الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عناصر القوة الأميركية

صالح سليمان عبدالعظيم

2009 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



لم يكن القرن الواحد والعشرين فاتحة خير على الولايات المتحدة الأميركية. ففيه واجهت أميركا أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما قامت بغزو أفغانستان والعراق. وهما حربان كلفتا أميركا الكثير على المستوى البشري والمادي، كما شوهتا بدرجة كبيرة صورة أميركا في الخارج من خلال الفضائح المرتبطة بحقوق الإنسان والتعذيب، وعلى رأسها فضيحة أبوغريب وجوانتنامو.
لم تكد أميركا تفيق من خسائر هذين الحربين إلا وفاجأتها الأزمة المالية الطاحنة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، وكنست أمامها مؤسسات مالية واقتصادية وصناعية لم يكن لأحد أن يتخيل انهيارها بمثل هذا الشكل السريع. تدافعت الأحداث بشكل سلبي ضد أميركا خلال السنوات القليلة الماضية الأمر الذي جعل العديد من المفكرين يكتبون بشكل واضح وصريح عن بدء الانهيار الأميركي، أو الأفول الأميركي، أو نهاية الحقبة الأميركية، أو تحول ميزان القوى الكوني إلى أطراف أخرى جديدة.
فهل فعلا تواجه أميركا نوعا من الضعف والانهيار الآن؟ وهل يتحول ميزان القوى نحو أطراف أخرى؟ وما هي هذه الأطراف؟ وهل تملك من القوة ما يجعلها قادرة على منافسة أميركا والقيام بأدوارها الكونية المهيمنة؟
الواقع أنه من الصعب تصور الانهيار السريع لأميركا بمثل هذه الطريقة التي يكتب بها البعض، وبشكل خاص الذين يتخذون موقفا مسبقا وعدائيا منها. فأميركا مازالت تشتمل على العديد من عناصر القوة التي قل أن نجد لها نظيرا في أي مكان آخر. فالولايات المتحدة تمثل 5% من سكان العالم بينما تنتج ما يزيد على ربع الإنتاج العالمي، كما أنها تهيمن على العالم ثقافيا وعلميا وعسكريا، إضافة إلى هيمنة الدولار الأميركي على كافة أسواق العالم.
فعلى المستوى الاقتصادي لا يجب أن يغيب عن أذهانا أننا نتعامل مع دولة قارية، فمساحة أميركا تعادل 9,826,630 كيلومتر مربع، وهو ما يمنحها تنوعا مناخيا وجغرافيا غير عادي ساعدها على إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية واستخراج كافة أنواع المعادن، بما فيها النفط. كما ساعدها ذلك على تطوير مستوى فريد من الصناعات المدنية والعسكرية على السواء. فالسيارات الأميركية لها تاريخ محترم حول العالم، كما أن صناعة الطيران ليس لها نظير في أي مكان آخر. إضافة إلى ذلك تنطوي أميركا على رأس مال بشري هائل ومتنوع من كافة جنسيات العالم يساعد بدرجة أو بأخرى على التنوع المعرفي والمهاري والإبداعي. كما أن الكثير من دول العالم تعتمد تجاريا على أميركا؛ فالنموذج التنموي الصيني اعتمد بشكل مفرط على التصدير لأميركا في فترة ما قبل الأزمة المالية، قبل أن يعيد حساباته ويحاول الآن تشجيع الاستهلاك المحلي. كما أن معظم دول العالم مازالت تستند إلى الدولار كمعيار تقيس به عملاتها المحلية والتبادل التجاري فيما بينها.
على المستوى الثقافي لا توجد بقعة في الأرض لا تصلها المنتجات الثقافية الأميركية وعلى رأسها الموسيقى والأفلام. فلم توجد دولة عبر التاريخ استطاعت أن تؤثر ثقافيا على الكون كله مثلما فعلت أميركا ليس فقط من خلال الموسيقي والأفلام، لكن من خلال الكثير من الرموز الأميركية مثل الملابس وعلى رأسها الجينز، إضافة إلى المأكولات السريعة التي غزت كل البطون والعقول والحواس. وبغض النظر عن مستوى هذه النوعية من الموسيقى أو الأفلام المنتجة أو الوجبات السريعة غير الصحية فإنها فرضت نفسها حول العالم بين كافة الشرائح الاجتماعية وكل الأعمار.
وعلى المستوى التعليمي تمثل أميركا، من خلال جامعاتها التي تحتل قائمة أفضل الجامعات في العالم، واحة التعليم لكافة الجنسيات. حيث استطاعت أن تمتلك العقول وتصيغ الأفكار وتصنع الأيديولوجيات، وتضمن من خلال طلابها الدوليين ترسانة مستقبلية من هؤلاء الخريجين. إذا نظرنا حولنا في العالم العربي على سبيل المثال سنجد أن معظم التكنوقراط والمسئولين الكبار من خريجي الجامعات الأميركية. كما أن الكثير من الجامعات العربية ذاتها تحرص الآن على استقطاب الحاصلين على الدكتوراه من أميركا الذين يعيدون نقل القيم الأميركية ضمن تخصصاتهم المختلفة. ورغم أن التعليم في أميركا ليس هو الأفضل الآن؛ فهناك طفرات تعليمية في أستراليا وكندا والكثير من الدول الأوروبية، ناهيك عما تحققه بعض الدول الآسيوية من نجاحات باهرة، إلا أن أميركا استطاعت بقوة الدولة والهيمنة الكونية أن تُسحر العالم وتفرض أنماطها التعليمية في كل مكان.
والأهم من كل ما سبق أن أميركا تنطوي على نظام سياسي يتسم بدرجة عالية من الديناميكية يتيح لها قدرا كبيرا من المراجعة والشفافية والتجديد السياسي. وهذا النظام هو الذي جعل أميركا قادرة على أن تعيد حساباتها في كل مرة تشتد فيها المحن وتتعاظم الخطوب. إذا كانت أميركا تنطوي على عناصر قوة تشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياسية فما الذي يجعل البعض يتصور إمكانية انهيارها هذه الأيام؟ وبشكل أكثر دقة ما هي عناصر الضعف الأميركي الآن؟ وهو ما سوف نتناوله في المرة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك