الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة بين التحول الدينامي وغموض المفهوم.

خالد ديمال

2009 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كانت الحداثة في التجربة الأوروبية تعني التمايز، والفصل بين المقدس والدنيوي، بما يفيد تنظيم وضبط الحياة الإجتماعية والإقتصادية والفكرية ضبطا عقلانيا، كنسق مسترشد بهدى العقل، فهل هناك خصائص مشتركة يمكن تعميمها على المستوى الكوني، يطال الطرح الخاص كهوية ثقافية مرتبطة بالأصل؟..

الحداثة مطابق تاريخي لفعل التغيير.
إن ما يميز الحداثة هو تحديدها الموضوعي للإنسان، وبتالي فهي حركة وعي بالزمن، في تقطعاته، بحيث يقوم الفصل مكان الوصل، سواء على مستوى المعرفة، أو التاريخ، أو المجتمع(1). وهي اقتحام يمس العالم التقليدي، بكياناته الجوهرية، وتراتباته الأنطلوجية، وماهياته الخالدة، بتحديد اجتماعي وتاريخي، متلاقح ومتفاعل في مستويات متعددة، تتعلق باللغة والتقنيات والمؤسسات السياسية والقيم الأخلاقية، بلحمة يصبح فيها الكائن جوهر الحداثة.
ومهما يكن، فإن الحداثة لم تظهر إلا مع هيجل، فقد استعمل هذا الأخير مصطلح"العصور الحديثة"، أي أن الحداثة لم تع ذاتها فلسفيا إلا معه، كوصف للحاضر، وانتقال متسارع، وتوقع مختلف يقطع مع الماضي جذريا.
إذن، كان لهيجل فضل استكشاف المعالم الأولى للتحولات التاريخية المرافقة للحداثة، وفضل محاولة استخلاص أساسها الفلسفي" بما تعنيه الحداثة من ثورة للتجديد على التقليد، وثورة النقد العقلي ضد الحكم المسبق، وخروجها من حالة القصور إلى حالة الثقة بالنفس والإعتماد على الذات".
إلا أن الحداثة لا تتحدد بالمستوى الفلسفي وحده، فإذا كان من الشائع أن الحداثة ضد الميتافيزيقا، فإن هايدجر ينظر إلى الحداثة من حيث هي حمالة لمشروع ميتافيزيقي، لا من حيث هي في حد ذاتها ميتافيزيقا.
الحداثة-حسب هايدجر- عصر من عصور من عصور العالم، عصر ميتافيزيقي يتحدد بموقفه من الكائن، ويتصوره للحقيقة. لكن هايدجر لا يتوقف عند الحد الميتافيزيقي، ولكنه يضع للتقنية مكانا متفردا، قد تشكل فيه ماهية الحداثة بحد ذاتها، كما لو كان الإنسان الحديث خاضعا كليا لأقدار التقنية"يراكم كم أجل المراكمة، وينتج من أجل الإنتاج، ويختزن من أجل الإختزان، دون أن تكون المراكمة، والإنتاج، والتخزين، استجابة لحاجة فعلية. كأن التقنية، تولد بذاتها الحاجات التي ستمكنها من تضخيم سيطرتها(2).
إذن، للحداثة مجموعة من الأبعاد يمكن الوقوف عليها من خلال التحليل، منها:
أولا: البعد السياسي، كمجال جديد تحتل فيه الملكية الفردية الحيز الأكبر، وهي صيغة، وإن كانت تكرس نوعا من التعالي المجرد، فإنها تشكل مع ذلك" البنية السياسية للحداثة"، مضافا إليها ميزات أخرى، كالعقلانية، أو الديمقراطية.
ثانيا: البعد التقني، والعلمي، بما يعنيه ذلك من انتقال يتجسد فيه مجتمع الإستهلاك والترفيه(عبر استعمال التقنية مرفوض تحت حتمية الإنتاجية)، كتحول عميق داخل الحداثة.
ثالثا: البعد/ أو المفهوم السيكولوجي للحداثة، كتواجه مفكك لمبدأ الإجماع التقليدي، وكتماه مع العصر الحديث، حيث يظهر الفرد ككائن حائز على وعي مستقل.
الحداثة إذن، تتكلم عن العقل، والديمقراطية، والعلم، والفعالية، والنسبية، والإختلاف، والحق، والتعدد، والتسامح، والكونية، والمثقف، والجماهير، والجدل، واللاوعي، والإلتزام(3). وهذا يفترض أن الحداثة ما تنفك تدخل في صراع مع ما ليس إياها، إنها حركة انفصال دؤوبة(4)، وهذا المعطى يفسر المظهر الدينامي/الحركي فيها، مضافا إليه طابعها المتواتر.

الحداثة بين الإنفصال الجذري، وعملية التبيئة الثقافية.
إن البحث عن التطابق بين العالمية ككيفية وظيفية في التنظير والممارسة، والخصوصية كطريقة استفاء للتأصيل المتماهي/ أوالمتقارب، هو بمثابة إبراز للطرح الشرعي للثقافة في"الأسس الفلسفية الواحدة"كنوع من التأسيس الزمني/ التاريخي المنتصر للإنسان، أيا كان، ومتى كان..
فإذا كانت العالمية هي تلك الحقوق التي تقوم على"الأسس الفلسفية الواحدة"، فهل في تراثنا ما من شأنه أن يكون أساسا مشتركا يلحم الإختلافات ضمن ثوابت ثقافية؟
إن كل إجابة عن تساؤل من هذا النوع لا يتحدد إلا من خلال حركة التاريخ نفسها وجوهر الصراع فيها ضمن معالجة موضوعية تكشف العوائق وتقف على مظاهر العثرات.
ويمكن القول في هذا السياق، أن الاختلاف، وهو سند ذاتي للتطبيق، ومرتبط به، مشدود بالجزئيات، وهذه ميزة إجتهادية في الجوهر، فإن التطبيق، لهذا السبب، يختلف من زمن إلى آخر، بل وبتعدد أوجه المصلحة، بينما العالمية هي البحث في الكليات والمبادئ العامة، ويمكن التعبير عنه ب"التاريخية"، أي فهم الشيء في ضوء ظروفه الزمانية والمكانية دون دمج تعسفي / أو اعتباطي بين الحاضر والماضي، عبر التوجه نحو المفكر فيه.
إذن، المعرفة المستمدة من التراث لا يمكنها أن تتنصل من "ذهنيتها" إلا بفضل قطيعة لن تكون كذلك ما لم تعمل فكرها في "الخارج" الذي يؤسسها "لتقابل" المنظومة المعرفية الغربية بخارجها "اللامفكر فيه"، وذلك بالنظر إلى تيمة الحداثة كمقولة تسلط الضوء على تحولات الفكر الغربي الحديث والمعاصر، وكحركة تمكن من اكتشاف نظام الطبيعة، وقوانين المادة، والكون، وآلية المجتمع، وسيرورة التاريخ (5).
إن الاختلاف بيننا وبين ثقافتنا الأصلية يتجذر، حتى يبلغ الأسس المادية التي يقوم عليها كل فكر "فالعمران كمفهوم مستمد من التراث، لا يتناسب مع مفهوم المجتمع كما تم استعماله منذ عصر الأنوار في الغرب، باعتبار عملية الفصل التي قامت بها البورجوازية، من خلال حركتها التاريخية عن المجتمع القديم الذي يعتبر الدين عماده الأساسي" (6). وهذا يوضح بجلاء أن الكلام الوضعي (لا الديني) حول المجتمع أصبح ممكنا، بل ضروريا.
إذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا العودة إلى الأصول؟، وما جدوى التأصيل والحالة هذه؟ ذلك أن "الذهنية الكلامية" مازالت معاصرة لنا وهي بالضبط ذهنية "دعاة الإصلاح المعاصرين" (7).
من خلال التحليل، سيغدو التأصيل إرجاعا للأمور إلى أصولها ورد فعل ضد كل المواقف التي تقوم على الخلط بين العصور، أي ضد كل القراءات الإيديولوجية للحداثة، وللتراث معا.

التحول جوهر دينامي متعالق بمفهوم الحداثة
إذا كان جوهر الحداثة، كما يبن كذلك السوسيولوجيون، هو العقلنة، أي تكييف الوسائل مع الأهداف، أو ما يسمى "العقلنة الأداتية"، فإن الحداثة "كمنظومة فكرية"، تعني على المستوى السياسي عقلنة السلطة بين مكوناتها، وإخضاعها للمراقبة، وإقامتها على أساس تمثيلية الشعب، وهي كذلك على المستوى السلوكي والأخلاقي تعني اكتساب ثقافة سلوكية حديثة تقوم على الإعتراف بحق الآخر في الوجود، وبحقه في الحياة، وحقه أن يكون مختلفا عني، وأن يدافع عن حقوقه (8).
إذن، لا توجد اليوم ثقافة لديها خيارات أخرى غير خيارات التحديث، إما أن تتعصرن وتتحدث، وبالتالي تتطور، وإما أن تموت وتنتهي، وهذه الدينامية هي التي تفيد التحول والتغيير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش

1- عبد السلام بنعبد العالي، الفكر المغربي والتحديث، دراسات وأبحاث. مجلة "فكر ونقد"، العدد 31، السنة الرابعة، سبتمبر 2000. ص 19.
2- Alin Boutor : « Heidegger et le problème de modernité » ; in la logique de l’agir dans la modernité. Les belles lettres. Paris 1992.
3- عبد السلام بنعبد العالي: مرجع سابق . ص22.
4- المرجع نفسه. ص19.
5- محمد سبيلا "دفاعا عن العقل والحداثة". (حوارات). منشورات الزمن، عدد39. 2003. ص30.
6- علي أومليل. "الخطاب التاريخي" معهد الإنماء العربي. بيروت 1981. ص197.
7- عبد الله العروي. " مفهوم العقل". المركز الثقافي العربي. بيروت 1996. ص99.
8- محمد سبيلا. مرجع سابق ص22.

..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا


.. استدارة حماس.. هل دقت إسفيناً بين واشنطن وتل أبيب؟| #التاسعة




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: المهمة في الشمال لم تكتمل والصيف قد


.. بيان طلابي لمؤيدي غزة بمواجهة رئيس جامعة مانشستر البريطانية




.. الإدارة الأمريكية تعلق شحنة واحدة من الذخائر الشديدة الانفجا