الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة وطنية لموضوعات وبرامج المعارضة السورية

سليمان يوسف يوسف

2004 / 4 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تستعد العديد من الأحزاب السورية، وهي تعاني من الترهل التنظيمي والشيخوخة الفكرية والسياسية، من ضمنها حزب (البعث العربي الاشتراكي) الحاكم وأحزاب (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض، لعقد مؤتمراتها العامة كخطوة منها لإعادة صياغة أفكارها النظرية وتحديث آليات عملها، وتطوير برامجها السياسية وترميم هيكليتها التنظيمية، على ضوء الاستحقاقات الداخلية المنتظرة والتحولات الفكرية والتطورات السياسية الكبيرة التي حدثت على مستوى العالم والمنطقة في السنوات الأخيرة.
لكن يبقى السؤال: ما الجدوى من البرامج السياسية وخطط العمل التي تطرحها، أحزاب المعارضة، في ظل قوانين تمنعها من المشاركة في الحياة السياسية العامة وتحرمها من المساهمة في تحديد ورسم التوجهات الاقتصادية والسياسية للبلاد؟. يبدو أن أحزاب (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض قررت التحدي واختراق جدار الصوت السياسي الواحد في سوريا ، على أمل أن تخرج من هذه المؤتمرات بقرارات وبرامج عمل، تعيد ثقة الجماهير بها من جهة،وتشريع وجودها بموجب قانون الأحزاب الذي طال انتظاره من جهة أخرى.
من المهم جداً التأكيد هنا على أن طرح أحزاب (التجمع الوطني الديمقراطي) لبرامجها وموضوعات مؤتمراتها على المهتمين من كتاب ومثقفين وسياسيين للنقاش والحوار من أجل إبداء ملاحظاتهم عليها، يعتبر خطوة مهمة باتجاه العمل الديمقراطي الصحيح، الذي خصصت له مساحات واسعة من برامجها و شرحت مطولاً أهمية الديمقراطية والحريات السياسية ، والعدالة والمساواة كمقدمة ضرورية لخروج المجتمع من أزماته المزمنة.لكن التدقيق في قراءة موضوعات وبرامج هذه الأحزاب نجد أنها لم تقترب من الأسباب الحقيقية لأزمة المجتمع السوري وإنما بقيت في اطار العموميات وأعادت أنتاج الماضي وصياغاته بتعابير ومفاهيم جديدة . كما أنها قد أهملت العديد من القضايا أراها أساسية وجوهرية بالنسبة للعملية الديمقراطية والوحدة الوطنية في سوريا منها.
العلمانية وفصل الدين عن الدولة،التعددية القومية والدينية في سوريا، الهوية الوطنية للدولة السورية.
إن خلو برامج وموضوعات الأحزاب من هذه القضايا الجوهرية والحساسة والتي ترتبط بشكل مباشر بالديمقراطية وبالوحدة الوطنية وعدم طرحها للنقاش والحوار، يوقع هذه الأحزاب في إشكالية التعارض والتناقض بين المطالبة بالديمقراطية وممارسة العمل الديمقراطي. لقد حملت موضوعات وبرامج المؤتمر انتقاداً واعتراضاً واضحاً على المادة الثامنة من الدستور السوري والتي تقول: (( حزب البعث العربي الاشتراكي، هو الحزب القائد في المجتمع والدولة.. )) باعتبارها تكرس احتكار السلطة من قبل حزب البعث وتميز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسي، في حين أن برامج الأحزاب لم تعترض على مواد وفقرات أخرى في الدستور السوري تميز بين المواطنين السوريين على أساس الدين والقومية، وهو الأخطر على مسار الديمقراطية وعلى مستقبل الوحدة الوطنية، من هذه المواد:
- المادة(3) الفقرة(1) : (( دين رئيس الجمهورية هو الإسلام)).
-الفقرة(2) من نفس المادة: (( الفقه الإسلامي مصدر رئيس للتشريع)).
-المادة 21 – يهدف نظام التعليم والثقافة إلى أنشاء جيل عربي قومي اشتراكي .....).
إن حصر رئاسة الجمهورية بالمسلمين والتمسك بالإسلام كمصدر أساسي للتشريع ، ينطوي على سياسة رفض الآخر واستبعاد الأغلبية للأقلية وتهميشها وهذا من دون شك سيترك آثار سلبية على الوحدة الوطنية ومن شأنه يمنع قيام ديمقراطية صحيحة وسليمة في المجتمع. فأية ديمقراطية ووحدة وطنية، يمكن أن تحقيقاهما في ظل قوانين ودساتير تميز بين المواطنين على اساس الدين والقومية وتمنح امتيازات قانونية لأتباع الدين الإسلامي والقومية العربية وتنتقص من حقوق المواطنة لشريحة كبيرة من المواطنين السوريين.أن بناء الدولة العصرية في سوريا يتطلب وضع ميثاق( دستور) اجتماعي سياسي وطني بعيد عن كل الإيديولوجيات القومية والدينية والسياسية.يحقق الأسس والشروط الصحيحة للعيش المشترك بين الأغلبية والأقلية على أرضية الوحدة الوطنية والديمقراطية والعدالة والمساواة .
جاء في (البرنامج السياسي) للتجمع الوطني الديمقراطي فقرة( 10) : (( إصلاح الفكر الديني وتجديده وجعله مستقبلياً من أهم عوامل النهوض والتقدم.....)).
بدل من أن تنتقد وترفض، أحزاب التجمع، ظاهرة أدلجة (أسلمة وقومنة ) مناهج التعليم في سوريا التي يقوم بها حزب البعث_ حيث تم إقحام وإدخال الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث والقصص الدينية الإسلامية لمناهج التعليم في جميع مراحله من خلال كتب القراءة والتعبير والنحو والتاريخ_ ومطالبة الحكومة السورية بإلغاء مادة التعليم الديني من المدارس الرسمية والخاصة، ووضع برامج وطنية على أسس علمانية، للتنشئة الاجتماعية والثقافية والتربوية في المدارس السورية، تقوم على نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، طرحت برامج هذه الأحزاب من جديد مشروع إصلاح الفكر الديني الميئوس منه، وهذا يترك علامات استفهام كثيرة على الفكر السياسي والإيديولوجي والمعرفي لهذه الأحزاب.إذ يخطئ كل من يعتقد بأن لا تعارض بين الفكر الديني، أي فكر ديني، والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان. فالنهضة( الأوربية) لم تتحقق من خلال إصلاح المؤسسات الكنسية والفكر المسيحي وإعادة صياغة المفاهيم الدينية. وإنما تحققت باستبعاد الكنيسة والدين عن الدولة والسياسية، وسن قوانين حمت المجتمع من كل أنواع التعصب والتمييز الديني والقومي والعرقي. أن مراعاة العقائد الدينية والقومية والسياسية في خطط التنمية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)على حساب القواعد والمناهج العلمية يعد من أهم اسباب فشل معظم هذه الخطط.
لنأخذ (مشكلة البطالة)جاء في موضوعات الحزب الشيوعي السوري باب (الأزمة الاقتصادية): ((نتيجة معدلات النمو السكاني العالية التي ترمي بـ 200000 شخص إلى سوق العمل سنوياً تتعاظم مشكلة البطالة والفقر وتتفاقم المشاكل الاجتماعية...)) لا شك هذه مشكلة كبيرة لها تداعيات خطيرة على جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع، يتحمل النظام قسطاً من المسؤولية عنها، لكن لهذه المشكلة أسباب جوهرية ترتبط بالثقافة الإسلامية وثقافة الجهل والتخلف السائدة في المجتمع، والتي تحلل وتشجع تعدد الزيجات وتحرم القوانين التي تحد من النسل والتكاثر السكاني، فلم يقترب الحزب الشيوعي وبقية أحزاب التجمع في برامجها من الأسباب الحقيقة والجوهرية لهذه المشكلة وبالتالي لم تقدم حلول جدية صحيحة ناجعة لها.
بالنسبة لمسألة التعددية القومية والثقافية:
لم تحمل البرامج والموضوعات المقدمة لمؤتمرات هذه الأحزاب رؤية جديدة لحل مسألة حقوق الأقليات القومية في سوريا، مما يعني عدم حدوث تحول جدي وتغيير حقيقي في نهج وموقف هذه الأحزاب من مسألة القوميات،غالباً أن هذا الموقف نابع من عدم إقرارها أو اعترافها أصلاً بوجود مثل هذه المشكلة. لهذا جاء طرحها لمسألة الأقليات ناقصاً و مشوهاً، حيث اختزلت قضية الأقليات ببعض الحقوق الثقافية للأكراد وحل مسالة المحرومين من الجنسية، ولم تشير أو تأتي على ذكر غيرهم من القوميات خاصة الآشوريين( سريان/كلدان) الذين يشكلون العمق الحضاري والتاريخي لسوريا، لا شك أن الآشوريين(سريان/كلدان) وبسبب انقساماتهم المذهبية والطائفية وغلبة الشعور والانتماء، الديني عليهم،أحال دون تشكلهم لكتلة سياسية وقومية واحدة، كما هو حال الأكراد، لكن هذا لا يبرر تجاهل مشكلتهم وحقوقهم القومية في سوريا. ثم هناك بعض الأقليات الصغيرة، مثل الأرمن والشراكس . حتى طرحها لحقوق ثقافية للأكراد يبدو أنه جاء تحت ضغط تطورات الأزمة العراقية التي شكلت (المسألة الكردية) إحدى أهم عناصرها.
*- مسألة ( الهوية الثقافية والحضارية) للدولة السورية .
أن فرض (العروبة والإسلام) كهوية ثقافية وحضارية على المجتمع السوري الذي يتميز بتنوعه القومي والديني والثقافي واللغوي، يسبب إشكالية حقيقة حول تحديد الهوية الوطنية للدولة السورية.فتاريخ سوريا قديم يعود إلى عشرات القرون قبل الميلاد فهو لم يبدأ مع العرب، الذين قدموا إلى بلاد الرافدين وبلاد الشام في القرن السابع الميلادي لنشر الدين الإسلامي الجديد. فلا احد يستطيع أن يمحى المرحلة السريانية الآرامية من تاريخ سوريا، لازالت الكثير من المدن والقرى السورية تحمل أسمائها السريانية القديمة ومازال قسم من سريان سوريا(مسيحيين ومسلمين) يتحدثون بلغتهم السريانية الأم، لا بل مازالت سوريا تحمل أسمها وهويتها الحقيقة المشتق من تاريخ شعبها القديم( السريان).وهناك اليوم إلى جانب العرب والسريان(الآشوريين) ، الأكراد والأرمن والشراكس والتركمان، ولكل هذه الإثنيات والقوميات لغاتها وثقافاتها الخاصة. لهذا بات من المهم جداً اعادة النظر بالهوية السورية وصياغة هوية وطنية توافقية تعكس جميع ثقافات وحضارات سورية .
جاء في البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي، باب السياسة العربية والدولية:
فقرة 1. ((انطلاقاً من رؤيته القومية والديمقراطية، يعتقد التجمع أن ثمة ارتباطاً بين النزعة القطرية المغلقة وبين التابعية والاستبداد...)).أن هذه الرؤية تنطوي على الكثير من الرومانسية والطوباوية السياسية.هل نسيت أحزاب التجمع ثلاث سنوات مريرة( سياسياً واقتصادياً) أمضاها الشعب السوري تحت الحكم الدكتاتوري لدولة الوحدة مع مصر ومن استبداد نظام عبد الناصر الذي رفض توقيع ميثاق الوحدة قبل حل جميع الأحزاب السياسية في سوريا، فقد كان يوم الانفصال بمثابة استقلال جديد لسوريا.إذاً هناك مبالغة كبيرة، من قبل أحزاب التجمع، في المراهنة على الوحدة العربية في حل أزمات المجتمعات العربية. لنأخذ حالة هولندا، التي هي أصغر من محافظة الحسكة، دخل الفرد فيها أفضل من دخل المواطن في أغنى الدول العربية. فالمشكلة في سوريا، كما في باقي الدول العربية، هي ليست في نقص الموارد ومصادر الثروة والنزعة القطرية، وإنما في سوء استثمار وتوزيع الثروة والخلل في بنية وإدارة الدولة والمجتمع.
فقرة 3. ( أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع تاريخي .... لا تنهيه تسويات ومعاهدات مذلة تبرمها أنظمة قطرية تابعة لا تحظى بثقة شعوبها واحترامها....... والتجمع لا يرى في أي من التسويات التي حصلت والتي يمكن أن تحصل، أو فيها جميعاً، نهاية الصراع مع العدو الصهيوني، بل مرحلة من مراحله ولحظة من لحظات سيرورته التاريخية...... فلا بد من أن تقاوم الأمة العربية ، ولا بأس من أن تفاوض ، لكن من دون أن تنسى لحظة واحدة أن هذا الصراع لا بد أن يحسم في النهاية لمصلحة أحد طرفيه ).
حقيقة هذه الفقرة تطرح العديد من الإشكاليات، السياسية والثقافية والتاريخية، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فهي تنطوي على عدم اعتراف أحزاب التجمع بجميع الأنظمة العربية الحاكمة وبالتالي رفض كل ما يصدر عنها من (اتفاقيات سلام دولية) مع الدولة العبرية، وهذا يعني أن على سوريا وبقية دول وشعوب المنطقة أن تخوض حروباً طويلة لا نهاية لها إلا بنهاية وزوال أحد طرفي الصراع ، العربي الإسرائيلي، من الوجود.فأي مستقبل ينتظر الشعب السوري وشعوب المنطقة في ظل استراتيجية الحروب الطويلة التي تخفيها، أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي المعارض في سوريا.
سليمان يوسف يوسف.. آشوري سوري... كاتب مهتم بمسألة الأقليات.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خامنئي و الرئيس الإيراني .. من يسيطر فعليا على الدولة؟ | الأ


.. مناظرة بايدن-ترامب .. ما الدروس المستخلصة ؟ • فرانس 24 / FRA




.. #فرنسا...إلى أين؟ | #سوشال_سكاي


.. المناظرة الأولى بين بايدن وترامب.. الديمقراطيون الخاسر الأكب




.. خامنئي يدعو الإيرانيين لمشاركة أكبر بالانتخابات | #غرفة_الأخ