الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد العجائب والغرائب

أحمد الجنديل

2009 / 6 / 16
كتابات ساخرة


منذ ما يقرب من نصف قرن ، كنـّا نقف صباح أول أيام العيد أمام رجل نحيف يلـّف حول رأسه قطعة من القماش الأحمر اللمّاع وقد ثبـّت تحتها من جهة جبهته ثلاث ريشات ملونة تمتد إلى أعلى رأسه ويزيّن رقبته بطوق من الخرز الرخيص ، وهو يحمل صندوقا مغطـّى بصور الأبطال وعلى وجوههم تبدو ملامح القوّة والشجاعة .
ومنذ الصباح الباكر ننتظر هذا الرجل ، فإذا ما سمعنا صوته الأجش وهو يصرخ بأعلى صوته : (انظر ياسلام .. شوف هرقل بالتمام .. هذا صندوق العجايب .. بيه أنواع الغرايب ) يغمرنا فرحا طفوليا ونهرع نحوه ونأخذ بالاصطفاف ، وكان كلّ واحد منـّا ينظر من فتحة صغيرة ليرى صورا لأبطال وهو يتقاتلون ، أو حيوانات شرسة ، أو قردة تنقر على الدفوف وترقص ، وما هي إلا لحظات حتى يخرج أحدنا من الطابور ليفسح المجال لآخر بعد أن يأخذ الرجل نقوده التي ادخرها لمثل هذا اليوم .
وتوالت الأعوام ودخل المذياع إلى البيوت تلاه التلفاز ، وتطورت الحياة وابتلع النسيان الرجل وصندوقه بعد أن امتد الزمن بنا ليشعل رؤوسنا شيبا بأفكار ماركس وانجلز وسميث وروسو ، ويملأ قلوبنا همـّا بنظريات سقراط وأرسطو وأفلاطون ، ولم يعد أحد يصدّق أنّ ( صندوق العجائب والغرائب ) يعود مرّة ثانية وبطريقة تثير الرعب والخوف قبل أن تثير الدهشة والاستغراب . لقد عاد ليس صندوقا يحمله رجل نحيف يحاول أن ينظـّف جيوبنا من مبلغ ضئيل من النقود ، بل عاد وطنا اسمه ( العراق ) . وتحولت صور الحيوانات الشرسة والقردة إلى مشاهد ومسلسلات وأفلام حبلى إلى درجة القرف بالعجائب والغرائب وهي من النوع الذي ينفرد بها العراق دون غيره من بلدان الإنس والجن ، ويتعامل معها العراقيون دون غيرهم من سكان المعمورة .
والعراق ( الحر الأبي والمستقل المحرر وصاحب الريادة والسيادة ) يحتاج إلى من يتفرج على عجائبه وغرائبه فهي نعمة صنعتها همم الرجال الصناديد واخترعها مفكرونا الأفذاذ أضيفت إلى هذا البلد ( السعيد )حيث الثروة النفطية والمعدنية والمائية ، وحيث أنعم الله على بلادنا بالسياحة الدينية ، وتمشيا مع التطور والتقدم ، واستثمارا علميا رائعا لما وهبنا الله فقد اجتهدنا وثابرنا وأخرجنا للعالم أجمع مصدر ثروة جديد يدّر علينا مليارات الدولارات من خلال ( السياحة السياسية ) المتمثلة بصندوق العجائب والغرائب .
لم يبق لنا إلا أن نشحذ الهمم ونعبّئ الطاقات ونكثـّف اللقاءات لاختيار أفضل وسائل الدعاية والإعلان التي تنسجم وتطورات العصر الحديث ، وأن نكتب على حدودنا ( أهلا وسهلا في بلد العجائب و الغرائب ) واني على يقين بأنّ توافد السائحين سيفوق التصور ، وستعج ساحات العراق وتضجّ شوارعه بالوافدين من مختلف أرجاء الكون ، وسنكون لهم مرحبين مهللين وفاتحين لهم مضايفنا العامرة بالقهوة المعطرّة بالهيل ، ناثرين على رؤوسهم باقات الزهور ، وبذلك نكون قد وفرنا لشعب العراق مبالغ كبيرة من العملة الصعبة نستطيع من خلالها توفير الكهرباء والماء والطحين والباقي نقدمه إلى الذين يلطشون عائدات النفط العراقي
أيها العراقيون ، مبروك عليكم هذا ( الانتصار ) ، ووداعا ياأزمات ، فالخير قادم إنشاء الله . ومن صبر ظفر . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
آمنة القريشي ( 2009 / 6 / 15 - 21:21 )
تحية لك أيها القلم الرائع الصادق ..تحية لك أيها الاديب المبدع ..لا أملك غير محبتي وعشقي لقلمك ..أرجو قبولها مع التقدير والاحترام


2 - عالم العجائب والغرائب
عادل الحلبي ( 2009 / 6 / 16 - 11:23 )
نعم انه بلد العجائب والغرائب ....سوف تكتب لنا أيها الاديب المبدع قريبا عن عالم العجائب والغرائب ..العالم أصبح غريبا وعجيبا
لك كل التقدير

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