الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زهرة الجبال العارية -من فاطمة إسبر- زهرة الحواس المسروقة

فرات إسبر

2009 / 6 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يا لحواء، حملوها وزر الخطيئة الأولى وبرؤوا السماء، من تدبيرها ، ثم تفننوا في بناء السراديب ، وتركوا لها أن تجني ما أثمرته هذه الخطيئة ، وعلى مسار الزمن والمرأة تصرخ من أصدق مآذن الجسد ، لست الخطيئة ليست أنا ، ليست مني ، القوي خطط ونفذ وهي تنادي : الحب ثروةَ الحياة غراساً وبراعم
لكن الخيبات هي المطية التي تحملنا إلى ( رئة المجهول ) حيث رمت إسراراها فربما نجد فيها شيئاً من هواء نقيّ

رمتْ بحبل أسرارها إلى الجب.
وجهلتْ ما كان به من نار.
صفحة 19

وأتجه إلى الطرف القصي من الأرض أحمل في ذاكرتي وطناً وفي قلبي أنقاض مشاعر لم يتح لها أن تكون سقفاً لآمالي. لكن لا الرحيل ولا الهجرة يغيّران .
فرات .. ذلك الطائر السوري الذي اختار الذهاب إلى الطرف الذي ربما لم تقترب منه حواء بخطئها وعقابها ، غير أنها لن تنجو فأخذت تغرد شعراً ، تنفرد كلماته بجوازات سفر مفتوحة بين أقاصي الروح وأقاصي الجسد،وحقائب تحمل فيها حزن العالم ويأسه ، وحضن يتسع لبؤساء العالم المقهورين وموجز لتاريخ طويل عانت منه المرأة باحثة عن خلاصها من قيود كبّلتها، لتبقى منفيةً مخنوقة ًولا مهرب من القفص الذي صنعته أيد تجهل التاريخ وبجهلها تكتبه .

لكن لماذا كل هذا الحزن واليأس؟ سؤال أردت أن أحاور الشاعرة حوله ، وأنا أعرف أنني أغالط نفسي لأنني أعرف الجواب بحواسي وأيامي وأحلامي ، وقلت : سأجيب معك وعنك ، بسؤال آخر :
ما الذي يقدر على نفي الحزن واليأس والقهر من حياتنا ؟ التاريخ الطويل من الطين لم يكتمل بعد ، ونستنجد :
الزهرة النائمة
يوقظها الندى،
تجرحها اللهفة،..
توقظ جسدي من نومه،
تاريخٌ من الطين لم يكتمل.
أيتها الزوارق العابرة في ماء الحياة،
كيف نطلق سراح الحواس ؟
صفحة 31

لم يكتمل شيء في حياتنا ، من منا عاش كما يريد ؟ من منا تحقق له شيء من أحلامه؟ من منا ليس غريباً داخل جلده ؟ ثم ماذا نشبه في هذا العالم الغارق في خرابه ؟ وما نحن فيه ؟ هل نشبه الوردة ، الجبل ،العصفور ، النجم ،النبع، النهر ؟ هل نحن أحد هذه الأسماء ، أم نحن كلها مجتمعةً ؟ وأسائل نفسي : ما الفرق بين تلك الأسماء وبيني ؟ وأدرك أن لكل منها صفةً تنطلق بلا قيد، بل تنطلق من الحرية.

أن تكون حراً ، هذا يعني أن تكون سيّد نفسك وحياتك ، فأين السيادة وأين النفس وأين الحرية؟ .


جسدي جاء معي / لكنه ظل هناك .

كل شيء في حياتنا حاضرُ غائب، ذلك الانشطار الموّلد للرهبة ، الرهبة من الخيانة ، خائنة تلك الأشياء حتى جسدنا يخوننا ، جسدنا ليس معنا ، والروح مثقلة وتائهة .

من أين نبدأ قراءة ( زهرة الجبال العارية ) ؟ من أين نبدأ قراءتك يا فرات ؟ من الحنين المشرد في ثوبه الممزق، حافي القدمين، لا مفاتيح ولا أبواب ؟ أم من الجسد الذي لا يجد من يرتق جراحه أم من الأحلام الخائنة التي هربت عن حبل الغسيل وطيرها الهواء عن ( غبار الكتب )؟ .
الأحلام هربت ، لكن أين المهرب لنا نحن و (وحش الكآبة ) رابض فوق الصدور .
أيتها الأنثى ،
قلت لك : لا عشق يدوم / إنه حبنا المسكون بالجن / ولا جدوى من الآيات/ .

البعد عن الأحبة ، عن الحب ، أن نكون منفيين وغرباء ، ألسنا غرباء خارج الوطن / داخل الوطن ؟ ألسنا (غرباء في أسرتنا ) وداخل أنفسنا؟
أيتها الغربة ، يا ذات الوجهين ، كم أنت جديرةٌ بالعناق ، بالحب ، لأننا فيك نلتفّ بمشاعرنا تعانقنا ونعانقها ، ونحيا من حيث نكون موتى .
الوطن الذي يضنّ علينا بهوية ، بمفتاح لبيت صغير ، نحضنه في قلوبنا ونحمله حيث نكون ، حتى ولو كنّا نجوب المسافات ( بنعل أحلام صدىء ). لكن ألا يكفي التعويض بالشعر؟.

لوعة المكان الأشد مأساوية ، أين سنذهب وبيت الطفولة والصبا لم يعد بيت الكهولة والشيخوخة ، والبيت الآخر قد يكون قبراً :

خفف الوطء يا زمان .... المرأة تصرخ :

هبني مكاناً يا مكان / هبني بعض ما عندك من حجر /
ولأن المكان أرجوحة / تعلقت أحلامها بالهواء /

أحزاننا الشخصية لا شريك لنا في حملها ، نحاول أن تشاركنا الطبيعة ونتلمّس منها أن تفعل ، همّ فرات الشخصي هو همّ الأنثى في تاريخ طويل من المعاناة ، كبّلتها أيدِ تجهل التاريخ ، وبجهلها تكتبه . زهرة الجبال العارية هي الأنوثة المثقلة بظلم لم تقتص العدالة منه أبداً . لا أمل من البشر ، الطبيعة ملاذ وصديق :

وحيدةً أومئ للطير أن لا ينام / أغني معه /
يا ذا الجناح رفرف في أقاصي الروح
هذه حال من يضيئه حريقه ، وتعاني روحه من أقصى البداية إلى أقصى النهاية :

تلبس الشمس عنقي /
وتضيئني نارَ .


في شعر فرات نسمع رنين القيود وأنات غربة مفروضة فنحسب أن الطيور تركت الغابة و الغدير إلى صحارى خلف ملاعب التعذيب ورمت بكل مدخراتها في أول حفرة ،غطاها وحدد عتمة الجدار تخوماً رامزة إلى مستقرها . لم تترك وراءها غير اللا شيء ، لم تودع طللاً ولا ناقة ، تركت القلب تائهاً والشعر والياً عليه .



في حوار مع فرات قالت : إنني أعيش على درج الهاوية /

وأنا أقول لك يا فرات : لقد جعلت من درج الهاوية مكاناً ساحراً للغواية .


0 النفس مهجورة يا أختاه ) لم يعد لنا أحلام ، بائسة أيامنا بائسة كل لحظة تمر وأيدينا تؤدي عقاب الحب .
بعد أن صارت البيوت خياماً والأحلام قطرة ماء ، ليس لنا سوى أن نعانق أحزاننا ، فوحده الحزن صديق
للحزن .



زهرة الجبال العارية
مجموعة شعرية صدرت عن دار بدايات
الطبعة الاولى 2009-
لوحة الغلاف فاطمة إسبر
تنفيذ الغلاف جمال سعيد
لمراسلة الدار :
Emai: bidayat [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر