الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فأنونو: السر الدفين

أوري أفنيري

2004 / 4 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في دار السينما يُسمع صوت امرأة تصرخ: "أبعد يديك عني! لا ليس أنت – بل أنت!"

تكمن في هذه النكتة القديمة خلاصة السياسة الأمريكية بالنسبة للتسلح النووي في الشرق الأوسط. "أنتم هناك!، العراق وليبيا وإيران أبعدوا أيديكم. لا يا إسرائيل لست أنت المقصودة".

لقد استخدم خطر التسلح النووي كذريعة رئيسية لاحتلال العراق. وقد فرضت عقوبات على إيران، بعد أن كانت ليبيا قد ذعنت وفككت مرافقها النووية.

إذن ماذا بالنسبة لإسرائيل؟

لقد اتضح هذا الأسبوع أن الأمريكيين هم شركاء كاملين في خلق "الخيار النووي" لدينا.

كيف تم الكشف عن ذلك؟ بواسطة مردخاي فأنونو طبعا.

لقد جرى في إسرائيل، طيلة الأسبوع، مهرجان حول ذلك السجين، الذي خرج يوم الأربعاء إلى الحرية.

لم تتوقف الأجهزة الأمنية عن ملاحقته بعد 18 سنة سجن، قضى 11 سنة منها في حبس انفرادي، وهو عقاب "قاس وبربري"، كما وصفه فأنونو نفسه عند خروجه من السجن. فور "إطلاق سراحه"، فرضت عليه تقييدات قاسية بمقتضى أنظمة الطوارئ البريطانية، التي وصفها في حينه زعماء الاستيطان اليهودي آنذاك بأنها "أسوأ من قوانين النازية".

ليس من منطلق الانتقام لا سمح الله!

لقد أعلن رجال الأمن من على كل منصة بأن هذا ليس انتقاما للفضائح التي سببها فأنونو للأجهزة الأمنية، وليس مجرد تنكيل، بل حاجة أمنية حيوية. يجب منعه من مغادرة البلاد أو التحدث مع الأجانب والصحفيين، لأن لديه أسرارا تلحق الخطر بأمن الدولة.

الجميع تعلمون بأن ليست لديه أسرارا. ماذا يمكن لفني أن يعرف بعد 18 في السجن، فيما تطور العلم النووي في تلك السنين بخطوات سريعة؟

لقد بدأ يتضح تدريجيا ما هو التخوف الحقيقي لدى الأجهزة الأمنية: يمكن لفأنونو أن يكشف أمر المشاركة الوثيقة القائمة مع الولايات المتحدة في تطوير الأسلحة النووية في إسرائيل. لقد أثار هذا الأمر قلق واشنطن حتى أن المسؤول عن شؤون "نزع السلاح" في وزارة الخارجية الأمريكية، نائب وزير الخارجية جون بولطون، قدم بنفسه إلى إسرائيل بهذه المناسبة. فقد اتضح بأن لفأنونو قدرة على إلحاق ضرر جسيم بهذه الدولة العظمى. إنها لا تريد أن تبدو، في العالم، كتلك السيدة في دار السينما المظلمة. (بالمناسبة، بولطون هذا يؤيد تلك المجموعة اليهودية المحافظة الجديدة، التي تشغل وظيفة مركزية في إدارة بوش. إنه يعارض نزع سلاح الولايات المتحدة والدول الواقعة تحت حمايتها، وقد تم غرسه في وزارة الخارجية خلافا لإرادة وزير الخارجية ذاته).

لقد استطاع فأنونو، في سياق التصريحات المقتضبة التي أدلى بها إلى وسائل الإعلام، أن يقول مقولة مبهمة: بأن الفتاة المغرية التي تسببت في خطفه لم تكن أصلا عميلة للموساد، كما كان يعتقد، بل عميلة للسي آي إي. لماذا كان عليه أن يصرح بذلك بهذه السرعة؟



منذ اللحظة الأولى كان في قضية فأنونو أمر شاذ.

عندما سمعت لأول مرة بأمر الرجل، اعتقدت لأول وهلة بأنه عميل للموساد، فكل التفاصيل كانت تشير إلى ذلك.

فكيف يمكن أن نفسر قدرة فني بسيط على إدخال كاميرا إلى أكثر الأماكن حراسة وسرية في دولة إسرائيل؟ وأنه كان يستطيع التقاط مئات الصور في ذلك المكان دون أي معيق؟ رغم أنه كان معروفا لدى كل الطلاب الجامعيين في بئر السبع على أنه يساري متطرف، يقضي معظم وقته بمعية طلاب عرب؟ وأنهم قد أتاحوا لهذا الرجل مغادرة البلاد، بما في حوزته من مئات الصور؟ وأنهم أتاحوا له الاتصال بالصحيفة البريطانية وتقديم مواد للعلماء، مكنتهم من الاستنتاج أن لدى إسرائيل 200 قنبلة نووية!

أليست سخافة؟ لكن الأمر منطقي جدا، لو افترضنا بأن فأنونو كان يعمل منذ البداية في خدمة الموساد. لم يكن لما كشفه للصحيفة البريطانية ألا يلحق الضرر لحكومة إسرائيل فحسب، بل على العكس، كان ذلك سيزيد من قوة ردع إسرائيل، دون أن يلزم هذا الأمر حكومة إسرائيل، التي كان باستطاعتها إنكار ما نشر.

ما أتى بعد ذلك أيضا قوى هذا الافتراض. فبينما كان فأنونو في لندن، في خضم ما كشفه للصحيفة وبينما كانت عدة وكالات مخابرات تتعقب كل تحركته، خاض قصة غرامية مع تلك العميلة. لقد أغرته للسفر معها إلى روما، حيث اختطف هناك مخدرا ونقل إلى إسرائيل في سفينة. هل يمكن لأي شخص أن يكون ساذجا إلى هذا الحد؟ هل كان لشخص طبيعي أن يقع في مثل هذا الفخ الرجعي؟ ليس هذا معقولا. يستشف من هذه القضية كلها أنها لم تكن إلا قصة تغطية كلاسيكية.

إلا أنه عندما كشفت القضية، وعرف بتفاصيل التنكيل اليومي بذلك الرجل، على مر سنوات، اضطررت إلى التخلي عن نظريتي الأولى وأجبرت على الاعتراف بحقيقة كون أجهزة المخابرات لدينا أكثر غباء مما اعتقدت (لم أكن أصدق أن ذلك ممكنا)، وأن كل هذه الأحداث حدثت عن طيب نية، وأن مردخاي فأنونو هو شخص مستقيم ومثالي، رغم كونه ساذج إلى حد يثير العجب.

لا أشك في أن خلفيته هي التي بلورت شخصيته. إنه ابن لعائلة كثيرة الأولاد، كانت تعيش في المغرب متمكنة اقتصاديا ولكنها وصلت إلى البلاد لتعيش في تخشيبة انتقالية، ومن هناك إلى حياة الفقر في بئر السبع. رغم هذا كله نجح هذا الرجل في الالتحاق بالجامعة والحصول على اللقب الثاني، وهو إنجاز يستحق التقدير، غير أنه عانى، على ما يبدو، من التكبر والآراء المسبقة التي تشبث فيها زملاؤه الشكناز. لا شك في أن هذا الأمر ساعده على الانخراط في أوساط اليسار المتطرف، حيث لم تكن مثل هذه الآراء المسبقة سائدة هناك.

لقد كانت مجموعات مراسلي الشؤون الأمنية وغيرهم من المحللين، المرتبطين بالأجهزة الأمنية برباط وثيق، قد نشروا في كافة وسائل الإعلام بأن فأنونو "يتخيل الأمور"، وأن إبقاءه المستمر في الحبس الانفرادي دعاه إلى "إقناع نفسه بصحة ترهات مختلفة"، وأن من شأنه "اختراع أكاذيب مختلفة". وعلى وجه التحديد: المسألة الأمريكية.

أصبح من المفهوم الآن، على هذه الخلفية، لماذا فرضوا عليه هذه التقييدات الصارمة، التي تبدو لأول وهلة مجنونة للغاية. واتضح بأن الأمريكيين قلقين وأن على الأجهزة الأمنية في إسرائيل الرقص على أنغام الناي الأمريكي. يمنع، بأي شكل من الأشكال عن العالم أن يسمع، وبالذات من مصدر موثوق به، بأن الأمريكيين هم شركاء في التسلح النووي الإسرائيلي، في الوقت الذي يتظاهرون فيه كأبطال الحد من نشر الأسلحة النووية.

وكما قلنا: "لست أنت! بل أنت!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|