الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماتت الخنازير... عاشت الإنفلونزا

سعيد لحدو

2009 / 6 / 13
كتابات ساخرة


مصر... ولمن لايعرف بعد، فهي أم الدنيا، كما يحلو لأبنائها أن يسموها، تحصي هذه الأيام إصاباتها المتزايدة من أنفلونزا (إتش1 إن1) التي حَمَلَتْ أو حُمِّـلَتْ كل آثامها للخنازير لأنها خنازير. ولهذا السبب سميت باسمها دون أن يكون لها علمياً أي ذنب فيما حصل سوى أنها ضحية لهذا الوباء هي الأخرى كما هي حال الإنسان. والفيروس الجديد خليط من فيروسات "إتش1إن1" و الفيروس"إتش5 إن1" الذي عرف سابقاً بأنفلونزا الطيور. وهو يحمل "دي ان ‏أي" بشري أي مورثة بشرية قادرة على إصابة الإنسان بالمرض والانتقال من شخص الى آخر بعد تحورها. فالإنسان هو الذي ينقل هذا الفيروس بطبيعة حركته واحتكاكه مع الآخرين.
ولكن، وحرصاً من مجلس الشعب المصري (لأنه مجلسٌ كما يبدو) على صحة المواطنين وسلامتهم، في جلسة قبل بضعة أسابيع، تطايرت فيها رؤوس الخنازير وسلمت الإنفلونزا، قرر المجلس إياه بإعدام جميع الخنازير المتواجدة على الأرض المصرية، ريثما تدرس وزارة الصحة والمختبرات العلمية المعنية أسباب الوباء وسبل مكافحته. وهذه لا بد وأن تستغرق مدة يكون خلالها قد راح عددٌ من المواطنين الأبرياء ضحيةً لهذا الوباء الخطير. وعلى مبدأ (الوقاية خير من ألف علاج) كان ذلك القرار الحكيم. فوزارة الصحة قد تخطئ وتتقاعس عن اتخاذ الإجراءات الحاسمة في الوقت المناسب، كما أخطأت عندما لم تعدم كل طيور مصر حين الوباء السيء الصيت (إنفلونزا الطيور) عندما ترك لها مجلس الشعب هذه المهمة. وكذلك قد يكون حال المختبرات الوطنية المصرية التي لم تقم بواجبها بتقديم الاستشارة العلمية في وقتها. كما إن الثقة معدومة بالمختبرات الغربية التي تعتبر الخنزير حيوانها المدلل، ناهيك عن أنها تسعد لكل مصيبة تحل على بلداننا، إن لم نقل أنها هي التي تسبب لنا كل هذه المصائب. لذا حمل مجلس الشعب على عاتقه هذه المهمة الوطنية النبيلة، ومن هو أكثر أهلية منه للتصدي لهكذا مهمات، وقرر بمزايدة إيمانية علنية قطع دابر الشك باليقين.
وعلاوة على ذلك، ولأن المؤمنين في مصر في تزايد مضطرد والحمد لله، كما هي الحال في إصابات الإنفلونزا، فقد تقدم في اليوم التالي أكثر من 100 محامٍ في الجبهة المصرية للدفاع عن الكرامة العربية ومركز العدالة بمذكرة إلى وزير الداخلية؛ يطالبون فيها بسرعة اعتقال أصحاب حظائر الخنازير وتطبيق قانون الطوارئ؛ نظرًا لما أصبحوا يشكِّلونه من خطر على المصريين!!! وبالنظر إلى أن تربية الخنازير تقتصر على المسيحيين في مصر، فقد تم إعدام مئات آلاف الخنازير التي كانت تعتاش منها عشرات آلاف الأسر المسيحية. لكن الإنفلونزا بقيت، لابل ازداد عدد الإصابات بها التي تكتشف كل يوم. وما زال الحريصون على الكرامة العربية بانتظار تصفية الحساب الأخير مع مربي الخنازير الذين بفعلتهم الشنيعة هذه أهدروا كرامة العرب وتسببوا بالهزائم التي منيوا بها على كل صعيد.
ماتت الخنازير.. عاشت الإنفلونزا.. هل هو الشعار المناسب لواقع الحال لدى مجلس الشعب المصري والمدافعين عما تبقى من الكرامة العربية؟
في الحقيقة فإن القضية هي أعمق من مسألة الوباء وتبعاته. فمجلس الشعب هذا لم يتمكن ولو مرشح مسيحي واحد من النجاح لاحتلال مقعد فيه رغم ملايينهم العشرة. ومن جاء لعضويته فهو بتعيين من رئيس الجمهورية. العرف الذي سارت عليه مصر من أيام عبد الناصر وما زال. وهذا يعكس العقلية التي تتحكم ليس في الشارع المصري فحسب، وإنما حتى في المستويات العليا في الإدارات والمؤسسات الوطنية. ثم يأتي من يعاتب ويتهم ويخوّن كل من رفع صوته وطالب ببعض المساواة في المعاملة أو تحييد العقيدة الدينية في مجالات التعامل مع المواطن.
ماذا لو جاءت إنفلونزا الخنازير قبل إنفلونزا الطيور، أو عادت إنفلونزا الطيور مرة أخرى لاسمح الله؟ هل كان سيتداعى الحريصون على شعب مصر من ممثليه في مجلس الشعب بهذه السرعة القياسية لنصب مقاصلهم المعدة سلفاً بانتظار الانقضاض على فرائسهم التي لابد وأن تكون دسمة ومزيلة للغم والكرب...؟؟ وقد تكون هذه الوسيلة لنيل الثواب ودخول الجنة الأرضية أو السماوية فكلاهما مكسب. كما هي حال جنود الله المجهولين من المحامين الباحثين عن الشهرة عبر الفرقعات الإعلامية المدغدغة لمشاعر العامة التي ليست بحاجة إلى مزيد من التهييج والإثارة.
مما هو معلوم فإن الخنازير لا تطير.. إلا في أجواء مجلس الشعب المصري وعقول أولئك المتربصين للفرص ممن جرى العرف على تسميتهم بالمحامين تجاوزاً. أولئك المحكومون بذهنية الوصاية على أمور الدين والدنيا. لهذا فإنهم يتعاملون مع كل ما لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية على مبدأ: (خنزير ولو طار). ومن هذا المنطلق يصدرون قرارتهم وأحكامهم المفترض بها أن تكون تشريعية وقانونية تهتم بعرض الوجه الحضاري لمصر أم الدنيا أمام العالم الذي يشهد ويرى...ويحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال