الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبش

سامي المحاريق

2004 / 4 / 28
الادب والفن


مع خطواته الأولى خارج باب السجن العتيد، كان محمد
الأيوبي يتحسس ساعته الجلدية ويقلبها في يديه، كانت
معطلة تماماً، لبسها في يده اليسرى، لم يكن معه مال
كثير، مبلغ صغير استودعه له أخوه أمانات السجن قبل سفره،
ربما سيكفيه لعدة أيام، كان يحس أنه سائر على غير هدى
تجاه شيء لا يعلمه، ولكنه أجل هواجسه ودفعها إلى الخلف،
مع تلذذه بالطقس خارج السجن أحس بجسده يتمدد من تقلصه،
الرطوبة تتقشر عن جسده كطلاء قديم، أحس برائحة جديدة خرج
رائحة العطن من أنفه، جفونه تتراخى لتتقي الشمس الساطعة،
كان يمتص الشمس إلى داخله، أحس بقلبه نبتة تتنفس بالبناء
الضوئي، نظف حذاءه بيديه ونفضهما، كان بنطاله ضيقاً،
انساب إلى شارع قريب من النهر، عب هواء أكثر من حاجته
فكر إلى أين يمضي، في النهاية سيطرق باب عمه المتقاعد لن
يقبله غيره، زوجته حصلت على الطلاق ولم يعد له بيت، لم
يتضايق لم يفسد لحظته كان يعرف ذلك وهو في السجن ليست
مفاجأة، أحس بهذه الهموم من قبل ولكنه الآن لا يفكر إلا
في اصلاح ساعته، مضى ناحية السوق سيجد محلاً لتصليح
الساعات هناك، مضى بين الناس، تطلع إلى مؤخرات النساء
بنهم، ولكنه كان محبطاً، أنقذه محل صغير للساعات فدخله
هارباً من امرأة كان يتبعها، أحس بنظراته تكويها، كان
المحال ضيقاً ولكنه نظيف كما صاحبه الكبير في السن، كان
أصلعاً يرتدي ملابس أنيقة، ويديه كانت جميلة ونظيفة،
أخرج له الساعة طلب منه إصلاحها، تفقد الرجل الساعة
الثمينة باهتمام وتطلع إليه بنظرة غريبة لعله ظن أنه
سرقها، ربما لأنه يرتدي ملابس قديمة وضيقة، ولكن الرجل
مضى يفحص الساعة باهتمام، في دقائق كانت الساعة تعمل
بصوتها الدؤوب، خلع الرجل نظارته السميكة ذات الاطار
الأسود، وجلس على كرسيه المريح، أعطاه أجرته ولكن
الساعاتي ظل محتفظاً بنظرته المرتابة، ضايقه ذلك، تمنى
أن يصرخ فيه، أن يفهمه أنه ليس لصاً، قبل سنوات كان
يرتدي ثياباً أكثر أناقة من ثياب الساعاتي، يمضي إلى
عمله اليومي بوقار، كان ذلك منذ سنين ليست بعيدة، كان
رجلا عصريا محترما، قبل أن يحتل مروان الحكيم كرسي رئيس
مجلس الإدارة، عبث مروان بكل الأنظمة، غير كل شيء فرض
قوانينه الخاصة، قلب الهرم الوظيفي، كان الأيوبي ممن
أخذتهم موجة مروان إلى الأعلى، ولكنه لم يكن يدرك إلى
أين تأخذه تحديداً، بدأت الأمور تتعقد، ربما لم يكن أكفأ
زملائه ولكنه كان أحسنهم نية كما توقع مروان منذ
البداية، لم يطل مكوثه في منصبه الجديد حتى كان مخفوراً
إلى تحقيقات في النيابة العامة، لم يكن يدرك أنه سيذهب
إلى السجن حتى نطق القاضي حكمه في الجلسة الأخيرة بعد أن
ندد ممثل الإدعاء المتحمس بالفساد والفاسدين، في أيامه
الطولية في السجن كانت تأخذه نوبات من الضحك الهستيري
حين يتذكر ارتشافه الصباحي للقهوة في مكتبه، وتوقيعه
المهيب على المعاملات المشبوهة، كان يثير سخرية زملائه
في الزنزانة الكبيرة.
كان قريباً من مبنى الشركة الزجاجي الفاخر المطل على
النهر، يعرف أين مكتب مروان الحكيم، قرر أن يشتري سكيناً
ويصعد لتمزيق كرشه الممتلئ ووجنته المنتفخة، سيمنعه
الحرس على الباب لأنه يرتدي ملابس رثة ولأنهم يعرفونه،
وجه ضربة هائلة إلى عمود الكهرباء فالتفت إليه المارة،
أخذه الغضب احمرت عيناه، قفزت إلى رأسه شياطين كثيره وهو
يمضي مسرعاً إلى محل الساعات الصغير، من يظنه ذلك
الساعاتي الأحمق، لصاً حقيراً تافهاً، كان يحفر الأرض
بخطواته السريعة، رأى يافطة المحل من بعيد، دفع الباب
الزجاجي، رأى الفزع في عيون الساعاتي العجوز الذي انتفض
واقفاً، فأخرجه من خلف مكتبه وأنهال عليه ضرباً كان
وحشياً في تصرفه، والرجل غير قادر حتى على الصراخ تركه
على هامداً على الأرض، ومضى غير عابئ بالرجل، مضى ناحية
النهر ليتأمل الغروب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية