الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزيارة المفاجئة لمولانا الحاكم بأمر الله..

صالح اهضير

2009 / 6 / 17
كتابات ساخرة


على حين غرة،استفاقت المدينة الجاثمة على السفوح الأطلسية على نبإ مفاده أن مولانا الحاكم بأمر الله سيحل بالبلد للقيام بزيارة من زياراته الميمونة،وأن موعد وصوله لن يستغرق سوى بضع ساعات ليس إلا..
ارتبكت فرائص أعيان البلدة واهتز كيان السلطات المحلية..تجهمت الوجوه واختنقت الأنفاس وتسارعت نبضات الأفئدة ووقع الجميع في حيص بيص..
على التو،أصدر حاكم المدينة،الملقب بـ"الديناصور"،أوامره الصارمة للمسؤولين:رؤساء المصالح،أعوان السلطة،الأمن المحلي،وغيرهم من أولياء الأمور وخدام العتبات..داعيا إياهم جميعا للحضور في اجتماع فوري وطارئ،وأن لا أحد يعذر بتخلفه عن الموعد المعلوم..
"لمقدم رحال"،الملقب بـ"الرادار" لكثرة تنصته ورصده لهذه وتلك إلى حد لا يكاد فيه يغادر كل صغيرة أو كبيرة إلا وأحصاها،توقف في تلك الصبيحة لبرهة وجيزة فوق عتبة مسكنه وهو ينفض عن شاربيه بقايا من طعام الفطور الذي تناوله بعجالة منقطعة النظير..رمقته أعين المارة،وتبادل الناس الهمسات،وتعالت ضحكات الأطفال.أطلت"رحمة"،جارته،من الشرفة المقابلة وقد انتابتها موجة من قهقهات متتالية..ترامى الهرج والصخب إلى أسماع زوجته"الضاوية" ثم فتحت الباب على عجل وسحبت الرجل بقوة من قبعة جلبابه الأبيض إلى فناء الدار..أومأت بأصبعها إلى قدميه وقد استبدت بها فورة غضب غير معهود..تطلع بنظرة خاطفة إلى الأسفل مذهولا:كان يرتدي خفي زوجته!!..ردد في قرارة نفسه:"تفو!..الله ينعل بوها خدمة!!..."
كانت السيارة "المخزنية" تعدو بسرعة مثل السهم في اتجاه مقر الاجتماع.ترجل من على متنها أكابر قواد المدينة،الملقب بـ"الأقرع"..سار لبضع خطوات مترنحا في مشيته،غير أن أحد مرافقيه نبهه إلى أن فتحة سروال بدلته العسكرية فاغرة فاها،بحيث إن تبانه كان يبدو جليا للناظرين،بلا مبالاة سحب سلسلة الفتحة إلى الأعلى وقد عبست ملامح وجهه..ردد في دخيلته:" تفو!..الله ينعل بوها خدمة!!..."
بداخل قاعة الاجتماعات الكبرى،جلس المجتمعون وقد غمرهم صمت رهيب.استوى باشا المدينة،الملقب بـ"بوقرفاضة"،جالسا على يمين "الديناصور"،بجلبابه الشفاف الناصع البياض وطربوش أحمرقان تعلوه خيوط دقيقة سوداء تتراقص كلما صدرت عنه أدنى حركة..تهاوى جدار الصمت بمجرد أن تبودلت نظرات وهمسات هازئة بين الحاضرين..فطن حاكم البلدة لما يجري ويدور وأدرك مغزى الإشارات ثم تمتم بكلمات خافتة للجالس عن يمينه دون أن يلتفت ناحيته..تطلع "بوقرفاضة"إلى جلبابه،هز حاجبيه وعلت وجنتيه حمرة شديدة من هول الموقف ثم اتجه إلى المرحاض..خلع جلبابه المقلوب ثم ارتداه من جديد..ردد في عمق ذاته:" تفو!..الله ينعل بوها خدمة!!..."
تجاذب المجتمعون أطراف الحديث وأدلى كل بدلوهّّّّ؛وفي الختام،هز "الديناصور" رأسه الأهليلجي الضخم وذكر مخاطبيه قائلا:"أريد أيها السادة أن أرى المدينة وقد ارتدت أبهى الحلي والحلل حتى تنال الرضى والحظوة لدى مولانا الحاكم بأمر الله..."
مدت الزرابي المبثوثة بداخل خيمة عملاقة نصبت خصيصا للزائر وحاشيته..اقتلعت الأشجار وبعض نباتات الزينة من ضواحي المدينة وشحنت في الناقلات ثم أعيد غرسها على امتداد الشوارع الكبرى والساحات العمومية وملتقى الطرق الرئيسية،وفي كل مكان يتوقع أن يحظى بالزيارة المباركة.صبغت الأرصفة، وسدت الحفر والثغرات،ورش إسفلت الشارع العام وزين بمصابيح قشيبة،ورفعت الرايات على الأعمدة،وأقيمت الحواجز الحديدية..شرعت الفرق الفلكلورية في تقديم عروضها الفنية،وتهافت الناس من كل حدب وصوب..
استقبل مولانا الحاكم بأمرالله ببالغ الحفاوة والترحاب واشرأبت الأعناق للتملي بطلعته الميمونة..مر موكبه المبجل بسلام لولا أن تهاوت فجأة شجرة على مقربة منه بفعل تدافع الجماهير الغفيرة،كادت أن تتسبب في كارثة لولا لطف الله..
ركع المضيف مستقبلا ضيفه بداخل الخيمة المنصوبة وحياه بأحسن ما تكون التحية ثم طفقا يتبادلان أطراف الحديث حول شؤون وأوضاع البلدة وساكنتها:
ـ كيف هي أحوال رعايانا في هذه البلدة؟
ـ آمنون،مطمئنون،سيدي أعزكم الله،ولا ينقصهم سوى النظر في وجهكم العزيز..
ـ حسنا..وكيف هي أوضاع العمال والموظفين؟
ـ الكل راض،سيدي أعزكم الله،ماداموا مشمولين برعايتكم المولوية..
ـ حسنا..والمشاريع الموكول لكم تنفيذها؟
ـ لقد تم إنجاز،سيدي أعزكم الله،99،99 منها.أما الباقي فهو المرحلة من اللمسات الأخيرة بفضل مقامكم العالي بالله..
أرخى الليل سدوله،واستسلمت المدينة لسبات عميق..عندئذ،قرر مولانا الحاكم بأمر الله،كدأبه في كل زيارة لأرجاء الوطن،القيام بجولة استطلاعية خاطفة في الأزقة والدروب والأحياء الهامشية مع ثلة من حرسه..إنها،بالنسبة إليه،فرصة سانحة للتخلص من روتينية المواعيد المجدولة وعبء الإنشغالات اليومية الرتيبة،غير أنها،في معظم الأحيان،تكون مبعثا للقلق،ومثارا للسخط وعدم الرضى نتيجة ما يقف عليه من وقائع لا تصدق وحالات وأوضاع مزرية!!
انتهت الزيارة المحفوفة بالرعاية الربانية،وودع مولانا الحاكم بأمر الله رعاياه وقفل راجعا إلى مقره الأعظم..استعادت البلدة الأطلسية ايقاعها المعهود،بحيث ما عادت الفرائص ترتبك ولا الأفئدة تخفق في الصدور..وبعد أيام معدودات،تلقى حاكم المدينة من الحكومة المركزية رسالة خطية تقول بعد التحية والسلام:
((وبعد،فبناء على الزيارة الميمونة لمولانا الحاكم بأمر الله لبلدتكم الموقرة،وما أظهرتموه خلالها من "حميد الخصال"،و"حسن الاستقبال"،و"حفاوة الوصال"،و"كرم الضيافة"،وما أبديتموه من"واجب الطاعة"و"وخالص الولاء" و"جسامة التضحيات" التي يندى لها الجبين من أجل خدمة رعايا السدة العالية،فقد تقرر"ترقيتكم إلى أعلى عليين.."،وعليه،فيتعين عليكم فور توصلكم بهذا الخطاب الالتحاق بالمقر المركزي بعد تسليم المهام لمن سيخلفكم بعون الله...وبه وجب إعلامكم والسلام))
جمد الدم في عروق "الديناصور"،وسرت رعدة قوية في أوصاله وضرب كفا بكف ثم غمغم في غور ذاته:"تفو!..الله ينعل بوها خدمة!!..."












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو