الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش العلمانية (4)

مازن الوكيل

2009 / 6 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يصنف البعض ابا حيان التوحيدي بأنه أشهر مريض نفسي في تاريخنا. وبسذاجة غريبة يعللون شذوذه النفسي بأنه ناشئ من غيرته المفرطة من اصحاب الحكم والجاه والمال، وقد دفعه حرمانه وحسده الى حرق كتبه ومن ثم انتحاره.
اصحاب هذا الاتجاه في التعريف بابي حيان هم غالباً من مدرسة عصابات الفتوى الذين وصفوه بالزنديق والكافر، وهذا يؤكد ان اصحاب السلطة الدينية لا زالوا ملوكاً وهم في قبورهم، فما زالت سلطتهم قائمة وتتوالد باشكال مختلفة لتنتهي اخيراً الى تحقيق هدفها وهو تصفية خصومها بعصا الافتاء.
ولا شك ان ابا حيان لم يكن بالرجل السعيد، بل كان تعيساً يملوءه الالم، ولكن الالامه لم تكن ناشئة من مرض اخلاقي او نفسي كما يزعمون، وهذا ليس نقصاً فيه بل هو تعبير واضح ومؤكد عن صحة راي (لهمن): (ليس هناك حالة نفسية محضة الانفعال، وانما هناك حالات فكرية مقارنة دائماً للذة والالم) والتوحيدي مفكر حساس باحث عن اثار الحقيقة.
فسؤاله الى صديقه عن تفسير علاقته بأحد القضاة هو سؤال باحث عن السلوك البشري، فكيف يمكن ان يكون واحداً من نخبة الفكر صديقاً ونديماً لرجل سلطة تملؤه الانانية..؟
فللتوحيدي دوائر حيرة تحيط بحياته كلها.. ما الموت؟ ما الحياة؟ ما الظلم؟ ما العدل؟ ما الخوف؟ ما الحب؟ ما البغض؟ ما الجبن؟ ما الشجاعة؟ ما الجوع؟ ما الشبع؟ ما الالم؟ ما الموسقى؟ ما الغناء؟ ما العلم؟ وغير ذلك كثير، ليعثر التوحيدي على صديق ولكن بمواصفات خاصة تتيح له ان يكون مستمعاً واعياً لرأيه، فابن مسكويه الفيلسوف الاخلاقي هو ايضاً صاحب جاه ومال وسلطة ومع ذلك احبه التوحيدي ولم يحسده..!!!
فهو انسان، وهذا يكفي صاحبنا بان يكون صديقاً ومحاوراً فكرياً له، فالأبن مسكويه بعض من دوائر حيرته الانسانية، مما يؤهله لأن يكون شريكاً حميماً لأحلام التوحيدي فكان نتيجة هذه اللقاءات كتابه المهم (الهوامل والشوامل).
هذا الكتاب اكتشف من خلاله محمد اركون ضمن معاركه من اجل الانسنة، قيمة ابو حيان كمفكر وجودي قلق، وعمق احساسه كأنسان.
ومثل هذا الاحساس يقود الى احلام مكبوتة كانت هي السبب في احراق كتبه اخر حياته وان برر ذلك برسالة خلاصتها انه فجع بصديق له!!!
كم منا يحرق اشياءه العزيزة من اجل ذلك؟ اعتقد ان من يملك احساس ابي حيان سيعرف الجواب؟ ولعل هذا الاحساس المفرط يمكن ان يصور للبعض من غير اولئك الفئات الظلامية ذات الاهداف الاقصائية ان التوحيدي مات منتحراً.
فالانتحار جريمة دينية يكون بها الانسان كافراً وهذه طريقة اولئك العصابات الذين يحاولون ان يثبتوا هذه الحقيقة انتصاراً لمن يقول بزندقة التوحيدي وكفره، اما الاخرين الذين اعنيهم الان فهم اصحاب الاحساس الفني والجمالي للاشياء فضلاً عن احساسهم بالانسان، فهؤلاء قد يتصورون انه مات منتحراً نتيجة احساسه المفرط من الاخطاء التي حوله.
يبدو لي ان قصة الانتحار ليست واقعية فالرجل كتب (الاشارات الالهية) يوضح فيه تماماً عمق علاقته بالسماء والتي يملؤها الامل لانها علاقة مع الجمال اللا نهائي واللا محدود، ولذلك اصدق حديثاً اخر يروي قصة موته، حيث اجتمع الوعاظ من جلاوزة السلطة الدينية يذكرونه بشراسة الموت- القبر المظلم- والنار المستعرة في رحلة عذاب لا تنتهي، فسجل التوحيدي اعتراضه الرائع على هذا التراجيديا الساذجة، والتي تصور الاله العظيم الى ما يشبه الهالوين! قال التوحيدي ساخراً (كأني اقدم على شرطي وليس على رب غفور).
ولنا لقاء اخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواهب غير مفيدة للمجتمع ???? مع بدر صالح


.. تونس : لماذا كل هذه الفيود على الحريات؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. بعد حرب غزة.. هل ستفوز حماس إذا أجريت انتخابات؟ شاهد كيف رد


.. بسبب التصعيد الإسرائيلي في رفح.. تزايد حدة التوتر بين القاهر




.. أمير الكويت يصدر مرسوما أميريا بتشكيل الحكومة الجديدة | #راد