الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود البريكان ( الشاعر - الأنسان - المثقف )

توفيق الشيخ حسين

2009 / 6 / 18
الادب والفن


قليلون اولئك الذين يعرفون محمود البريكان(1931-2002)رحمه الله معرفة جيدة ، واقل منهم اولئك الذين يفهمونه بذات العمق وصدق المعاناة ولماذا اختط الراحل لنفسه هذا النهج في الحياة ، ووضع لنفسه اسلوبا مدروسا متفردا في معاشرته للناس وفي مفهومه للنشر وفي عرض ادبه في الصحف والمؤتمرات يتواءم مع رؤيته الخاصة للحياة والوجود والقصيدة الشعرية . ان الشاعر بعد رحيله ، يظل يعيش بيننا بشعره ، والكاتب بما كتب ، والفنان والعالم ، وكل انسان منتج في ما ترك وراءه من اثر فاعل . كان شاعرا ومثقفا من طراز رفيع ، وكان في حضوره الشخصي المميز ، وأدبه الجم ، وثقافته المستنيرة ، موطنا يضم في رحابته النوع الأنساني اجمع ، كان مثل طائر لا يألف القفص وراهبا من رهبان الحرية عاشقيها ، كتب لها اجمل قصائده وظل ممجدا لها حتى ايامه الأخيرة . تقول الشاعرة لميعة عباس عمارة في جريدة ( القبس ) عام 1982 ( ان دور البريكان في مجال تطور الشعر الحديث لا ينكره احد ولكن هناك من حشر نفسه في قضية الريادة بحضوره الدائم في حلقات الشعر وبأصراره على الظهور بينما ابتعد المبدعين طواعية ومحمود البريكان هو الذي نأى عن هذا المجال وامتنع عن نشر شعره منذ وقت طويل . صمته الممض هذا ، دفع بالناقد حسين عبداللطيف الى ان يلاحظ ( الخليق بالملاحظة في مسألة البريكان ، ان السور الذي ضربه حول نفسه او متراسه امام شعره انهار بكل بساطة واصبح عرضة لكل يد او مزايدة او ادعاء كاذب او معرفة ناقصة ، واصبح نفسه مشجبا او اسطورة بعد السياب ، ذلك ما تحدثنا به معه مرارا وحذرناه منه على حياته لكن الأستجابة كانت ضعيفة ، مترددة ، متريثة ، مؤجلة دائما ، مع الأقرار الضمني من قبله بقوتها وصحتها ، وسلامة دوافعها ) . يقول بدر شاكر السياب عن محمود البريكان في عام 1957 انه " شاعر عظيم ، لكنه مغمور !! بسب نفوره من النشر ، وسأحاول بذل كل جهد لأخراجه من صمته ليتبوأ المكانة اللائقة به " . كانت قضية الحرية أهم القضايا على الأطلاق التي انشغل بها الشاعر محمود البريكان منذ وقت مبكر ونالت الجزء الأكبر من اهتمامه خلال مسيرته الشعرية الطويلة ويمكن اعتبارها القضية - الجوهر - عند الشاعر الذي ظل مخلصا لها الى النهاية ، وفي سن الشيخوخة او ما كان يسميه سن التنازلات ، كان مستعدا لأن يتنازل عن اشياء بعينها لكنه رفض بقوة ان يتراجع عن قضيته الجوهرية ( الحرية ) . الحرية التي تمنح الحياة اعظم معانيها ، وتجعل منها فعلا خلاقا متجددا وتجربة فريدة في معبر الوجود .. الحرية التي تقود الأنسان الى ان يبدع ويقاوم وياتي بالمعجزات ويثبت امام العواصف العاتية وتجعله يلمس الألم البشري اينما كان ، ويفهم الأنسانية ويتضامن معها ويحس نبض العالم المترامي ..هذه الحرية التي امن بها محمود البريكان ودافع عنها طيلة حياته ، وأراد لأمته ان تحيا تحت ظلالها وانوارها ، هي التي ظل يبحث عنها هذا العربي التائه عبر عصور الأضطهاد والخوف . ويقول الشاعر محمود البريكان " ان كل كلمة لا يعنيها الشاعر تعني تفككا في الكيان ، وان عبارة لا تستقطب شيئا هي خيانة " . هل كان البريكان يلعب مع متلقي شعره ما كنا نلعبه معا في السؤال المراوغ والجواب المضلل ؟ فحينما تتقنع ذات البريكان في متراس قصائده يلتبس على متلقيه وقرائه ما نصيب الحقيقة في شعره وما نصيب التخييل ! تلك احدى مهاراته في تقمص ذاته ، جسد قصائده وهي ايضا احدى فطنه في استعاضه عن البوح المفضوح الذي يتطلبه الحوار وكتابة السيرة ، بالرهان على قصائده وحدها لكي لا يمسك اي من متلقيه وقرائه ببعض حقائقه على نصاعة ما يملك من حقائق . يقول الشاعر والروائي محمد الأسعد من دراسة في تجربة البريكان في مجلة ثقافات البحرينية : " بعزلته وابتعاده عن الوسط الأدبي وانشغاله بقضايا ومصائر يؤمن انه لا يستطيع مواجهتها الا وحيدا ، لم يترك محمود البريكان لنقاده سوى القصيدة اي لم يترك سوى فن الشاعر وطريقته الفريدة التي يستطيع بها مواجهة العالم وتحرير ذاته ، اما فضول عدسات التصوير واعلانات الصحف اليومية فقد كان موضع تندره الدائم واستخفافه بل وسخريته الجارحة " . محمود البريكان هو ابن الزبير ، هو ابن العراق والبصرة .. هو سر البصرة الغامض وطلسمها الأكبر .. كان يواجه شيئا واحدا يسمونه انطوائية واعتزالا .. فقامة البريكان في هذا الفن سامقة مشرئبة بين جميع الشعراء وبأعترافهم .. كان البريكان يسأل والحزن يملأ قلبه ، الى متى يبقى الأنسان العربي اللاهث ابدا يخاف القهر والجوع والموت ! والى متى تبقى هذه الأمة تصفق للطغاة والمغامرين .. قتل محمود البريكان الساعة العاشرة من مساء يوم الخميس المصادف 28 شباط من عام 2002 في داره ودفن في مقبرة الحسن البصري في مسقط رأسه مدينة الزبير .. وسكن مع بدر شاكر السياب التي دفن فيها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمات رثاء لمحمود البريكان
sabri oghanna ( 2009 / 6 / 18 - 13:59 )
كلمات رثاء لمحمود البريكان




نقر خفيف على الباب ..
وصمت رهيب ينذر بالخطر..
انه شبح الموت..إ؟

اهناك عين سحرية ؟
ترى من ورائها من القارع ؟
ام فتح الباب عنوة..إ

وعلى حين غيرة ..
تتناثر قصائد البريكان..
وعليها بفع دم..


وينهدل الستار ..
تاركا وراءه جثة هامدة ..
تاركا انسانا عضيما
قبل ان يكون شاعرا كبيرا
واستاذا مثقفا ..إ


ولكن البربكان لم يمت
بل مات من خذلوه من
مصاصي الدماء
فتبا لهم

صبري اوغنـا







2 - مرثية الى روح الشاعر الصامت محمود البريكان
عبدالزهرة لازم شباري ( 2009 / 6 / 18 - 16:26 )
من باب الغيب
راحت تهزج قبرة
وانقاد الضوء الساقط
من رحم الدنيا لحناً
وخيالاً
يتراءى في عين الشاعر
وهماً
وعلى وجهه
صار الهاجس رمساً
ومرآة وجديلة امرأة
ثم صار الخنجر موتاً
يتدلى من خيط واه
في بيت معتم
ممهوراً في صوت الشاعر
اذ يكتب في أسماء
تبكي أقماراً تاهت
خلف العتمة

اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب