للعـرف ، وهـذا العـرف نقـل ما كان في الأصل في أثينـا فضاء يمكن إدراكـه إلى فضـاء يمكن رؤيتـه أو فهمـه " .

كان المخرج في هذه العمليات مجبرًا على توصيل المعلومات للممثـلين وللكورس ، وهذا الذي جعل من العقلية المسرحية الإغريقية بأن تطلق على هذا المخرج بإسم - ديداسكالوس Didaskalos *- أي المعلـِّـم .

- المناظـر المسرحيـة الإغريقيـة** :
في الثلاثـة قرون الأولى قبـل الميلاد ، أصبح التمثيـل أكثـر حيويـة ، فالممثـلون قامـوا بتمثيـل أدوارهـم على مسرح مرتفـع ليكونوا بـذلك أكثر تأثيرًا ووضوحـًا ، شيئــًا فـشيئــًا تطـوَّرت صناعـة الديكور حيث ارتفعت في الداخل ( مكان العرض ) عدّة كواليس دوّارة ، لكل منها ثلاثة واجهات تتحرك على مركز أو محور بالمنتصف ، ذلك لسهولة تغيير المنظر وفقــًا لنوع المسرحية التي يجري عرضها ، لكن بماذا كانت تستخدم الثلاث واجهات تلك ؟ " فإحداها للتراجيديا والثانية للكوميديا ، والثالث الأسطورية ، وكان يستعان بتلك المناظر كعـنصر هام لشرح التمثيليات التي تدور حولها المسرحية... بذلك يكون الإغريق أول من اخترع طريقة رسم المناظر وتغييرها ؛ كما أن هذه الكواليس الدوّارة كانت بداية معرفـة ميكانيكية المسرح ." ، وتم إطلاق تسمية لتلك الكواليس المنشورية الشكل بإسـم - البريكتـوا- أي المخروط ذو الثلاثة أبعـاد .

أدرك المصمم الإغريقي الحاجة إلى وجـود المناظـر المرسومـة ، والتي بـدورها تساعد على خلق أجواء للمسرحية ، وتلك المناظر تسهل على المؤلف المسرحي بأن يتناول مسرحيات ذات أماكن معينة كي تجري فيها الأحـداث ، بهـذا يكون المؤلف المسرحي الإغريقي يتحـرك بمساحة أوسع من ذي قبـل ، والمناظر المسرحية قـد وفـَّـرت المشقـة على الممثل والمؤلف الإغريقـي بأن يلجأ لعملية السَّرد ، فترتسم في مخيلة المتفرّج الأغريقي بذلك يكون المتفـرِّج الإغريقي صورة جلية وأكثر وضوحًا من تـلك الصور الذهنية التي يستقبلها من العملية السرديـة أو الكلاميـة الوصفيـة .

ونجـد أن المنظـر المبني ( الإسكينـا ) قد اختـفى ، مثـلما حدث في كل المسارح في الحقبة أيام الحقبة الهيلينية ؛ وطالما اختلف علماء الآثار حول الشكل العام لهذا الجانب المهم في المسرح ؛ وعمـومًا فإنهم يتـفقـون على أن الإسكينـا كانت تحتـوي على ثلاثـة أبواب على الأقـل ، وفي الفتـرات
التالية للعصر الإغريقي والرّوماني أصبح استخدام هـذه الأبواب أمر متفـق عليه وهذا الاتفاق أصبح بروتوكولا ً تحتذي بها النصوص المسرحية تلك ، فالباب الأوسط يؤدي دائمـًا إلى القصر ، كما أن هناك اتفـاق عـام حول مسميات بعض أجزاء الإسكينـا ، فالمدخل على الجانبين بين الإسكينا والمدرج كان يسمـى - البارادوس*- وخلال واحد من هذه المداخـل كان الكورس يدخـل منه ويخـرج .

وانتقـل الممثـلون في تمثيلهم إلى - البروسكينيون*- ، فكان الستار الملوّن الذي يمثـل منظر المسرحية ، يُرسم على واجهة الإسكينا أو يعلق عليها ؛ وأصبحت هذه الإسكينا بما تحمل تمثـل ستار المؤخرة للمسرح ، وكان لهذه الإسكينا ثلاث فتحات تستخدم كأبواب يدخل منها الممثـلون إلى خشبة التمثيـل .

وكان تصوير هذه المناظر بدائيـًا ( كعملية تنفيذية ) ، ولم يكن الإغريق قد حذقوا بعد بعلم المنظور ، فكان الـرّسم هو عبارة عن تلويح أو إشارة إلى العناصر الطبيعية ، فالبحـر لـه لـون أزرق والأرض صفراء داكنة وجذع الشجرة بني داكن والفروع لها لون أخضر ، " ولكن هـذه المناظر على بعضهـا كانت تصـوِّر مكان الحداثـة التي تقـوم عليها المسرحيـة وسـرعان ما نشطـت صناعـة إنشـاء المناظر المسرحية ، وتخصص لها رسامّـون وصارت حرفة تحترف " . من هنا نتساءل ، بعـد أن صارت صناعة المناظر حرفة ، هل كانت لكل نوع من المسرحيات التراجيدية والساتورية والكوميدية مناظـر خاصـة ؟

لقد كانت هناك ثلاثة أنواع مـن المناظر المسرحية وهـي : المناظر التراجيدية ، الساتورية ثـم الكوميديـة .

-1 المناظـر التراجيديـا / منظر عام ، وكان يصوّر ألوان شتى من مناظـر الطبيعة ، فهو مرّة للغابة وأخرى للبحر وثالثة لمنظر طبيعي آخـر .

-2 المناظـر الساتوريـة / وهـو مكان يصوّر في الغالب مرفأ بحرية أو شاطئ بحـر أو ضفاف نهــر .

-3 مناظـر كوميديـة / منازل قامت إلى جانب بعضها تبعــًا لحادثة المسرحية ، وكانت هـذه المنازل ترسم وكأنها تقع في ميدان أو طريق عام ، وفي بعض الأحيـان كان المنزل يصوَّر وفقـًا لما هو عليه فـي الحيـاة ؛ والمناظر المسرحية في الكوميديا أصبحت تميـل إلى محاكاة الواقـع ، أي إنها تنزع نزعة واقعية ، وفي بعض كوميديات أرستوفانيس* ، كانت الأحـداث تجري متنقلة ما بيـن المدينة والحقول ، أو ما بين الأرض والعالم الآخر كما في مسرحية الضفـادع ، أو ما بين السمـاء والأرض كما في مسرحية السلـم ، وهذه حالة تقضي بأن يبدو على منصة المسرح أكثر من منظر واحد . وكان الإغريـق يحققون هذا بوسائل بدائية ، فكانوا يضعون ستارًا يمثـل معالم الأرض إلى جانب ستار يمثـل معالم الآخرة أو السماء ، والجمهور يتابع ذلك بمخيلته ؛ " وفي هذا النوع من الأستار المسرحية نجد بداية المنظر المسرحي المعروف باسم - المنظر المركب Simultaneous Setting- " .

فالممثـلين الإغريق ، دخلوا الحيز المسرحي إما من خلال مداخل الأجنحة أو من خلال الثلاثة أبواب فـي الخلف ، وهذان النوعان مـن المداخل ( الأجنحة ) يصلان المشهد بنوعين مختلفين من المساحات الخارجية ، واحد بعيد والأخر قـريب ، والأجنحة كانت يستخدم أحداها للدلالة على الخروج من المدينة والآخر للدخول إليها ، وأيـًا كان التصنيف أو الدلالة فإن الأقرب هو القدوم والذهاب لمكان بعيـد والقـريب ، وهـو الأرجـح .

* إشارة : أول ما يلفت إنتباه مصمم الديكور/المناظر المسرحية ، هو ذلك - التماثـل Uniformity*- الموجود في التوزيعات التي تكوّنت على مكان التمثيـل في المسرح الإغريقي ، فلو تم تصويـر هــذا المكان ( الأسكينا ) على بعد معين ومن المنتصف ، وأتينى بتلك الصورة وقطعناها بشكـل عامـودي لنصفيـن متساوييـن ، لوجـدنا بتشابـه النصف الأول بالثاني ، واذا أخذنا النصف الأول ووضعناه بشكل معين أمام مرآه ، لتشكلت صورة بالمرآة مكملة للصورة الصلية ، أنظر المثال في الرسم التوضيحي .

