الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازدواجية المرجعيات :مرض الحداثة العربية

سامي العباس

2009 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بمعزل عن الطابع الإتهامي لمعظم السجالات التي تدور على صفحات الصحف والمواقع الألكترونية أو الفضائيات العربية .وبمعزل عن مدى دقة ومصداقية المعلومات التي يدعّم بها المتساجلون نصوصهم المكتوبة أو الشفهية ,والتي لا نستطيع البت في مدى دقتها .إذ ليست لدينا الإمكانيات ولا المعطيات لالتقاط إبرة الحقيقة من بيدر قش اليوميات السياسية العربية الذي تراكم في العقود الستة الماضية . إلا أن ما أجده أكثر جدوى هو محاولة التعرف على نوعية (النقدية) التي تفصح عنها سجالات النخبة الثقافية العربية المهتمة بالشأن السياسي .والموزعة على المشارب الفكرية الرئيسية :الماركسية والليبرالية والقومية والإسلامية .. نقدية-رغم ماتدعيه من جدة وسائلها المعرفية وطهارة ذيل موضوعيتها - تعيد إلى الاستعمال ما تراكم في الفناء الخلفي للفكر السياسي العربي كروبابيكا, يعاد طلاؤها ومعالجة ما تخلع من مفاصلها ..
عّلة هذا الإصرار على إعادة تجريب المجرّبْ ليس فقط كما يقال :العقل المخّرب ,بل وأيضا لأن هذه الملفات-وأصحابها - لم تحال بعد إلى الأرشيف الذي يسمح للتعامل معهما بعقل بارد . بل مازالت في قلب العراك السياسي والأيديولوجي الراهن..فما يتقاذف به محمد حسنين هيكل(1) ومساجلوه "ليبراليون وإسلاميون "وما يضخه" شهود أحمد منصور على العصر "(2) من معلومات منتزعة من سياق الحياة السياسية السرية للسلالات الحاكمة العربية في النصف الأخير من القرن الماضي - على سبيل المثال لاالحصر - تنقصه النزاهة الفكرية ويتحكم به الهوى وينعدم فيه ما يفصل بين هذا الأخير والحقوق المتساوية للوقائع في الوصول إلى طاولات النقاش ..إلا أن جذورا أعمق للتغييب المستمر لهذه النقدية,تستدعي حفرا أعمق لتعريتها ..وهي جذور تمتح نسغ بقائها من الهويات العمودية القارة, التي شكلتها الذاكرات الجمعية لسكان المنطقة ..فكما يتوقف النقد عند الأسوار الخارجية للذات الفردية ,يتوقف لنفس الأسباب عند الأسوار الخارجية للذات الجمعية ..هكذا تقتصر ممارسة النقد على ماهو خارج الحاكوره الأيديولوجية للجماعة : دينية كانت أم وضعية .. وفي ضوء العودة العارمة للأديان ومشتقاتها من المذاهب والعشائر والطرق الصوفية ..إلخ, إلى العمل السياسي..و بسبب من تشابك الهويات الحديثة والتقليدية في العقود الخمسة أو الستة الماضية - سمحت به طفرة في الوعي أحدثتها الأيديولوجيات الوضعية "ماركسية ,قومية , ليبرالية " في الطابق العلوي لبنية إقتصادية – إجتماعية دأبت على النظر إلى نفسها عموديا : نشأ ما يشبه"ازدواجية تنظيم "لدى المثقف الحديث يمارسه دون أن يرف لوجدانه جفن ..هكذا يتفلت الفكر السياسي الحديث ليس فقط من منهجية تضبط خطواته داخل متاهة المينيتور العربية,بل وأيضاً من الضوابط الأخلاقية التي بدونها لايتبقى في غربال حنطته سوى الزؤان .. فبقليل من التفحص لما بين سطور هذا النص أو هذه السردية لهذا المساجل أو ذاك ,يمكن َتلَقط ْ الإنحيازات التقليدية مشفرة ً ومتلطية ً تحت الإنحيازات الصريحة لهذه الأيديولوجية الحديثة أو تلك ..
تتموضع – فقط - هذه الظاهرة"أي الإزدواجية" في صفوف الكتاب والمثقفين الموزعين على باقة الأيديولوجيات الحديثة... سيما بعد أن راحت تلعب بالرؤوس الحديثة أبخرة الإنتماءات التقليدية التي عادت إلى ضخها بكثافة : مستنقعات الإجتماع العربي –الإسلامي ,عقب ماآلت إليه تجارب التحديث الإشتراكي التي نهض بها جنرالات الفلاحين هنا أو هناك ..
يلجأ المثقف الحديث إلى محاولة " تغطية السموات بالأبوات"* كما يقال في الشام ..فهو المحرج من الظهور تحت بيارق هويته الدينية أو المذهبية ..إلخ . يلجأ إلى تشفير المعاني, وتلبيسها .وحفر مخارج إضافية للهرب على طريقة الثعالب لكي لايلقى القبض عليه متلبساً هويته التقليدية . بينما لايحتاج المثقف التقليدي إلى كل هذه التحوطات لتبطين الكلام ..وهو بهذا المنظار أكثر انسجاما مع نفسه ,وأكثر اتساقا على المستويين العقلي والخلقي مع جماعته الأيديولوجية ..تلك هي في رأيي بيضة قبان التفوق الشعبوي الذي تراكمه ثم تستثمره في حقل السياسة :الأحزاب الدينية ومثقفوها , على مثقفي وأحزاب الحداثة العربية : القومية أو الليبرالية أو الشيوعية ..ويخطئ من يركّب هذه الظاهرة "ظاهرة التفوق الشعبوي "على ظهر تدّين مجتمعاتنا..فالدين في هذه الأخيرة ليس" إبن البارحة" كما يقال ..ولكنه الإنحطاط الأخلاقي للنخبة الحديثة وازدواجية مرجعياتها العقلية ..
هكذا آل سلوك الفئات الحديثة في المنطقة إلى ما آلت إليه مشية الغراب عندما قرر تعلّم مشية الحجل ..أكتفي كمثال على ما أرمي إليه في حديثي :ما آلت إليه مواقف" النخب الحديثة " فيما كان يسمى بلاد الشام , حيال ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين. المواقف المبطنة بهواجس دينية ومذهبية مبعثها ضغوطات التنوع الإثني والديني والمذهبي لإجتماع المنطقة المحيطة بفلسطين على عملية الإندماج الوطني داخل الدولة القطرية كما تسميها الأدبيات القومية .. هواجس بكّرت في الإعلان عن نفسها في لبنان. وهاهي تطرح نفسها بقوة في الأردن(3) .ولا زالت مقموعة تحت الخطاب القومي المتشدد للبعث الحاكم في سورية ..
لامهرب من ضرورة فك التشابك بين المرجعيات لإعادة الإتساق للخطابات الحديثة في العالم العربي , لكي يعاد تفعيلها إجتماعياً. وإلا فتباشير هزيمة الحداثة في الأفق. تشير إليها جدلية غيرت َسْمتها منذ عقدين على الأقل ,وتحولت إلى جدلية هابطة بفعل الإستثمار السياسي الكثيف في الدين , وما يفضي إليه من إعادة تفعيل للإنقسامات العمودية. يقول المفكر البحراني محمد جابر الأنصاري في كتابه الهام : العرب والسياسه..جذ ر العطل العميق (على مدار التاريخ الأسلامي لم تستطع الإنقسامات الأفقية ممارسة الحضور المستمر في ( الزمان – المكان) إلى المستوى الذي ينضج عملية الإنتقال نحو نمط إنتاج أرقى .)
كيف يمكن للمثقف الحديث وحزبه السياسي أن يديرا الإتجاه الراهن للعربة :من خيار الدولة الوطنية أو القومية إلى خيار الدولة الدينية التي يحتطب لنيران حروبها الأهلية الإسلام السياسي!!!.دون أن تصفو مشاربه الفكرية/النفسية من عكارة رسوبيات الماضي "التليد"؟!
قبل ذلك لا يمكن للحداثة أن تجبر التاريخ الراهن على التوقف لالتقاط الأنفاس ..



هوامش :
-1- هيكل في برنامجه :تجربة حياة على فضائية الجزيرة .
* - الأبوات :شرائح رقيقة من العجين تحشى بالأرز واللحمة والمكسرات
-2 – برنامج :شاهد على العصر للإخواني أحمد منصور

- 3– انظر كتابات ناهض حتر وكمال خلف الطويل والعربي الغاضب أسعد أبو خليل في جريدة الأخبار اللبنانية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عصر المرجعيات المتراجعة
ماجد الشيخ ( 2009 / 6 / 27 - 16:19 )
ألا ليت كان لنا حداثتنا لننظر في أمر أمراضها، لكن وللأسف ليست هذه الأمراض نتاجا لأي شكل من أشكال الحداثة قدر ما هي نتاج استهلاكنا للحداثة دون أن نكون فاعلين في اختيار أنماطها حتى، فهي مفروضة علينا ولسنا أحرارا في اختيار هذا النمط أو ذاك، ما نراه أمراض واقع لا ينتمي للحداثة، بل لما قبل التحديث، وللماضي وليس إلى حاضر نحاول أن لا يستعبدنا كما استعبدنا الماضي ومنع عنا أسباب تقدمنا وحدّ من طموحاتنا لنهضة تنويرية تستحق أن تكون مقدمة أو طليعة حداثتنا المنشودة.
وقد أصبت يا صديقي، فلا يمكننا التقدم إلا عبر إدارتنا نحن للدفة ووضع الحصان أمام العربة، وإلا فلن يصل بنا التخلف والتفكير الاسطوري اللاعقلاني سوى إلى -الدولة الدينية- أي إلى اللادولة بمعية تسييد منطق الحروب الأهلية. ففي عصر المرجعيات المتراجعة والمتمادية في التشابك، لا بد من تعيين حدود واضحة لمرجعياتنا، وهذه مهمة لها علاقة بحداثة عربية منشودة واعدة وموعودة.

اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من