الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهرة منسية

ميسون البياتي

2009 / 6 / 15
الادب والفن


الموت ورغم أنه نقطة حتمية لابد أن تصل إليها حياة جميع الكائنات الحية , إلا أن الإنسان يقف حائرا عاجزا أمام تفسير كنه هذه العملية . وقد جاءت الأديان لتضيف صعوبة أخرى الى تقبل فكرة الموت بما أعقبته به من تصوير للحساب والعقاب والثواب , فزادت الطين بله . ففوق أن الإنسان لايدري الى أين هو ذاهب على وجه اليقين جاء من يخبره عن حكايات مريعة تحدث بعد الموت .. فكان من نتيجة كل ذلك أن البشر يرفضون الموت , ولديهم تمسك غريب بالحياة حتى لو كانت حياة لاتطاق .

تناول العديد من الفلاسفة والمفكرين فكرة الموت أو بالتحديد : فكرة عدم الرغبة بالموت وناقشوها من وجوه متعددة , واحدة من هذه المحاولات التي تصف عدم رغبة الإنسان بالموت كانت مسرحية الكاتب العبقري الفرنسي يوجين يونسكو التي عنوانها ( موت الملك ) والتي كتبها عام 1962 .

ماعدت أذكر متى قرأت هذه المسرحية , ربما كان ذلك أثناء فترة دراستي الجامعية , وكل الذي بقي في ذاكرتي منها هي شخصية الملك ( بيرينجر الأول ) الذي بلغ 400 سنة من العمر , وبعد أن ولى شبابه , وولى معه إزدهار مملكته , لكنه حين سيعلم أنه ميت بعد ساعة .. سيصرخ : لا أريد أن أموت .. أريد أن أبدأ من جديد .
الأحرى بالملاحظة هنا .. أنه إذا كان الملك بيرينجر الأول قد عاش عمرا لايتمكن أغلبنا من أن يعيش ربعه .. وإذا كان أغلبنا في الحقيقة .. لم يفعلوا شيئا في حياتهم غير الأكل والنوم وتمضية الوقت كيفما إتفق .. إضافة الى تضييع وقت ثمين في سفاسف الأمور .. فبأي رفض سيقابل كل منا ساعة موته ؟

منذ بداية هذا العام 2009 ومن على مسرح باريمور في حي المسارح برودواي في نيويورك , يعاد تقديم مسرحية يوجين يونسكو ( موت الملك ) بعد 47 سنة على كتابتها .
قام المخرج المسرحي الأمريكي ( نيل آرمفيلد ) بإخراج العمل وقد إختار له فريقا مميزا من الممثلين المعروفين سينمائيا .

فقد قام بإختيار الممثل الأسترالي (جورجي رش )الحاصل على جائزة الأوسكار عن تمثيله , ليقوم بتأدية دور الملك بيرينجر الأول , في أول ظهور له على مسارح برودواي الأمريكية

قدم الرجلان تفسيرا جديدا لمسرحية يوجين يونسكو التي وصفت بأنها ( جوهرة منسية ) من بين أعمال هذا المؤلف العظيم . حيث يتحامل ( بيرينجر الأول ) على ساقين مرتجفتين وبعينين غائرتين , محاولا إثبات نفسه للمشاهدين أنه لم يزل ذلك الملك المستبد الذي لم تتراجع سلطاته .. ولم تنفصل عنه أجزاء من مملكته .

عندها صاحت به زوجته الملكة مارغريت : وصلت الى قدرك المحتوم .. وستموت خلال ساعة ونصف .. ستموت عند نهاية المسرحية .
لكن الملك متشبث بالحياة بحماس فظ ويأس حقيقي , شعره كان قد تحول الى نتف بيضاء , وصولجانه الملكي تحول الى عود قصب , وقد نزع عنه تاجه ووشاحه , متهالك في بيجاما , وتمس أصابعه الأرض بمثل مشية حمامة .
يجيب الخادمة وهو متوهم في خرفه أنها الملكة : (( لماذا ولدت إذا لم أكن مخلدا ؟؟ يجب أن يكون الملوك خالدين )) .
الدور يتطلب قابليات جسدية كبيرة لأداء حركات مروعة وسخيفة في نفس الوقت .
أعانت الممثل جورجي رش على تأدية دوره , الممثلة الرائعة ( لورين أمبروز ) بتمثيل دور الملكة مارغريت زوجته الشابة الجميلة مثل تفاحة طازجة .

أما دور الخادمة فقد قدمته الممثلة القديرة ( أندريا مارتن ) وفي الحقيقة , فقد كانت هناك مقاربة كبيرة بين دوري هاتين السيدتين , مع فترتي حكم الملك نفسه , حيث الأولى الحلوة الشابة الصغيرة , هي فترة الطموح والعنفوان والإزدهار , أما الثانية فهي فترة إنكسار السدود وغرق الشعب بالويلات والمصائب وعظائم الأمور .
قوة المسرحية الحقيقية المتمثلة في صلاحها لكل زمان ومكان , تتجلى في لحظة موت الملك بيرينجر الأول .. بخلع تاجه عن رأسه , هو الأناني والنرجسي بحماقة , والذي رغم خسائره الكبيرة .. وعمره الذي جاوز 400 سنة , إلا أنه خائف من الموت , ونسمعه بكل وضوح يقول : (( لاأريد الموت .. أريد أن أبدأ من جديد )) .
والكارثة .. أن جمهور المسرحية يتعاطف معه .. فيصفق له طويلا .. لأن كل الجمهور أيضا يريد أن يبدأ من جديد ... ولا يريد أن يموت .

لكل الذين يدَّعون أن المسرح لم يعد إلا غرفة صغيرة / في مدينة التلفزيون / في عالم الكومبيوتر / نوجه القول بأن سعر التذكرة لدخول هذه المسرحية الفاجعة هو 26$ دولار أمريكي فقط , وطابور طالبي مشاهدتها أمام شباك التذاكر يصل الى نهاية الشارع .. ليثبت أن ليس كل متاح الإستعمال , هو مشبع لغريزة الإنسان في معرفة ومحاورة ما هو دقيق في شؤون تفكيره وبحثه عن معنى ومغزى وجوده في هذه الحياة ... ويبقى السؤال الأصعب : أيهما أكثر تأثيرا فينا ؟ أن نموت فنعرف ما نحن مقدمون عليه ؟ أم أن يسبقنا أحبتنا الى الموت .. ويتركونا نترنح بين مكررالسؤال .. ومختصر الجواب .. حيث الحياة بعدهم ستستمر .. ولكن أبدا ليس كسابق عهدها !!؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الموت؟!!!
ابراهيم البهرزي ( 2009 / 6 / 14 - 20:01 )
العزيزة د.ميسون
تحية طيبة
ماعدت اتذكر ذلك الفيلسوف الاغريقي الذي يقول :
يجب ان لانخاف من الموت مطلقا !!...لاننا لن نلتقيه ..
ففي الوقت الذي ياتي لانكون موجودين ..وفي الوقت الذي نكون موجودين فيه ..لا يكون له حضور ....
ولكن ..حسبما اظن ان افضل سبل (معايشة الموت ) هي تلك التي اطلق عليها الفيلسوف الوجودي سورين كييركيغارد..تجربة (موت القرين )...اي انك تستطيع ان تتلبس تجربة الموت حين فقدانك اقرب الناس اليك مخطوفا من قبل الموت ...
انه الموت بعينه يا د.ميسون ..لمن عايشه
تمنياتي لك بالصحة وطول العمر
ابراهيم


2 - إنتباه
الشاعر : أمين الربيع ( 2009 / 6 / 14 - 20:51 )
لا يصيب الموت إلا من يؤونون به ـ أمين الربيع

اخر الافلام

.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG


.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل




.. تراث الصحراء الجزائرية الموسيقي مع فرقة -قعدة ديوان بشار-


.. ما هو سرّ نجاح نوال الزغبي ؟ ??




.. -تعتبر مصدر إلهام للكثير من الأعمال-.. أفلام ينصح بها صانع ا