إلا أن هذا التماثـل تم كسره من خلال استخدام ودرامية كل باب من تلك الأبواب الثلاثة وطرق توظيفها ، فنجد الإسكينا تتوسط الممرين الجانبيين ( الأجنحة ) ، فالإسكينا في تلك الوضعية ، تكون هي مركز تلاقي الذاهب والقادم ( من ... وإلى ... ) ، فالإسكينـا هنا تحضر جميع التحرّكات وتشهـدها وهي مركز تلاقي أو الانطلاق لتـلك الأجنحة ومحطتها أشبه بمفـرق الطـرق ، وكأن الجميع يجـب أن يمر من أمام الإسكينا ، فالإسكينا تحضر وتشهـد أيضـًا الأحداث ، ويتوسط الإسكينا الباب الأوسط وهو المخصص لدخول الطبقة العليا من المجتمع ، فهذا البـاب مركز الإسكينا وهو يتوسط مركزية الإسكينا ، فكأن الباب هو العامود الذي يتوسط ويحمل كفتي الميزان ، ونستنتـج :

1- فمن الناحية المعمارية ، نجـد بأن كـل شيـئ موجـود أمام وبجانب الإسكينا فقـط .

2- ومن الناحية الدرامية المسرحية ، نجد الإسكينا تتوسط فضاء المسـرحية ، بمعنى أن الأحداث المنظورة تقـع أمام الإسكينا والأحداث الغيـر منظـور تقع على جانبـي الإسكينا وخلف أو بداخل القصر ، لأن الإسكينا تمثـل واجهة القصر ، بالتالي تكون الإسكينا نقطة مركزية لدائرة الأحـداث.

كادت الإسكينا أن تكون الوحيدة التي تحتوي على الخطوط الرأسية والأفقيـة ( خطوط وانكسارات وزوايا ) من مجمل الخطوط في الفضاء المسرحي اليوناني التي تميزت بالخطوط المنحنيـة والمرنـة ، مما يعطيـها استقلالية عـن باقي العناصر المعمارية في هـذا الفضاء ؛ كما تتمتـع الإسكينا باستقلالية معمارية ، حيث أن بداية المدرجات ونهايتها لا تتصل معماريـًا بالإسكينا ، كما تستمد الإسكينا أبعادها وإمداداتها البصرية من المنظر الطبيعي في الخلف ، فتتعاون الطبيعة مع جزئية الإسكيـنا لتحققـان وحـدة واحـدة .

واستخدام الأبواب في الإسكينا ، هو أيضـًا شيء تقليدي ، وكانت الإسكينا واجهة مبنى هندسية يمكن حسـب الحاجة أن تمثـل قصرًا أو معبدًا أو خيمة أو كهـفـًا ، ودائمـًا يبدأ العرض أمام هذه الواجهة ، لكن الشخصيات يمكنهم الخروج من ( المنزل ) أو يأتون منه إلى خشبة المسرح ، وهكذا فإن ما يقع بالتقليد خلف الواجهة المنظورة هو فضاء مسرحي خارجي قريب جدًا ، مستمر مع الفضاء المسرحي الداخلي ، مكان من داخله يأتي الشخصيات ، ورأي آخر يقـول : " بأن الأبواب الثلاثـة التقليدية كانت تستخدم بحيث تمر من كل منها طبقـة معينة من الشخصيات :
- فالبـاب الأوسـط مخصص لدخـول وخـروج الملــوك والحكـام .
- وبـاب الآخـر الأقـل حجمـًا لدخـول الممثـليـن الأقـل مكانـة .
- أما الباب الثــالث وهـو الأيسـر يستعمله الممثـلون الثانويّـون .

وراء تلك الأبواب ، وضعت ستائر رسم عليها مناظر تطابق مشاهد المسرحية ، وكان دخول وخروج
الممثـلين من هذه الأبواب فقط لغرض الذهاب والعودة من هذه الأماكن الموجودة بالمناظـر " ورغم التماثـل والجمودية التي رادفت الطابع البنائي لتلك الإسكينا ، إلا أنها تلك أصبحت أكثـر حيوية للمدلولات التي تفرضها أحداث المسرحية ، فأحداث المسرحية تعمل على صياغة العناصر المعمارية للإسكينا وأجزائها .

وتجدر الإشارة ، إلى أن مكان العرض في المسرح اليوناني ، أتى مغايرًا عن باقي الأمكنة التي عرفناها كخشبات للعروض المسرحية ، حيث تمتعت باقي المسارح بخشبات عارية تخضع لعملية ملأ فضائهـا بالعناصـر المرئيـة بحسـب مقتضيـات المسرحية أو الرؤيـة الإخراجيـة ، فالإسكينا ( بمراحلها الأولى وقبل استخدام المناظر ) والتي هي تمثـل خشبة العرض أتت غيـر عاريـة ، بل أتت مبنية وقد مُـلأ فضائها بالمعمار ، وهـذا أشبه بالمصمم الأوحـد لكـل المسـرحيات .

فالإسكينا اليونانية تعتبر ذلك الديكور بمفهومه الحديث ، ففي مسرحيات العصر الحديث قد لا نجد أي مغزى لتلك العناصر التي تواجدت في مكان العـرض المسرحي ( كـديكور ) إلا إذا تم استخدامها من قبل المؤدي حينها تتولد لدينا قناعة وصورة حسنة لتلك العناصر ، إلا أن المُـشاهد اليوناني لا يدرك أو يفهم معزى درامية الإسكينا وأجزائها إلا من خلال سيـر الأحداث ، ولكن هذا المُـشاهد اليوناني يدرك ما تمثله أجزاء الإسكينا كاستخدامات ، حتى قبل أن تبدأ أحداث المسرحية ، وتلك العلاقتيـن في منتهى الجمالية ، حيث عملت الممارسة المسرحية اليونانية على توريـث :

1- الاستخدامات الثابتـة لعناصـر الإسكينــا ومكان العــرض .
2- وقابليـة المتفـرِّج الإغريقي لتوظيف الوسائل المرئية البنائية ( أجزاء الإسكـينا ) .

وتبقى عملية التوظيف لتلك العناصر خاصة بالمؤلف ، فتتأرجح المفاهيـم والدلالات للإسكينا بين المعلوم المجهـول ، والمجهـول المعلـوم ، وهكـذا فإن التطـوّر التاريخي من الإدراك الحسي الفعلي للفضاء اليومي المحيط بالمسرح المفتـوح إلى الإسهام التقليدي للمعنى إلى المدخلين ، بغض النظر عن أماكن الجمهور الفعلية .

- الوسائـل البصـرية والسمـعية :
أن اليونان قد سخـّروا طاقات لبناء مسرح متقدّم يصل إلى حد النضوج ، فبجانب النص المسرحي والمعلـّم والممثل والجمهور ومكان العرض ، أيضـًا كان هناك الإكسسوار مثل الحذاء الملابس والقناع وآليات تعمل على تقريب المعاجز الغير مدركة وتجسيدها أمام أنظار الجمهور ، آليات تصنع الحيل وتضفي على فضاء المسرحية أجواء سينوغـرافية مبهرة ، ومنها وبشكل موجـز :

- سلالم Kharon : التي تصعد بواسطتها الأشباح .
- آنابيسما Anapiesma : التي ترفع آلهة الأنهار والحوريات .
- استروفيون Stropheion : تـُظهر الأبطال وكأنهم في السماء .
- هيميكوكليون Hemikuklion : تجعل المشاهدين وكأنهم يرون مدن بعيدة أو أشخاص يسبحون .
- برونتيون Brolteion : ماكينة لاصدار صوت الرّعد ، وهي عبارة عن لوح مسطح من المعدن تلقي عليها أحجام من الحجارة كي يصدر عنها صوت أشبه بالرّعـد .
- كيراونوسكوبيون Keraunoskopeion : ماكينة البرق ، وكانت عبارة عن سطح أسود ، رُسِـمَ عليه وميض لامع يقـذف به عبر البروسكينيـون .

وفي القرن الخامس ق.م ، كانت الآلية تقتصر على استعمال أربعة وسائل عملية هي : ديستيجـا Distegia ، ثيولوجيــون Theologeion ، الماكينــة Machina ، إكـّوكليما Ekkuklema .

-1ديستيجــا Distegia : تستعمـل عندمـا يظهـر الممثـلون وكأنهـم فـي مستـوى أعلـى مـن مستـوى
البروسكينيون ، وكأنهم يبدون مثلا ً من على سطح أو صخرة ، ( كالحارس في أجاممنون ، أنتيجون ومربيتها في الفينيقيات ، أورستيس وصديقه يبلاديس في مسرحية أوريستيس ) .

-2ثيولوجيون Theologeion : شبيه بسابقتها ، ومعناها مكان الآلهة ، وعليها يظهر الآلهة وأنصاف الآلهة عندما يكون المراد اظهارهـم دون رؤيتهم وهم نازلـون في الهـواء ، ويبدو انها كانت منصة في الجـزء العلـوي من مكان المنظر .

-3الماكينـة Machina : وهـي آله تنـزل وترفع الممثـلين من السماء بواسطة حبال ملوّنة بلون الديكور ، وهـي آلة أشبة بالونـش ( ظهـور - ثيتيس Thetis- في نهاية مسرحية أندروماخي ، مسرحية - ميديـا- إذ ترفع العربـة وفيها ميديـا مع جثـث أبنائهـا ) .

-4إكـّوكليمـا Ekkuklema : وكانت تستعمل لإظهار الجمهور على حوادث حدثت خارج مكان التمثيل ، ويمكن وصف هذه الآلة على إنها مسطح مستطيل من الخشب فوق عجلات ، ويـرتب فوقه التابوت المطلوب وفي لحظة معينة يدفع بهذا المسطح بما عليه داخل خشبة المسرح ومن ثم يجذب مرة أخرى بعد أداء مهمته ، ( فمثلا ً في مسرحية أجاممنون بعد مشهد القتل ، يفتح القصر وتظهر كلوتيمنسترا واقفة عند جثـتين أجاممنون وكسندرا وبيدها البلطة التي استخدمت للقتـل ) .

إن المسرح والجمهور الإغريقي يشكلان حياة مسرحية متكاملة ، وإن كان المسرح الإغريقي مسرح أخلاقي بالدرجة الأولى ، فلا بد وأن الجمهور جمهور أخلاقي ، ويكفي بأن يتوجه الكثير من الدارسيـن والباحثيـن والمهتميـن إلى الحقبة اليونانيـة لينهلـوا من الينابيـع اليونانية فنونهـم وفكرهـم وعلومهم المختلفة ، أن هذا المجتمع قد أسس دعائـم دولته بشكل تقـف أمامها العقـول بإجلال ، والدولة اليونانية هي المؤسسة لمفهوم الدولـة ، فيقول د. إبراهيم سكر : " إن حكـّام المسرحية اليونانية ، كانوا يتأثـرون بروح الجمهور الذي كان يبدي استحسانه للمسرحية بالهتاف والتصفيق ، وعن عدم الرضا بالصفيـر وبضرب الأرض بالأقدام ، مما يرغم الممثلين على ترك المسرح وتوقـف المسرحية ، ولقـد قال النقـاد : بأن هـذا الشعـب ، هـو جمهـور من العارفيـن يعيـش في ديمقراطية تعـرف الفنون الجميلة معرفة حقيقية ، وتقدّرها أكثـر مما تقـدّرها شعـوب الآن " .


(( المصادر ))
- مجلـة الكويــت ، عــدد149 ، 1 ديسمبــر 1999 م ، الكويـــت ، ص 90 .
(16A) A History Of Architecture, J. C. Palames, New York, Charles Scribner’s Sons, 1975.
- فرد ميليت و جيرالد بنتلي ، فن المسرحية ، ترجمة صدقي خطاب ، دار الثقافة ، بيروت ، 1966م.
- فرانك م. هوايتنج ، المدخل إلى الفنون المسرحية ، دار المعرفة ، القاهـرة .
- د. لويز ملكية ،الديكور المسرحي ، ط3 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1990م .
- حنا سكوانيكوف ، الفضاء المسرحي ، ترجمة أكاديمية الفنون وحدة الإصدارات مسرح عن كلية ويستفيلد جامعة لنــدن ، عـدد 15 .
- د. فاطمة موسى ، قاموس المسرح ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
- أحمد زكـي ، عبقريـة الإخراج المسرحي المدارس والمناهج ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهــرة ، 1989 .
- د. إبراهيم سكر ، الدراما الأغريقية ، دار طرادكو للدعاية والنشر والتوزيع .




أ. مشعل الموسى
الكويـــــت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا