الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المناورة

محمد السهلي

2009 / 6 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


تصاعد الحديث في أوساط سياسية مختلفة عن أزمة متوقعة بين واشنطن وتل أبيب على خلفية مضمون الخطاب الذي ألقاه باراك أوباما في القاهرة في الرابع من الشهر الجاري. ووصلت توقعات أو (تصورات) بعض هذه الأوساط إلى إمكانية حدوث انعطافة في العلاقة التقليدية بين البلدين عنوانها بدء إطلاق سهام النقد الأميركي تجاه سياسة نتنياهو وحكومته، وربما وصولا إلى ممارسة الضغط عليها على صعد مختلفة.
وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن الأسس التي بنيت عليها هذه التوقعات، ولماذا يتم تجاهل التجارب السابقة بين البلدين التي لجأت فيها الحكومات الإسرائيلية السابقة إلى تدوير زاوية الخلاف بينها وبين حليفتها الكبيرة وتوجهها بمناورة سياسية تتمكن من خلالها من وضع خصومها في الزاوية الضيقة.
فلم يمض سوى أيام قليلة فقط على جلبة الصراخ في إسرائيل نقدا لخطاب أوباما ولسياسة الولايات المتحدة الأميركية «الجديدة» واتهام واشنطن بـ «الانحياز للأعداء» حتى برز حديث عن شيء مختلف تماما. فقد أعلن بنيامين نتنياهو (7/6/2009) أنه في معرض بلورة رؤية سياسية سيقدمها في خطاب يلقيه في جامعة بار إيلان (16/6/2009)، في وقت تحدثت فيه أوساط الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس عن انهماكه ونتنياهو في إعداد خطة مشتركة لتحريك المفاوضات، ليس فقط مع الفلسطينيين، بل وأيضا ـ كما قالت هذه الأوساط ـ بالنسبة للتسوية الإقليمية وتطبيع العلاقات مع الدول العربية. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد نصح شريكه بالائتلاف ورئيس حكومته نتنياهو بأن من الأفضل للأخير أن يتعامل مع فكرة الدولتين، إذا كان يرغب بمواصلة الحوار مع الأميركيين في الملف الإيراني.
يدرك المتابعون أن اقتراب نتنياهو من ملف الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعناوينه الرئيسية وإعطائه الأولوية على الموضوع الإيراني، سينعكس على استقرار الحكومة الائتلافية ربطا بمواقف شركائه واستنادا إلى نصوص الاتفاق الائتلافي للحكومة. هنا تنقل الأوساط المحيطة برئيس الوزراء الإسرائيلي بأن التغير المتوقع من قبل نتنياهو هو الخطاب الذي سيلقيه ليس إلا، وأن انعطافته الظاهرة هذه ستكون في الأقوال وليس في الأفعال، وفي تفاصيل أكثر يفرجون عن بعض العناوين في «رؤية نتنياهو» بعضها يتعلق بالموافقة على قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وغير ذلك من العناوين التي سبق لحكومات إسرائيلية طرحها ورفضت فلسطينيا.
إذن، ينتقل هنا نتنياهو من موقع الرفض لمطالب الإدارة الأميركية بما يخص الاستيطان وحل الدولتين، إلى موقع المناور الذي يطرح عناوين افتراضية يأمل بأن تلقي الكرة مجددا في الملعب الفلسطيني من زاوية توقع رفض اقتراحاته، كما رفضت اقتراحات سابقيه من رؤساء الحكومات الإسرائيلية. وفي جعبته خطاب موازٍ يوجهه إلى الإدارة الأميركية يتعلق بوضع ائتلافه الحكومي الذي يشكل، برأيه، معيقا لقدرته على الدخول في الحل السياسي إلى أبعد من ذلك.
ومن باب تهدئة خواطر شركائه في الائتلاف، يعيد إلى الأذهان التحفظات الإسرائيلية التي قدمها شارون على خطة خارطة الطريق (14 تحفظا) مما جعل مراقبين في حينها يطلقون عليها اسم «خارطة طريق شارون».
ويلفت الانتباه هنا أن حديث نتنياهو عن خطة إسرائيلية «جديدة» إنما جاء قبيل وصول المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل إلى إسرائيل، الذي يجد نفسه أثناء لقاءاته بالمسؤولين الإسرائيليين في جو من الترقب، على اعتبار أن المستوى السياسي هناك بصدد صياغة خطة سياسية إسرائيلية «جديدة»، وبالتالي فما على ميتشل في هذه الزيارة سوى الانتظار عما سيعلن عنه لاحقا. وهنا نجح نتنياهو على جبهتين، الأولى: إبعاد أو تأجيل الخوض في تقابل المواقف مع الإدارة الأميركية، ومن جهة أخرى، يحيل الخوض في المواضيع الرئيسية إلى مدى زمني آخر، فيما كانت السلطة الفلسطينية في رام الله تنتظر وصول ميتشل «وكلها أمل» للبحث في آليات تطبيقية لما جاء من وعود على لسان أوباما في خطابه الأخير.
كانت إدارة أوباما قد أشارت في وقت سابق إلى أنها لن تتعامل في حال بدء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كالإدارة السابقة، التي نأت بنفسها عن التدخل بينهما، وتركت اتجاهات الحل لما يتوصل إليه الجانبان.
هنا يسعى نتنياهو ومن خلال مناورته الأخيرة إلى وضع الإدارة الأميركية أمام واقع يفرضه جوهر اقتراحاته السياسية على الفلسطينيين، وهو نشوء فجوة كبيرة بين ما تطرحه حكومته وبين ما يطالب به الفلسطينيون، وبالتالي سيتوجه إلى الإدارة الأميركية بطلب المساعدة على «جسر الهوة بين الموقفين»، وهو الشعار الذي كانت ترفعه دائما كوندوليزا رايس في كل زيارة من زياراتها المكوكية إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وفي حال العودة إلى هذه المعادلة فإن معايير الواقع السياسي والميداني ستفرض نفسها مرة أخرى لتضع الولايات المتحدة الأميركية أمام مفاضلة بين موقفين، موقف السلطة الفلسطينية وموقف الحكومة الإسرائيلية، التي سيكرر رئيسها دائما حجته بمواقف ائتلافه الحكومي، ولا يعتقد المراقبون أن واشنطن ستتجاهل ما تسميه أهمية الاستقرار الحكومي في إسرائيل.
من جانب آخر، يضع نتنياهو رؤساء الأحزاب المؤتلفة في حكومته أمام حالة الترقب التي يعيشها حزب «كاديما» بانتظار نشوء خلاف سياسي بين أطراف الحكومة يمكن أن يؤدي إلى انفراط عقدها واحتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يستعيد فيها «كاديما» المبادرة وتنتقم ليفني لنفسها بعدما خطف نتنياهو مقعد رئاسة الحكومة، وهي كادت تعتليه.
في الجانب الفلسطيني، لا يبدو أن السلطة تمتلك عمليا أكثر من التفاؤل الذي جاء به الرئيس محمود عباس والوفد المرافق، من واشنطن إثر زيارته لها في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وهو الذي كان ينتظر البدء بتطبيق وعود التي سمعها هناك، من خلال الضغط على إسرائيل، لوقف الاستيطان وإلزامها قبول حل الدولتين على حدود العام 1967.
التساؤل الآخر هنا، ما الذي ستضعه السلطة الفلسطينية على جدول أعمالها في حال نجاح نتنياهو في الخوض بمناورته السياسية والإيحاء أمام المجتمع الدولي أنه يبحث في الحل السياسي ولا يرفضه، بكل ما يعني ذلك من إضاعة المزيد والمزيد من الوقت الفلسطيني الحرج، وفي ظل حالة فلسطينية منقسمة على نفسها، وينتقل فيها التوتر من قطاع غزة إلى الضفة الفلسطينية. وربما تبقى الاحتمالات الصعبة مفتوحة على الأسوأ مادام الحوار الفلسطيني في جموده القائم مع تصاعد الاتهامات وحملات الاعتقال المتبادلة بين كل من فتح وحماس.
وتساؤل إضافي يتجاوز حدود السلطة الفلسطينية باتجاه فصائل وقوى العمل الوطني الفلسطيني، وما يمكن أن تتوصل إليه في مواجهة حالة المراوحة المتوقع نشوؤها في حال تقدم نتنياهو على سكة المناورة السياسية التي ستقدم بالضرورة إلى جانبها رزمة أخرى من المطالب الأمنية، كشرط إما لبدء المفاوضات أو للتقدم فيها دون أن يوضع هدف سياسي لهذه المفاوضات يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية العتيدة التي يطالب بها الفلسطينيون على أراضي العام 67 وعاصمتها القدس. ويتوقع المراقبون أيضا إلى جانب رزمة المطالب الأمنية، المطالب المسبقة والتي تكررت في محطات عدة وأولها التخلي عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، وهو موقف تتفق فيه واشنطن مع تل أبيب بشكل كامل، وكذلك الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وهو أيضا مطلب أو شعار لم يغب عن لسان جورج ميتشل في لقائه بشيمون بيريس مؤخرا. وهو ما يعني أن هذا الحراك السياسي على مستوى القضية الفلسطينية إنما جاء على مستويين فقط. المستوى الأول هو التصور الأميركي بالعناوين العامة التي طرحت، والمناورة الإسرائيلية على لسان نتنياهو بعناصرها البعيدة عن الطموحات الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي لا جديد نحو الأمام على مستوى الجانب الفلسطيني بمكوناته المختلفة بدءا من السلطة الفلسطينية والإطار الأوسع القوى والفصائل الفلسطينية.
فهل تنتبه الحالة الفلسطينية إلى المناورة الإسرائيلية، وتدرك مخاطرها فتتصدى لاستحقاقات استعادة الوحدة وتحصين الوضع الداخلي والانتقال إلى المبادرة التي افتقدتها منذ سنوات طويلة، أم أنها ستبقى على حالها المنقسم ليس فقط لتستقبل الكرة في ملعبها بل ويتلقى مرماها في هذه المرة أهدافا محققة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا