الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل المرجعيات والوطنية المغيبة

جمال مهدي صالح

2009 / 6 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لكل الشعوب على وجه الارض وعبر التاريخ لها نصيب من المحن والازمات وهذه الازمات هي التي تبلور الموقف الوطني ويتشكل عبره المخيال الاجتماعي لتلك الشعوب وتختلف الازمات في التوصيف حسب المعطيات المولدة للازمة فمنها ماتكون جراء تحدي خارجي او تحدي داخلي والاخير معني بتشكيل الهوية الوطنية معبرا عن ماهيتها اي بمعنى الحراك الاجتماعي social dynamics اما التحدي الخارجي هو مايرسخ الهوية ويظهرها في منطقة التمثل اي بمعنى الحراك التاريخي historic dynamics ويقول توينبي ان التاريخ معادلة طرفيها التحدي والاستجابة ويحدد في فلسفته التاريخية ثلاث مستويات حيث ان التحدي اذا كان كبيرا فانه سيكون ساحقا فالاستجابة ستكون معدومة واذا كان التحدي ضعيفا فانه لايستثير استجابة اما المستوى الثالث اذا كان التحدي متوسطا ومعقولا اي انه تحدي تاريخي فانه سوف يستثير استجابة على قدر هذا التحدي
ان فلسفة توينبي التاريخية بقضية التحدي والاستجابة هي اكثرعمومية وفق المعيار الاوربي للفكر وتنطوي بنفس الوقت على الجانبين المادي والمثالي وتبدو بعد التعمق بمقولاتها انعكاسا للاكاديمية الانكليزية الكلاسيكية للتاريخ
في حين وظف هيجل الحراك الاجتماعي والتاريخي كجدل يتمثل بالدولة عندما جعل الفلسفة مؤسسة خدمة عامة تنضوي تحت جناح الدولة المعقلنة ويعتبر الدولة المعقلنة اعلى مراحل التاريخ اي بمعنى نهاية التاريخ من حيث هي( الدولة) التمظهر الحقيقي للعقل وان العالم الواقعي هوتمثل لتجليات العقل ليؤكد (كل ماهو واقعي عقلي وكل ماهو عقلي واقعي) وبالتاكيد يفرق في مفهوم التاريخ كعلم تقليدي ومقولة التاريخانية حيث التاريخ كعلم لم يعد كما كان بعد هيجل و اعتبر التاريخ محتويا للثقافة اي انه اشتمال وتظمين والتاريخانية هي تمظهر للحراك الاجتماعي وانه سيرورة تفضي الى تمثل والمحرك الاساس فيها الروح المطلق وعدى ذلك سيكون عبارة عن فوضى ( التاريخ عينه سيكون بالضرورة عرضة لتقلبات ولن ينعم بالثبات مالم يفترض تمثلا محدودا) وهذه السيرورة والتمثل الضروري عند هيجل هي الدولة بصورتها العقلانية 000 ورغم المثالية المفرطة بفكرة (الروح المطلق) الا ان الجدل الذي وظفه في عملية التطور التاريخي (000 نفي النفي0000 الخ) كان الاساس الذي ستعتمد عليه المادية التاريخية لماركس

لقد اولت الماركسية بشكل عام المكانة المهمة للتاريخ ونشدد هنا على انه لايقصد التاريخ المجرد الكارنولوجي اذ يقول ماركس في العائلة المقدسة (التاريخ لايفعل شيئا انه لايملك ثروة هائلة انه لايخوض اية معارك ,الانسان,الانسان الحي هو الذي يفعل كل ذلك0000 التاريخ ليس شيئا غير نشاط الانسان نحو اهدافه) اذ يعتبر ماركس التاريخ الحقيقي هو ما يتماهى مع المجتمع والذي هو بالضرورة محايث لتقسيم العمل عبر مراحل التاريخ ويطبق الجدل الهيجلي بصورة عكسية عبر المادية الجدلية والمادية التاريخية وينفي اي مؤثر غيبي وميتافيزيقي يتم بموجبه تبرير سرقة انتاج الانسان واستغلاله اي انه يلغي مقولة الروح المطلق ويصل الى حتمية ان التاريخ هو الصراع الطبقي تخوض فيه البروليتاريا نضالها الطبقي ضد الراسمالية وتنتصر فيه بالنهاية وفق الشروط التاريخية التي تحتمها المادية التاريخية

000 لقد ربط ماركس الانسان كنشاط بالمجتمع ولاينظر الى الفرد كوحدة سكونية (unite static ) وانمايعتبر الفرد كعملية تاريخية (processul historic ( فيذكر في المخطوطات (فكما ان المجتمع ينتج الانسان كانسان كذلك فان الانسان هو الذي ينتج المجتمع ولايمكن للاهمية الانسانية ان توجد الا للانسان الاجتماعي – ليست مادة نشاطي- مثل اللغة التي يستخدمها المفكر- هي وحدها التي تعطي لي كنتاج اجتماعي 0 ان وجودي ذاته نشاط اجتماعي00 ومع ان الانسان فرد فريد وهذه الخصوصية هي بالضبط ما يجعله فردا -الا انه وبالقدر ذاته الكل- يحقق الانسان وجوده المتعدد الاطراف بطريقة كلية الشمول وبالتالي كانسان شامل فكل علاقاته الانسانية بالعالم- البصر والشم والتذوق واللمس والتفكير والملاحظة والاحساس والرغبة والعمل والحب – باختصار كل اطراف فرديته مثلها في ذلك مثل الاطراف الجماعية مباشرة في شكلها هي في واقعها الموضوعي 000 استيلاءعلى هذا الموضوع استيلاء على الحقيقة الانسانية )

تخلص الماركسية الى مقولات جوهرية في تفسير التاريخ الا وهي ان مايحرك الناس دافعان لاثالث لهما وهما (المصالح) او(الافكار) اوكلاهما 0

وقبل ان نغادر الفرض الماركسي في التاريخ لابد لنا ان نعرج على التاويل التقدمي لطبيعة السيرورة التاريخية وهو ماقام به المفكر الشيوعي غرامشي في قراءته للماركسية واظهار طبيعة منهج قيادة الحراك التاريخي من خلال ازمة الهيمنة (hegemony ) وتشكل الكتلة التاريخية (historic bloe ( خلال لحظات الهيمنة ودور المثقف العضوي في تخليق الكتلة التاريخية وتكمن اهمية طروحات غرامشي عن كونه قد وضع ستراتيجية البراكسيس (praxis = ممارسة/ تطبيق )

يحلل غرامشي مراحل الوعي الانساني في علاقتها مع نمو البنية الاقتصادية للمجموعة ويقسمها الى ثلاث لحظات وهي ما يسميها ب( ظهور الهيمنة )


اللحظة الاولى : ويسميها بالمرحلة (الاقتصادية الفئوية ) حيث يقوم البشر بالانتاج دون وعي او ادراك بما يوحد بين التاجر والتاجر والحرفي بالحرفي فبحكم العلاقة بين الانسان وعمله هو ادراك بالمصلحة المباشرة وتترتب الادوار دون ان يتدخل الفرد في التاثير على سيرها 0


اللحظة الثانية : تكون هذه المرحلة في اطار البنية السابقة نفسها وهي مرحلة ادراك او تقييم ما لدرجة (التجانس ) والوعي بالذات وبالتنظيم الذي وصلت اليه الفئات المختلفة فيستمرالتاجر بالتاجر والحرفي بالحرفي حتى مرحلة اخرى يشعر فيها كل منهما بالاخر ويحدث التوحيد بين المصالح المختلفة , لكن يبقى ذلك على مستوى اقتصادي خالص 0


اللحظة الثالثة : لحظة (تجاوز ) الفئة ويتشكل الشعور بان هناك ضرورة لان تتحول مصلحة مجموعة اقتصادية ما الى ان تصبح مصلحة مجموعات اخرى تندرج تحتها هذه هي المرحلة السياسية التي ترى تحقق المرور من البنية الى البنية الفوقية المركبة 0 هنا تحدث الرغبة في توحيد المصالح , السياسية , والاقتصادية , والفكرية , والاخلاقية , ويقول غرامشي ان هذا لايتم الا اذا طرحت جميع القضايا التي يتكثف حولها الصراع , ليس على مستوى فئوي بل على مستوى كلي (universal ) بانشاء هيمنة مجموعة اجتماعية اساسية على سلسلة المجموعات الخاضعة لها 0

وهنا يتحقق جهاز الهيمنة ويقول غرامشي (عندما يتحقق جهاز الهيمنة , بقدر ما يخلق ارضية ايديولوجية جديدة , يحدد اصلاحا لوعي البشر ومناهج للمعرفة فيكون حدثا معرفيا , حدثا فلسفي
2
ان تحقق الوعي السياسي يشكل المرحلة الاولى للوصول الى الوعي بالذات التدريجي ومن ثم ينتقل الانسان الى توحيد الارادات ويسمي غرامشي هذا التوحيد ادراك الثقافة الواحدة في مرحلة من نمو المجتمعات , هي لحظة توحيد الارادات , فيتجذر الاساس الفكري الى توليد العشق الجماعي , والفعل الذي يكتسب قوة الاعتقادات الشعبية 0

ورغم ان ما ذهب اليه غرامشي هو تحقق دكتاتورية البروليتاريا الا ان هذا المنهج هوتطبيق لخلق التاريخ ونظرة ثاقبة للحظة السيرورة الوطنية 0
ان لحظة ظهور الهيمنة هي ظهور الكتلة التاريخية التي ستقود التغيير0 ويفرق غرامشي بين وعي الانسان بانه جزء من قوة مهيمنة ( المثقف العضوي ) وبين الحس العادي للانسان في فعله اليومي ( المثقف التقليدي ) فالحالة الاخيرة هو الوعي نظريا عن الموقع (للانسان ) الصراعي في حياة البشر بينما يكون الوعي بالحالة الاولى عندما يندمج الانسان مع اخرين لتحويل الواقع الفعلي ان هذا الوعي هو الوعي بالذات في عملية نقدية ينتقل الانسان الى توحيد الارادات المشتتة نحو الهدف الواحد عبر المفهوم المشترك للعالم 0

فالكتلة التاريخية هي (تكون البنية والبنى الفوقية (كتلة تاريخية) اي ان المجموع المركب , المتناقض, المتنافر للبنى الفوقية هو انعكاس لمجموع العلاقات الاجتماعية للانتاج 0

خلاصة؛
المرحلة الاقتصادية الفئوية --------> مرحلة التجانس ----- مرحلة التجاوز

لم تثر افكارغرامشي وتاويله التاصيلي للماركسية الانتباه الا في حدود عام 1968 عندما اخذت المدى الواسع لما فيها من محمولات في غاية الاهمية ورغم انها للحظة الراهنة لاتزال ميدانا بكرا للبحث والدراسة وتكشف عن عبقرية فذة وقدرة فائقة على التحليل والابداع وكيفية التمثل وفق منهج جدلي خاصة عندما وضع ستراتيجية للحراك التاريخي 0
اي بصورة اكثر وضوحا وضع الخطوط الرئيسة والتفاصيل للحظات خلق الحراك التاريخي وتوليد السيرورة التاريخية وفق ستراتيجية البراكسيس 0

وقد انعكست افكاره وهي مجموعة مذكراته المعروفة ب( دفاتر السجن ) و( الامير الحديث )
على مدارس فكرية مهمة منذ منتصف ستينات القرن المنصرم ولحد الان 0000 فقد استنبطت البنيوية جدلية المنفصل والمتصل من لحظات الهيمنة الغرامشية 000

ان البنيوية ترى ان لحظة ما في تاريخ ما تفصح عن نفسها عبر نفسها وحدها ليس الا , وذلك
وفق ثنائية التجاوز مابين المنفصل والمتصل ولنوضح ذلك يشكل مبسط 000 ان التجاوز هو تاريخية التقدم 000 اي لحظة الانتقال 00 من 000 الى00 هذا التجاوز عبارة عن لحظتين حاسمتين هما الحفظ Aufbewahrung والرفع Aufhebung تتداخل الواحدة منهما في الاخرى وتفعل فيها باتجاه بنية تحقق من الجدة بقدر ماتقطع نسبيا مع سابقاتها وبقدر ما تمثل امتدادا لها ولنوضحها بالتخطيط الاتي :

( جدلية الاتصال والانفصال )
الحفظ
التجاوز---- --- عملية التحول من0000 الى ( تحصيل الحاصل tautologies )
الرفع
3

والبنيوية عندما تعالج قضية وفق الانفصال والاتصال لصالح ( التفاصل والقطع والجب ) هي ازمة تتجاوز البعد القطاعي (ازمة قطاعية )000 ( لقد نقل محمد عابد الجابري هذه التفاصيل وتلاعب بها دون ان يشير الى مصادرها )

وعلى كل حال علينا ان نذكر 000 ان الماركسية كفلسفة عندما طبقت على ارض الواقع من خلال التجربة الشيوعية ابان الاتحاد السوفيياتي ودول المعسكر الاشتراكي – اضاعت قيمتها النقدية في الفلسفة بقضايا الازمنة والازمات وتحول القول الفلسفي فيها الى الصيغة المؤسسية محدد الماهية ودفعت الفلسفة نحو الايديولوجيا ولم ينخرط المنهج العلمي في النضال ضد التاريخ المستبد (الراسمالي ) بل يمكن القول انه صار مسوغا له وتحول نضال ضد الفرد من اجل الحزب وبالتالي ضد الحزب من اجل الفرد – القائد اي بمعنى تحولت دكتاتورية البروليتاريا الى دكتاتورية الحزب ومن ثم الى دكتاتورية الفرد – القائد –


كان لهذا الاستعراض الانتقائي غائية وحزمة ادوات معرفية لما سوف نتكلم عنه لاحقا في هذا الخطاب وقد ركزت على ثلاث مدارس فكرية في فلسفة التاريخ اذ لاتزال هي من بين الاصوليات الكبرى والتي تمثلت في الواقع فالمدرسة الانكليزية الكلاسيكية تمثلت بالتاريخ الكولينيالي منذ نهايات القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين 00 والهيجلية المثالية تمثلت في نموذج الدولة الحديثة والمعاصرة في اوربا الغربية 000 والماركسية تمثلت بالاتحاد السوفيياتي ودول المعسكر الاشتركي

في المقايسة بمقولة التحدي والاستجابة على الواقع العراقي وفي حيزين من تاريخه الاول ابان الاحتلال البريطاني حيث لم يشكل الاحتلال البريطاني التحدي التاريخي وذلك لعوامل0 عدة اهمها:
أ‌- ان عملية السيطرة البريطانية كانت عبارة عن تبدل في عملية الاحتلال فالعراق خرج من الاحتلال العثماني ليدخل في حوزة الاحتلال البريطاني 0
ب‌- ان الواقع الاجتماعي والاقتصادي للعراق كان عبارة عن مرحلة (قبل الراسمالية) في جانبه الاقتصادي ومرحلة مجموعات اثنية منعزلة من الجانب الاجتماعي0
ت‌- بدات عملية الاستجابة على التحدي للاستعمار البريطاني بعد عقدين من زمن الاحتلال وذلك بعد تشكل شعور وطني وقد ادى تاخر ظهورالاستجابة الى تقويض فرص قيام عقد وطني عراقي وذلك بسبب السياسة البريطانية والتي تمكنت من السيطرة على مفاتيح اللعبة السياسية التي شكلتها في الواقع العراقي0

اما الحيز الثاني وهو عملية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية حيث لم يشكل هذا الاحتلال عملية استجابة من قبل العراق رغم وجود دولة ومؤسسات وذلك للاسباب التالية :
أ‌- ان التحدي كان ساحقا بحيث لم تتولد استجابة
ب‌- سطوة النظام الدكتاتوري وتمزيقه للبنية الوطنية جراء حماقات الحروب والحصار الاقتصادي 0
وفي عمل تاريخي غير مسبوق عملت الادارة الامريكية على استثارة الواقع العراقي لتخليق عملية استجابة وهو ماعرف بالفوضى الخلاقة ادت في النهاية الى ظهور مشروع مصالحة وطنية والغرض من ذلك فائدة للطرفين ولايتسع مجال البحث هنا لتداوله 0
4
اما بالنسبة للدولة العقلانية المعاصرة والمستمدة من نموذج الدولة الهيجلي هو ما افتقده العراق وكان سبب تغييبه الاحتلال البريطاني وفسح المجال للتنافذ الاقليمي بمرجعياته على الساحة العراقية وهو ماسوف نستعرضه لاحقا 0

وتناولت الفكرة التقدمية ولحظات الهيمنة الغرامشية وذلك لاعتقادي ان حاجة العراق الحالية هو خلق كتلة تاريخية تخلص الى وضع عقد اجتماعي وطني بعيدا عن اي تاثيرخارجي 0



اننا عندما نحاول ان نبحث في الشان العراقي لابد لنا من تبني محورين الاول و هو يجب ان تكون لنا قراءة تاصيلية تاخذ كامل المدى لننتقل فيما بعد الى المحور الثاني والاهم هو التحليل النقدي
اي اثارة الاسئلة المنهجية التي تتناول اواليات الواقع مبتعدين قدر الامكان عن الاسقاطات الديموغوائية في حال المقايسة مع الاسنادات المعيارية وعزل الاباطيل الموروثة او المعطيات المسلطة التي تنتجها المرحلة الراهنة والتي هي بدورها نتائج وليست اسباب 0

في بعض الخطابات العراقية او التي تتعرض للشان العراقي وفي ضوء ما تتناوله عن طبيعة الصراع والتناقض للمكونات العراقية نتحدث بشكل خاص عن جدل الهويات او تصارع الهويات الفرعية 000 وهذا الحديث المفترض على ماننظر اليه وبعد التدقيق نجده بعيدا عن الواقع وهو حديث معني بظاهر الامور وسنحاول ان نصيغ الاسئلة بمنهجية اخرى ونستثير منها الاجابات000 اذ ان السؤال المنهجي فيما يفترض ان يبدا بالعلية بالبحث عنها (العلة) لاان يتمسك بثوابت لا يستطيع ان ينجو من التناقضات الاكسومية ان وقعت000

ونطرح الاسئلة كالاتي : هل هناك في العراق جدل هويات ؟ ام هناك جدل مرجعيات ؟

هل هناك هويات فرعية ؟ وهل هناك وطنية غائبة ؟

ام وطنية مغيبة ؟

وقبل الشروع في مناقشة الاسئلة التي افترضناها علينا ان نخرج بعض الافتراضات الاصطلاحية من متاهة المعنى البلاغي المترهل المرسل الى دائرة المفهوم العلمي فمقولة جدل (Dialectic )

في المعنى البلاغي للخطاب العراقي والعربي عموما تتخذ مفهوما فضفاضا وعشوائيا وحتى على المستوى المعياري الغربي لاتخلو من محمولات مختلفة الا ان الخطاب الغربي عندما يوظف هذه الكلمة يحدد نوع المحمول وحتى لانربك القارىء نحيله الى الحاشية (*)

وعودة على السؤال الاول 00 عن جدل الهويات000 اذ ان المعنى الذي يطرحه السؤال وحسب مافهمنا منه ان الجدل يراد به الصراع او التناقض ولاباس بهذا القدر من المعنى 000 ولكن هل هل هناك صراع هويات على ما يبد و الامر وهل هذه الهويات هي بنى ؟ نعم انها بنى ولكنها لاتفصح عن ذاتها بالقدر الذي تتسق فيه ضمن سياقات وانساق خارج دائرة السياقات الوطنية

5
اذ انها تمارس وظيفة هذه الانساق في محيطها الحيوي المفترض بشكل عام ان هذه البنى تمثل امتدادات اقليمية ودولية على الاقل من الناحية الوظيفية اذن وفق هذه الصورة يكون صراع البنى

صراع بالنيابة عن هذه الامتدادات وهذه البنى لم تتبلور من ناحية الماهية والذات والصراع الحقيقي هو صراع مرجعيات وهذه الاخيرة هي التي حددت حركية هذه الهويات 000 وعليه
يسقط لدينا توصيف الفرعية على اعتبار ان هذه الهويات لوكانت فرعية فهي فرعية لمن ؟ اذ لاتوجد هوية معيارية متفق عليها ظمن محيطها الحيوي تقاس بها عن كونها فرعية من عدمه

وعندما نتوجه للسؤال الاخر 000 هل هناك غياب ام تغييب للوطنية العراقية000 ربما هناك غياب للمشروع الوطني العراقي عبر تاريخه ولكن هذا لايبرر غياب ا لوطنية فاذا افترضنا هذا يكون فعل الغياب قضية مرتبطة بمقدارالوعي و المصالح سواء ماكان منها متحقق او مفترض
ففي اسوء الحسابات لن يكون فعل الغياب يحمل صفة ذاتوية00 ولاتتوفر لدينا صورة صراع اجتماعي بالمعنى الكامل ولاصورة صراع طبقي وعلى ماتقدم تكون الوطنية العراقية قد غيبت بفعل المرجعيات المتنافذة على العقل الجمعي بفئاته سواء كانت هذه المرجعيات اقليمية راهنة او على شكل راسمال رمزي 0 ان كل مانقوله والحال كذلك هناك غياب للمشروع الوطني العراقي امام حضور قوي لمشاريع اخرى تقوض اي فرصة لحضوره 0

-------------------------------------------------------------------------------------
(*) حملت هذه الكلمة انواعا من المعاني الكثيرة لدرجة انها لم تعد قابلة للاستعمال استعمالا مجديا الا اذا
جرى توضيح المعنى الذي تستعمل فيه , ولايزال ثمة مجال , حتى مع هذا التحفظ , للمجابهة والمواجهة
مع هذه التداعيات غير الصحيحة التي نخشى ان نوقظها على هذا النحو 0000 ويتوسع لالاند في المعاني
التي تحملها غير ان ما يهمنا هنا المعنى (ه) ( هكذا وردت في موسوعة لالاند ) : يطلق هيجل (( لحظة
جدلية )) على الانتقال من حد الى حد اخر يكون مناقضا له وعلى التحفيز الذي تقدمه للعقل , الحاجة الى
تخطي هذا التناقض 0
وفي الماركسية تاخذ معنى المتحرك , المتقدم , المتطور , او حالة اخرى 0 ( اندريه لالاند 0 موسوعة لالاند الفلسفية 0 مج 1 ص 274

















6

ولنحاول ان نطبق قراءة للتاريخ القريب للدولة العراقية ( حكومة وشعبا ) وفق ما اسلفنا من حيث اكتشاف مكامن الخلل التي ادت الى تقويض المشروع الوطني وصراع المرجعيات الامر الذي ادى بطبيعة الحال الى تغييب الوطنية 0

ان المجتمع العراقي عشية الاحتلال البريطاني وخلاله يتمايز الى واقعين الاول عشائري منغلق
نمطه الاقتصادي اقطاعي قروسطي خاصة في الجنوب وكردستان اذ امتاز بالسخرة وحتى الرق , اما الثاني فكان مجتمع المدن على ضفاف الانهار والصفة الغالبة له الجيتوات وخاصة بغداد وكان مجتمع المدن يمتهن الصناعات البدائية وبعض الممارسات التجارية ورغم ما تشير اليه المصادر من وجود حركة تجارية وخاصة في بغداد والموصل والبصرة ومصارف ونقل
الا ان انها هذه الحركة التجارية لم تخلق طبقة بالمفهوم الاجتماعي وانما كانت تجمعا رقيقا لايصمد امام المد العشائري بشكليه ( الريفي والبدوي ) 0

ان تشكيل العراق الحديث بعد مؤتمر القاهرة هي نقطة التاسيس للدولة العراقية و للمرة الاولى في التاريخ وبعد جملة من الاسقاطات السياسية وتوزيع المغانم بين الدول المنتصرة وتكوين خارطة كولينيالية جديدة استحدث بموجبها حكومات ودول , من كل هذا كان نصيب الدولة المستحدثة (العراق ) ان تشكل حكومة عراقية وعلى راسها فيصل بن الحسين وهو لاينتمي الى اي ولاية من ولايات الدولة المشكلة الثلاث وكان الملك وفق القرارات البريطانية والدستور العراقي انذاك يتمتع بصلاحيات واسعة منها حق اقالة وتشكيل اي حكومة ان ما يهمنا من هذا ان البنية الفوقية المشكلة والمتمثلة بالملكية هو بمثابة قرار عدم تشكيل مرجعية سياسية وطنية عراقية اي انه الدولة اسست وربطت بمرجعيات اقليمية ودولية 0

وعندما تنامى التعليم في العراق وهو نتيجة حتمية لمسيرة الدولة وقد ادى هذا التنامي الى تكوين جيل لديه مشاعر وطنية ترجمت الى مواقف وطنية في مقدمتها مقاومة الاحتلال البريطاني وبقدر ما تبلور موقفا وطنيا كان هناك موقف قومي عروبي ممتزج به كانت ذروته في منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم توج بحركة الكيلاني والعقداء الاربعة وكان انحياز الملكية للجانب البريطاني ضد هذا الموقف خاصة بعد استعادة الامور الى نصابها من خلال استخدام القوة البريطانية قد وسع الهوة بين الملكية كبنية فوقية والشعب وقد رسخ هذا الحادث المناخ القومي وفق مايطلق عليه بعلم الاجتماع مؤسسة العواطف الجماعية ويلاحظ خلال تلك الفترة تراجع التطرف الشيوعي للقضية الوطنية العراقية بسبب تحالف روسيا السوفياتيية مع بريطانيا ضد هتلر ودول المحور , ورغم ان الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد كان قد ارسى الطابع الوطني له واكد محليته والتصاقه بكل القضايا العراقية الا ان الحزب بعد فهد وخاصة عند ظهور عزيز شريف مسؤول انصار السلام اصبحت مرجعيته بعد الاممية ل( خالد بكداش ) سكرتير الحزب الشيوعي السوري 0

لقد خلقت الحالة السابقة موجة من الوطنية المشبوبة بالاسقاطات القومية مما ادت الى تحالف سياسي لبعض الاحزاب الوطنية العراقية والاحزاب ذات الرؤية القومية كان ثمرته ثورة 14 تموز والتي تعتبر وفق اقل المقاييس انتصارا للوطنية العراقية رغم انها لم ترسخ كمشروع وطني عراقي متبلور في العقل الجمعي , وقد شكل اصحاب التيار القومي حصان طروادة في جسم هذه الوطنية الغضة والتي لم تتصالب اذ كانت مرجعيتهم الام في سوريا ومصر حتى تم توصيف توجه عبد الكريم قاسم العراقي بالشعوبي من قبل حزب البعث والمعروف ان ولاء البعث للمرجعية السورية والتيار القومي لجمال عبد الناصر وقد دلت الوثائق على تدخل هذه المرجعيات بشؤون العراق خلال حركة عبد الوهاب الشواف وكشفت عن صلة الربط الممثلة ب (عبد الحميد السراج ) وتجهيزه للحركة بالمعدات وبعض الاسلحة 0
لقد اكدت الاحداث التي اعقبت انقلاب 1963 عمق تاثير المرجعيات واندحار المشروع الوطني العراقي فخلال حكم البعث القصير ونشوب لصراع بين افراد قيادته وانشقاق الاخيرة الى جناحين كان ميشيل عفلق قد قدم للعراق من اجل حل النزاع ولم يعلم رئيس الجمهورية ولاحتى الدولة بشكلها الرسمي عن زيارته وتصرف على اساس انه المرجع الاعلى للعراق 0

وعندما قوض عبد السلام عارف سلطة البعث كان قد اعلن عن مرجعيته لجمال عبد الناصر على الاقل في بداية حكمه بعد سقوط البعث 0

وعند عودة البعث في 1968 كان قد خلق مرجعية هوامية ممثلة بالقومية العربية كراسمال رمزي وعلى امتداد اكثر من ثلاث عقود دول مؤسسات الدولة بالكامل لهذا الراسمال الرمزي0

وحتى بالنسبة للمرجعيات الدينية وخاصة بعد 9/4/2003 فالسنة اعتبروا مرجعيتهم العالم السني وانهم امام خطر تكون هلال شيعي يهددهم وعلى العكس منهم كان الشيعة قد دفعوا باتجاه ايران وخاصة بعد الانتفاضة الشعبانية 0 ان الكلام عن المرجعيات الدينية وتاثيراتها والتي لا تزال تملك القول الفصل في القرار السياسي للوقت الراهن لايتسع له مجال البحث هنا 0

واخيرا ليس لنا الا ان نقول انه لم يبتلى شعب من الشعوب مثلما ابتلى الشعب العراقي في اشكالية هويته الوطنية ولاحتى اكثر الشعوب التي استهدفت عبر التاريخ في محاولات مسخ هويتها مثل بولندا التي محيت من الخارطة لاربع مرات ففي سنة 1795 زالت من خريطة اوربا وقبلها في 1792 وزعت الى جيرانها وعزز هذا التقسيم في معاهدة 1793 وعندما شكلت ثقلا على الضمير الاوربي اعيدت الى الوجود واضيف اليها الممر البولوني الشهير( polish corridor ) وكانت هذه الاضافة المدعاة لازالتها للمرة الرابعة من الخارطة على يد المانيا النازية , ورغم كل هذا التاريخ الماساوي لم تغيب الوطنية البولونية وحتى عند انضمامها قسرا للمعسكر الاشتراكي لم تقوض هذه الوطنية , وهذا يوكد لنا ان العراق قد غيبت وطنيته منذ التاسيس ولم يمر بلحظة التوليد الوطنية0 ولم يحظى بالفرصة التاريخية الحقيقية بحكم تنافذ المرجعيات على اختلاف هوياتها وادوارها التاريخية حيث كانت باستمرار تقوض فرص نمو المشروع الوطني العراقي 0

وانا اعتبر ان مرحلة التاسيس الثانية هي بعد 2003 وهي فرصة لتاسيس عقد اجتماعي وطني تحكمه المصلحة اولا وضرورة البقاء ولحظة هيمنة للوطنية العراقية تلفض تاثير المرجعيات اللا وطنية وتفسح الطريق لظهور الوطنية العراقية 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة