الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد القشطيني في إقامته -على ضفاف بابل-

ماجد الشيخ

2009 / 6 / 22
الادب والفن


خالد القشطيني في إقامته "على ضفاف بابل"

رواية الهجرات والحنين
والنّكبات المزدوجة

من بغداد وإليها، مرورا بفلسطين وهي تنبني وتؤهّل، كتجمّع استيطاني لمواطنين يهود، كأفراد أو كمجموعات طوائفية بدأت تنتزع من نسيج بلدان عدّة، ليطردوا من بلادهم إلى وطن موهوم، تطوف بنا رواية (على ضفاف بابل) للكاتب والرّوائي الفلسطيني خالد القشطيني الصّادرة عن (الكواكب) رياض الرّيس للكتب والنّشر، في سرد دائري لاهث عبر تقسيم الرّواية إلى ستة عشر فصلا، استقلّ كل منها بعنوان خاص، في تتابع حركي حيوي دافق، يحيل إلى شكل من أشكال التّقطيع السّينمائي.

يمكن تلخيص الرّواية في مبتداها بمحنة إجتماعية، تبدأ من شكوك عائلة سميرة بحملها من إبن الجيران (حسّون إبن عبد العلي)، ولجوء أخويها إلى الدّكتور عبد السّلام ساسون للكشف عليها، وما إذا كانت فعلا حاملا منه، وإمكانيّة التّخلّص منها إذا ما كان الأمر كذلك. ولما كانت النتيجة أن سميرة كانت حاملا من حسّون، وبدلا من قتلها على يد أحد إخوتها، حسب العرف العشائري والعائلي، فقد فضّلت العائلة الإعلان عن فقدان إبنتهم، فيما كان الدكتور عبد السّلام يهرّبها إلى البصرة عبر أحد زملائه العاملين هناك في المستشفى الملكي، بينما كان حسّون يعاني عذابات وآلام البحث عنها، إلى أن يقوده ذلك أخيرا إلى التّجنّد في الجيش العراقي، ليرسل إلى فلسطين وليكون مصيره الأسر هناك. وفيما كان الدّكتور عبد السّلام يشهد تدهورا في حالته العقليّة والنّفسيّة، كانت أمور اليهود العراقيين تشهد هي الأخرى توتّرا؛ لجهة العمل على إجبارهم طوعا أو عنفا للهجرة من وطنهم إلى فلسطين الموعودة بان تصبح وطنهم، إلى أن يلتقي حسّون بالدّكتور في المكان الّذي ضمّهم سويّا؛ الأوّل كأسير حرب والثّاني كطبيب يشرف على صحّة الأسرى العرب، سهّل له الدّكتور طريق الهرب والعودة إلى العراق بعد أن يكشف له سر سميرة ووجودها في البصرة لدى زميله الدّكتور جورج مالك، الّذي لم يجده هو الآخر، بل ليستدلّ على مكان وجود سميرة في بيت للدّعارة، فيحرّرها منه، لينطلقا إلى المطار، في رحلة "نحو أيّ أرض في العالم لا يذبح فيه النّاس من تستجيب لنداء الحب أو يغتصبون جسمها وروحها ويستبيحون حياتها وكيانها".

هذه باختصار فحوى الحكاية التي حملت "على ضفاف بابل" على عاتقها سردها، نحو تحرير الحكاية من أسر أغلال العادات والتّقاليد الإجتماعيّة المتخلّفة، وفي ذات الوقت تحرير بشر الحكاية من أسر أغلال القهر العنصري، فكانت مهمّة التّحرّر مزدوجة، وهذا ما حدّده الرّاوي من البداية عبر إنحيازه لعدد من شخصيّاته المحوريّة كالدّكتور عبد السّلام.

تنبني الرّواية في العديد من مقاطعها كسرد بصري، خالقة نصّا حاذقا لم يكن يعوزه منذ البداية سوى اكتماله، واكتمال بنيته الفنّية كقصّة أو كحكاية طويلة، عملت تفصيلات السّرد الدّقيقة على تحويلها إلى رواية زاوجت بين الإجتماعي والتّاريخي، في ما أمكن للتاريخي أن يفيد في إيضاح أو إنضاج فكرة السّرد الرّوائي، لراو أنضج عمله في أتون ومعترك الحياة اليوميّة والتاريخيّة؛ لواقع إجتماعي كان يتحوّل على إيقاع نضوج وإختمار "الفكرة الصّهيونيّة" وتسريبها في واقع بلداننا العربيّة رويدا رويدا؛ بالسّياسة مرّة وبالعنف الموجّه مرّات ومرّات.

ولهذا أمكن للرّاوي العبور نحو العديد من المحطّات التي شهدتها أحداث التّرحيل القسري لليهود؛ من إصدار قانون إسقاط الجنسيّة، إلى عمليّة البساط السّحري – عمليّة عزرا ونحميّا – ودخول الحركة الصّهيونيّة وموسادها على خط زعزعة أمن الطّائفة اليهوديّة في العراق .. إلخ، حتّى أنّ الرّواية ذهبت حدّ إعتبار عزرا الكاتب – كاتب الرّواية التوراتيّة التّاريخية – " أوّل بوق يجاهر بالدّعوة إلى الصّهيونيّة، وقد ضغط على يهود بابل قبل نحو 2500 سنة للعودة من حيث أتوا إلى أرض إسرائيل وإعادة بناء كيانهم القومي والإحتفاظ بهويّتهم اليهوديّة"!! ( من الرّواية ص 159). وفي الرّواية العديد من مواضع نفي إدّعاءات ومزاعم الحركة الصّهيونيّة، التي لم يكن ليصدّقها كلّ يهود بلادنا العربيّة؛ لولا موجات التّعصّب الشّوفيني والدّيني التي قوبلوا بها؛ بفعل الدّعايات الأيديولوجيّة التّعصّبيّة والمعتقدات الزّائفة لعنصريين من الجانبين، كما وبفعل عمليّات التّفجير والإغتيال وأعمال العنف التي لجأت إليها منظّمات صهيونيّة، عبر أذرع إستخباراتيّة صهيونيّة وغيرها من أجهزة الأنظمة الحاكمة المتخلّفة يومذاك التي روّجت لـ "الوطن القومي اليهودي" على حساب الوطن الفلسطيني، من حيث أرادت على النّقيض من ذلك؛ أن تمنع قيام ذاك الكيان الغاصب، فكانت أعمالها وطرائق إشتغالها كمّن صبّ الماء في طاحون الأعداء.

ولئن جرت أحداث الرّواية في الأربعينات من القرن العشرين، فلإنّ بنية الرّواية ووعي راويها كسارد، ما كان بإمكانهما أن يتجاوزا تلك الحقبة، رغم أنّ السّرد في تضاعيفه كان يؤشّر إلى ما يتجاوز المفهوم الزّمني الّذي لعبت الرّواية على مسرحه لعبتها الأثيرة، في الإمساك بلحظة التوتّر الإجتماعي، وصولا إلى لحظات التوتّر السّياسي/الوطني الذي جعل (عبد السّلام ساسون) الشخصيّة المحوريّة في الرّواية يعكس وبأمانة كل لحظات التوتّر تلك، حتّى وهو يتماثل للشّفاء من نوبات الصّرع والجنون التي وضعته في مواجهة صراع مع الذّات، إلى الحدّ الّذي جعله يتخلّى عن البيت الذي منحته له الوكالة اليهودية في فلسطين بعد هجرته القسريّة إليها، لصاحبه الفلسطيني (عبد الغفور) المهاجر إلى أميركا، والّذي جاءه زائرا بعد نفيه وتشرّده.

عبد السّلام اليهودي العربي (العراقي) و (عبد الغفور) الفلسطيني، ليسا إسمان على غير مسمّى، فالدّكتور عبد السّلام ساسون وإن بقي وفيّا لإسمه، فلأنّه ربيب فكر عقائدي علماني، لم ينغمس يوما في عصبويّة دينيّة مقيتة، ولم ينس أصله العربي (العراقي)، علاوة على إيمانه بالسّلام؛ السّلام الّذي يحفظ ويحافظ على حقوق النّاس، أهل هذه البلاد الأصليين. وقد كان هو بمثابة القدوة كنموذج إيجابي جسّده عبر تخلّيه عن البيت الّذي منحته إيّاه الوكالة اليهوديّة، وتفضيله العيش في كوخ صغير على العيش في بيت مسلوب من أصحابه، حتّى أنّه يرفض تغيير إسمه حين طلبت دوائر الحركة الصّهيونية منه ذلك. أمّا عبد الغفور الفلسطيني المهاجر أو النّازح عن أرض وطنه، فإنّ غفرانه (الإنساني) لا يعني تخلّيه عن أرضه ووطنه وقبوله البقاء شريدا في الشّتات. رغم أنّه إستعاد بيت الطّفولة طوعا من شاغله اليهودي العربي (العراقي)، الذّي عبّر في لحظة من لحظات التّجلّي عن إمكانيّة أن يستعيد أصحاب الأرض أرضهم، وكلّ أصحاب الحقوق حقوقهم. ما عنى أنّ حنين الدكتور عبد السّلام ساسون إلى بغداده المفقودة معادل موضوعي لحنين الفلسطيني إلى فلسطينه المفقودة أيضا.. إنّها النّكبة المزدوجة؛ نكبة الفلسطيني التّي تجسّدت في إقتلاعه من وطنه، ونكبة اليهودي في إقتلاعه من وطنه ومن بلاده، ومحاولة زرعه في بلاد بعيدة، ليست هي وطنه ولن تكون مهما طال الزّمن.

الحنين الّذي تعبّر عنه (على ضفاف بابل) هو الحنين المزدوج في وجهيه؛ وجه الفلسطيني بكافة أطيافه لفردوسه المفقود، ووجه اليهودي الّذي أجبر على الرّحيل من وطنه وإحتلال وطن آخر، إحدى سماته وقسماته الأبرز التأكيد الدّائم على فردوس الأمن المفقود في تلك البلاد المحتلّة، رغم أنّ الرّواية لم تتخطّ زمنيا فترة أوائل سنوات الشّتات الفلسطيني أواخر أربعينات القرن الماضي.

"على ضفاف بابل" رواية دفق سردي لا تعوزه الكثافة أحيانا، إنّها شهادة للسّرد الّذي إستطاع إبتناء بنيته بعيدا عن الإفتعال، ما قاد تنامي أحداثها للتكوّر والإنصباب في أكثر من قالب واحد، قوالب ليست جاهزة، حتّى وهي تأخذ السّرد مرّة إلى طابع أفقي ومرّات إلى أشكال دائريّة، رغم ذلك فقد عاد الرّاوي إلى حنين التّرحال حتّى وهو يعيد تجميع روحه فوق أرض لا يبارحها الحنين.

هي بابل المعلّقة، إحدى عجائب العالم القديم.. والجديد، ولكن بشكل معاكس!! حيث إنقلب الغنى والتّنوّع والتّعدّد الّذي كانته بابل وأرض الرّافدين إلى إبتداع فنون القتل والإرهاب والتّشظي والتفتّت. لقد زخرت الرّواية بعبقها وأجوائها وحواراتها وتحوّلات أناسها بتمثّلات وتمثيلات ذاك الغنى والتّنوّع التعددّي الأصيل الّذي نفتقد مثيله في الواقع الرّاهن – على الأقل حتّى الآن – منذ أن عكست الرّواية أجواء الأربعينات من القرن الماضي؛ عالم من التّسامح والتعايش والمواطنيّة، عالم من تداخل الإعتقادات والمعتقدات الّدّينيّة ومعرفة حدود كلّ منها الإعتقاديّة والفقهيّة والشّرعيّة .. إلخ من رؤى إمتزجت فيها بساطة وفطرة المعتقد، على عكس ما بلغته حالنا اليوم، أو حال "بابل المعاصرة"، حيث الأيديولوجيا كانت كفيلة بإغراقنا جميعا تحت وطأة عالم ليس لنا، أو بالأحرى لم يعد لنا، إلإّ إذا استعدنا بابل القديمة من تحت ركام التّاريخ وتلك الأيديولوجيا التّاريخانيّة التي استطاعت تزييفه والتلاعب به وفق رؤى لا تاريخية.

*كاتب من فلسطين









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اتركوا لنا شيئا
غازي ( 2009 / 6 / 22 - 03:23 )
حتى القشطيني سرقتوه ونسبتوه لكم يا اخي خالد القشطيني كاتب عراقي وبغدادي الى مليون جد كيف صارفلسطينيا شيئ من الدقه والتحري ليس الا احتراما للقراء


2 - لا حول ولاقوة الا بالله العظيم
غازي ( 2009 / 6 / 22 - 03:43 )
الاخ ماجد الشيخ لقد غوغلنا لك خالد القشطيني واليك رؤيه اخرى للروايه غير الرؤيه الفلسطينيه بقلم سعد هادي الذي هو الاخر عراقي والله العظيم
اليك النص


خالد القشطيني على «بساط الريح»
يقدّم الكاتب العراقي خالد القشطيني في «على ضفاف بابل» وجهات نظر متطرفة ــــ أو غير متفق عليها ــــ في تفسير التاريخ، من خلال قصّة حبّ تدور عشية انهيار التعايش السلمي بين الطوائف في بلاد الرافدين

سعد هادي
يستعيد خالد القشطيني في «على ضفاف بابل» (رياض الريس) صورة مدينته بغداد في الأربعينيات، لا تغلبه النوستالجيا ولا الماضي، بل يبدو كأنّه يقدّم تقريراً أكثر مما يقدّم رواية متخيلة. وهو يتدخّل أحياناً ليقدّم معلومات لا يحتاجها القارئ العربي، ما يزيد من درجة التقريرية ربّما لأنّ الرواية كتبت أساساً بالإنكليزية. وفي بعض الصفحات، يقدّم أوصافاً أنثروبولوجية تبدو أقرب إلى ملاحظات المستشرقين النمطية والشائعة، «بغداد التي يشطرها دجلة إلى شطرين غير متساويين في الحجم وغير متشابهين في المزاج والأصول الأثنية».
في موضع آخر، يذهب القشطيني بعبد السلام ساسون الشخصية الرئيسية في الرواية إلى «محلة الفضل»، واصفاً تلك الرحلة بالمغامرة في دخول منطقة معروفة بميولها الشوفينية والطائفية، وما قام به أبن


3 - لا خلاف ولا اختلاف
ماجد الشيخ ( 2009 / 6 / 22 - 16:21 )
أخي غازي
تحياتي واحتراماتي
بالتأكيد لسنا بصدد سرقة انتماء أو هوية، وهذا على الأقل ما علق بذهني منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حين كان يعمل في مجلة ألف باء. وسواء كان القشطيني من هذه التابعية أو تلك أو من أصل هذه أو تلك من التابعيات العربية، فقد كان ممكنا الاستغناء عن ذكر جنسيته أو هويته، وهذا لا يغير في الأمر شيئا. وبالفعل هذا ليس مهما بالنسبة لي مطلقا، قدر اهتمامي بعمله الروائي، الذي يمكن قراءته وفق عدة مستويات تأويلية لأحداث أو لأشخاص الرواية، وقراءتي كما قراءة زميلنا سعد هادي دليل على مستويين تأويليين مختلفين، وهكذا على العموم كل النصوص المكتوبة، حتى التي يجري توصيفها بأنها مقدسة..
مع شكري وتقديري

اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها