الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس دفاعا عن الوزير-3

حمزة الجواهري

2009 / 6 / 21
الادارة و الاقتصاد


وتستمر الحملة المنظمة ضد الوزير ولكن هذه المرة تأخذ منحى جديدا يتعلق بما سمي بجولة التراخيص الأولى وهي عقود تعيد تطوير حقول نفطية عملاقة منتجة منذ زمن بعيد لكن أسيء لها عبر هذه الزمن الطويل بأسلوب إنتاج تعسفي أضاع الكثير من مخزوناتها النفطية، فمثلا عامل الاستخلاص في حقل كركوك العملاق لا يتعدى9% وهذا يعني كارثة بكل المقاييس الهندسية، لأن بهذه الطريقة للإنتاج إننا نترك في الأرض ما يعادل91% من النفط المكتشف أصلا في الأرض بحيث يصعب أو يستحيل إنتاجه مستقبلا، ولكن لو أعيد تطوير الحقل وفق المعايير الهندسية الحديثة، ليس تلك التي كانت قبل80 عام، فإننا قد نستطيع إنتاج أكبر كمية ممكنة من النفط الذي يعتبر الآن ضائعا، لأن الماء قد اجتاح الصخور الحاوية له، وهذا يعني إعادة تطوير بالكامل للحقل بعد إجراء دراسات مكمنية مستفيضة بواسطة حاسوبات عملاقة لا تتوفر إلا مع الدول أو الشركات الكبرى، وذلك لإنقاذ هذه الكميات الهائلة من النفط وزيادة إنتاج الحقول فيما لو تم فعلا إعادة تطوير هذه الحقل من جديد وفق معايير هندسية حديثة، وهذا الأمر ينطبق على جميع الحقول موضوع هذه الجولة وأهمها حقلي الرميلة الجنوبي والشمالي بمكامنها النفطية أيضا، حيث أن جميع آبار طبقة المشرف في حقل الرميلة العملاق قد توقفت عن الإنتاج تماما.
لكن ما تقدم لا يعني أبدا أننا لا نستطيع تطويرها بمعزل عن الشركات العالمية فيما لو قررت الدولة أن تعيد هيكلة الوزارة بما يضمن إمكانية العمل بحرية وفق ضوابط تمنع أي نوع من الفساد المالي والإداري. يمكن الرجوع إلى مقالة للدكتور فالح الخياط التي تتحدث بتفصيل أكثر عن هذا الموضوع عبر الرابط التالي، رغم اختلافي معه ببعض الآراء التي وردت في مقالته:
http://www.irqparliament.com/cat200.php?sid=6749#TOP
قصة التراخيص:
منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، عقد عدد لا يستهان به من المؤتمرات وورش العمل في العراق وخارجه لاختيار أفضل السبل لتطوير الصناعة النفطية، واعتباره كنموذج لعمليات التطوير المستقبلية قابل للتطوير والتحسين، حتى أن بعضا من هذه المؤتمرات والورش قد عقد قبل سقوط النظام بعدة أشهر في أمريكا، وشارك به عراقيون مختصون بالصناعة النفطية واقتصاديون إلى جانب الشركات الاحتكارية للصناعة النفطية، ونفر من الإدارة الأمريكية، هذا إضافة إلى كم هائل من الدراسات والمقالات حول اختيار أسلوب التطوير وصيغ للتعاقد مع الشركات العالمية الكبرى التي تملك رؤوس الأموال الهائلة والشركات الخدمية التخصصية التي تمتلك الخبرة الواسعة في مجال عملها الضيق في هذه الصناعة الواسعة.
الخيارات التي كانت مطروحة أمام الوزارة لتطوير الحقول:
لقد انقسمت الآراء بشكل متباين بين المشاركين بتلك المؤتمرات وورش العمل وأصحاب الدراسات والمقالات، لكن يمكن تقسيم هذه الاتجاهات إلى ثلاثة، وهي:
أولا: اتجاه يفضل عقود المشاركة بالإنتاج:
وهو الأسلوب الذي اختارته المجموعة الأولى في أمريكا، أي قبل سقوط النظام كما أسلفنا، وهو أسلوب متبع ومعروف عالميا، نضعه بشكل مختصر بين يدي القارئ، وهو أن الشركة صاحبة العقد تقوم بإجراء الدراسات اللازمة على المكمن النفطي، ومن ثم تختار أفضل أسلوب لإنتاج النفط، وعلى ضوء منه يتم وضع التصاميم للآبار والمنشأة السطحية، ويقوم بإدارة التنفيذ والتمويل للمشروع بالكامل صاحب العقد.
من خلال الفترة الأولى للإنتاج تستوفي الشركة صاحبة العقد كل ما صرفته على التطوير مع بعض الربح، وتسمى هذه الفترة ""بفترة نفط التكلفة"" وقد تمتد من أربعة إلى سبعة سنوات، فلو كانت قصيرة فإن النسب المستقطعة لاسترجاع رأس المال ستكون عالية وتصل إلى60% من المنتج، لكن لو كانت طويلة أي سبعة سنوات أو أكثر، فإن النسبة المستقطعة ستكون أقل بكثير وقد تصل إلى30%. تأتي بعد ذلك فترة أخرى تستمر حتى نهاية العقد وتسمى ""نفط الربح""، خلال هذه الفترة تشارك الشركة المطورة بالنفط المستخرج بنسبة أقل بكثير من نفط التكلفة، وقد تكون النسبة أقل من3%، وفي حال وجود تحديات كبيرة بالإنتاج أو أن الحقل صغير جدا، فإن النسبة تزداد لتصل إلى20% في بعض النماذج المالية لهذه العقود التي لا يزيد عددها عالميا على150 عقدا موزعة على جميع أنحاء العالم، عدا عقود كوردستان.
بهذا النوع من العقود يكون المستثمر مشاركا حقيقيا للنفط الموجود تحت الأرض بحيث يستطيع إدراجه ضمن موجودات الشركة في سوق الأسهم والسندات المالية العالمية لتقوية وضع الشركة المالي ورفع قيمة أسهمها في الأسواق. وهذه النوع من الشراكة لا يتفق مع مضامين الدستور العراقي الذي يبقي النفط ملكا للشعب العراقي دون شريك، كما أنه يرهن سيادة البلد لمدة تصل إلى40 عاما يبقى البلد خلالها لا يستطيع التصرف بما يملك. أما الخطر الأكبر من هذه العقود بالنسبة للوضع في العراق يأتي من خلال السياسيين وأطماعهم باستغلال نفوذهم لإدخال شركات مقابل الحصول على حصة بالأرباح، والتسابق بين الأقاليم والمحافظات بزيادة الإنتاج لأن العراق يملك احتياطي محتمل قد يصل إلى أكثر350 مليار برميل إضافة للاحتياطي الثابت وهو115 مليار برميل، فإن هذا يعني إغراق السوق العالمية بالنفط وبالتالي هبوط أسعار النفط بشكل مريع قد يصل إلى أقل من10 دولارات، والحكومة لا تستطيع إلا الإذعان لشروط هذه العقود التي لا تسمح بوضع ضوابط على كمية النفط المنتج في حال أصبح هناك فيض في العرض على حساب الطلب.
ثانيا: فريق يفضل عقود الخدمة:
أعتبر نفسي شخصيا واحدا من هذا الفريق، كنت ومازلت، حيث أن التطوير وفق هذه العقود يتم من خلال تجزئة أعمال التطوير إلى مفردات صغيرة، تقوم بإدارتها الشركة الوطنية مالكة الحقل وفق الدستور، ويقوم بالتنفيذ شركات خدمية عالمية ووطنية متخصصة كل في مجال عمله حسب عقود خدمة قصيرة الأجل، بحيث عند انتهاء التنفيذ تأخذ الشركة الخدمية المقابل المالي وتمضي، وأي مفصل من مفاصل العمل وفق هذا النظام لا تستطيع الشركة الوطنية تنفيذه، تحيله إلى عقد خدمة تقوم بتنفيذه شركة خدمية أو بيت من بيوت الخبرة.
بهذا الأسلوب يمكن ضمان أفضل الخدمات، وأقلها سعرا، وليس به مساس لمضامين الدستور، ولا السيادة الوطنية، وتستطيع الدولة التخطيط مركزيا لتطوير الحقول حسب الحاجة دون الإضرار بالمصالحة الوطنية، ولا مصالح الشركاء المنتجين للنفط في الأوبك أو العالم بشكل عام، كما ولا يسمح هذا النموذج الاقتصادي لتطوير الحقول للسياسي المفسد أن يستفيد من نفوذه السياسي بالحصول على مكاسب مالية طويلة الأجل.
من الجدير بالذكر هو أن الشركات التي تطمع بالحصول على عقد مشاركة بالإنتاج سوف تقوم بتطوير الحقول بنفس هذا الأسلوب من خلال مكتب خاص له استقلاليته المعنوية والمالية.
لكن تسائلنا وقتها إذا كانت الشركات تستطيع أن تفعل هذا الأمر بهذه الطريقة، لماذا لا يستطيع العراقي أن يفعلها؟
الفرق بين الحالتين في النموذجين الأول والثاني للتطوير هو توفير رؤوس الأموال الغير متوفرة للدولة هذا من ناحية، والنظم البيروقراطية المتعامل بها في الدولة من ناحية أخرى، حيث ليس سهلا القبول بمبدأ الاستقلالية المعنوية والمالية للشركة الوطنية التي تهدف إلى تطوير الحقل التابع لرقعتها الجغرافية، هذين السببين يشكلان العقبة الكأداء التي تعيق عملية التطوير بهذا الأسلوب خصوصا بظل الأوضاع الأمنية التي مازالت غير مستقرة بالكامل والفساد المستشري بأوصال الدولة، في حين أن الشركات العالمية أصلا مرتبطة بالرأسمال المالي العالمي وتمتلك أموال هائلة، ولديها من الليونة بالعمل بحيث تستطيع خلق كيانات مستقلة عنها ماليا ومعنويا لتقوم بهذه المهمات ولا يوجد لديها فسادا واسعا كما هو الحال في الدولة العراقية.
ثالثا: عقود الخدمة الفنية:
أمام جملة الحقائق التي يطرحها الواقع الموضوعي والمداخلات التي وردت خلال المؤتمرات وورش العمل والدراسات، ليس سهلا على الدولة اختيار أيا من الأسلوبين بالتطوير، والأخذ به الأسلوب الأمثل للتكوير، لأن لكل منهما جوانبه الإيجابية والسلبية معا.
يبدو أن الدولة الدولة، وأقصد مجلس الوزراء ومستشاريه، والوزارة ومستشاريها، وليس الوزارة لوحدها، قد اختارت أن تذهب مذهبا ثالثا، وهو المنزلة بين المنزلتين، أي أخذ ما تحتاجه من النموذج الأول، وهو توفير رؤوس الأموال التي ستـأتي بها الشركات المطورة، وضمان الاستقلالية المالية والمعنوية بإقامة شراكة بين الشركات المطورة والشركات الوطنية بتأسيس شركات مشتركة يملك العراق نسبة منه بحدود25%، وبذا تكون بعيدة نوعا ما عن بعض أشكال الفساد المالي والإداري، وتساهم بخلق شركات وطنية يعتد بها تأخذ العمل على عاتقها بعد عشرين سنة من الآن، ومن اليوم الأول تضمن ما نسبته85% من العاملين بهذه الشركات هم عراقيون بنظم وقيم عمل وتكنولوجيا متطورة يقدمها المستثمر الأجنبي الذي سيكون حريصا كل الحرص على استرجاع أمواله وتحقيق أعلى نسبة ربح ممكنة، وبالتالي سيكون لدينا جيل، بل أجيال جديدة بعيدة عن الفساد الموروث، وهم سيكون قادة القطاع النفطي مستقبلا.
لكن هذا الأسلوب أيضا فيه مثالب كما في سابقاته، كونه يرهن سيادة العراق لفترة غير قصيرة، عشرون عام، وربما يحقق أرباح عالية أو غير منصفة للعراق، وربما هناك مثالب كثيرة أخرى لا نستطيع الحديث عنها بشكل مفصل حاليا لأننا لم نطلع على النموذج المالي وشروط هذه العقود التي سميت بالنموذجية، وما نعرفه عنها هو الشكل العام فقط كونها لم تعلن لحد الآن بالكامل خوفا من الزوابع الإعلامية والمزايدات السياسية، ربما تكون قد تسربت إلى جهات معينة، للأسف لم استطع الحصول عليها. عملية التعتيم على نصوص هذه العقود هي التي خلقت هذه الحالة، وهذا الأمر يحسب على الحكومة والوزارة معا.
الحق يقال، ومن شكلها العام، تبدو أكثر إنصافا من عقود المشاركة بالإنتاج، ولكن عند قراءة التفاصيل ربما سيكون لنا كلام آخر، عموما هي في جميع الأحوال ليست أفضل من النموذج الثاني أي نموذج عقود الخدمة، ولكن من حيث المبدأ تمنح العراق حرية أكبر بالتصرف بثروته من عقود المشاركة بالإنتاج التي اختارتها حكومة كوردستان، على سبيل المثال وليس الحصر، لتكون النموذج الأفضل للتعاقد، وحقيقة أن هناك فرق كبير بين ""صيغة التعاقد"" و ""النموذج المالي"" لكل عقد على حدة، لأن الأرقام في النموذج المالي قد تغير من الصورة تماما رغم بقاء صيغة التعاقد واحدة، وهذا ما يحتاج إلى تقييم مالي حقيقي للأنواع الثلاثة من العقود على أيدي مختصين وليس مجرد مسائلة سريعة في جلسة برلمانية.
التوظيف السياسي للنفط جريمة بحق العراق:
وكما أسلفت، هو أني أقف مع الفريق الذي يؤيد عقود الخدمة ولست من المؤيدين لهذا النوع من التطوير كما أوضحناها في ثانيا أعلاه، ولكني ضد التوظيف السياسي لقضية النفط بالكامل، لأني أعتقد جازما أنها تضر بمصلحة العراق ضررا بالغا لا يمكن تعويضه.
لهذا السبب بالذات اتخذت موقف محايد وربما أقرب للدفاع عن الوزير رغم الحياد الذي ألزمت نفسي به، لأني أدركت أن هناك توظيف سياسي للنفط الهدف منه إسقاط الوزير وربما الوزارة برمتها من أجل تحقيق أهداف وغايات كنت قد لامستها ببعض الشرح المفصل في الحلقتين السابقتين وهذه الحلقة أيضا من هذه المقالة. وكنت قد كتبت أكثر من مقالة بهذا الشأن، أي يجب إبعاد السياسة عن النفط تماما لأنه المورد المالي والوحيد للعراق لعقدين قادمين على أقل تقدير، ومن هذه المقالات "إنا أهديناك النجدين" وأخرى بعنوان "يجب إخراج النفط من مطبخ التوازنات" وواظبت بشكل مستمر على التطرق لهذا الموضوع في كل مناسبة محذرا من مخاطر هذا النوع من التوظيف وعلى الجميع أن يفهموا أن ليس هناك مقدس أمام مصلحة الوطن.
من هنا، وما سنأتي على ذكره في السياق، يرسخ الاعتقاد لدي يوما بعد آخر من أن الدوافع وراء إسقاط الوزير، بدأت ومازالت، كيدية سياسية، وليست على أسس فنية واقتصادية صرف، ما عدا تلك الدراسة التي تقدم بها فريق من المهندسين المختصين في شركة نفط الجنوب، وحسب علمي المتواضع من خلال الاتصالات المباشرة مع الزملاء هناك أن الدوافع وراء مذكرة الفنيين في البصرة كانت فنية واقتصادية، لكن وللأسف تم توظيفها من قبل السياسيين لتحقيق أغراض أخرى، سياسية كيدية سيئة، لا ينبغي لها أن تكون، لكن السياسي لا يعرف المحرمات طالما أن الورقة التي بين يديه تحقق أهدافه، حيث دائما مثلهم الأعلى ميكافيلي ومبدأه ""الغاية تبرر الوسيلة"".
الاستضافة وليس المسائلة:
على هذا الأساس لا أجد أن وزير النفط لوحده قد توصل إلى هذه العقود، فهي خيار الحكومة بعد أن أشبعها العراقيون بحثا ودراسة ومؤتمرات وسجالات، كما لا أجد من الإنصاف دعوة الوزير للمسائلة على أنه مفسد إداريا أو ماليا، فهذه إساءة غير مبررة على الإطلاق، بل دعوته لتوضيح حقيقة هذه العقود وتقديم تفصيلات وشروحات عنها لأعضاء البرلمان، وهذا حق، لأن الاختيار قامت به مجموعة كبيرة من المختصين الفنيين والاقتصاديين والحقوقيين والسياسيين العراقيين وفي كثير من الأحيان لم يكن الوزير من بينهم، فأشبعوا الموضوع نقاشا، ومن ثم دخلوا بجولات تفاوضية مضنية مع الشركات الأجنبية للخروج بهذه الصيغة، قد تكون النتائج سيئة، وقد نرفض هذه العقود لأسباب غابت عن أذهان المفاوضين، ولكن يجب أن تجري الأمور بأسلوب أفضل من هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 26-4-2024 بالصاغة


.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”




.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو


.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج




.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة