الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغامرة بوش وشارون تعمّق الفوضى

يعقوب بن افرات

2004 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


المؤتمر الصحافي لبوش وشارون هو اعلان حرب على الشعب الفلسطيني؛ بانضمام بوش لمغامرة شارون، تكون القضية الفلسطينية قد عادت الى نقطة الصفر، بل ادنى من ذلك. فقد تحولت من مشكلة شعب لاجئ ومحتل الى مشكلة ارهاب. ان خطة شارون تشطب نهائيا السلطة كطرف مفاوض، الامر الذي يستدعي اعادة نظر داخلية في دورها؛ ولكن الافراز الاساسي للخطة المدمّرة سيكون اتساع رقعة الفوضى في الشرق الاوسط.

يعقوب بن افرات

المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان بوش وشارون في البيت الابيض في 14 نيسان، هو اعلان حرب على الشعب الفلسطيني. فقد وقف بوش الى جانب شارون، وربط مصيره السياسي بخطة الانفصال التي اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي انها ستكون "ضربة قاضية للفلسطينيين".

وخلافا لما يكرره الرئيس الامريكي من ان الانفصال هو جزء لا يتجزأ من "خريطة الطريق"، فان المحلل السياسي لصحيفة "يديعوت احرونوت"، ناحوم برنياع، وصحيفة الغارديان اللندنية، يؤكدان العكس ويعتبران الانفصال قبرا لخريطة الطريق.

وتماما كما حدث قبل عام عندما اعلن بوش الحرب على العراق على اساس ادعاءات كاذبة، ورغم معارضة الامم المتحدة ودول اوروبية مهمة، فانه يدخل الآن ايضا في مغامرة جديدة مع شارون. المغامرة المشتركة الكبرى مع شارون كانت احتلال لبنان عام 1982، للاهداف نفسها: تسديد "ضربة قاضية" للفلسطينيين وبناء الشرق الاوسط الكبير، وذلك من خلال انهاء الوجود السوري في لبنان، واجبار اللبنانيين على توقيع اتفاقية سلام مع المحتل. وقد انتهت هذه الطموحات الكبيرة بانسحاب قوات المارينز من بيروت وانسحاب اسرائيل من جنوب لبنان بعد عشرين عاما.

في خطأ التكرار وقع ايضا وزير الخارجية الامريكي، كولن باول. فقبل عام عارض باول حرب العراق بضغط من اوروبا ودول عربية عديدة، ولكنه التزم بقرار البيت الابيض ودافع عنه في الامم المتحدة. هذه المرة ايضا، رغم تحفظاته يضطر باول ان يفسر سياسة امريكية لا تقود الى اي مخرج، بل وتتعارض بشكل اساسي مع رؤية بوش نفسه، وتقطع الطريق امام اية مبادرات بديلة.

خطة الانفصال التي اقرتها امريكا، هي اعتراف بحق اسرائيل في الاستيطان، اي بالغاء قرارات الشرعية الدولية التي تنص على انسحاب اسرائيل لحدود 1967؛ كما انها تعطي اسرائيل الحق باجتياح المناطق الفلسطينية لقمع المقاومة، بمعنى انه رغم الانفصال الا ان الاحتلال باق الى اجل غير مسمى؛ واخيرا، تنكر الخطة على اللاجئين حقهم بالعودة وعلى الشعب الفلسطيني حقه بتقرير مصيره. بعد القضاء على المرجعية الدولية، تقترح الخطة ان يكون المصير الفلسطيني من الآن متعلقا بارادة شارون والحكومات الاسرائيلية اللاحقة.

لقد عادت القضية الفلسطينية الى نقطة الصفر، بل ادنى من ذلك. فقد تحولت من مشكلة شعب لاجئ ومحتل الى مشكلة ارهاب. ان دعم الرئيس بوش لخطة شارون، معناه قبوله المنطق الاسرائيلي الذي يقول ان سبب النزاع هو ميل الشعب الفلسطيني للارهاب، وعجزه عن بناء مؤسسات ديموقراطية. ان المقاومة العراقية والفلسطينية للاحتلال، في نظر الولايات المتحدة، هي عمل ارهابي يجب ان يعاقَب الشعب عليه. حسب رؤية بوش، المشكلة الاساسية التي يواجهها العالم ليست الفقر، الاستغلال، القهر، الاستعمار واستغلال مواردها الطبيعية، بل الارهاب.

محاولة بوش وشارون الظهور كمن يمسك بزمام المبادرة، لا تغير حقيقة ان الاثنين ارادا ان يكونا في وضع افضل بكثير. فقد عوّلا على ان يُثمر الهجوم على العراق عن إحداث تغيير استراتيجي في الشرق الاوسط. حسب هذا السيناريو كان المفروض ان يستلم ابو مازن من بوش وشارون "هدية" الانسحاب من غزة والدولة المؤقتة في 40% من الضفة الغربية. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

لقد جاء المؤتمر الصحفي في وضع تراجعت فيه المصداقية الامريكية داخليا ايضا. ولا شك ان ادارة بوش تمر باحلك المحن، اذ تُتهم بالعمى السياسي الذي جعلها تستهدف صدام حسين الذي لم يشكل خطرا حقيقيا، الامر الذي ورط امريكا في حرب كانت في غنى عنها، وخلق فوضى في العراق وصلت الى انتفاضة، أفقدت امريكا كل اوراقها السياسية هناك. وبالمقابل، افتُضح امر الادارة الامريكية في لجنة التحقيق في احداث 11 ايلول، التي اتهمتها بالتقليل من خطورة العدو الحقيقي، بن لادن والارهاب، الامر الذي عرّض الولايات المتحدة للهجمات الارهابية. المشكلة ان هذه الوقائع تضرب عرض الحائط بمساعي بوش الانتخابية، التي يحاول ان يبدو فيها الرئيس الذي يعرف كيفية ادارة الحروب وحماية الامن القومي الامريكي.

ويشكك الكثير من المراقبين السياسيين في حكمة بوش، الذي يريد بمغامرته مع شارون ان يضيف مزيدا من الفوضى للفوضى في الشرق الاوسط. فالخطة التي تبناها تقضي على الحوار، وتعترف بان الخيار الوحيد الذي بقي هو المواجهة.

لقد اصبح مصير الشعب الفلسطيني مجهولا، ولم يعد هناك اي جدول زمني، يبشر بنهاية المعاناة. ومن غير الواضح، والحال كهذه، على ماذا يستند الزعيمان الامريكي والاسرائيلي، عندما يعتقدان ان خطتهما ستضمن الامن والازدهار الاقتصادي للشعب الاسرائيلي. انهما يريدان كنس النزاع تحت السجاد، ولكن السجاد اقصر من ان يغطي نزاعا تاريخيا محوريا عمره اكثر من مئة عام.

الوعود التي قطعها بوش لشارون، هي نفسها التي اقترحها كلينتون على الجانبين في مفاوضات كامب ديفيد، والتي فشلت وانتهت بانفجار الانتفاضة عام 2000. الفرق النوعي، انه في حين حافظ كلينتون على اطار التفاوض، والسعي للوصول الى نتيجة من خلال الموافقة الفلسطينية، كسر بوش هذا الاطار الاساسي، ومنح اسرائيل كل ما تريد دون سؤال رأي الفلسطينيين. ان النتيجة المباشرة لهذا التصرف الارعن هو فراغ سياسي كبير لا ينذر الا بمزيد من الفوضى والدمار.

ان واجب القيادة الفلسطينية في هذا الوضع ان تقوم بمراجعة كاملة لادائها السياسي. فقد انتهى العهد الذي تمكنت فيه من تبرير سياستها الارتكان على الولايات المتحدة واعتبارها وسيطا منصفا. الدلالة الاهم على ذلك، انه في الوقت الذي كان شارون ينسق خطواته مع الامريكان، وقفت السلطة الفلسطينية موقف المتفرج، كما لو ان ما يحدث لا يخصها. والواقع ان خطة شارون تشطب نهائيا دور السلطة كطرف مفاوض، بعد ان قضت عملية "السور الواقي" على دورها المدني والامني، واعيد احتلال اسرائيل للمدن الفلسطينية وتم سجن عرفات.

علامة استفهام كبيرة تحوم الآن حول السلطة الفلسطينية، مما يستوجب اعادة النظر في وظيفتها. فلا هي مفاوِضة، ولا هي مقاوِمة اذ ان هذا اصبح دور مجموعات المقاومة المختلفة.

لقد كانت غاية مُراد ابو علاء عندما تولى منصب رئاسة الحكومة، ان يضع حدا للفوضى، ولكن شارون يريد تعميقها وادامتها. حسب المنطق الشاروني ما دامت الفوضى سيدة الموقف، لا حاجة للتفاوض. وسيعطيه هذا الامر متسعا من الوقت لتكثيف الاستيطان في المناطق الفلسطينية التي اهداها اياه بوش، وانجاز الجدار الامني الذي سيتحول الى حدود سياسية بمرور الوقت. الوقائع في الميدان هي التي ستحدد الموقف وليس الحقوق المشروعة او الشرعية الدولية.

ان الافراز الاساسي لخطة مدمّرة من هذا النوع، هو اتساع رقعة الفوضى في انحاء الشرق الاوسط، وليس انتشار الديمقراطية التي يغرد لها الرئيس الامريكي صبح مساء. ان افشال امريكا للقمة العربية، وتشجيعها للاحداث الدموية في سورية في مواجهة الاكراد، هما مجرد المقدمة لما يمكن ان يكون شكل "الشرق الاوسط الكبير"، بعد ان قتلت امريكا كل الآمال، وسدت الطرقات امام كل حل منصف يمكنه ان يضمن حقوق الشعوب العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام