الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كانت قصة قصيرة

فاتن واصل

2009 / 6 / 18
الادب والفن


بدت عليها علامات تعب شديد راكمته السنين والأيام لدرجة بدت معها اكبر بكثير من سنها, عاملة النظافة بأحد مستشفيات التأمين الصحى , كنت قد جلست وحدى فى بهو الانتظار بعد منتصف ليل أحد أيام نهايات الخريف , الهواء البارد يصفع أفكارى يقذف بى هنا وهناك حين لمحتها تنحنى بارهاق واضح على ممسحة متهالكة تمحو آثار يوم طويل تلملم أعقاب سجائر وأكياس بها بقايا طعام حمله زوار اليوم تحاول ان تجد به ما يصلح تفرزه تفصله بكيس آخر تحمله ككنز ثمين .. تمتمت بدعوات مسموعة لى بأن يساعدنى الله على تحمل نصيبى ويطمئننى عليه هذا الراقد بأحد غرف قسم العظام ممدا مستسلما لى بعد طول استسلامى له ...... تأملت الجدران كالحة الألوان من حولى وأضواء النيون الباهته والكراسى الجلدية الممزقة ...صوت ضحكات بذيئة تأتى من خلال الردهة من غرفة الممرضات .. تنبعث نغمات صادرة عن راديو ترانزيستور من أحد الغرف " يا مسافر وحدك وفايتنى .. ليه تبعد عنى ..." . تركت عينى تنساب خارج الشرفة الملحقة بالبهو مادة نظرى كبساط يفترش الشارع الخالى تاركة لأحمالى العنان لتلقى بنفسها أمامى تذكرنى بأن أكف عن المقاومة ..... " ده نصيبك هم البنات كده .. " " ح تعملى ايه مانتى زوجة وأم .." " أبوكى اسمعى كلامه .." جوزك طاوعيه ... ده رضا الرب من رضا الزوج " .... " معلش مش قصده مانامش طول الليل .. كان بيذاكر... قصدكم كان بيتصرمح وعامل نفسه بيذاكر ... " كونسير ايه اللى تحضريه ده يابنتى هو فى بنت تروح مسارح لوحدها بالليل ! " ... " خليكى جنب الحيط .. الناس ممكن تحرق الانسان بكلامها ... امشى عدل يحتار عدوك فيك ... اسمعى نصيحتى انا عارف شمس بلادى ... " بجانب الحيط مشيت حتى كدت أن امشى بداخله .. لم يحترعدوى بل وجد طريقه ووقفت مكانى أنظر بحسرة لقيمى البالية والتزامى المتحجر لأمانتى التى يعلوها التراب وثقافتى المضطهدة وعلمى فاقد الصلاحية ... واستسلامى لك الذى طالما كرهته وأحببتك .. لم تشعر بوجودى قط فقد كنت دوما تعتبرنى إحدى ممتلكاتك , شىء مفروغ منه .. لم تضمنى يوما لم تربت على كتفى رهبتك واستهنت بى , عجزت كل العجز عن مقاومة شعورى بالخوف بدأت بك وانتهيت بنفسى .. والآن انت راقد تنتظر عطائى .. الذى لم أملك لك سواه .. هل تعرف شمس بلادك اليوم ؟ انت لم تدركها يوما , كنت واهما ولازلت , هل ترى أى شىء بوضوح !! ليتك استطعت يوما فقد كنت تعاملنى كمواطن من الدرجة الثانية .. لماذا لم تكن يوما مثال الشجاعة ؟ لماذا جعلتنى اقضى حياتى فى البحث عن قدوة !!.. لم تكن عشقى الأول كسائر البنات .. لم تكن الشهم المتفانى صاحب المبادىء , انحسرت موهبتك فى الاحتفاظ بكل ايصالات الايجار والكهرباء وخلافه .. أرشيف متنقل تحفظ عن ظهر قلب حكم أمك وترددها كما لو كانت ناموس مقدس علينا ان نتبعه جميعا .. يا عزيزى انك لم تعرف شيئا .. ليتك تعينى اليوم وتستطيع ان تسمع ما كتمته عنك طوال حياتى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة رائعة
صالح حبيب ( 2012 / 1 / 15 - 02:33 )
لقد صورتِ يا استاذة فاتن الرجل الشرقي بدقة متناهية لقد جسدتيه تماما بتصويرك اياه من خلال أنحسار موهبته في الاحتفاظ بكل ايصالات الايجار والكهرباء وخلافه..يا سلام.. تصوير رائع جعلني ابتسم اعجابا من كل قلبي لهذه القدرة في التصوير الكوميدي المأساوي في نفس الوقت ..مأساة المراة الشرقية في مجتمعاتنا المقهورة
بالتأكيد القصة جميلة كلها و الوصف فيها جميل جدا ذكرني بفيكتور هوغو في وصفه التفاصيل الدقيقة وربطها بالزمن و بنجيب محفوظ عندما يصل بوصفه الى حد الشعور بالضوء والظل في المكان
أنني اميل الى القصة القصيرة و احببت هذا الاختصار الذي في قصتك مع التركيز على ما تريدين ايصاله
قصة رائعة حقا
تحياتي لك

اخر الافلام

.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي


.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-




.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر


.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب




.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند