الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدرات غير محدودة للقطاع النفطي الوطني العراقي على الاستثمار والتطوير

اكرم سالم
(Akram Salim Hasan Al-janabi)

2009 / 6 / 17
الادارة و الاقتصاد


يدور جدل واسع في الأوساط السياسية والاقتصادية حول التوجهات المطلوبة لتطبيق بعض التشرييعات المتعلقة بالثروة النفطية الهيدروكربونية أو ما يسمى بمسودة قانون النفط والغاز الذي يتضمن ركائز وضوابط تحكم العلاقات مع القطاع الخاص والشركات النفطية وبالتالي أنماط الاستثمار النفطي التي لابد أن تنسحب على تطبيق القانون وفقا للاشتراطات التشريعية ومدى دقتها ووضوحها الفني الذي لابد أن ينأى بها عن اللبس والتأويل الذي يجر عليها احتمال الخلافات مع الشركات البترولية مستقبلا .
و نظرا لأهمية الثروة النفطية للعراق التي تشكل عوائدها أكثر من 90% من موارده المالية ، فضلا عن أن لكل مرحلة زمنية وتاريخية سياقاتها من الضوابط التشريعية القانونية والعلائق التي ترسم شكل علاقاتها مع الشركات البترولية . ومن خلال ما يطفو من جدل وحوارات في الأوساط المعنية وما يرشح عنها الى الإعلام والصحافة المحلية والعالمية يتبين إن هناك ثلاثة اتجاهات رئيسة لتحديد تلك الصورة الاستراتيجية ، الأول مع إطلاق اليد في الاعتماد الواسع على الشركات النفطية الأجنبية ، والثاني يتحفظ على طبيعة هذه العلاقة الاستثمارية ويدعو الى الاستثمار النفطي المباشر ، غير أن هنالك اتجاها ثالثا براغماتيا معتدلا يميل الى الإمكانية العملية للتعاون مع نوع رصين من تلك الشركات وفقا لضوابط و أسس تعاقدية بصيغ تتناسب مع إفرازات المرحلة التاريخية الراهنة التي يمر بها القطاع النفطي في العراق والخليج ومستوى التزامات الأوبك والدول المنتجة .
وعدا عن وضوح وتبلور أنماط الاستثمارات النفطية بشكل كبير من الناحية الفقهية والمهنية لدى الدول المنتجة عالميا غير أن هذا الأمر لايمكن حسمه إلا على المستوى السياسي وعلى أعلى المستويات الحكومية والبرلمانية ، وهذا شيء طبيعي إذ أن لكل دولة منطلقاتها ورؤاها السياسية والفكرية ، عدا عن خصوصية البلد المنتج وظروفه المستندة لعوامل عديدة منها نظرة القيادة السياسية للبلد الى هذه الإشكالية وجذورها التاريخية التي ترجع الى صورة العلاقات مع الشركات البترولية الاحتكارية قبل سبعينات القرن الماضي ، وما ترسب في الذاكرة الجمعية للشعب العراقي من ذلك ، إضافة الى المستجدات الحديثة والمعاصرة التي أفرزتها قطاعات أعمال الصناعات البترولية الهيدروكربونية عالميا ومدى تقويم الجهد الوطني خلال عمليات الاســــــــــتثمار المباشر ومراحلها التي مرت بها تحت مختلف الظروف والعوامل .
إن العراق يمتلك إرثا غنيا ومقومات وطنية أساسية لتطوير صناعته النفطية في اغلب مراحلها التي تشمل عادة :
مرحلة الكشف والتحري والتنقيب
مرحلة الاستخراج البترولي
مرحلة نقل البترول الخام
مرحلة التكرير والتصنيع البترولي
مرحلة التسويق والتوزيع البترولي

إذ أن هامش المخاطرة الكبير الذي يواجه هذا النوع من الصناعات يتركز كما هو معلوم في مرحلتي الكشف والتحري والتنقيب ، والمرحلة اللاحقة المتعلقة بالاستخراج ، حيث أن الاحتياطي البترولي العراقي الثابت يتبوأ المرتبة الأولى أو الثانية عالميا ويقدر بحوالي 115 مليار برميل ، وإن غالبية حقوله بكر وجاهزة للاستخراج ، وإذا ما أضفنا لذلك إمكانات العراق المالية العالية واتجاه أسعار النفط مرة أخرى نحو الصعود وتجاوز كوابح الأزمة الاقتصادية العالمية في ضوء بوادر التعافي العالمي واستعادة مديات النمو مجددا ، فإن قطاع الصناعة البترولية العراقي قادر على مواكبة متطلبات النمو والتطوير المتواصل مع هامش لابد منه للتعاون و التعاقد التقني مع بعض الشركات النفطية العالمية ( المقاولة ) ومن موقع ( السيادة ) الوطنية .
إن غالبية الدول المنتجة للبترول قد أخذت تمتلك زمام المبادرة السيادية في قيادة صناعتها النفطية في جميع مراحل الاستثمار بعد أن تنبهت وخبرت السلبيات الخطيرة والثغرات التي تجلبها معها الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية وهي معروفة المسميات والعناوين . كما أدركت من خلال تجربتها الطويلة والمريرة معها جسامة المخاطر التي تشكلها على اقتصاداتها الوطنية وتدخلها السافر في شؤونها السيادية واستراتجياتها السياسية الداخلية والخارجية ، ومدى الغموض والتلاعب في تفاصيل العمليات الاستخراجية و التنقيبية والكلف والضرائب والرسوم والقيم الدفترية و المطبات التسويقية وغيرها هذا إضافة الى علائقها المتشابكة مع اللوبيات الضاغطة ومع ومراكز صنع القرار في دول العالم انطلاقا من إمكانياتها المالية الكبرى وهيكليتها البنيوية .
لذلك غادرت غالبية الدول المنتجة ومنها دول الخليج بكل ثقة تلك الأشكال التقليدية المندثرة للامتيازات النفطية سيئة السيط التي تبيح لتلك الشركات زمام التحكم المطلق أو الواسع جدا في مراحل الاستثمار والصناعة البترولية الهيدروكربونية ولمدد تتجاوز الثلاثين عاما وتكون عادة بين 50- 75 عاما ، أي مدى نضوب وجفاف آبار النفط ، وهذه مفارقة مؤلمة تشـــــــرعن نهب الثروات النفطية الوطنية .
من جهة أخرى فإن المدخل البراغماتي لاستثمار وتطوير الصناعة النفطية قد تجاوز أنماط المشاركة في درجاتها المتراوحة بين المناصفة والتملك الكلي ، إذ أن غالبية دول الخليج على سبيل المثال قد سار بهذا النهج العملي منذ سبعينات القرن الماضي بعد أن تخلت بشكل تدريجي عن صيغ ( المشاركة – المناصفة ) التي كانت تتضمن :
اعتماد نظام مناصفة الأرباح بين الشركات والدولة المانحة للعقد أو الامتياز
يشترك الطرفان ( الشركة والحكومة ) في عمليات استغلال الثروة النفطية وتكون مدة العقد بحدود 25 سنة بعد الاكتشاف التجاري للنفط
تكون مساحة الأراضي الممنوحة في العقد محدودة ويتم التخلي عن الأراضي غير المستثمرة
يكون نصيب الطرف الأجنبي والوطني من الإنتاج البترولي مناصفة مع دفع الطرف الأجنبي استحقاقات الحكومة من الضرائب والرسوم و الاتاوات ويتم حساب عوائد الحكومة بموجب الأسعار المعلنة أو المتحققة أو بحسب ما يتفق عليه
ويمكن أن تصـــــــــــــل حصة الحكومة من العوائد و الارياح الى حوالي 75 % وبشكل تدريجي
يتحمل الطرف الأجنبي أعباء توفير الأموال لتمويل عمليات تطوير واكتشاف الحقول النفطية حتى مرحلة الاكتشاف التجاري

وكانت تأخذ بهذا النمط غالبية الدول العربية في الخمسينات والستينات بعد أن سبق و أخذت به فنزويلا عام 1943 وكان يعتبر في حينه خطوة نوعية متقدمة على نمط الامتيازات الجائر .
ومن ثم جرى الانتقال الى نمط اســــــــــــــتثماري بترولي آخر أكثر تطورا وهو ( المقاولة النفطية ) الذي يقوم على أساس تعاقد طرف وطني في البلدان النفطية مع طرف أجنبي للقيام ببعض الفعاليات أو الخدمات النفطية مقابل الحصول على حصة او نصيب من العائد النفطية وبأشكال متعددة وقد اعتمد هذا النمط في محاولة من الدول النفطية لتحسين شروط استغلال ثروتها النفطية ، وقد ظهر هذا النمط لأول مرة عام 1948 في المكسيك و عام 1962 في اندونيسيا و عام 1967 في العراق مع شركة ايراب الفرنسية ، ويتميز عقد المقاولة بالاتي :
يفوض العقد الطرف الأجنبي ( الشركة ) القيام بالعمليات النفطية المسندة إليه ولحساب الطرف الوطني
يتحمل الطرف الأجنبي كافة الأعباء المالية والمخاطر الناجمة عن الاستغلال النفطي
يحصل الطرف الأجنبي على حصة من النفط الخام والأرباح وحسب اتفاق عقد المقاولة
صغر المساحات الخاضعة للعقد وتكون مدة المقاولة بحدود عشرين عاما تقريبا
يعتبر من الأنماط الجيدة في استغلال الثروة النفطية ويحقق فوائد كبيرة للبلدان النفطية
يحق للطرف الأجنبي استرداد ما أنفقه من استثمارات وأعباء مالية من خلال نسبة من الإنتاج النفطي والحصول على النفط الخام بسعر الكلفة أو بسعر يقل عن أسعار السوق . وتكون فترة الاسترداد قصيرة نسبيا لا تتجاوز خمس سنوات .

وبعد قيام منظمة أوبك عام 1960 وحركات تأميم النفط في العراق والجزائر وليبيا بدأت الدول المنتجة والشركات تميل الى الأخذ بصيغة تشاركية أكثر واقعية وتسمى ( المشاركة النفطية والتملك الكلي ) وقد أخذت بها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر في بداية السبعينات ، حيث تكون المشاركة بصيغ وشروط جديدة تختلف عن الســــــــابق . وقد سيقت مجموعة المبررات للأخذ بها ، ومنها :
تؤدي الى الاستفادة من الاستثمارات النفطية الأجنبية والخبرات التقنية الخارجية
تؤمن حماية هيكل أسعار النفط الخام واستقرارها
تؤمن الانتقال التدريجي الى ملكية الصناعة النفطية .
وقد بدأت المشاركة في هذه الدول عام 1973 بمقدار 25% و تم الاتفاق على زيادتها سنويا بمقدار 5% لتصل عام 1983 الى 51 % وتقتصر المشاركة على مرحلة الإنتاج فقط أما العمليات اللاحقة فهي من نصيب الشركات . ولكن يجب ان ندرك ان هذا التدرج في المشاركة ليس مطلقا اضافة الى انه يتضمن قيدا آخر يشير الى تعويض الشركات النفطية عن نسبة المشاركة التي يحصل عليها البلد النفطي . وبالنسبة للدول الخليجية اعلاه فقد بلغت التعويضات التي دفعتها للشركات مقابل نسبة المشاركة 51% ضعف القيمة الصافية لمجموع موجودات الشركات وهذا التعويض ادى الى تعرض البلدان المشاركة الى خسائر كبيرة .
من خلال ما تقدم يتضح ما يأتي :
لكل بلد نفطي خصوصيته في التعامل مع ثروته النفطية استنادا الى إرثه في العلاقات مع الشركات النفطية العالمية وخبرته المتراكمة في إدارة قطاعه النفطي وثرواته ومدى نضج ملاكاته الوطنية اللازمة لذلك .
إن تطوير الأعمال والمشاريع النفطية ليس حكرا على الشركات الإحتكارية متعددة الجنسية التي كان لوجودها عواقب وخيمة معروفة بل إن القطاع الوطني وبخاصة في بلد عريق كالعراق يمكن أن يعاود انطلاقته وبظروف أفضل كثيرا نظرا لانفتاحه التجاري على سوق التقنيات العالمي وهو سوق متعدد المناشيء و غزير في تنوع تقنياته البترولية ولمختلف الأغراض ولجميع المراحل من الاستكشاف وأجهزة التنقيب والحفر وحتى التكرير والتصنيع والتوزيع .
الاستثمار النفطي الوطني المباشر هو العمود الفقري والمحور الأساس الذي تدور في فلكه وبقيادته جميع أنماط التعاقد مع بعض الشركات النفطية الخاصة بصيغة المقاولة حصرا وفي بعض المشاريع أو بعض مراحل الإنتاج النفطي ولبعض الوقت ، وليس بشكل مطلق .
القطاع النفطي الوطني العراقي يمتلك احتياطيا ضخما وكفوءا جدا من الكادر الهندسي والجيولوجي والفني والإداري – الاقتصادي ، والمعروف أن كبريات الشركات النفطية العالمية تستعين بأعداد كبيرة منه في الظروف الراهنة ، وبعضه عاطل عن العمل أو معطل عن تخصصه وخبرته ، وهذا الرأسمال البشري العظيم قادر على القيام بمهام التطوير والنهوض بالقطاع النفطي وأعماله ومشاريعه المخططة في جميع مراحلها والى ابعد الأشواط والمديات .
لدى بعض البلدان المستجدة في هذا الميدان والشحيحة الموارد المالية ، قد تنجع بعض صيغ المشاركة مع بعض الشركات العالمية المعروفة ، نظرا لعدم قدرة مثل هذه البلدان على المخاطرة وعدم امتلاكها التجربة والخبرة والكادر البشري الفني النفطي ، إضافة الى ظروف عدم التأكد من صلاحية وجدوى الحقول النفطية في طور الاستكشاف والتنقيب في هذه البلدان . ولكن ليس مسوغا أن يتراجع القطاع الوطني النفطي في بلد نفطي عريق كالعراق نحو منح الامتيازات المنقرضة او بصيغ المشاركة إذ أن ذلك أمر غير منطقي وليس له سند موضوعي غير النكوص أو الإخفاق .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024


.. باريس تأمر الشركات المصنعة بإعطاء الأولوية لإنتاج صواريخ أست




.. اقتصادي ورفيق بالبيئة... فرنسا تعرض الجيل الجديد للقطار فائق


.. الأمير محمد بن سلمان: نمو الاقتصاد الرقمي بالسعودية 3 أضعاف




.. أسعار الذهب تواصل الانخفاض فى مصر والجرام بـ 3070 جنيه