الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمنا اليوم .. كيف تبدو البانوراما؟

اميل قسطندي خوري

2009 / 6 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


(خبير اقتصادي ومستشار اداري)

عالمنا الذي نعيش فيه هذه الايام عالم شديد التناقض. هذه الخاصية بالذات جعلت منا في الحقيقة اقزاما لا حول لنا ولا قوة في مواجهة التحديات العالمية على مختلف اشكالها وانواعها. فما الحل؟ ومتى سنمسك بالمجهر او الغربال ونبدا عملية التدقيق والتمحيص على طريق مشروع الغربلة الطويل؟ في اي اتجاه استراتيجي نتحرك؟ والى من نلجا (بعد الله سبحانه وتعالى)؟ وبمن نستعين من علماء وخبراء واكاديميين وباحثين واختصاصيين وذوي الخبرات العلمية والمهارات التقنية ... الخ؟

نحن في الواقع بحاجة ملحة الى استنهاض حلول جديدة وافكار رائدة للتعامل مع الاوضاع الجارية على المسرح الدولي كالتطوارت المتسارعة التي تشهدها الحالة الراهنة للاقتصاد العالمي المترنح في ظل ما خلفته الازمة المالية العالمية الحالية من تداعيات سلبية، الذي وللاسف الشديد لم تعد على ما يبدو تجد معه السياسات المالية والذخائر النقدية التقليدية (كخفض معدلات الفائدة وزيادة الانفاق الراسمالي العام ... الخ) وابجديات العرض والطلب والقواعد الاساسية لاقتصاد السوق التي عهدنها من قبل، لاسيما في ضوء الفشل الذريع لمباديء الاقتصاد الحر الذي افتقر الى اجراءات احترازية وتدابير وقائية وحمائية صارمة تضبط ايقاعه وتلجم جماحه، الامر الذي من شانه ان يجنب العالم ويلات الازمة المالية الحالية التي عصفت بمختلف اقتصاديات العالم من حيث لا ندري.

فعالم اليوم يشهد موجات وتغيرات وتقلبات واضطرابات ومخاطر شديدة الحساسية تحتاج منا في التعاطي معها الى الابتعاد عن قصر النظر ومباديء التفكير الضيق المحصور في نطاق معين، واعادة النظر في سمات وملامح عالمنا الجديد البارزة في شواهد كثيرة على مسرح الاحداث الدولية التي تبدو منسجمة احيانا ومتناقضة احيانا اخرى، كعولمة الاسواق وصراع الحضارات (بحسب مصطلح او اطروحة صموئيل هنينغتون) والغزو الثقافي الناجم عن ثورة المعلومات والاتصالات وانتقال الثروات والامان العالمي وهيمنة العقلية الربحية اللامحدودة عالى حساب المسؤولية الاجتماعية والحس الوطني المتعاطف مع المجتمع والمواطن، ناهيك عن التطورات التكنولوجية المتسارعة بسرعة الضوء (300.000 كم/ث او 186.000 ميل/ث) وعملقة الانترنت الذي دخل علينا واثق الخطوة يمشي ملكا (على رأي د. ابراهيم ناجي في قصيدة الاطلال) وغيّر معالم الاتصالات واعاد هيكلة التواصل الانساني وتعامل البشر بعضهم مع بعض واوجد وسائل ومفاهيم عصرية جديدة كالتجارة الالكترونية والتعليم عن بعد والدردشة والتعارف الاجتماعي الافتراضي ... الخ. كذلك التحديات الناجمة عن الاداء الاقتصادي العام من تحرير للتجارة الدولية وانفتاح الاسوق وتراجع الدولة عن الاضطلاع بدورها المركزي والطبيعي في الحياة الاقتصادية وذلك بتعزيزها ودعمها لنظام الخصخصة واطلاق العنان لمباديء الاقتصاد الحر والاستثمار الخاص على حساب الدور الاساسي للقطاع العام الذي لا يمكن لنا الاستغناء عنه في اي حال من الاحوال، لا سيما في القطاعات الاقتصادية الحساسة مثل النقل والكهرباء والمياه والطاقة والاتصالات والبنى التحتية، على سبيل المثال لا الحصر. اضف الى ما سبق من تحديات، بروز قوى نامية جديدة على مسرح الاقتصاد العالمي اصبح لها تأثير ملحوظ وبصمة واضحة في حلقات الاقتصاد العالمي ودور فاعل في حلبة الحراك السياسي الدولي كالصين والهند وروسيا وفنزويلا والبرازيل وغيرها من الدول الناهضة، بالاضافة الى التكتلات الاقتصادية الدولية المتعددة التي قامت على اسس جيوسياسية او اقليمية او جغرافية، كمنتدى التعاون الاقتصادي لدول اسيا وحوض المحيط الهاديء واتفاقية التجارة الحرة لشمال اميركا (الولايات المتحدة الاميركية وكندا والمكسيك) وغيرها الكثير من التجمعات الجيو اقتصادية.

من ناحيتي، فانا شخصيا لا ارى مانعا (على الاقل من الزاوية الاقتصادية) من ان تكون هناك تجارة حرة او حرية اقتصادية في ظل النظام الليبرالي العالمي الحالي، الامر الذي من شانه ان يشجع على زيادة التنافسية الشريفة وحرية الاتجار والحق المشروع في تعظيم الاموال وتبادل الاستثمارات والمشاريع البينية بين الدول. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة والحاح هو: الى اي مدى يجب ان تكون عليه حرية التجارة او انفتاح الاسواق او دولنة (تدويل) اسواق البورصة ومراكز المال خصوصا اذا ما تعلق الامر بالشق المالي؟ هل من المعقول ان تصل هذه الحرية (وما ادراك ما الحرية!!) الى الحد الذي تغيب معه معايير الضبط والتدقيق وتحتجب وراء شمسها اجراءات الرقابة والشفافية؟ تخيل معي عزيزي القاريء/عزيزتي القارئة ان الاقتصاد الحر او السوق المفتوحة هي عبارة عن سيارة (او "عربية" كما يسمونها في مصر الشقيقة) يقودها رجل حكيم ومتزن ومتمرس جدا في فن القيادة ولكن بدون فرامل متينة تكبح جماحها وتلجم عنفوانها عند الضرورة. فما الذي سيحدث ياترى؟ الجواب بديهي يعرفه الصغير قبل الكبير. سوف نجد انفسنا لا محالة امام حادث مروّع وفاجعة كبرى لن يجدي معها البكاء حين لا ينفع الندم. فهل هذا هو حال عالمنا الذي نعيش فيه .. سيارة بلا كوابح؟؟؟!!!

وهناك ايضا مشاكل اخرى مستعصية وقضايا شائكة عديدة تحتاج منا الى مراجعة دقيقة ورؤية جديدة لمعالجتها والوقوف عندها بكل حكمة وروية. خذ مثلا معدلات البطالة المرتفعة واضطراب الاسواق المالية (كما هو الحال في جنوب شرق اسيا) والمجاعات الفظيعة في مناطق مختلفة من العالم (كمنطقة القرن الافريقي مثلا) والفقر المدقع والاوبئة الخطيرة والامن المائي والغذائي وحقوق الطفل والعنف ضد المراة والكوارث الطبيعية الرهيبة والصدمات الخارجية (كصدمات العرض) ... الخ. بالاضافة الى ان هناك مسائل لوجستية اخرى ذات اهمية محورية يجب ان لا نتوانى في وضعها على راس قائمة اجنداتنا وان نوليها جل الاهتمام الذي تستحقه من خلال تضافر الجهود الدولية لايجاد حلول عاجلة لها كموضوع البيئة مثلا. فمسالة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية المؤرقة تفرض علينا التحرك السريع باتجاه مضاعفة الجهود واتخاذ الخطوات اللازمة للتعامل معها بكل حزم وثبات. اضف الى ذلك الانبعاثات الغازية للدول الصناعية المتقدمة كغاز ثاني اكسيد الكربون وغاز الميثان والادخنة الناجمة عن حرائق الغابات التي يجب علينا ان نعمل جادين على خفضها بالقدر الذي يكفل لنا حماية عالمنا الذي نعيش فيه جميعنا من مخاطر التغييرات العجيبة في المناخ والتمكن من تجنب اثارها السلبية باذن المولى العلي القدير على جميع سكان الارض قاطبة وانماط حياتهم وسلوكياتهم اليومية.

فمن هذا المنطلق، نحن في الحقيقة بامس الحاجة الى اصلاحات اقتصادية ومالية وتشريعية وتنظيمية واجتماعية وبيئية تقوم على اساس معايير عالية من الشفافية والمصداقية كي نتمكن من قيادة هذه السيارة الكونية الصغيرة بكوابح قوية وضوابط اكثر فاعلية، حتى نصل معا نحن بنو البشر على مختلف اعراقنا واصولنا ومعتقداتنا ومذاهبنا الى بر الامان باذن الله جل علاه الذي يقول في سورة القمر من كتابه العزيز "انا كل شيء خلقناه بقدر وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر" (صدق الله العظيم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا