الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (التوراة بين الحقيقة و الاسطورة و الخيال) لابراهيم ناصر

محيي هادي

2009 / 6 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في كتاب (التوراة بين الحقيقة و الاسطورة و الخيال) لابراهيم ناصر

تفتقد المكتبة العربية الكثير من الكتب، سواء كانت هذه الكتب علمية أو أدبية، تاريخية أو عصرية. و على الرغم من الزخم البشري و القوة الاقتصادية التي تتمتع بها الدول العربية مجتمعة، فإن حجم انتاج المطابع العربية، و الأجنبية، للكتب العربية لا يزيد على انتاج دولة وا حدة هي أسبانيا. علما بأن الفرد الأسباني لا يقرأ كثيرا كالفرد الألماني مثلا.

إلا أنه و على الرغم من هذا الفقر الكتابي فإنه تنتشر في الأسواق العربية كتب دينية كثيرة و تقتحم السوق و تغزوه بفضل قوة الدعم أو قوة الارهاب و التسلط الاسلاموي الذي يسيطر على مرافق الحياة في هذه الدول. و تمنع الكتب التي لا توافق مزاج الحاكم. و يصعب على المرء، و أحيانا يستحيل عليه، أن ينتقد ما تحتوي عليه هذه الكتب الدينية أو التحقيق في أمرها، إذ أن مؤلفي و داعمي هذه الكتب يقولون بأنها تستند إلى ما كتبه القرآن و ما حدّث به الرسول و ما قاله المتفقهون و العالمون و المتدنيون فيها .

و هكذا فإنه من الصعب جدا أن يصدر كتاب عربي و يسوق في المجتمعات العربية الاسلامية ينتقد فيه الوضع القائم، الديني أو السياسي أو الاقتصادي. فهذه المجتمعات تحكمها العقلية الفاشية الدموية و إن الكاتب الناقد قد يصل الحكم عليه إلى الإعدام، و ليس السجن فقط. و يتوكل أغبياء و جهلة المجتمع و غوغاؤه بتنفيذ الحكم عليه.

و في شمال العراق، على الرغم من رياح الديمقراطية التي هبت عليه، رأينا كيف يحاكم كاتبا كرديا، ذا جنسية نمساوية، و يصدر عليه حكما لمدة ثلاثين عاما بسبب انتقاده للحكام القابعين في كردستان. و لولا وساطة الحكومة النمساوية لما أطلق سراحه. و لكن! و بعد اطلاق سراحه قامت مجموعة يقودها ابن الرئيس الكردي مسعود البرزاني، و في فيينا، بالاعتداء على الكاتب و محاولة اغتياله.
إن المعتدين، هنا، ليسوا باسلاميين بل هم من العنصريين الفاشيين.

إن الاعتداء الاسلاموي العنصري كان يقومون به في الماضي، و لا يزال يقومون به في الحاضر، أعداء الكلمة. و هم بعملهم هذا لا يستطيعون أن يواجهوا الكلمة بالكلمة، بل يريدون خنقها و قتل و تصفية صاحبها.

لقد عرفنا، و نعرف، أن هناك مواقعا عربية مهمة تحجبها حكومات في عدة دول عربية-اسلامية عن القراء العرب، فعلى نهج الحجب سارت كل من السعودية و الامارات و عمان و البحرين و قطر...و كذلك لحقتها دولة سورية الاسدية البعثية. و اليوم حكومة ايران الاسلامية (جدا!) تقوم بذات الفعل لمنع الايرانيين عن مسايرة أخبار انتفاضة شعبهم العظيمة.
**

قيل: "لو خليت قلبت". و هكذا فقد كتب الكاتب العراقي (ابراهيم ناصر) كتابا بعنوان ( التوراة بين الحقيقة و الاسطورة و الخيال)، و طبعته له (دار الحوار للطباعة و النشر و التوزيع) في اللاذقية- سوريا. و هنا أسال لو أن الكاتب بدّل عنوان كتابه و جعل كلمة (القرآن ...) بدل كلمة (التوراة)، هل كان في امكانه طبعه و نشره في الاسواق العربية؟
**

على الرغم من قول الكاتب بأنه فيزيائي و أن كتابه "ليس بحثا في اصول الديانة اليهودية أو المقارنة بينها و بين الديانات الأخرى"، فإن قراءة الكتاب تؤكد لنا:
1) أنه بحث في صلب الديانة اليهودية و في كتابها: التوراة، و لو كان هذا البحث في جزء منه.
2) و ليس هذا فقط بل أن الكاتب، بشعور أو بدون شعور، مباشرة او بشكل غير مباشر، يبحث في الديانة الاسلامية. فالديانة الاسلامية تعتمد اعتمادا كبيرا و رئيسيا على الديانة اليهودية و تشرب من منابعها بنهم. فالأنبياء اليهود،من نوح إلى ابراهيم إلى اسحاق و مرورا بموسى و داود و سليمان و انتهاء بغيرهم هم أنبياء أجلاء و معصومون في نظر المسلمين، و قدسيتهم تصل إلى أعلى سماء المسلمين، لا بل أن المسلمين لا يوافقون عما يقول به اليهود بأن هناك من الانبياء اليهود قد أجرم أو أخطأ أو سرق. إن اليهود يقولون بأخطاء و بإجرام أنبيائهم و لهذا فهم يطلبون من الله العفو و المغفرة عن تلك الأعمال النبوية. أما المسلمون فإنهم لا يوافقون أقرانهم اليهود على ذلك.
**

يعطي الكاتب في كتابه رأيا بأن كثيرا من الاساطير التوراتية هي اقتباس من أساطيرحضارتي بلاد ما بين النهرين و بلاد نهر النيل، و بهذا فإن المتابع لأساطير العراق و مصر القديمة يؤديه في ذلك، خاصة و أن اليهود قد عاشوا بعد سبيهم، من قبل الملك البابلي نبوخذ نصر، في العراق و منهم من كان قد كتب التلموذ البابلي. و أن موسى، كاتب قسما من التوراة قد عاش في مصر.
وفي الحقيقة فإنني أعتبر كاتبي التوراة و غيرهم قد سرقوا كثيرا من الأساطير السومرية و البابلية و الأكدية و غيرها و جعلوها و كأن إلههم (يهوه أو الله أو غيرهما) قد نسجها. و لم يقوموا بالسرقة فقط بل و أيضا فإنهم حرفوا ما تعنيه كلمات كـ (بابل) فجعلوها تعني بأنها من البلبلة و ليست من أنها (باب أل) أو باب الإله. و هنا لا بد و أن أذكر أن كلمة الله قد تعني (أل أل). و من يقرأ الكتب الاسبانية فإنه يجد كلمة (أل) تعني (الله) القديم، و هي تعني أيضا (هو).

و عند ذكر سبي اليهود –إن كانوا في ذلك الوقت يسمون باليهود- أود أن أكتب ما كتبه المؤرخ العراقي الكبير الدكتور جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام) بأن:
........... "النبي –بارخيا- هو الذي أشار على نبوخذ نصر بغزو –حضور-.
............ و قد كان كاتبا للنبي –أرميا-. ذهب إلى بابل و قابل الملك، ثم عاد
............ حيث هاجم –نبوخذ نصر- القدس و استولى عليها بتحريض من
............ هذا النبي ، نبي العبرانيين."

لأذكر بعض الاساطير التي سرقتها التوراة من الاساطير القديمة، و لأؤكد بأن التوراة ما هي إلا أساطير الأقدمين:

* فأساطير بلاد مابين النهرين تشبه الإله بالإنسان، و هكذا التوراة.
* و إن فكرة خلق الكون التي تذكرها ألواح (أنوما أليش - هكذا كان في الأعلى) قد سرقها كتاب التوراة.
* و أن قصة السموات السبعة مستقاة من تراث وادي الرافدين.
* و أن حكاية الطوفان في ملحمة گلگامش قد حرفتها التورا ة، و من بعدها وافق القرآن التوراة، لتصبح قصة طوفان نوح.
* و أن قصة الحية التي أغوت آدم مأخوذة، بل مسروقة، من الأساطير المصرية.
* و أن عملية تقديم القرابين كانت معروفة و شائعة في حضارتي وادي الرافدين و وادي النيل. و هكذا فإن ابراهيم الذي أراد ذبح ابنه اسحاقا، أو اسماعيلا، كان يريد تقديم قربانه على الطريقة التي كان يعرفها سابقا. فالتضحية بالأرواح البشرية كانت تمارس في هذين الواديين و غالبا ما كان الملك أو زعيم القوم يضحي بابنه،عندما يتعرض هو أو شعبه لكارثة أو خطر، استرضاء للإلهة و استدرارا عطفها أو رد غضبها.
* و أن قصة موسى ورميه في النهر مستقاة من اسطورة الملك الأكدي سرجون.
* و و و..

**
طبع الكتاب في 367 صفحة و قد أعطى الكاتب في البداية نبذة عن التوراة و التلموذ و عن كتب يهودية أخرى. و قد قسم الكتاب إلى عدة أقسام لم يعط لها اسم فصل، بل استخدم كلمات توراتية ليبتدئ بها أقسامه. فاستخدم مثلا:
- تكوين: الاصحاح الأول.
- خروج: الاصحاح (1و2)
-لاويين: الاصحاح الأول.
-العدد: الاصحاح التاسع عشر.
- النثنية.
يشوع.
- القضاة
... و هكذا...

و قدم بعض الشيء عن ممالك و ملوك شعب اسرائيل. و غيرها

إن الذي جلب انتباهي هو الحساب الذي قدمه الكاتب عن قِطع الأخشاب و الأحجار و أوزان المعادن و مساحة الارض التي أعتمدت عليها التوراة تشرح كيفية بناء المعبد الاسرائيلي، أو هيكل الرب. و بحساب الكاتب يظهر لنا مدى المبالغة و الكذب الذي تقدمه التوراة لقرائها.

فمثلا تذكر التوراة أنه اشتغل لعمل المعبد 183.300 عامل، كل هذا العدد الهائل من العمال من أجل بنا ء معبد، الجزء الرئيسي فيه قاعة طولها 60 ذراعا و عرضها 20 ذراعا و ارتفاعها 30 ذراعا.
و استغرق العمل لانجاز البناء سبع سنوات، أي 234.165.750 يوم عمل.
ثم ذكر الكاتب عدد الاحجار التي استخدمت من أجل البناء فقدرها بـ 204.400.000، و بهذه الكمية الهائلة من الأحجار يمكن بناء جدار يفوق جدار الصين العظيم بأربعة أضعاف.

**

إن الكتاب جدير بالقراءة، و هو حقا كذلك لكل من يريد أن يبحث و أن يقرأ و أن يفكر.

**
أسبانيا
23/06/2009















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا